أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية زمن الانتباة - سميرة - الفصل الأخير















المزيد.....

رواية زمن الانتباة - سميرة - الفصل الأخير


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 01:41
المحور: الادب والفن
    


رواية زمن الانتباه - سميرة
- قومي يا خالي ريحي رأسك شوية .
والرأس يا خالي يطن، والقلب يرف.. ثلاث سنوات ونصف وها نحن نعود، وأنت يا خالي تعود إلى عاداتك.. تبدلت الأيام وتغيرنا معها ولم يتبدل خوفك علىَّ.. كنت تخاف على الرأس من كثرة الدروس، ولم تكن تعرف ما يتصارع في الرأس من أفكار وهموم، واليوم تخاف علىَّ من الإرهاق بعد خروج الناس، والكل يهنئ بالسلامة, والشارع انكب عليك يهنئ بخروج البنت من السجن.. آه يا خالي دعني أستوعب الأشياء, دعني أرتب هذا البيت في ذهني من جديد, الأطفال كبروا, ومنهم من اخشوشن صوته وسهمت عيونه, ورأسكَ اكتمل بياضاً, وأم يوسف صدرها يعلو ويهبط، يعلن عن ثقوبه سعالاً حاداً، وأمي ماذا تبقى منها, تصرف بقايا أيام.. والأيام تدور.. لم أكن أراكم هكذا قبل اليوم, أهي طاقة السجن اللعينة, كانت تخفي عني الأشياء؟ أم الشوق لرؤيتكم يوم الزيارة يصعد بالقلب والعقل، يعملق أشياءً ويتناسى أشياء، قيودنا صورتكم لنا أقوياء, فحملّـناكم فوق ما تطيقون, ولكنكم بشر وللأيام فعلها فيكم, والرأس الذي تخاف عليه يا خالي هل يدرك كل هذا, أم هو ذهول الخروج إلى صدر الناس بعد غياب.. اليوم أعود إلى الزقاق، أبحث عن أشياء ما غادرت الرأس يوماً.. أقرأ الحذر في وجوه الناس, أسأل, وأسأل, منهم من يصمت, ومنهم من يتنهد ومنهم من يهمس, أيام مضت وكل الأيام تمضي, وخطوات الرجال الذين مضوا هل خلفت خطوات أخرى, أم خلفت الصمت.. الصمت عذاب يا خالي.. وها هو البيت يهدأ, والغروب يزحف, هل تنزوي الشجاعية مع الغروب كعادتها, تترك الأزقة للخطوات التي تعرف دروبها وتحدد أهدافها.. والرأس يطن منذ الصباح, والقلب يرف ترقباً.. فرحاً,.. في الصباح تحلقن حولها.. عروس تُزف إلى الخروج والدمع في العيون.. رفيقات رحلة العذاب, والصبح شروق ووداع .
- سميرة العبد العسقلاني.. شحرور .
لحظات الوداع, أم لحظات الميلاد, وتخشبت على صدر عايدة، ودق القلب, وارتجف البدن, وسح الدمع, جذبها الشاويش انتزعها.. وبقيت عايدة خلف بوابة الحديد, وما زال القلب يرف .. هل ترف القلوب عندما يرد اسم عايدة, وهل ما زالت عايدة الأسطورة في قلوب الناس.. عروس غضبي يا عايدة, وخالي يخاف عليَّ.. ضاعت الرحلة يا خالي.. رحلة العذاب معنا كجلودنا, كل الأشياء تشارك في عذاباتنا.. ضوضاء الشارع تدق في الرأس مطارق, راديو المقهى ينعر, يوزع أغانيه على أسطح المنازل.. والأسطح الجرداء مزروعة بهوائيات التلفزيون, هل تغيرت عادات الناس, والزمن احتلال, هل نسي الناس, أم هي ظروف جديدة ومعطيات جديدة, لا بد من قراءة الأشياء من جديد.. وانطرحت على السرير تتصيد إغفاءة دون جدوى, وسهمت في سقف الغرفة, وجالت ببصرها على الجدران, فأطلت عليها صورة يوسف المشبوحة على الحائط, يوسف يبتسم كعادته.. آه يا ابن خالي, غربتك الأيام وغربتني, غربتي قيدت خطواتي, أما أنت لم تفقد خطواتك, قطعت النهر إلى الوحدات وجرش حتى استقر بك المقام في أرض الجنوب, وجدت حلمك القديم ببندقية اشتراها أبوك يوماً بمصاغ أمك وخبأها مرغماً في عروق الجميزة عند أقدام الشيخ عوض, والآن تزين البندقية كتفك، وعلى وسطك جعبة لا تفرغ رصاصاتها, كابدت الأيام, وظلت البندقية على كتفك توازن خطواتك الرشيقة, وليل الشجاعية يتبدل وابتسامتك المشبوحة على الحائط لم تتبدل, هل ما زلت تعشق الليل وخطوات الرجال, والرجال يا ابن خالي بدلوا خطواتهم, اتجهوا إلى المقاهي بعد الغروب, والنساء يتحلقن حول أجهزة التلفزيون, حتى الأطفال بدلوا أغانيهم ودخلت سميرة توفيق في حناجرهم " بالليل يا عيني بالليل " والنساء يتربصن الشهوة في عيون الليل,.. هل تبدلت الأشياء أم هو ذهول الخروج من السجن, رأسي يطن وقلبي يرف..منذ الصباح وعايدة في القلب لم تغادره, وأنت في الجنوب قلبك يرف علينا، وعلى زوجة وطفل ينتظرانك في تل الزعتر.. يسهدنا الليل, وعروسك لا بد يسهدها الليل أيضاً, ولا شك أنها تعودت خطواتك الرشيقة وتعلمت كيف تميزها, من يعشق تتعمق حاسة التمييز لديه.. والشجاعية افتقدت رجالاً توزعوا في أركان الدنيا, منهم من قطع نهراً, ومنهم من ودع الدنيا فارساً, ومعلم الفرسان اعتقلوه جريحاً, ولم يزل يحمل صدره المثقوب من سجن إلى سجن يعلم الرجال.. ترى هل ما زالت دروسه في صدور الناس..
وراحت تحاور الصورة المشبوحة على الحائط وفي الذاكرة صور وصور:
- يا خالي اطفي النور ونامي، بكرة مش راح تلاحقي على الناس سلامات وحكايات..
السلامات, وترتبت طوابير الناس في رأسها, أناس كثيرون يقفزون من بطن الأزقة والحواري والمخيم والمدينة والمدرسة والمعهد والمظاهرات رجال ونساء صبايا معلمون معلمات جنود ضباط عمال.. والخوف والمنشورات.. ودقات الصدر والأزقة.. الصدر المحشو.. الطرق الواجف على باب البيت.. الأمانة.. رجل ذُعر رفض الأمانة, ورجل صامت قبل الأمانة, وهجمت على الرأس أشياء وأشياء, وتداخلت الأشياء انضغطت الحياة في حيز الجمجمة مرة واحدة.. صداع.. وأمنية, قليل من النوم يريح الرأس المجهد ..
وفي اليوم التالي علم الناس.. حضر خلق كثيرون.. والبيت الصغير في طرف الزقاق تحول إلى محطة استقبال ووداع.. الناس تستقبل والناس تودع.. ناس كثيرون تعرفهم, وكثيرون لا تعرفهم, وأناس نبشوا في الأيام علامات حفروها وما هانت عليهم,.. وخالها يستقبل ويودع.. وأمها تستقبل وتودع.. وهي تخرج مع الناس حتى طرف الزقاق وتعود مع الناس إلى صدر البيت, وتململ في الصدر حنين قديم, جاء محمود, وجاءوا معه, اهتز القلب, رف ولم يهدأ.. فاجأتُك في الليل يا محمود.. الخوف والليل شهود علينا وعكازة أبيك تضرب الأرض حولنا أخذت الأمانة, لم تسأل يومها, واليوم تأتي ومعك الأمانة الأخرى.. وقبل أن تسأل وتمد يدك تكلمت الأمانة :
- كيف حالك يا عمتي سميرة .. إبش أخبار أبوي ؟
هجمت على الصبي, تخشبت عليه وانهمر الدمع يبلل وجه الصبي.. نضال يا ابن معلمي.. غادرك المعلم ابن خمس سنين ومضى يعلمنا.. وكبرنا معه وكبر في صدورنا, علمنا كيف نرسم الشوق على المناديل، نطلقها رسائل تصل إلى الأحبة, ومحمود يصله منديلي, يرسمه على قميص نضال, وحدقت في الصبي والمنديل المرسوم على صدره, وشهقت ورشفت دموعها تلفتت حولها.. كان محمود صامتاً تنزلق دمعته على خده.. وحسني بجانبه لم يحبس دموعه, وأم نضال تبكي بصمت, وزوجة حسني لم تتمالك نفسها وراحت تنشج, وجسدها ينتفض.. مسح أبو يوسف دمعة بللت مساحة وجهه:
- تفضلوا يا جماعة.. يا عيب الشوم .. إحنا في الزقاق .. أهلاً وسهلاً, شرفتونا ...
وهمس في أذن حسني :
- هدئ زوجتك علشان اللي في بطنها.


