أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (3/5)















المزيد.....


معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (3/5)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 23:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(3) – الموقف العربي
إنّ مشكلة النظام العربي مزدوجة: فهو إن فهم السياسة الأمريكية وأدرك مبتغاها, فإنه لا يستطيع مصارحة مجتمعاته بالأمور كما هي على حقيقتها من دون براقع وتوهمات. كما أنه لا يستطيع التعامل مع الاستحقاقات والتحديات التي توجبها هذه السياسة. فهو في وضع حرج, لا يمتلك القدرة على الانسحاب من عملية التسوية, على رغم كل الامتهان المتضمن فيها, لأنّ الخروج من هذه العملية سيفرض البحث عن خيارات أخرى, لا يستطيع توفيرها في ظل أوضاعه الذاتية, وفي ظل الظروف الموضوعية المحيطة به. وفي المقابل, فهذا النظام بات يدرك أنّ المضي في عملية التسوية, في شكلها الراهن, سيفضي إلى المزيد من الانحدارات التي ربما أضعفت من استقراره ومن مكانته, على الصعيدين الداخلي والخارجي، فقد ترتب على واقعة القبول العربي بالتسوية جملة من الحقائق من أهمها:
1 ـ أنّ العرب يدفعون ثمن التغيّرات الدولية حيث التسوية العربية – الإسرائيلية في المركز منها.
2 ـ أنّ الدور المرسوم للمنطقة العربية بات يأتي من العامل الخارجي، بما فيه الإقليمي، إذ هو الذي يقرر مصير المنطقة ومستقبلها. ومن البديهي أنّ ذلك يجري بغض النظر عن توافق هذا العامل مع مصالح الأمة أم لا، كذلك يجري بمعزل عما إذا كان ذلك يعبر عن متطلبات المستقبل في التطور الاقتصادي والسياسي والقومي للمنطقة، فالمصالح الاستراتيجية العليا للدول المؤثرة، هي الراسم وهي المقرر والمنفذ في النهاية.
ولعل هاتين الحقيقتين تفرضان على العرب، حكومات ونخباً ومؤسسات المجتمع المدني، أن يصيغوا برامج واقعية تربط بين الإصلاح وتحديات صنع السلام العربي – الإسرائيلي، فمن دون السلام فإنّ الإصلاح العربي سيفشل على الأرجح, ولكن مع السلام سيزدهر هدف الإصلاح العربي. ومن دون الديموقراطية فلن يكون هناك أساس للسلام, ولكن, إن اجتمع السلام والديموقراطية معا فسيكون المستقبل مشرقاً.
إنّ معاهدات السلام العربية مع إسرائيل التي تم إبرامها حتى الآن عكست نهجاً لإدارة الصراع بوسائل أخرى، وليس لحل الصراع أو تسويته على نحو شامل ودائم. ويبدو أنّ هذا النهج يعود إلى الفشل في حشد كل الإمكانات المتاحة للتعاطي مع التحديات التي يفرضها هذا الصراع بأكثر مما تعود إلى الفشل في اغتنام الفرص التي أتيحت لتسويته كما يعتقد البعض.
لقد جاءت قمة بيروت في مارس/آذار 2002 وبدا الاهتزاز واضحاً من أثر أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وعلامة استفهام كبيرة تطوق قاعات المؤتمر بعدما اتهم العرب والمسلمون بأنهم الضالعون في هذه الأحداث، وأنّ العالم العربي أصبح ساحة للانتقام وأنهم أصبحوا كبش الفداء أمام الانتقام الأمريكي. وللحق، فإنّ قمة بيروت العربية حاولت المحافظة على ثوابت الموقف العربي عامة، ولو من الناحية النظرية، لكنّ الطموح الذي سيطر عليها كان مفارقاً تماماً للهوة التي كان العالم العربي ينزل إليها. يكفي أن نشير إلى أنه في الوقت الذي تواضعت المواقف العربية العملية، فإنّ قمة بيروت قدمت مبادرة بالغة الطموح لقيت تحدياً إسرائيلياً مكشوفاً ومساندة أمريكية مستترة لهذا التحدي، مما يكشف عن الفارق بين طموح المبادرة، ومدى ملاءمة البيئة الإقليمية والدولية لاستيعابها.
