أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية زمن الانتياه - محمود















المزيد.....

رواية زمن الانتياه - محمود


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2795 - 2009 / 10 / 10 - 01:50
المحور: الادب والفن
    


- 1 -

الغروب والشمس ترسل أشعتها صفراء مكدودة تحط على صدر البحر, يلمع البحر, ويلمع الزبد الأبيض على متون الموج, والموج مرايا مشروخة تعكس الضوء, وهدير البحر يموت خافتا على شاطئ يافا, وموقف تجمع العمال وللوقت حدود, والساعة في ميدان الساعة تيبست عقاربها وعلاها الصدأ, والعمال ما زالوا ينظرون إلى العقارب الجامدة ويحثون الخطى, فالليل ممنوع في يافا, ومكتب أبي رجب يستقبل العمال, والعمال تجارة, ينمو المكتب, ورجب ضابط مهزوم, انغمس في اللعبة مع شلومو فأنكرته شوارع يافا القديمة, وقيل أنه تزوج من عبرية ونسي لسانه معها منذ الليلة الأولى, ومضى يبحث عنه فاهتدى إلى شلومو, ودخل سوق العمال بعد حزيران, والساحة تكتظ بهم الساحة الصغيرة في العجمي, بقايا أجساد يسندون ظهورهم على جذوع الأشجار العارية.. آه يا خالي انقصفت هاماتها.. وخاله يصارع الصداع والسعال في المخيم, ينتظر صرة الملابس على باب مخزن التموين كل شتاء, وفي كل شتاء يتدثر بالبطانية ويتنهد كلما تذكر حرش العجمي, ويحدث ابن أخته, وكانون النار يشهد على حكايته.. يسعل:
" كانت الساحة حرشاً كثيفًا تتوه فيه الشمس, وكنا نستدرجهم إليه ونتحالف مع المساء والأشجار لاصطيادهم.. أشجار العجمي كانت أشباحاً مرعبة, وكنا يا محمود لا نحسب للدنيا حسابا"
وها نحن نحسب لكل لحظة حساباً, وبقايا الأشجار المقصوفة ترعبنا وزحف المساء والليل غول يؤرقنا, ورجب وشلومو هراوات والليل في يافا محرم علينا, وانتظار سيارات غزة يستنفذ بقايا النهار والأعصاب, الشباب يقفزون خلف كل سيارة تلوح, وللسيارة سعة محدودة.. ومحمود شاب خفيف قفز إلى صندوق السيارة المجنونة.. والسيارة تمشي بهم محطات.. الحياة محطات كما يقول حسني.. هل يحصي محطاته إلى مصنع بولجات, أم أنه يغفو من الإجهاد.. والطريق إلى غزة يذوب, يسبل محمود رموشه يتصيد إغفاءة قصيرة, والغفوة في صندوق السيارة المنطلقة إلى غزة عبث.. يحدق في الشيء الأسود اللزج ذلك الوحش الممتد بطول الرحلة والإغفاءة حلم يحوم في سقف السيارة, يمتطي ثعابين الدخان المنطلقة من سجائر العمال, ظهره يستند على ظهر صندوق السيارة, بالكاد حشر نفسه بين العمال, وخاله بالكاد يغالب السعال قرب كانون النار, ويمسح دموعه التي تنهمر من شدة السعال, ويمخط بكم بالطو الإعاشة, يتحسر على أيام يافا وبطولات الميناء, ولا يتوقف عن إشهاد أبا محمود على الحكايات.. أبو محمود ماتت خطواته يوم صعد عتبة باص العمال المتجهة صوب يافا, وقبل أن يصل المقاعد طارت ساقه ولم تعد, وانتشر العمال في كل المطارح وانتشرت أسطورة الساق التي فُصلت عن صاحبها وظلت تتحرك, وتحرك محمود مع العمال شاباً صغيراً, تتقاذفه المطارح وتؤرقه الساق التي طارت ولم تعد, وخيل له أنه نسي كل شيء ما عدا الساق, وتوالى الليل مع النهار ومرت الأيام, حتى طرقت بابه الصبية في الليل, والليل في المخيم خوف وحذر.. ظهرت في العتمة وفي العتمة اختفت:
- الأمانة يا محمود.
