أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محسن ظافرغريب - مذكرات صدامGenet















المزيد.....


مذكرات صدامGenet


محسن ظافرغريب

الحوار المتمدن-العدد: 2813 - 2009 / 10 / 28 - 19:33
المحور: سيرة ذاتية
    


مذكرات لص" لـ"Jean Genet": سأله القاضي" هل تعلم ثمن الكتاب الذي سرقت؟ "، أجابه Jean Genet قائلاً: "أعرف قيمته لاثمنه!".
ذاك"Jean Genet": الذي ألقى القبض عليه لسرقته طبعة نادرة من كتاب"أعياد رقيقة" لفيرلان.. Genet قائلاً:" كلما كبر ذنبي بنظركم
.. صارت حريتي أكبر!. من البديهي أن أتجه صوب المحرومين وأولئك الذين يبلورون جيداً حقداً ضد الغرب"، الثورة الجزائرية(أيار1968م)
، الفهود السود في الولايات المتحدة الأميركية(عام 1507م، أطلق الجغرافي الألماني "مارتين فيلدزميلر" في خريطته أسم America لأول مرة على قارة الهنود الحمر المكتشفة حديثًا، مشتق من اسم البحار الإيطالي "أمريكو فيسبوتشي"، الذي أعلن عام 1501م اكتشاف قارة جديدة، مؤكدًا أنها سواحل شرقي آسيا كما ظن "كريستوفر كولومبس" قبله بأعوام)، Genet أول الذين دخلوا مخيمات"صبرا وشاتيلا" في أيلول 1982م
، بعيد مجزرة إسرائيل بمساعدة ميليشيات لبنانية موالية لها. وقف Genet صاحب“البلكون” و“العبيد” و“مذكرات لص”، رفقة صديقته ليلى
شهيد. “مذكرات لص” للمترجم الفلسطيني "أحمد عمر شاهين".

تأثراً Jean Genet بالكاتب المنحرف(جوهاندو)، الذي إلتقاه خلال سجنه عندما قال له:" إن السجن ليس سجناً، بل هو المهرب والحرية، ففيه يستطيع الإنسان الهرب من تفاهات الحياة كي يعود لجوهرها. وعندما قال Genet: إنه يتوق للإقلاع عن السرقة وكسب قوته عن طريق التأليف والكتابة. فإذا بجوهاندو يعترض على ذلك قائلاً: يا صديقي إنه من المؤكد إنك تمتلك نوعاً من الموهبة في الكتابة، لكن لاتحاول إحترافها وإلا أفسدت كل شيئ!، وإذا شئت أن تصدقني فينبغي لك الإستمرار في السرقة!!".

قبل قرن من الزمن المأزوم(1910-2010م)، ولد"Jean Genet"، في 19 كانون الأول 1910م، تحت وصاية المؤسسة العامة لرعاية اللقطاء، عهدت به لزوجين في قرية"لينيي"، حتى بلغ الرابعة عشرة، ولم يتوصل لمعرفة شيئ عن أصله حتى بلغ سن العقل الحادية والعشرين، وحصل على شهادة ميلاده. كان اسم والدته"غابرييل غينيه" والأب مجهولاً، والعنوان: 22 شارع"داساس". قال في داخله: " سأعلم شيئاً عن أصلي من هناك"، وحين ذهب وجد عنوان مستشفى ولادتة، ورفضوا تزويده بأية معلومات!.