لقد كان على قمة بيروت أن تضع مشروع آلية تنفيذية للمبادرة السعودية، فلو حدث ذلك لتم قطع الطريق على كل المبادرات التي تلتها، بما فيها " خريطة الطريق " التي ابتلعتها " خريطة السور " ثم التفت عليها مبادرة شارون للانسحاب من غزة. لقد أصبح بإمكان إسرائيل، بمباركة أمريكية، اللعب على المسار الفلسطيني مرة، وعلى المسار السوري مرة.
فمع إعلان شارون نيته في الانسحاب من غزة كان لا بد من بروز أفكار جديدة تحل محل فكرة الدولة الفلسطينية، وما لبثت هذه الأفكار أن جاءت سريعاً، وعلى قاعدة حل إسرائيلي ـ عربي بدل الحل الإسرائيلي ـ الفلسطيني، واندفعت إلى الواجهة فكرة العودة إلى ما كان عليه الحال عشية الحرب عام 1967، حيث كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، بينما كانت الضفة الغربية تابعة للأردن. وقد تسللت هذه الفكرة إلى صلب الموضوع تسللاً هادئاً ناعماً يكاد يخفي الهدف الأساسي منها. وبدأت إسرائيل مفاوضات مع مصر على قاعدة هذا التصور، ولكنّ مصر ارتأت صيغة للعمل تختلف عن الصيغة الإسرائيلية، تقوم على أساس المشاركة الفلسطينية ـ المصرية في بلورة وضع أمني مستقر في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، وتضمن هذه الصيغة من حيث المبدأ ألا يتم استبعاد الفلسطينيين نهائياً من عملية التسوية. إلا أنّ هذه الخطوة المصرية الإيجابية لم تستطع أن تستبعد الشرط الأمريكي ـ الإسرائيلي الأساسي بضرورة إبعاد الرئيس عرفات، شخصياً وقيادياً ورؤية سياسية، عن مضمون الحل، وهو مضمون تمت ترجمته بنزع صلاحيات الرئيس عرفات الأمنية، ومن ثم التخلص منه جسديا.
وفي الواقع فقد اعترف العرب في أكثريتهم الساحقة، ومنذ زمن طويل، بإسرائيل كلاعب على مسرح الشرق الأوسط، بل اعترفوا بها كلاعب أعدوا أنفسهم للتعامل والاتفاق معه على أساس شروط معينة. لكنهم لم يعترفوا ولن يعترفوا بإسرائيل كلاعب مهيمن، وهم لم يقبلوا ولن يقبلوا يوماً بالاحتلال الإسرائيلي في عام 1967.
(4) – مواقف المجتمع الدولي
من الواضح أنه إذا بادر أي من الطرفين العربي والإسرائيلي إلى السلام، فإنّ المبادرة لن تكتمل إلا بمشاركة أطراف خارجية أخرى، لا بد أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية من بينها. ويمكن تفسير الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية والمفارقات والتعقيدات المحيطة بها، بأسباب عديدة، أهمها:
أولاً ـ منذ نشوئها كانت القضية الفلسطينية قضية دولية بامتياز، وبغض النظر عن نصيب الحركة الصهيونية في إقامة دولة لليهود في فلسطين، فإنّ الجهد الدولي هو الذي مكّن هذه الحركة من النجاح في مشروعها وضمان استمراره وتطوره.
ثانياً ـ تستمد القضية الفلسطينية عالميتها أيضا من العدو نفسه الذي تواجهه، فالمسألة اليهودية باتت مسألة عالمية منذ أواخر القرن التاسع عشر، بحكم التطورات في أوروبا، وازدادت عالميتها بعد الحرب العالمية الثانية.
ثالثاً ـ تستمد القضية الفلسطينية عالميتها من الموقع الجغرا - سياسي الاستراتيجي الذي احتلته فلسطين في استراتيجيات الدول الكبرى وفي الصراع بين الدول الاستعمارية، فعلى الدوام اعتبرت الدول الكبرى بأنّ السيطرة على فلسطين تسهّل عليها السيطرة على العالم العربي.