حدق في عينيها كانتا باتساع المكان, لفح أنفاسها أوقف الكلام في حلقه, واتسعت دائرة كبيرة في قلبه كان قد أغلقها, ومضت, وها هو بين العمال والمساء يزحف, ورجل متوسط العمر يجلس على باب السيارة قد يكون ضحية محتملة لحادث طرق, قد يرتطم جسده ويتدحرج وتسحقه السيارات المجنونة, ويمضغه الإسفلت وينتهي إلى قضية تأمين تائهة ويتحول إلى حكاية يمضغها الناس بعد أن مضغه الإسفلت.. تقزز من خواطره وانتابته رغبة في التقيؤ.. والرجل ما زال جالساً على الحافة ولم يقع الحادث بعد.. ما أبشع اللحم الآدمي عندما يتحول إلى صمغ يملأ فجوات الإسفلت, وتصبح عقل الأصابع المهروسة نتوءات سرعان ما تسويها الإطارات المجنونة.. طريق العودة يذوب أسدود.. عسقلان.. والرجل الضحية المتوقعة هل يعود إلى زوجته وأولاده, والعودة حلم يراود الجميع منذ خروجهم مع الفجر, ومذ سماعه دقات عكاز أبيه في ساحة الدار, كانت العكازة تعذبه عندما كان يري أباه يتأرجح في المشي قبل أن يعتاد عليها. كان أبوه يكشف له الطريق, ثم اكتفى بالدق على باب حجرته حتى لا يتأخر في النوم, وصار الصحو مع الفجر عادة, والعودة في الليل عادة, والرجل الجالس بطنه فاقع يكاد يخلو من المصارين, عروقه نافرة, وظهره تقوس يقاوم اندفاع السيارة, فعل غريزي " لكل فعل رد فعل" السيارة تندفع للأمام والجسد قوس مشدود للخلف, تتحقق المعادلة.. والمعادلة ذات حدين, بقايا معلومات مدرسية, ترك المدرسة ولم يتعلم بقية المعادلات, ودخل معادلة الصباح والمساء, فهل يدخل أطفال الرجل القوس المعادلة فجأة؟.. وفجأة ظهرت سميرة, أخذ سلمته الأمانة وعاهدها صامتاًً, وصار أبوه حارسا عليها, وسجنت سميرة وما زالت الأمانة.. أهو القدر؟.. سحابة حزن طافت برأسه المصدوع.. يوم ضرب الباص كان يحلم بالمدرسة, يفكر كيف بالتقاط الإشارة من أستاذه ليهيج المدرسة, وبدلا من الذهاب إلى المدرسة خبأ الساق وخبأ الدموع, خروج أبوه من المستشفى وأصر على دفن الساق قبل الذهاب إلى البيت, وقبل أن ينزع الشاش عن مكان البتر, وركبه العناد, وأصر أن يبني للساق قبراً, واشترى من حارس المقبرة شاهدين من رخام رخيص, مددوا الساق وأهالوا عليها التراب, عندما غادروا المقبرة سألهم الحارس:
- نسيتم كتابة أسم الفقيد على شاهد القبر!
صرخ الأب هلعاً:
- المرحوم!! من المرحوم؟
وسقط مغشياً عليه, وصرخ الحارس:
- رشوا الماء على وجهه.. الله يساعد الناس.. ساعة الفراق صعبة.
وغادر محمود المدرسة, وكثرة العيال تورث الفقر يا أبي, والفقر لازمنا كجلودنا.. ويوم رجع إلى المدرسة يسلم الكتب, هزه الأستاذ ناجي, وصرخ في وجهه:
- مجنون تترك المدرسة! بكره تندم..
جال ببصره بين الطلاب والأستاذ يصرخ, سلم الكتب ولم يودع أحدا..وعند الباب أجهش بالبكاء وتمتم "الدروس لا توفر الرغيف يا أستاذي الحبيب".. وفي الذاكرة ما زالت بعض الدروس, لكل فعل رد فعل, قانون نيوتن يا معلمي, ورد الفعل يجعل الرجل خطاً بيانياً كثير التعاريج, ما ألعن رد الفعل عندما يعطل قانوناً آخر, وكاد يصرخ " الجسد الآدمي أكبر من كل القوانين" لكنه أمسك.. خاف على الرجل الجالس على باب السيارة, قد يختل توازنه ويصبح ضحية مؤكدة لحادث طرق..
العتمة غلفت الأمكنة, أشعل عود الكبريت فانطفأ العود, عدل عن التدخين وهجمت عليه الصور, الساق والعكازة, الليل والأمانة, سميرة وأبو يوسف, والأستاذ ناجي والمظاهرات.. وخففت السيارة من سرعتها, دخلت حدود غزة, والعمال من حوله نيام وبعضهم تحول إلى شخير مجهد, هذه الأجساد تخرج من البيوت قبل أن تمسح قذى الليل عن العيون, وتعود مع المساء أنصاف جثث, وصندوق السيارة قد يتحول في لحظة إلى تابوت جماعي.. انتشرت العتمة وسكنت صندوق السيارة, وخرج صوته متهجداً:
- وصلنا يا جماعة.
بيت حانون.. بين لاهيا.. جباليا..
- يا جماعة صحوا النائمين.
وارتاح كمن هتف بالبشرى, ابتسم في وجه العتمة, وقفز خفيفاً يرقص أمامه طيف استعذب أن يستحضره..

