أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 2















المزيد.....

الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 2


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 22:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الانسداد النظري لما بعد العلمانية
نقد تفكيكية علي حرب

( وهذا يكفي ، بذاته ، لتبيان الأساس الناسوتي العلماني لكل مشروع ديني ، ولكل ترتيب لاهوتي عقائدي . فالقول البين الواضح هو الذي يؤسس لقول آخر ، فيجعله واجبا أو ممكنا . والقول بناسوتية الإنسان وعلمانيته هو الذي يجعل القول بلاهوتيته أمرا ممكنا . وعليه فالناسوت هو الذي يؤسس اللاهوت . )
(- علي حرب – النص والحقيقة –نقد الحقيقة –المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب –الطبعة الأولى – 1993-ص.67)
لم تعد الحقيقة سيلا من التأويلات ولم يعد المجاز ركيزة كل كلام مهما رفع راية الاستدلال والبرهان ؛ فقد صارت تطابقية ، كما صار المنطق صوريا أرسطيا ، تفضي فيه المقدمات إلى النتائج بسلاسة صورية آسرة .فلاهوتية الإنسان نفسها رهينة بناسوتيته ، مادام الناسوت لا يؤسس اللاهوت فقط ، بل يرسم حتى استراتيجيته تموضعه على موقع النزعات الفكرية .
تدفع الرغبة في تعرية المسبقات والكشف عن المحجوب ،خطاب علي حرب ، إلى تجاوز الملفوظ والمعلن والمنظور ، للإفاضة في استخراج المحجوبات والخفايا والمضمرات .إلا أن الدفق التفكيكي ، كثيرا ، ما يقود إلى متاهات التحير ، طالما أن التعليل الدوراني ، يحول العلة إلى معلول والمعلول إلى علة في سياق تحويلية تداولية ، مشغولة بالتهجين والتركيب والتعديد والتبادل والتواصل .والحقيقة أن تفعيل القراءة ، يكشف عن قلق نظري ومنهجي ، يصعب معه التسليم بالمبتغى النظري المعلن :
( ولذا ، مع كل قراءة خصبة وفعالة ، نعبر نحو أفق جديد ، تتشكل معه بؤر جديدة للمعنى أو تتغير خرائط الفهم ، بقدر ما تتغير شروط الإمكان وسلاسل الأسباب أو تخربط الحسابات العقلية وتخلط الأوراق الإستراتيجية . )
(- علي حرب – هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2005-ص. 14)
ثمة هوة بين المعلن والمتحقق عمليا ؛ فالتأكيد على لاهوتية السياسية أولا ثم إرجاع اللاهوت إلى الناسوت ، لا يحقق تقدما في خريطة الفكر ، خصوصا متى علمنا أن منطق التحويل يقرأ الحقيقة باعتبارها انزياحا عن المواطأة وعن المطابقة ، والمعنى بوصفه ارتجاجا لا يمكن ردم شقوقه وسد ثلمه.
( والتفكيك هو بهذا المعنى قراءة في محنة المعنى وفضائحه ، للكشف عن نقائض العقل وأنقاض الواقع أو عن حطام المشاريع وكوارث الدعوات على أرض المعايشات الوجودية . )
(- علي حرب – هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2005-ص. 26)
ليس غريبا إذن ، أن تنتقل الفعالية التفكيكية من بناء بؤرة جديدة للمعنى إلى اللهج بمحنته وفضائحه .ولذلك ، لا عجب ، أن تكشف التجربة الإسلامية عن نزعاتها العلمانية ، رغم كثافة السجف الغيبية والماورائية .كما لا عجب أن تقرأ تلك التجربة ، بأطر مفهومية مستعارة من الفكر الغربي الحديث ، طالما أن الرؤية التفكيكية ، تلغي العتبات التاريخية والتاريخانية ، وتعلي من شأن عبورية وانسياحية المفاهيم .فلخلق بؤرة تأويلية جديدة ، لا مناص من قراءة الحضارة الإسلامية ، استنادا إلى جهاز مفهومي منحوت ومصاغ في تجربة حضارية عرفت القطائع مع الفضاء الثقافي القروسطي ومع الجهازالتصوري للاهوت .
( إنها مذهب له منزعه الإنساني ، ومضمونه التحرري ، وشكله العقلاني . ولهذا ، فالحديث عن بعد علماني في التجربة الدينية الإسلامية ، هو ، في الوقت عينه ، حديث عن منازعها العقلية واللبرالية والإنسانية ، وذلك خلافا لما يظن ، وضدا على الذين ينفون عنها ذلك . )