وعلى ذلك من غير الممكن اعتبار الصراع مع إسرائيل مجرد صراع محلي، فهو جزء من الصراع في هذه المنطقة وعليها، وهو مرتبط بالصراعات الدولية، وهو اليوم مازال يحتل مركزاً مهماً في إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لإدارة الرئيس أوباما.
وفي الظروف العالمية الراهنة يكتسب رأي المجتمع الدولي أهمية حاسمة، إلى درجة أنّ الحلول التي تطرح للأزمات المختلفة، إنما تتحدد ملامحها الرئيسية وفق ما يقبله أو يرفضه هذا المجتمع. فلا وجود لحل يتعلق بأية مشكلة في أية منطقة من العالم، خارج إطار مفاهيم المجتمع الدولي واهتماماته. من هنا فإنّ الوصول إلى حالة تماهٍ أو مقاربة بين أساليب المقاومة المتنوعة لشعب ما، وبين إجماع المجتمع الدولي، يعتبر هدفاً في حد ذاته يستحق النضال والعمل من أجله بكل السبل.
إذا قاربنا بين هذه المفاهيم وبين المسألة الفلسطينية، فإنه يمكن ملاحظة التالي: إنّ الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في 28 سبتمبر/أيلول عام 2000 ضد الاحتلال الإسرائيلي، نجحت بداية في فرض نفسها كقضية ملحة على جدول أعمال المجتمع الدولي. لكنّ نجاح إسرائيل في استفزاز الفلسطينيين وجرهم تدريجياً إلى حلبة العمليات الاستشهادية، وتحوّل هذه الأخيرة إلى السلاح الأبرز والأكثر طغياناً في الانتفاضة، قد نقل القضية الفلسطينية إلى مستوى جديد كلياً. فالاهتمام الدولي انقلب إلى إدانة هذه العمليات، أو على الأقل مساواتها بالعنف الموجه من جانب الدولة الإسرائيلية.
ومن جهة أخرى، فقد أدى التبني الأمريكي لإسرائيل وتوفير الحماية السياسية والقانونية الدولية لها إلي شعورها بأنها دولة فوق القانون الدولي تنتهكه كما يحلو لها.‏ وتلك هي المشكلة الجوهرية‏,‏ وفي ظلها لن تكون هناك تسوية سياسية حقيقية بل تصرفات وسياسات إسرائيلية وليدة غطرسة القوة وغرورها، تراكم من العداء وتضاعف من تأثيرات العوامل الكامنة في الصراع الاجتماعي الممتد.
لقد أصبحت أمريكا طرفا دائما في الصراع، حرباً وسلماً، فهي تقدم دعماً كبيراً لإسرائيل، وكذلك لعدد من الدول العربية، ولها مصالح نفطية ضخمة في منطقة الخليج وخاصة السعودية، وربما كان هذا الاندماج الأمريكي الواضح أحد أسباب حضورها وتأثيرها الكبير في إدارة الصراع. ومهما كان الرأي العام العربي سلبياً نحو الولايات المتحدة الأمريكية بسبب انحيازها الواضح لإسرائيل، إلا أنّ أغلب المراقبين يجمعون على أنّ من المصلحة الأمريكية أن تتحسن الأوضاع في الشرق الأوسط، ويسود السلام بين العرب وإسرائيل.
وبعد أن أصبحت فكرة " الشريك الكامل " عنوانا لدور أمريكي أعمق في المفاوضات العربية – الإسرائيلية منذ انطلاق مؤتمر مدريد للسلام، وتجددت في العهد الأمريكي الجديد، وبعد أن أصبحت الفكرة موضع ترحيب أطراف المفاوضات، تساءل المراقبون عن كيفية التطبيق الأمريكي لهذه الفكرة في مسيرة المفاوضات القادمة ؟
لقد كان واضحاً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية دفعت الأطراف العربية والإسرائيلية إلى المفاوضات آملة أن يكون للعملية المباشرة قوة دفعها المستقلة التي تؤدي إلى نتائج ملموسة. إنّ المفهوم الأمريكي للعملية التفاوضية يقوم على أساس ضرورة الدخول في المفاوضات مهما كانت الظروف والشروط وبصرف النظر عن توافر العناصر التي تكفل وصول هذه المفاوضات إلى نتيجة، حيث أنّ " قوة الدفع " التي تنبثق وتتولد من خلال العملية التفاوضية ذاتها يمكن أن تقود إلى نتائج، بل تفرض ضرورة تحقيق هذه النتائج مهما استعصت المشكلة على الحل كما يبدو في بداية التفاوض، وكذلك مهما أظهر الطرف الآخر من تعنت وجمود.