- 2 –

الريح تصفر في الأزقة.. ليل شتوي, والقمر توارى خلف غيوم داكنة, والأعصاب في البيوت الواطئة تتحفز مع منع التجول الذي أصبح حالة يومية, ومحمود تناول طعام العشاء وتمدد يراجع يوم عمل طويل وشاق, بينما أخوته يلتصقون بكانون النار تراقب عيونهم الوالد الذي يقلب الجمرات. ويرهف السمع للحياة في الخارج.. فجأة تتطلع العيون الصغيرة في العيون الكبيرة, ثمة دقات على باب الدار, تتلاقى النظرات يرد الصمت على الصمت.. يعود الدق, ينهض الوالد صوته يسبق عكازه:
- مَن على الباب.
أجابت الريح صفيراً حاداً وصوت نسائي ولهاث:
- محمود موجود يا عمي؟
قفز محمود وعند الباب تسمر.. هي والريح والعتمة, وفي العتمة رأى صدرها يعلو ويهبط, وفي العتمة لمع الخوف في العينين الواسعتين, تدارك دهشته:
- أهلاً وسهلاً.. تفضلي.
- أريدك في كلمة صغيرة,
وخطت بعيداً عن الباب, وقبل أن يخطو خلفها جذبه أبوة من كتفه:
- قف عندك.. أين تروح في الليل؟
وتوجه إليها متوسلاً:
- مَن أنتِ يا مستورة, إيش عايزه منه, أخوته وراءه كوم لحم.
سميرة والمدرسة والأستاذ والمظاهرات وصوتها القوي الحاد الذي كاد ينساه.. أسابيع وشهور مرت.. ودارت في رأسه الاحتمالات:
- لا تخف يا أبي, أنا أعرفها, مثل أختي.
وخطا خلفها في العتمة, لحظات وعاد..كان صوتها مشحوناً وخوفها كبيراً.. رف قلبه وأخذ منها الأشياء أمانة.. وكاد أبوه يشق الثوب.. وفح حتى لا يسمع الصغار:
- خراب بيت يا محمود.. من يحمل خراب بيته بيده!!
تسمرا في العتمة, وتداركا خوفهما وراحا يحفران الأرض بسرعة, أخفيا للأشياء, ورجع الرجل إلى جمرات الموقد يزيل عنها الرماد, وغطس محمود تحت اللحاف حتى لا يصطدم بعين أبيه ويسترجع ما حدث.. كيف أتت في منع التجول, وأين كانت, وكيف أخذ منها الأشياء ولم يسألها أين ستمضي.. هرولت لاهثة واختفت في العتمة, وحيره السؤال: لمذا اختارته بالذات, ولماذا وثقت به.. هل هي ثقة الأستاذ تاجي!؟ وتذكر المدرسة والمظاهرات والمنشورات, أهو القدر يلعب لعبته من جديد؟ واختلس النظر لأبيه الذي انشغل بتقليب الجمرات, ولم يسأله عنها من تكون.
مرت الأيام ولم تعد سميرة, والأمانة مدفونة في حوش الدار, يحرسها أبوه الذي قاطع لعبة الريس ومربع السيجة مع عواجيز الحارة, ومحمود يتنصت على أخبار الحواري والأزقة في المخيم, يرهف السمع لأحاديث العمال, وأيام السبت يتسقط الأخبار في المدينة, ويحاول الاتصال بالأستاذ تاجي, أخذه القلق, لم تعد الأمانة ما يقلقه, ما يقلقه اختفاء سميرة..
وذات صباح, في باص العمال حدث شاب:
- الليلة أخذوا بنت من حارتنا..
رد عامل باستهجان
- يا لطيف, هي وصّلت يأخذوا البنات والنسوان, كسر العرض صعب, استغفر الله من هذا الوقت.
- ولكن هي بنت أجدع من طابور رجال.
وتوتر محمود, فالرجل يسكن حارة سميرة, أرعبه الخبر ولاح له السجن, ولاحت له سميرة, وأرهف السمع للحديث:
- وخططوا الدار للهدم.
علق أحد العمال:
- إيش استفادت!.. طيب هي سجنت, وكمان خربت بيت أهلها وشتتهم!!
أحاطت العامل نظرات الاستهجان, فتمادى:
- أكيد أحبت واحد من الجماعة ضحك عليها.
انتفض محمود:
- اخرس يا كلب.
كور قبضته واندفع نحو الرجل, وقف العمال بينهما, ساد الصمت بينما الباص يتجه شمالاً, والصباح يلفح الأجساد, ينفذ إلى العظم, وراجع محمود نفسه, لماذا خرج عن طوره؟ وماذا يظن به العمال؟ وهل يأمن ذلك العامل الوقح؟ وانهد على المقعد يفكر بالسجن وسميرة.. فهل يأتيه الدور؟ ماذا يفعل؟ وعلى ماذا يعترف؟ هل تصمد سميرة, وهل قبضوا على الأستاذ, وقفزت أمامه كل الأشياء دفعة واحدة.. المدرسة والصغار كوم اللحم, ورجل فقد ساقه, وغاب متوتراً..هل يعد له القدر لعبة جديدة!؟