يوميات صادرة عن دار "شرقيات" بالقاهره بالعربية، يعرِّي "Genet" نفسه تماماً ليؤكد أنه لم يكتب سوى ما أعتنقه سلوكاً ومذهباً في الحياة، وما أعتقده موقفاُ إيجابياً منصفاً لقضايا المشردين واللاجئين والمنبوذين المضطهدين، ليبرز في كل كلمة أن الأطراف المتعارضة لها المشاعر نفسها، ويثبت أن الشر شعور موحَّد لدى الجميع، وقاسم مشترك بين جميع الأطراف المعنية بالصراع. والتزاماً منه بقضايا التفرقة والظُّلم، اتجه "Genet" إلى الشرق الأوسط ليحيا مع الفلسطينين في مخيماتهم، وشاهد موت الأطفال جوعاً أمام أمهات منكسرات ضعيفات بغياب رجال مناضلين، وقدم للنَّشر قبل وفاتة سنة 1986م، مؤلفه الضَّخم عن الثَّورة الفلسطينية بعنوان"الأسير العاشق". عكف على كتابته بين عامي 1984 - 1986م، لاستعادة نحو عامين بضيافة الفدائيين الفلسطينيين في "علجون" (الأردن) خاصة، مطلع عقد سبعينات القرن الماضي، و الجولان آنذاك، وفترات لاحقة، في أقطار المغرب و لبنان و سوريا. في الخيم منحه الفلسطينيون اسما حركيا:"ملازم علي"، وتصريح مرور يخول له الانتقال بين جميع حركات ومجموعات المقاومة، ليصدر عن دار "غاليمار" في فرنسا، القضايا التي تناولها، سوى كتاب "جان بول سارتر" عنه وعنوانه"ممثلاً وشهيداً"، ويقع في 690 صفحة. ومن ثم يرى "سارتر" في "Genet" الشخصية الوجودية الكاملة، من لقيط في ملجأ، لشريد لص، لسجين هارب، وقد التمس له "سارتر" العفو مرة لدى رئيس الجمهورية!.
يؤكد "Genet" أنه نشأ في رعاية بعض الفلاحات في "لومور ڤان" حيث كان كلَّما مرَّ بزهرة "الجينية" التي تزهر في الأراضي البور شعر بوشائج عميقة تربطه بها خاصة لدى:" عودتي في الأصيل من زيارة أطلال "تيفوچ"، حيث كان يعيش "جيل دوريه" فأرنو إليها بخشوع ومحبة، ويبدو أن مشكلتي تكمن في الطبيعة التي تحكَّمت في عاطفتي، واتسقت معها، فأنا وحيد في هذا العالم، ولست متأكداً إذا كنت ملك هذه الزهور أو شيطانها، فهي تبدي لي الإجلال حين أمرّ فتنثني دون انحناء، لكنها تعرفني، وتدرك أني كيانها المتحرِّك وممثلها الرَّشيق هازم الرِّياح. هي شعاري، ومن خلالها تمتد جذوري في تلك التُّربة الفرنسية التي تغذَّتْ على العظام المسحوقة للأطفال والشَّباب الذين ضاجعهم "جيل دوريه" ثم ذبحهم وأحرقهم (..)، وهكذا عبر اسمها الذي أحمله، أصبحت المملكة النَّباتية هي أليفتي، أنظر إليها باحترام لا بشفقة، فهي أفراد عائلتي
، وإذا ربطت نفسي بالممالك السفلى، فإن هبوطي هناك، كان لأجل الطحالب ونبات السرخس ومستنقعاته، وابتعدت أكثر عن البشر".
لم يقرر أن يصلح لصاً، لكن في فترة معينة من حياته، قاده كسله وأحلام يقظته إلى الإصلاحية، حيث كان من المفترض أن يظل هناك حتى سن 21 ، لكنه هرب، وسجل نفسه متطوعاً في الجيش لنصف عقد من الزمن الصعب، ليحصد مكافأة التطوع الاختياري، لكنه بعد فترة هرب حاملاً معه بعض الحقائب الخاصة بضباط زنوج!. من ثم، يعيش فترة طويلة على السرقة، لكنه يغير حياته فجأة، ويصبح داعراً، فالدعارة – على حد تعبيره – كانت أكثر مناسبة لبلادته، كان وقتها في العشرين، وحين ذهب إلى إسبانيا كان قد عرف الجيش، والاعتبار الذي يمنحه الزي للفرد، والانعزال عن العالم الذي فرضته الجندية، وقد أعطته مهنة الجندي ذاتها سلاماً معيناً وثقة في النفس، رغم كون الجيش على هامش المجتمع.
سلسلة من التمرد والتوقيف: تجرع الولد المراهق مرارة السجن للمرة الأولى في معتقل (لاروكيت، حيث أمضى ثلاثة شهور في زنزانة. ولما خرج، أعيد احتجازه لركوبه القطار دون تذكرة بين باريس وبلدة "مو"، وقد عهد به القاضي للإصلاحية الزراعية في "ميتراي"، ولكي يغادر الإصلاحية، استبق Genet استدعاءه للخدمة العسكرية وتطوع في الجيش لمدة سنتين. وفي عام 1930م سافر إلى سوريا وأقام في دمشق حيث ساهم في تشييد قلعة عسكرية صغيرة وفي السنة التالية عاد للحياة المدنية وقام بأولى رحلاته إلى إسبانيا قبل أن يتطوع مجدداً في الجيش ويسافر للخدمة في المغرب.