(- علي حرب – النص والحقيقة –نقد الحقيقة –المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب –الطبعة الأولى – 1993-ص.58).
إن إضفاء النعت العلماني على تجربة حضارية معينة ، لا يعتمد على بعض نزعاتها العقلانية أو الإنسانية أو التحررية . فالعلمانية ليست منظومة إجراءات عقلانية ، أو حزمة آليات عملانية ، مفضية إلى نتائج معتبرة في موازين التحضر، وإنما هي إطار نظري لممارسة محايثة ، مشدودة إلى الراهن والآني ولا ترتهن بأي حال من الأحوال إلى الماورائيات ولا إلى الحسابات اللاهوتية للسياسة الشرعية أو لللاهوت السياسي عموما .
لا جدال في اعتماد القراءة التفكيكية هنا ، على انسياحية المفاهيم لا على تاريخية المتصورات ، على اسقاط الخاصيات المائزة لطور حضاري على طور حضاري آخر مختلف عنه في النظريات والعمليات ، في الجزئيات والكليات على نحو شبه كلي .ورغم تفكيكية الشاهد فهو حجاجي يروم التنصيص على معطى مغيب في الدوائر الفكرية ؛كما أنه يصدر ، في العمق ، عن تصور تطابقي جزمي للحقيقة . إلا أن حجاجيته لا تحقق البغية الاقناعية ، مادامت لا تصمد أمام صلادة الوقائع وصرامة النظر .
(...ثمة نبويون لا هوتيون يمارسون تدينهم بطريقة علمانية دنيوية .فقول النبي لأحدهم : أنتم أعلم بشؤون دنياكم هو ممارسة علمانية .وتحريم عمر للمتعة هو ممارسة مدنية . وقبول علي بحكم الشيخين مع معارضته لهما هو ممارسة ديمقراطية ...)
(-علي حرب – الممنوع والممتنع – نقد الذات المفكرة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى -1995-ص.268)
فالعلمانية ليست محض أداء وظيفي معدوم المقصدية المعرفية والايطيقية ؛ بل هي موقف ابستمولوجي ورؤية خلقية –ايطيقية ، وتدبر عملي للعلائق بين الاحياز الاجتماعية السياسية .وهكذا ، فلا يمكن إضفاء الصفة العلمانية على ممارسات وإجراءات واختيارات ،ذرائعية أو وظيفية ، بدون مقصدية دهرانية أو تدبر علماني مفكر فيه وبدون بلورة قانونية ومؤسسية للفعالية المدنية .وعليه ،فإن البحث عن بذور العلمانية في الإسلام ، ليس إلا نوعا من المفارقة النظرية أو المغالطة التاريخية ومن الانسياح التفكيكي .
فالواقع أن الفكرية النبوية ، تروم اخضاع كلية الجسد الاجتماعي للرمزية الدينية ؛وليس غريبا والحال هذه ، أن تطال التعاليم الدينية ، التفاصيل الأكثر نثرية في الممارسة الفردية والجماعية .فالعقيدة إذ تصوغ الوعي والمخيلة وتملأهما بمخزونها الاستعاري والكنائي ،تعمل على برمجة كلية لكل تعبيرات الجسد ، وعلى تصييرالجسد الفردي المطقسن جزءا من الجسد الجماعي المنذورللصراطية ولتحقيق المقصد الجوهري المتمثل في إشاعة القيم الإيمانية على الصعيد الكوني .فالكوننة تمر عبر وساطة الجسد الجماعي ، والجسد الجماعي ليس إلا جماع أجساد فردية ، معبأة ، وعيا ومخيلة وجسدا ،لتقليص الهوة بين المقدس والمدنس ، بين الحلال والحرام .فمن الواضح، أن إدارة الجسد ، وإملاء طرق استعماله ، في أداء الطقوس والشعائر أو في ممارسة الوظائف البيولوجية والثقافية ، يدخلان في صميم المسلكية الشرعية الإسلامية .
واستنادا إلى هذا الاعتبار ، فلا يمكن التدليل على قابلية الإسلام للتعلمن أو للدنيوة ، اعتمادا على تأويل مغالطي للنصوص ، أو تدبرلا تاريخي لواقعات محفوفة بكثير من اللبس التاريخي والتأريخي . وللتدليل على افتقاد هذه التبيئة للملاءمة ، نورد حديثين ، يمسان أمورا حياتية جزئية ،أخضعت للتشريع المحمدي مع أنها وثيقة الصلة بنثريات الواقع اليومي .
(5853-حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لم يكن له إزار فليلبس السراويل ومن لم يكن له نعلان فليلبس خفين " .
(-البخاري- صحيح البخاري – اعتنى به : أبو عبد الله محمود بن الجميل – مكتبة الصفا –القاهرة – الطبعة الأولى -2003-الجزء الثالث – كتاب اللباس- باب النعال السبتية – ص. 110-111) .