وبدأت المفاوضات، وتوالت الجولات، وتبين أنّ الموقف الأمريكي يرتكز إلى مجموعة أسس أهمها:
1 ـ الانحياز التام لإسرائيل، إذ ظهر بما لا يقبل الشك أو التأويل أنّ السياسة الأمريكية تجاه المنطقة تتحدد بمنظور أمريكي ـ إسرائيلي مشترك، وذلك لأنّ العلاقة بين الطرفين تتعدى البعد الاستراتيجي لتشكل تلاحماً عضوياً. ولذلك تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الموقف الإسرائيلي التفاوضي بشكل كامل، وتصرفت كأنها " وكيل " إسرائيل في المفاوضات، وليس " الراعي " العادل للمفاوضات.
2 ـ تحقيق " استقرار" المنطقة، وذلك باستغلال الظرف المؤاتي عربياً، بعد حرب الخليج الثانية أولا واحتلال العراق ثانيا، لتثبيت الرؤية والبرنامج الأمريكيين لشرق أوسط جديد تلعب فيه أطراف غير عربية دوراً أساسياً.
3 ـ اتباع سياسة براغماتية في المفاوضات وذلك بتفسير دور " الراعي " للمفاوضات على أنه " المسرّع " لها. وبدور " المسرّع " تختزل الولايات المتحدة تدخلها في الأمور الإجرائية وتتلافى التدخل في القضايا الجوهرية. فطالما أنّ ميزان القوى يرجح لمصلحة إسرائيل، فلا ضرورة للتدخل في القضايا الجوهرية. وبالطبع، فقد أعلنت أنها تقبل بأية صيغة اتفاق تصل إليه الأطراف المتفاوضة.
4 ـ وفي إطار " التسريع " أصبح دور " الراعي " الأمريكي توفيقياً تخلت فيه الولايات المتحدة عن كل ما فسر عربياً بأنه ضمانات أو حتى تطمينات مسبقة، وتحول الموقف الأمريكي خلال لعب دور " الشريك الكامل " إلى متابعة مجريات الأمور على طاولة المفاوضات. فالهدف الأمريكي تحدد بتذليل العقبات وليس بإيجاد الحلول، وعند تذليل العقبات يتم العمل على أساس إيجاد مقاربة ترتكز على حدود " القاسم المشترك الأصغر " للفرقاء، بحيث أنّ المبادرة الأمريكية مفتوحة النهايات كما لم يحدث في أية مرة من قبل.
وهكذا، فقد سقطت خريطة الطريق على مراحل: سقطت أولاً، على يدي حكومة آرييل شارون التي وضعت أربعة عشر تحفظاً على الخطة أدت إلى إلغاء مضمونها وتعطيله. وسقطت ثانياً، على يد الرئيس الأمريكي حين التقى مع آرييل شارون في واشنطن، واستمع منه إلى خطته بالانسحاب من جانب واحد ومن دون مفاوضات مع الفلسطينيين، من قطاع غزة، ونال من الرئيس بوش موافقة متحمسة على هذه الخطة، مع إشادة غير مألوفة بمضمونها ودلالاتها، وقدم له مقابل هذه المبادرة " الشجاعة " تنازلات أمريكية هائلة تمس مضمون مفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين، وتتعلق تلك التنازلات بثلاث قضايا هي: الحدود والمستوطنات وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وشكل التبنّي الأمريكي للموقف الإسرائيلي في هذه القضايا نسفاً لمبدأ المفاوضات، وفرضاً مسبقاً لمضمون الحل النهائي، وإلغاءً عملياً لفكرة الدولة الفلسطينية.