بعد انتهاء الخدمة العسكرية، عاد ليتسكع في إسبانيا، ثم ليتطوع وليتخلف عن الالتحاق بالجيش ويعتبر هارباً من الخدمة. وللتخلص من الملاحقة، قام Genet برحلات واسعة في أوروبا، وحال عودته إلى باريس عام 1973م ارتكب عدة سرقات تافهة (مناديل وقمصان وكتب) وسدد ثمنها من حريته حيث كان يقبض عليه ويحاكم ويسجن.
عام 1942م، في السجن كتب"سيدة الأزهار"، وقرأ النص جان كوكتو بعد ذلك بسنة، وبفضله تعرف Genet لأول ناشر في حياته (بول موريهيين".
وبسبب تكرار السرقات كان يتهدده خطر السجن المؤبد، لكن كوكتو تدخل لصالحه واصفاً إياه في المحكمة بأكبر كاتب في العصر الحديث. وعن قصة سرقة كتاب فيرلان"أعياد رقيقة"، فقد انتهت بثلاثة أشهر من السجن، كتب خلالها"معجزة الوردة"، وبفضل عديد المناشدات، أطلق سراحه
عام 1944م فكتب "دفن الموتى"، بعد أن فجع بمصرع صديقه المقاوم الشيوعي الشاب"جان ديكارنان"، توالت بعد إذ مؤلفاته. وكتب" شعار الجنازة ".
لم يكتف بالكتابة، أراد تجريب السينما، فأخرج عام 1950م فيلمه الوحيد "أنشودة حب". بعد سنة بدأت "دار غاليمار" نشر سلسلة "الأعمال الكاملة ل Jean Genet" وقدم للجزء الأول منها "جان بول سارتر" بمقدمة طويلة بعنوان:" القديس Genet، المتمثل والشهيد) ومن يطالع أعمال Genet يلاحظ الحضور المتكرر لإصلاحية (ميتراي) الزراعية التي كانت بمثابة معسكر لاحتجاز الأطفال الخارجين على القانون. لقد ورد ذكرها في "يوميات لص"، وفي "معجزة الوردة"، بل إن Genet قال في مقابلة مصورة أجراها معه برتران بوارو ديلبيش أواخر حياته، أنه تعلم الكتابة في "ميتراي" لايفضل التعليم الفقير الذي تلقاه هناك، إنما لأنه اكتشف فيها بالمصادفة، ديواناً لرونزار، الشاعر الذي هداه لرهافة اللغة.
تعرف Jean Genet على "عبدالله" عام 1955م، وكان الأخير لاعب سيرك لم يبلغ العشرين من العمر، أصبح أكثر أصدقائه حميمية، كتب عنه" البهلوان"، نص يتغنى بقدرة الفن على مواجهة الموت. وإثر انتحار "عبدالله البهلوان"، مر الكاتب بأزمة عميقة ومزق العديد من مخطوطاته، بينها مسودات كتاب عن الرسام الهولندي"رامبرانت"، ثم أنقذ منها نصين جمع قصاصاتها بناء على نصح"يول ستيفنان"، نشر بعنوان
"ما بقي من رامبرانت الممزق مربعات صغيرة منتظمة والمرمي في المرحاض".
وعد Genet لياسر عرفات: اتجه Genet إلى الكتابة السياسية في وقت متأخر، ونشر مقاله السياسي الأول"عشيقة السنين" في مجلة "لونوفيل وأبزر فاتور" ربيع 1968م، وفيه أثنى على زعيم انتفاضة الطلبة آنذاك "دانييل كوهين - بندي". وفي العام نفسه سافر Genet إلى الولايات المتحدة الأميركية، بدعوة من مجلة "اسكواير" وأعلن تأييده لحركة الفهود السود التي تدافع عن حقوق الأميركيين من أصول أفريقية. وفي عام 1970م قابل "ياسر عرفات" ووعده بتقديم الدعم للقضية الفلسطينية. وبفضل اهتمامه بالفلسطينيين كان واحداً من أوائل الغربيين الذين دخلوا "مخيم شاتيلا" بعد المجزرة التي نفذتها الكتائب عام 1982م وكان من نتائج تلك الجولة نص كابوسي بعنوان"أربع ساعات في شاتيلا"!.
كان Genet مريضاً عندما عاد، للمرة الأخيرة إلى الأردن عام 1984م ودأب على كتابة "أسير عاشق"، وفي النصف من نيسان توفي في حجرة صغيرة بفندق باريسي حيث كان يصحح مسودات الكتاب ودفن في بلدة "العرايش المغربية"، مقابل البحرية في البلد الذي أحبه وعاشر أهله.
عام 1934م يحيا "Genet" فترة طويلة من التشرد في بلاد الأندلس، في الليل، وبعد تسول بعض النقود في إحدى القرى العديدة هناك، يواصل السير في الريف، كان يستلقي لينام في قاع خندق، فتتشممه الكلاب، وتزيد رائحته النتنة من عزلته، ويعلو النباح حين يغادر مزرعة ما، أو يصل إلى أخرى، يقول "Genet":" كنت أتساءل وأنا أقترب من بيت أبيض محاط بحوائط بيضاء مغسولة: هل أقدم أم أحجم؟!". ويفضي السؤال إلى أن تردده لم يكن يطول، فسوف يواصل الكلب المربوط عند الباب نباحه، ومن ثم يقترب، وبلغة إسبانية رديئة، يطلب من المرأة التي ظهرت لدى الباب قطعة نقود، ولكونه أجنبياً وغريباً، كان يتكئ على بعض الحماية، ولو رفضت المرأة التصدق عليه، فهو يغرف تماماً ما سوف يفعله:" أنسحب ورأسي محني، ووجهي بدون أي تعبير". ولم يجرؤ أن يلاحظ جمال تلك البقعة من العالم، فما بالك بالبحث عن سر ذلك الجمال، والخداع الذي وراءه والذي سيكون المرء ضحيته إذا وثق به!