انتهت 1978
غزة – فلسطين
صدرت الطبعة الأولى 1979في القدس




#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رلواية زمن الانتباة - حسني
- رواية زمن الانتباه - الاستاذ ناجي
- رواية زمن الانتياه - محمود
- رواية زمن الانتباه - ابو يوسف
- سحر التركواز والقراءة الموازية - - قراءة في رواية سحر التركو ...
- في فيافي الغربة - - قراءة في المجموعة القصصية - بيت العانس- ...
- فاتنة الغرة امرأة مشاغبة حتى التعب
- ترنيمة نادل الوقت - نص
- الذهاب إلى بئر الرغبات
- مارثون مفارقات القهر - - قراءة في المجموعة القصصية - إحراج - ...
- على جناح القبرة
- مقهى الذاكرة - نص مشترك
- حكاية الليلة الثانية بعد الألف..- نص مشترك مع هناء القاضي
- تجليات الرغبة في مدار الوردة
- كله تمام يا فندم, وغياب الحقائق
- البراءة في عالم متوحش
- مكابدات الواقع في زمن بعث المراثي
- القمر لا يدخل مدار الهامش
- في جغرافيا ما فوق السحاب
- البحر - قصة قصيرة


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية زمن الانتباة - سميرة - الفصل الأخير