أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شكشك - قدس الزمان














المزيد.....

قدس الزمان


علي شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 01:17
المحور: الادب والفن
    


"قدسُ الزمان"

علي شكشك

ليس ككل الشهور, وليس ذلك فقط لأنَّ فضائلَه كثيرة, وأهمُّها أنه "شهر رمضان الذي أُنزِلَ فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان", فكان دليلاً للإنسان, والإجابةَ الخاتمة على نزولِ الإنسان إلى الأرضِ وبدءِ دوره عليها, بعد خطيئة الشجرة, وما وعد الله الإنسان: "فإمّا يأتيَنَّكم مني هدى فمن تبِعَ هدايَ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون", هي تحيل إلى ذلك المشهد الكريم, الذي لا يغيبُ عن بال البشر, حين نزل ابن آدمَ من الجنة, وهو الحدث الذي قرره الله سبحانه, دون أن يدعَ عبيده يتيهون بضعفهم الجسدي والعلمي, ودون أن يكلهم إلى أنفسهم, فكان هذا الشهرُ هو الذي نزل فيه هذا الهدى الذكر القرآن الخاتم, "هدى للمتقين", و"شفاءٌ لما في الصدور", ورسالة الله سبحانه إلى عبيده, وهذا أهمُّ حدثٍ كوني متعلقٍ بالبشر, "نزول القرآن في رمضان بعد نزولِ الإنسان", حدثٌ يمسُّ مصير الجنس البشري, وإضاءة لأشواق الروح الإنسانية وهدى لأسئلتها الكبرى التي هي غاية وجودها, ونوراً لها في طريقها ذلك لتكاملها وتحقيق غاية وجودها "وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون", ...
ليس لذلك فقط, فهو "شهرُ رمضان" يجيءُ في عز تلقائيتنا البشرية ليكون منعطفاً يصدمُ هذه التلقائية العادية ويجعل للشهورِ إحساساً مختلفاً بها, كما به, فنعي فجأة كم كنا مختلفين ونحن نستيقظُ يومياً نشربُ يومَنا وقهوتنا وننغمسُ فيها برتابةِ كلِّ أيّامنا وانهماكاتنا واشتباكاتنا, ها نحن نكسرُ الرتابةَ في القهوةِ والوقتِ والمشاعرِ, ونستيقظُ فينا, نتبرعمُ مختلفين حتى في إحساسنا بما سبق من شهور, وتُستحَثُّ في موطنٍ ما مِن مكنونِنا حواسُّ تَرى ما لم نكن نرى, هل تغيَّرَتْ الأشياءُ؟ أم رأيناها كما هي بعد أن امتلكنا من أدوات الرؤية ما لم نكن نملك؟ أم انزاحت حُجُبٌ كانت تحولُ ما بيننا؟ وهذا يفتحُ على أسئلة المعرفة والحقيقة, وعلى حقيقة المعرفة وتعريف الحقيقة, دون أن نضطرَّ لاستخدام مصطلحات الإبستومولوجيا,
وهو إذ يكسِرُ عادةَ الغريزة, وبداهةَ الاستجابة لنداءات الإنسان, كلِّ نداءات الإنسان, دون أنْ يكونَ مانعُ تحقيقها عدمَ القدرة أو عدمَ الوفرة أو عدمَ الإمكان, إلا الاختيار, محض الاختيار, فإنَّ هذا يولّد نفَساً جديداً وهواءً مختلفاً, يدفعُ لإحساسٍ مختلفٍ حتى بالمحسوس, وتستيقظُ نهاياتٌ عصبية وتتجدد أخرى كما لو قمنا بإعادة جلائها أو توليدها وكما لو كانت تستهوي المهيِّجات لأوّلِ مرة, تُرهَفُ حاسّةُ الحاسّة, كما لو كانت الحواسُّ تتغذى بالحرمان وتنضجُ بالعزلةِ وترتقي بالصيام, بل تكاد تنبتُ كُوّاتٌ أخرى تَفتحُ على ما يتسرّبُ من بين أصابعنا حين نحاولُ أن نلجمَه بالإبهام, بعد إزالة شمعِ الأذن الكامل يسترجع السمعُ صفته الأولى القادرة على تمييز حفيف الستائر واحتكاك الهواء بأوراق الأشجار,