إن "Genet" في هذه اليوميات بشفافية، فيقول:" كلما كبر ذنبه في عيوننا، افترض أن تكون حريته أكبر، وعزلته أكثر كمالاً وتفرداً، فذنوبه أكسبته حق الذكاء ومن ليس له الحق في ذلك؟!".
مضى "Genet" متشرداً في العالم، وسجن في كل قطر من جنوبي "الإتحاد الأوربي" زاره تقريباً، وبعد عشرة أحكام بالسجن في فرنسا وحدها، حكم عليه بالسجن مدى الحياة، ما جعل وفداً مكوناً من كبار كتاب فرنسا، وعلى رأسهم"جان بول سارتر" و"جان كوكتو" و"آندريه جيد" يوجهون عريضة إلى رئيس الجمهورية للإفراج عنه عام 1947م، ويخرج "Genet" ليقدم إبداعاته في المسرح:" رقابة مشددة"(1948)، "الخادمتان" (1950)، "الشرفة" (1957)، "السود" (1960)، "الستارات" (1961)، وفي رواية:"سيدة الزهور"(1947)، "شجار بريست" (1953)، "طقوس الجنازة" (1969)، وفي المذكرات:"يوميات لص"(1949)، وفي الشعر ديوان واحد (1945م)، وكتابه الأخير "الأسير العاشق" (1986)، ليموت في آخر مواقفه التمردية على العالم عام 1986م،
من قصيدة بهلوان الحبال
أحكي له كاميليا مايير – [ ... ] كانت كاميليا مايير ألمانية – ربما كانت في الاربعين من عمرها, عندما رأيتها. في مرسيليا, كانت ترفع حبلها على بعد ثلاثين مترا من المبالط, في ساحة الميناء – القديم. كان ذلك ليلا. كانت كشافات الضوء تضيء هذا الحبل الافقي الذي يرتفع ثلاثين مترا. حتى تصل اليه كانت تمشي على حبل مائل طوله مائتي متر وكان ينطلق من الارض. عندما كانت تصل الى نصف طريق هذا الانحدار – و حتى ترتاح قليلا – كانت تضع ركبتها على الحبل وتحتفظ بالعصا الطويلة الميزان على فخذها. ابنها (كان يناهز السادسة عشر) الذي كان ينتظرها على مصطبة صغيرة, كان يحمل اليها كرسيا عند منتصف الحبل, و كانت كاميليا مايير تأتي من الطرف الآخر على الحبل الافقي. تأخذ ذلك الكرسي الذي كان لا يرتاح على الحبل الا على ساقين فحسب, ثم تجلس عليه. وحدها. تنزل منه وحدها .. في الاسفل, تحتها , كل الرؤوس كانت منحنية , الايادي تخفي العيون . هكذا كان الجمهور يرفض مجاملة الاكروبات: بذل مجهود بالتحديق فيها عندما تشارف على الموت.
- و انت, قال لي, ماذا كنت تفعل؟
- كنت أنظر اليها. لاساعدها, لاحيّيها لانها ذهبت بالموت الى حواف الليل, لمرافقتها في سقوطها و في موتها.
كتب نص شعره الأول المحكوم بالإعدام وهو في زنزانته، وحيداً ليس في حوزته إلا قريحة شعرية قَل نظيرها، جعلت منهُ سليلاً لكبار الشعراء الفرنسيين أمثال بودلير، لوتريامون، ستيفان مالارميـه وآرتير رامبو. فرادة العبارة الشعرية عند جينيه، كانت السبيل له لكسر قضبان السجن والخروج من ظُلمته إلى وَضحِ النهار، وهو الذي كان قاب قوسين من عقوبة السجن المؤبد، لتعاطيه السرقة ولارتكابه، وعلى نحوٍ متكرر، العديد من الجُنَح والمخالفات القانونية.
لدى اكتشافه المؤلفات الشعرية والروائية لجينيه السجين، قام جان كوكتو بحشد الوسط الثقافي الباريسي للدفاع عن هذا الأخير، آخذاً على عاتقه المبادرة بتوقيع عريضة تحمل أسماء كبار الكتاب الفرنسيين لرفعها إلى الإليزيه، بغرضِ التماس العفو الرئاسي في حق رامبو الثاني ، كما أطلق كوكتو يومـاً اللقب على جينيه. من أوائل الأسماء التي اعتلت هذه العريضة، كان اسما جان بول سارتر وميشيل ليريس، في حين امتنع فرانسوا مورياك وألبير كامي عن التوقيع. وفي نهاية المطاف، تم العفو عن جينيه وإطلاق سراحه بعد إقامته ما يقارب التسعة أعوام في الحبس، كتب خلالها أولى قصائده واثنين من أعمالـه الروائية، نوتردام دي فلور و معجزة الوردة . ولتعريف القارئ العربي بأولى قصائد جينيه التي أهداها إلى رفيق سجنه موريس بيلورج، اخترنا هذه المقاطع من ديوان الشاعر الصادر عام 1999م عن دار النشر "غاليمار" في باريس.