وفي الواقع, فإنّ الإدارات الأمريكية ظلت, على الدوام, تعلن صراحة دعمها المطلق لإسرائيل, وحرصها على تغطية سياساتها في الأراضي العربية المحتلة، وضمانها لأمنها وتفوقها النوعي في المنطقة. وفوق كل ذلك, فإنّ هذه الإدارات لم تقل مرة أنها مع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم أو ديارهم التي شُرِّدوا منها في 1948. ولم تطالب بتفكيك المستوطنات, على رغم اعتبارها إياها غير قانونية مرة, وعقبة في طريق السلام مرة أخرى. وهي لم تفسر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 242, باعتباره ينص على انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي التي احتلتها عام 1967، وإنما فسرته على أنه يعني انسحاب إسرائيل من أراضٍ احتلتها, بما يفيد قيام حدود آمنة ومعترف بها لكل دول المنطقة.
وفي هذا السياق يرى هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، أنّ الفلسطينيين والعرب يجب أن يدركوا ويقبلوا تماماً أنه ليس كافيا أن يعترفوا بوجود إسرائيل لكي يوافق الإسرائيليون على تأمين كل حقوقهم ومطالبهم، بل يجب أن يعتادوا على تقديم التنازلات والتضحيات لطمأنة الإسرائيليين. وأوضح قائلاً: إنّ عملية السلام تعرقلت وتجمدت بسبب رفض العرب مواجهة " الحقيقة الأساسية " وهي أنّ أية تسوية للنزاع العربي - الإسرائيلي لن تقوم في النهاية على أساس الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة خلال حرب 1967 إذ أنّ قرار مجلس الأمن رقم 242 لا يطالب بذلك.
ومن الملاحظ، خلافاً لمعظم الكتاب في موضوع معوّقات السلام العربي - الإسرائيلي، الذين ركزوا على قصورات الفلسطينيين والإسرائيليين والسوريين، فإنّ لدى دينس روس شكاوى تجاه الأمريكيين، أي عملياً تجاه نفسه. فمثلاً، كان على الأمريكيين كوسطاء، برأيه، أن يقرروا قواعد لعب واضحة بشأن خرق التعهدات. إنّ الولايات المتحدة مذنبة في أنها لم تكن مستعدة لوقف المسيرة حين نشأ خرق جوهري. ويشرح روس قائلاً " خشينا أن تمس مثل هذه الخطوة بالمسيرة. وهكذا خلقنا أجواء بدا فيها خرق التعهدات للأطراف ليس أمراً جدياً ". وهو يقترح التحديد المسبق " لأخلاقيات السلوك " للمسموح والمحظور.
كما أكد المؤتمر السنوي السابع والخمسون لمعهد الشرق الأوسط، الذي عقد في واشنطن أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2003، الانقسام الذي يزداد بروزاً داخل الإدارة الأمريكية. فقد أكد آرون ميللر على ست ملاحظات لا بد منها للوصول إلى حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. ورأى أنّ المخرج لهذا الصراع يكون بإقامة دولتين " إنه الحل الوحيد "، وأضاف " إنّ خوفي هو من خطر هذه السياسة القائمة التي ستجعل الزمن يصبح عدواً لعملية السلام وليس حليفاً ". وقال ميللر: إنّ التوصل إلى تسوية يكون عبر عملية المفاوضات " لا أتكلم عن مفاوضات قائمة على مسار عملية ما، لأنّ المفاوضات التي يجب أن يشترك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون يجب أن تكون قائمة على توازن المصالح وليس على توازن أو عدم توازن القوى ".
وهكذا، قد تكون الرؤية الأمريكية لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي في المدى البعيد مختلفة عن الرؤية الإسرائيلية الحالية. فمن الصعب تصور قبول الولايات المتحدة بتكريس إعادة احتلال الضفة الغربية، رسميا والتخلي عن السعي إلى تسوية سياسية، ولو ظاهريا، لما يحمله ذلك من خطر على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ومخططاتها لها. ولكن من الصعب أيضا تصور ممارستها ضغوطا كافية على حليفها الأساسي في المنطقة لإرغامه على القبول بالرؤية الأمريكية لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وقد ظهر ذلك واضحاً مع الزيارات المكوكية لمبعوث الرئيس أوباما جورج ميتشل، ويبدو أنه لا بد من انتظار التطورات على أرض الواقع وانجلاء الأمور أكثر لمعرفة كيف ستتعامل مع هذا الوضع الجديد الذي ساهمت في إيجاده.