وإذا كان الإنسان يصدرُ في كينونته الكاملة عن مصدرٍ واحد ويستجيبُ كوحدةٍ واحدة للمؤثر , فإنْ افتقدَ شيئاً فهو لا يجوعُ فقط ولكنه يتألم, ويغضب ويثور ويتحرك ويُعمِلُ عقله ويُخطط وقد يتآمر وقد يحقد ويحسد وقد يستحثُّ هذا فيه الفكرَ والتأمُّلَ وقد يعتنقُ فكراً ما شرقياً أو شماليا, ويحدثُ كلُّ هذا بانسيابٍ وسلاسة دون قرارٍ منه بذلك, فهو كذلك حين يُحرَمُ مِن تلقائيته البشريّة والاستجابة لنداءات الإلحاحات التي تشدُّه لأبعادِه الأسيرة للعالم فإنّه يسري في أبعادٍ أخرى, كأنَّ تلك الاحتياجات كانت تغلِقُ مسامَّ بصائره, أو تغشى على بصائرَ مجهولةٍ فيه, فتحرّرها وتفتحُ الطريقَ أمامها لترى أو تُحِسَّ أو تُدركَ ما لم تكن حتى الآن قد أدركتْ, وتسبر دروباً أخرى, كأنّه إسراءٌ بالذات وقد تحررت بالصبر الجميلِ من حبال الجذبِ إليها, وانفتحت على جوانبَ فيها كانت محجوبةً بصلصالٍ هو أصلُ الخلق فيه, ويتحرّرُ من سلالة الطين, إسراءٌ واستعلاءٌ يكشفنا لنا ويُجلّي المشهدَ العامَّ كأنَّ العالَمَ غيرُه, وقد تجاوزنا ظاهِرَه الذي وَقَرَ في وعيِ حواسنا, ما يكفي لومضةٍ أنْ نستشرفَ بما لا تقدِرُ عليه لُغةُ لسان الحواس, حين تجدُ الحواسُّ ذاتها بلا مرجعيةٍ مخبريّةٍ تستندُ إليها, وكيف تصفُ "ما لم تُحِطْ به خُبْرا", كأنَّ مساحة الجسد في النفسِ تنكمشُ لتترك فُسحةً للروحِ, "لِأمْرِ ربّي", "ويسألونك عن الروحِ قُل الروحُ مِن أمر ربي وما أوتيتم من العلمِ إلّا قليلا", فــ"سبحان الذي أسرى بعبده من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى الذي باركنا حوله لنريَه من آياتنا إنّه هو السميعُ البصير",
فإذا كان المسجدُ الأقصى هو رحلةُ الإسراء والمعراج وهو آياتُ الله وكشفُه لخاتم أنبيائه "وهو بالأفق الأعلى ثُمَّ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى", "لقد رأى من آيات ربِّه الكبرى", وإذا كان "كلُّ عملِ ابن آدم له إلّا الصوم فهو لي", وقد نسبه الله سبحانه إليه, وقد واعدَ اللهُ سبحانه موسى أربعين ليلةً يصومُ فيها قبلَ أن يُكلمَه اللهُ السُّبّوحُ القُدّوسُ ربُّ الملائكةِ والروح, كأنَّ الصوم إسراءُ الروح إلى بارئها ... كأنَّ رمضانَ - وهو شهرُ الصومِ وقد نزلَ فيه القرآنُ - قدسُ الزمان, وكأنَّ القدسَ رمضانُ المكانِ وكلِّ أبعادِ العالم بما فيها الزمان.


[email protected]





#علي_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس ستملأ الأفق
- فرادة النكبة -وطن حيّ لا تقطنه روحان-
- نحن المضاف إليه في {أرض الميعاد}
- مسرح في المسرح
- الكريم يُكرّمُ الكريم -وسام في الجزائر-
- غزة تتجلي
- الشهيد القائد كمال ناصر
- صوت الضمير
- الهيكل
- ناجي العلي ’على هذه الأرض ما يستحق الممات’
- الفلسطيني المسيح
- غضب الحكمة
- أم الفحم
- بؤرة استيطانيّة لاشرعية
- خربشات على ضوء الفوسفور
- سوناتا للبابا - شاهداً على نهاية يهوذا-
- أغنية فرح لإفريقيا
- الخيمةُ … الآن
- السفينة
- بين اتمامين


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شكشك - قدس الزمان