الريحُ التي تدحرج قلباً على بلاطِ الباحات
ملاكٌ ينتحب معلقاً على شجرة
عمودُ اللازورد الملفوف بالمرمر،
فتحوا في ليلي
بوابات نجـاة.
***

عصفورٌ حزين يقضي نَحبهُ
وطعمُ الرماد،
ذكرى عين غافية على الجدار
وهذه القبضة الموجعة التي تتوعد اللازورد،
أنزلوا في باطن كفي
مُحيـاكَ.
***

غارقٌ بالبكاء،
هذا الوجه الأقسى والأخف من قناع
لهو أثقل على يدي
مما هي على أصابع النشال
الجوهرة التي يسرق.
إنه مكفهر وصارم، تغطيه كالقبعة
باقةٌ خضراء.
***

وَجهُكَ العابس: وجهُ راعٍ إغريقي.
لم يزل يغلي في باطن كفيَّ المغلقتين.
ثغركَ، ثغرُ امرأةٍ ميتة
حيث عيناكَ، هُم وردتان
وأنفكَ أنف كبيرالملائكة
لربما هو المنقار.
***

الجليد المُتَقد لخفرٍ بغيض
يُلَطخُ شَعركَ بنجومٍ رصاصية مضيئة،
يُتوجُ ناصيتك بأشواكِ الورد،
أيّ ألمٍ عظيم أذابه
إنْ مُحياك شدا؟
... ... ...