وربما هنا تكمن واحدة من كبرى المفارقات الجيوبوليتيكية للصراع المركزي في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي باتت فيه جميع الأطراف المعنية، العربية والإسرائيلية والفلسطينية، على حد سواء، تنزع إلى اختزاله إلى صراع إسرائيلي – فلسطيني، فإنّ القوة الوحيدة في العالم التي تجد نفسها مضطرة إلى أن تأخذ في الاعتبار بعده العربي هي الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه القوة العظمى، التي تخوض منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 حربا عظمى ضد الإرهاب، لا تستطيع أن تتجاهل أنّ النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هو مولِّد رئيسي للإرهاب في العالمين العربي والإسلامي. وبقدر ما أنها معنية ليس فقط بمكافحة الإرهاب، بل كذلك بتجفيف منابعه، فإنه لا خيار أمامها سوى أن تسعى إلى حل ما للنزاع يكون " عادلا " بما فيه الكفاية بحيث لا يضطر أي من الطرفين إلى رفضه. ولقد بدا أنها وجدت مثل هذا الحل من خلال ما أسمته " خريطة الطريق " التي شاركها في رسمها الأوروبيون والروس ومنظمة الأمم المتحدة، وكان من المفترض، بموجب هذه الخريطة، أن تقوم منذ نهاية 2003 دولة فلسطينية مؤقتة، على أن يتم تحديد حدودها النهائية قبل نهاية 2005. والحال أنّ شيئا من هذا القبيل لم يتحقق، لا سيما أنّ الولايات المتحدة نفسها باتت مشغولة بردم بؤرة الإرهاب التي فجرها، من حيث لا تتوقع، تدخلها العسكري في العراق. وإزاء مأزق من هذا القبيل يبدو لا مخرج آخر سوى عملية تحكيم دولي مشابه لما جرى في كوسوفو وتيمور الشرقية، تقودها الولايات المتحدة نفسها، وبمشاركة مع سائر أعضاء اللجنة الرباعية، وفق روزنامة دقيقة يوكل تنفيذها إلى قوة دولية.
وفي الواقع، تواجه إسرائيل وضعاً حرجاً لم يسبق أن واجهته في مرحلة من تاريخها، فهذه الدولة التي تعتبر نفسها جزءاً من الغرب، باتت أكثر دولة يحرص الغرب على انتقادها واعتبارها عبئاً أخلاقياً وسياسياً وأمنياً عليه. ففي أوروبا عموماً لم تعد النظرة إلى إسرائيل تتأسس على كونها واحة للديمقراطية والحداثة في " صحراء " الشرق الأوسط، إذ أنّ هذه الدعاية استهلكت، وبدلاً منها ظهرت إسرائيل على حقيقتها، خاصة بعد مجزرة غزة وتقرير غولدستون، باعتبارها دولة استعمارية وعنصرية خارجة عن القانون وتستخدم القوة للسيطرة على شعب آخر، وباعتبارها عاملاً من عوامل التحريض على ما يسمى بـ " صراع الحضارات "، وسبباً من أسباب تأجج المشاعر العدائية ضد الغرب، في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية باتت إسرائيل تجد نفسها في مواجهة انتقادات حادة ومتزايدة، برغم كل التأييد والدعم اللذين تحظى بهما هناك، إذ إنها باتت بنظر بعض الأوساط مصدراً من مصادر كراهية العالم العربي والإسلامي للولايات المتحدة، ومن أهم محرضات نشوء جماعات التطرف والإرهاب فيه، وعاملاً مهماً من عوامل ضعف الاستقرار في هذه المنطقة.
وبعد التوصيف السابق لانسداد الأفق أمام السلام العربي - الإسرائيلي العادل والشامل والدائم تبدو أهمية مراجعة عملية التسوية، وصولاً للبحث عن خيارات ومعادلات ورؤى سياسية تستشرف السيناريوهات المحتملة في المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة.






#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (2/5)
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (1/5)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (3/3)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (2/3)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (1/3)
- حاجة العرب إلى التنمية المستدامة
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (5/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (4/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (3/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (2/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (1/5)
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- في الدولة الأمنية
- في الثقافة السياسية
- العلمانية المؤمنة ضمانة للتقدم العربي
- تحديات الأمن الإنساني في العالم العربي
- نحو تجديد الثقافة السياسية العربية
- عبثية الانقسام الفلسطيني


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (3/5)