- 3 –

جذعه مقصوع للخلف, ورقبته ملوية لأعلى, وثقل جسمه يقع على خاصرته, والفرشاة في يده تمشط السقف بدقة ونظام, ودهان السقف عمل شاق, تعمل وأنت ضد توازن جسمك, وطلاء الأساس الأبيض لا بد منه قبل طلاء اللون المطلوب.. أخذ التعب والإجهاد منه, قطرات العرق تنز من جبهته, تسقط على عينه, يحمر بياض العين.. تدمع وتهتز أمامه رقعة السقف, والمربع الأبيض يصبح منديلاً عليه خارطة وبندقية, هو منديلها أم مساحة السقف, ود لو يرسم منديلها على سقف حجرة في ضواحي تل أبيب, عدل جذعه واشتاق إلى سيجارة.. مص الدخان وحدق في الأشياء من حوله.. يذوب في العمل وسميرة لا تفارقه.. الأيام والأسابيع والشهور.. ستة سنتان يصله منديلها ولا يفارق صدره.. يدق قلبه كلما مر بحاجز تفتيش, وفي الليل يشم المنديل يقبله لا يخجل من عواطفه, ويشتاق لأبي يوسف, ينتظر أيام السبت لينطلق إلى الشجاعية, يقبل يد أم مسعود.. أصبحنا أهل يا سميرة, نفتقد أبا يوسف إذا تأخر ويفتقدنا.. الأيام تبدلت, والعادات تبدلت, والحياة زادت اتساعاً, أخباركم تمس القلب والحديث عن الرجال خلف الأسوار شوق محبب, وحسني أفضل من يحدث عن تجارب الرجال, ليتكِ يا سميرة تعرفينه, هو تلميذ مثلك والمعلم علي منصور, كنت أجفل من أحاديثه, كنتُ أعتقد أنه يحلم كثيراً, ولكنه علمني كيف أفهم الناس والحياة, لا أخجل فقد تعلمت على يديه الكثير, وعلمت أنه على اتصال دائم بأم نضال قبل أن يصطحبني أبو يوسف للتعرف عليها.. وابتسم.. أبو يوسف يباغتك بما يريد ولا تملك له رداً.. يوما جاءه رجل ملثم وحدثه بكل ثقة:
- سميرة تهديك السلام وتقول لك حضر الأمانة,
أخبارك تاهت عني شهوراً, والأمانة في باطن الأرض يحرسها صاحب العكازة صيفاً وشتاءً, يلهث كلما نبش الصغار بالقرب منها.. ويوما وقفت مثل تلميذ نجيب, لم أنف وجود الأمانة, ويومها همس بثقة:
- أرجع في يوم آخر.
لم أسأله من يكون, ومرت أسابع ولم يحضر, وتشعب بي القلق من جديد وعندما رجع لم يكن ملثماً.. ضحك وأخذ الأمانة, وصرنا أهلاً, ومضت بنا الأيام وأرسلت المنديل, هدية؟ أم أمانة ثانية؟ وحدث نفسه.. وها أنتَ تحمله في صدرك, ورقبتك ملوية لأعلى, وجذعك يرتكز على خاصرتك, والفرشاة نمشط السقف.. هل تعود الرقبة إلى حالتها وهل ينتصب الجذع من جديد.. حالات الصراع متى تنتهي.. وحسني يقول أن الصراع طويل ومتواصل.. وانتبه على صوت المعلم ينادي من أسفل البناية:
- شد حيلك يا محمود.. بلاش نتأخر اليوم..
- خلصنا من أساس السقف, إيش اللون المطلوب؟.
- أتركه وانتقل لسقف الغرفة الثانية.
آلمته خاصرته, دهان السقف عذاب, لو ينتهي من دهان الغرفة حتى لا يعود لها ثانية, ويكمل نهاره في طلاء الجدران, وزعق على المعلم:
- الأساس نشف خليتا ندهنه وجه البوية ونخلص منه؟.