( 5723-حدثني يحيي بن سليمان ابن وهب قال : حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء " قال نافع : وكان عبد الله يقول : اكشف عنا الرجز . )
(-البخاري- صحيح البخاري – اعتنى به : أبو عبد الله محمود بن الجميل – مكتبة الصفا –القاهرة – الطبعة الأولى -2003-الجزء الثالث – كتاب الطب- باب الحمى من فيح جهنم– ص. 82).
فالنصوص المؤسسة لا تقتصرعلى العبادات والأخرويات ، بل تمس أمورا وقضايا حياتية كثيرة من نوع ما جاء في الحديثين .ومن الطبيعي أن ينطوي المعتقد الإسلامي على القضايا الحياتية ، طالما أنه يسلم بالحاكمية الإلهية وبعجز العقل الإنساني ، نظريا ، عن التشريع .فالتشريع يقتضي الإقرار بالأهلية النظرية للعقل البشري ، وتنزيل ذلك الإقرار على الوقائع الحياتية المتجددة طبقا لسيرورة التمرحل والتحول والقطائع .
ولا يمكن اعتبار تحريم عمر للمتعة سلوكا مدنيا إلا من باب الانسياح الفكري والتسمح المفهومي ؛ فالسلوك المدني يصدرعن متصورات نظرية عقلية وعن رؤية تواصلية تفاعلية ، مشدودة إلى مواضعات المحايثة والتذاوت والفكرالمتروي ؛ والحال أن القرار العمري ،محكوم بإقرارات الغيب لا بمقتضيات العقل والمحايثة والمصلحة العقلية ، وبالرؤية الشاقولية المنزاحة عن التذاوت والتفاوض والتناظر .
(واشتهر عن ابن عباس تحليله ، وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل " مكة " ، و أهل "اليمن " ورووا أن ابن عباس كان يحتج لذلك بقوله تعالى : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم ) [النساء : 24] ، وفي حرف عنه " إلى أجل مسمى " ،وروي عنه أنه قال : " ما كانت المتعة إلا رحمة من الله – عز وجل – رحم بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولولا نهي عمر – رضي الله عنه – عنها ما اضطر إلى الزنا إلا شقي".
وهذا الذي روي عن ابن عباس رواه عنه ابن جريح ، وعمرو بن دينار ، وعن عطاء قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : " تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر ، ونصفا من خلافة عمر ، ثم نهى عنها عمر الناس ". )
( - ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقتصد –تحقيق وتعليق ودراسة : علي محمد معوض –عادل أحمد عبد الموجود – منشورات محمد علي بيضون – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – الطبعة الثانية -2000-الجزءالثاني – 101) .
ويبدو أن السيولة التفكيكية تقود خطاب علي حرب إلى إهدار السياق التاريخي لبعض المرويات ؛ ومن هنا لا يمكن اعتبار التقبل النقدي لخلافة الشيخين موقفا ديمقراطيا ، لاعتبارات فكرية وسياسية .فالفضاء الثقافي المحتكم في أدنى تفاصيل الاجتماع إلى الغيب ، لا يمكن أن يسمح بنشوء الفكرية والمسلكية الديمقراطيتين .كما أن التراتبية الاجتماعية المؤسسة على التمييزات الدينية ، تفقد الاجتماع ، التماسك والسماكة ، الكفيلتين ، برسم مشهدية سياسية ، خاضعة للمشاورة والمفاوضة والمساومة .أما المشهدية السياسية ، المستندة إلى معيارية نصية مجردة والى معيارية شخصية مجسدة في مثال معياري نموذجي ، فلا يمكن أن تسمح حتى من حيث المبدإ ، بتحكيم ضوابط العقل في التدافع السياسي .فما يحكم السياسة الشرعية ، هو الانتظام في المجال الرؤيوي ، للاهوت السياسي التأسيسي، لا تأسيس العقل السياسي على مرجعيات دهرانية متجددة ، منهجا ورؤية .