من أين تنثرُ كسلطانٍ،
الأسحار البيض
التي تنهمر كالثلج على نَادِلي
في سجني الأبكم :
الهلع، الموتى في أزهار البنفسج،
الموت ورجاله الشَبِقون!
أشباح عُشاقه!
... ... ...

على قدميهِ المخمليتين
يمرّ حارسٌ يتجول.
أرِحْ ذِكراكَ في عَينيَّ الغائرتين.
فقد يتثنى لنا الهرب عبرالسقف.
يقالُ بأن الغُويّـان
هي أرض دافئة.
... ... ...

آهٍ يـا عذوبة السجن المحال البعيد !
آهٍ يـا سماء الحسناء
آهٍ البحر والنخيل
الصباحات الرقيقة، الأماسي المجنونة والليال الساكنة،
آهٍ الشَعر المحلوق
و بَشَرةُ الساتان.
... ... ...

آهٍ، هلمّي يا سمائي الوردية،
آهٍ يا سلتي الشقراء !
زوري في ليلهِ، مَحكومكِ بالإعدام.
اخلعي عنكِ الجلد
اقتلي، احتدِمي، عـضّي
لكن تعالي!
ضعي وَجنتكِ على رأسي المدور.
... ... ...

يا أرواح قَتلاي!
اقتلوني! احرقوني!
مايكل أنجلو منهك القوى،
لقد نَحتُ
في الحياة الدنيـا
ولكني يا مولاي
كنتُ أبداً
خادمـاً للجمال،
جوفـي، رُكبَتاي
ويداي وردية من الهَياج
... ... ...
سامحني يا ربي لأني عَصيت!
دموع صوتي
حمّايَ، مُكابدتي
ومَشقة الهروب من البلد البهي فرنسا،
مولاي
ألا يكفي هذا
كي أمضي للخلود إلى النوم.
يا سيد الأماكن المُعتمة
لم أزل أُجيدُ الصلاة
وأنا أترنح مترجّيـاً،
بين ذراعيكَ الفواحتيْن ِ بالطيب،
في قصوركَ الثلجية!
ها أنذا يـا أبي
الذي أطلقتُ الصراخَ يوماً :
المجدُ في أعالي السماء
للإله الذي يَحرسني،
خفيف القدم
هِرْمس.