(...ولما جلس عبد الرحمن للمبايعة حمد الله و أثنى عليه وقال في كلامه : إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان . أخرجه ابن عساكر عن المسور بن مخرمة . وفي رواية : "أما بعد يا علي فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا ، ثم أخذ بيد عثمان فقال : نبايعك على سنة الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين بعده ، فبايعه عبد الرحمن ، وبايعه المهاجرون والأنصار " . )
(-جلال الدين السيوطي- تاريخ الخلفاء- تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2005-ص.138)
وهكذا بدلا من أن يكون التفكيك خلخلة وكشفا عن الألاعيب المعنى، يستحيل إلى رتق للدلالة والى بحث سعيد عن امتلاء المعنى .وبدلا من أن يسفر المنطق العلائقي التوليدي عن بانتهاك حرمة البداهات والمكنونات والمسلمات ، يفصح منطوق الخطاب عن يقين تداولي باذخ ، تستوطن العلمانية والمدنية والديمقراطية ، بمقتضاه حرم التجربة التأسيسية بالذات في غفلة من التاريخ السياسي وتاريخ الفكر .والواقع أن كثرة مداورة لعبة الكشف والحجب ، أدخلت الآلية التواصلية و التداولية لعلي حرب في دوامة من التأكيدات والتأكيدات المضادة ،من الإثباتات والابطالات . فكيف تسمح التأويلية التفكيكية ، باستكشاف جذور العلمانية ، في الفعل السياسي الإسلامي ، علما أن العلمانية تصدر عن تدهير صريح لمصادر المشروعية وأسس ومقاصد السلوك السياسي ؟ ألم يقل في ( نقد الحقيقة ) ، بالمحايثة باعتبارها شرطا شارطا للعلمانية ؟
( هذا في حين أن المشروعية ، في المجتمع العلماني ، هي على الضد من ذلك ، تنبع من داخله لا من خارجه. فالإنسان في المنظور العلماني ، هو كائن خارج عن قصوره ، مستقل بعقله ، مالك زمامه ، ينتج معرفته عن ذاته وعن عالمه ببحثه ونظره ، ويشرع لاجتماعه مع غيره بحسب تجاربه وخبراته . فلا مصدر ، إذن ، لشرعيته غيره . )
(- علي حرب – النص والحقيقة –نقد الحقيقة –المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب –الطبعة الأولى – 1993-ص.57)
ويبدو ولوع منطق التحولات بالانقلابات ظاهرا ، ولا سيما حين يكلل سعيه إلى الخلخلة والزحزحة باكتشاف الآخر في قاع الذات والذات في عمق الآخر .فخطاب الذات ليس إلا خطابا مستعارا من الآخر ، كما أن خطاب الآخر ليس إلا خطاب الذات محجوبا .فالذات لا تحضر ،على الحقيقة، إلا بغيابها ، كما لا يغيب الآخر إلا ليحسن الإقامة العمقية في بنية الذات اللاواعية وفي سراديبها المحجوبة .فالمعلن ليس إلا مايا أو سرابا كينونيا ، تخفي به الذات أو تحجب ، مصادرها الجينيالوجية ، والمضمر والمنسي هو الغذاء الميتافيزيقي لخطاب الذات .وكما تستعير الذات من الآخر غيريته المؤسسة فهي تمنحه ذاتيتها برهافة عرفانية شفيفة ، ليتكون منها ويصيغ بمادتها خطابه الفصامي الموزع بين منطوق يعلن انتماءه الكلي إلى عبقرية الذات ومفهوم يخفي مصادره ومسارها التكويني المضطرم ويحجب عبقرية القيعان اللاشعورية .
وحيث إن منطق العلائق والتوليد ينهض على العبورية المفهومية المستمرة ، فإن التلوين العلماني لما ليس علمانيا ، يستحيل إلى ممكن معرفي لا يمكن التغاضي عنه منطلقا .