بهلوان الحبال ص 117
غاليمار (1999م).
*** *** ***

ابن أبيه، مسخ ولد في قرية العوجة بتكريت، ليتعذب فيها ويدفن، تشرد وسرق فيها وتجرع المراهق مرارة السجن للمرة الأولى، وفي الجعيفر من مدينة بغداد التي وفد إليها بعقلية القريةو بعقدة الدونية والإحساس بالاضطهاد، لينحرف ويعذب معه مدن الحزن التي مازالت تعاني الإعوجاج ولم تقلها سنوات الدعاة العجاف السبع من وضعها الشاذ بعد. كان صدام أيضا سجينا محكوما بالإعدام، سوى أنه كان يهوم، كأي جانح طارىء على الأدب، يجترح نظما مصنوعا مغرق بالادعاء والتهافت وأخطاء العروض واللغة والإملاء، ليعبر عن بؤس الوغد الذي تبغدد، بسحنته الجلف الجافية، وبلسانه الذي ظل معوجا مسكونا بقريته مدفنه العوجة!.
صدر الجزء الاول من مذكرات صدام الذي احتوى على مذكراته منذ نصف قرن الزمن الردىء 1959م الى تسلمه السلطة والحروب التي خاضها لحين سقوط بغداد واعتقاله من قبل الجيش الاميركي ثم اعدامه، حسبما افاد محاميه ومؤلف الكتاب خليل الدليمي.
وقال الدليمي الذي التقى 144 مرة بصدام حسين منذ اعتقاله حتى قبل ايام قليلة من اعدامه في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس ان "الكتاب الصادر عن +دار المنبر للطباعة المحدودة+ في الخرطوم يحمل عنوان +صدام من الزنزانة الاميركية.. هذا ما حدث+ ويتألف من 480 صفحة و27 فصلا وملاحق وصور مختلفة لصدام وعائلته".
واضاف ان "الكتاب يتضمن مذكرات صدام ابتداء من عام 1959م الى حين تسلطة والحروب التي خاضها والعلاقات العراقية-الاميركية".
وتابع ان "الكتاب يتطرق كذلك الى مشكلة الاكراد وتأميم النفط العراقي والحرب العراقية-الايرانية (1980-1988م) وموضوع الكويت ومن الذي كان السبب في كل ما جرى بتفاصيل دقيقة" في اشارة الى الغزو العراقي للكويت في الثاني من آب 1990م.
واوضح الدليمي ان "هذه المذكرات اخذتها من صدام شفويا لان الاميركيين كانوا يمنعون أي تداول للاوراق بيني وبينه فأضطر ان يحدثني عما جرى شفويا كي ادونها حال مغادرتي له".
وأشار الى ان "صدام يتطرق في مذكراته الى اللقاء الذي جرى (قبل غزو الكويت) مع السفيرة الاميركية لدى العراق (ابريل غلاسبي) واحداث 11 ايلولفي نيويورك، اين كان صدام وكيف سمع الخبر ولماذا لم يرسل برقية تعزية للاميركيين".
وقال ان "الكتاب يتطرق كذلك الى سقوط بغداد في 9 نيسان 2003م بالتفصيل واسباب هذا السقوط". واضاف ان" الكتاب يتضمن فصلا كاملا عن قائد الحرس الجمهوري الفريق اول الركن سيف الدين الراوي الذي تحدث عن معركة المطار" في اشارة الى مطار بغداد الدولي.
واوضح ان "الكتاب يتطرق كذلك الى ظروف اعتقاله وحياته داخل المعتقل وكيف كان يقضي يومه كانسان عادي".
ورفض الدليمي اعطاء المزيد من التفاصيل عما يتضمنه الكتاب، وقال "ادعو كل الناس الى اقتناء نسخة من هذا الكتاب كي يطلعوا على كل الحقائق كما هي من فم الرئيس الراحل صدام حسين". واشار الى ان "صدام تحدث عن كل شيء حتى انه اوصى في مذكراته بالشخص الذي يمكن ان يتحمل المسؤولية من بعده".
وقد قبضت القوات الاميركية على صدام حسين في 13 كانون الاول 2003م في قبو تحت الأرض في مزرعة تقع في بلدة "الدور" قرب مدينة تكريت (180 كم شمالي بغداد)، نفس المزرعة التي لجأ اليها بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي قام بها ضد "عبدالكريم قاسم".
وأعدم صدام(69 عاما) في 30 كانون الأول 2006 شنقا في أحد سجون بغداد في أول أيام عيدالأضحى بعد ادانته بقتل 148 قرويا شيعيا من أهالي بلدة "الدجيل" (شمالي بغداد) اثر تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة عام 1982م.






#محسن_ظافرغريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نثر نمساويTrakl & Rilke
- ذاكرة البصرة الثقافية
- الأحد توأم الأربعاء
- شمال محور نظام
- قرن بين بغداد برلين
- جائزة بيروت 39 hayfestival
- سينما الشمال العراقي الإيراني
- إدانة النائب الهارب الدايني
- سينما الشمال العراقي
- كانتْ أعواماً على المالكي أينعتْ وعلينا أجدبتْ
- أبوالقاسم الشابي لم يلتزم بالعَروض‏
- يسقط حكم المخابرات وتحفظ ملفات
- غويتيسولو وجائزة القذافي العالمية للآداب
- The Tragedy of Shakespeare
- مسلسلات وأفلام تركية مدبلجة
- لاعنف
- تعليق على آخر المواد
- رسائل van Gogh
- مهوى هام الجواهري
- فتوى عقلية شرعية


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محسن ظافرغريب - مذكرات صدامGenet