( والمشروعية بالمعنى الدنيوي ليس حكرا على اليونان والغربيين. و إنما هي مورست بشكل أو بآخر في المجتمعات الإسلامية، وذلك بقدر ما اعتبرت السلطة، أي الخلافة، شأنا دنيويا بشريا يحكم فيه الأحياء لا الأموات، الشاهد لا الغائب، كلام البشر لا كلام الله.وعلى هذا النحو جرت الأمور تحت سقيفة بني ساعدة ، عندما اجتمع المسلمون اعني أهل الحل والربط أو من حضر منهم ، وبتوا أمر الخلافة لا باسم الغائب المتعالي ، بل بنوع من المفاوضة بين أطراف النزاع فرضها ميزان القوى وأملتها سياسة الأمر الواقع .إذن لم تقر الخلافة هنا بوصفها حقا موروثا أو تكليفا إلهيا نص عليه ، بل بوصفها شأنا سياسيا عاما يشترك في تقريره كل من آنس في نفسه القدرة والقوة على المشاركة وحمل المسؤولية . )
(-علي حرب – الممنوع والممتنع – نقد الذات المفكرة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى -1995-ص.261)
يروم هذا المخرج الإبانة عن أصول العلمانية في التراث الإسلامي ؛ كما يستهدف قراءة جملة من الواقعات السياسية الإسلامية قراءة ناسوتية ،دهرانية ، غيرمألوفة في الأدبيات التراثية .والحال أن هذا النص ،يكثر من التأويل إلى حد طمس الوقائع ، ويتصرف في الحادثات تصرفا عنديا ،ذاتانيا ، بلا مستند تاريخي معتبر أو دعامة عقلية متماسكة .والواقع أن لا مجال للمقارنة بين المجال السياسي الإسلامي والمجالين السياسيين الإغريقي والغربي ، بالنظر إلى الاختلافات الابستيمية البنيوية المتحكمة في الأطر النظرية والعملية الخاصة بتلك المجالات .
فالمجال السياسي الإسلامي، خاضع للمقولات الشرعية،وللعالم الدلالي للفكرية الإسلامية .والواقع أن المجال السياسي الإسلامي ، قد ينطوي على كثير من عناصر المعقولية العملانية شبه البراغماتية ، إلا أن هذه المعقولية لا تبرر ، بأي حال من الأحوال ،إسقاط المفاهيم والجهاز النظري للمجال السياسي الغربي الحديث على التجربة السياسية الإسلامية ، مادامت مرتهنة إلى كثير من النواظم ومن الأطر و الأنساق اللاهوتية . ثم إن التلوين العلماني ، للمجال التداولي السياسي الإسلامي ، والتجربة السياسية الإسلامية المرجعية استنادا إلى معطيات مؤولة تأويلا عنديا ومعاندا في ذات الآن ، يخالف جوهريات الاجتماع بالفضاء الثقافي الإسلامي آنذاك ، المرتهن ، عميقا ، إلى الرمزيات والفكريات والقياميات .
(...ذلك أن التضامن بين البشر ، يلتئم بما هو ذو طابع رمزي ، وهمي أو غيبي، أكثر مما يلتئم بالغايات العقلانية والحسابات الاقتصادية ، ما دام الناس ليسوا مجرد أجهزة حسابية . )
(-علي حرب – أصنام النظرية وأطياف الحرية ( نقد بورديو وتشومسكي )- المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب- الطبعة الأولى – 2001-ص.20)



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية نقد تفكيكية علي حرب 1
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الرابع
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الثالث
- مفارقات المثاقفة بسوس- الجزء الثاني
- مفارقات المثاقفة بسوس - الجزء الأول
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها/الجزء الثاني
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي(5)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (2 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (1 )
- جودة التعليم-نحو قطيعة لغوية مع الإكليروس اللغوي
- المحرقة المغربية - تأملات في تراجيديا العصر الطحلبي
- أندريه كونت- سبونفيل-فضيلة التسامح
- في نقد الخطاب الاصلاحي -( نموذج الصادق النيهوم )
- في نقد الفكر الاصلاحي - (نموذج الصادق النيهوم )


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 2