- هذه الغرفة عايزه شغل مخصوص, عايزه رسام يرسم على السقف منظر, بعد شوية أحضر الحبل ونخطط على السقف دائرة وسطها نجمة سداسية.. هيك طالب الرسام.. ضحك المعلم وسقطت يد محمود.. ارتجفت أصابع يديه وقدميه, وقفزت عروقه تحت جلده, وأخذ دبيب الدم في الأوردة والشرايين يدق بعنف..هبط على الأرض وقرفص..لا يدري كم من الوقت مر عليه حتى وجد المعلم أمامه يهزه:
- مالك ملخوم, امسك الحبل نخطط النجمة.
انتفض, كل بدنه انتفض:
- ناقص نفصل أعلام لدولة إسرائيل كمان.
- أكل عيش يا محمود.
المعلم رجل ابيضت ذقنه ومر عليه الكثير, همس:
- لو طلبوا من مصنع خياطة تفصيل علم إسرائيل, قصدك أولاد العرب في المصنع يضربوا عن الشغل, كل عيش يا ولدي وما في القلب في القلب.
غاظه منطق المعلم.. لِمَ لا يضرب العمال العرب عن العمل؟ ولو أضربوا من يتحمل مسؤولية بيوتهم؟ وما حجم الضرر لاقتصاد إسرائيل, وما مقدار الجوع في المخيم, معادلة أين أنتَ يا حسني لتحسبها.. مطالب العمال والنقابة التي ولدت في رأسك, وأجهضت في مصنع الخياطة في غزة, وهل يسمح الاحتلال بوجود نقابة للعمال في غزة.. كلمات حسني تدق في رأسه.. قهر طبقي.. قهر قومي.. وكز على أسنانه.
- يعني لازم نجمة داوود في غرفة النوم, فبل أن ينام الخواجا يراها, وأول ما يصحو يفتح عينه عليها..
- مالك يا محمود اليوم مش عادتك, إيش يدور في رأسك, الواحد منا عبد مأمور عند لقمة العيش.. يمكن صاحب الشقة مهاجر جديد لحق نجمة داوود.
انفجر محمود دفعة واحدة:
- ويمكن يكون واحد من أصحاب شارون في الثغرة, وقاعد الآن يفاوض المصريين في الكيلو101 ويحلم بالشقة في تل أبيب, بعد ما رسم النجمة ‘على ظهور الأسرى العرب.
- يا محمود قم نشتغل, المنهيل يشوفنا يطردنا, هي دارنا يا رجل, شققهم وبيوتهم محروقين فيها بجاه النبي الحبيب..
دارنا دارهم..بلدنا بلدهم.. نحن هم.. السؤال والجواب.. وسميرة وحسني والسلق المبتورة وعلي منصور, وأطلت عليه, وجه قلق في العتمة, ودعها في العتمة, ورأى دمعة على خدها, وتذكر دمعة سالت على خده يوم صرخ فيه الأستاذ ناجي ألا يسلم الكتب.. نهض أمسك الحبل والفرشاة وتمتم مقهوراً:
- يدي لا تطاوعني..
وتربعت في جمجمته عائلة يتوسطها رجل مبتور الساق وصبية يتحلقون حول كانون النار, هز رأسه تمتم.. الألوان القذرة وغير المرغوبة تشوى بالنار قبل كشطها, أول درس تعلمه في مهنة الطلاء والتعامل مع البويات والألوان.





#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية زمن الانتباه - ابو يوسف
- سحر التركواز والقراءة الموازية - - قراءة في رواية سحر التركو ...
- في فيافي الغربة - - قراءة في المجموعة القصصية - بيت العانس- ...
- فاتنة الغرة امرأة مشاغبة حتى التعب
- ترنيمة نادل الوقت - نص
- الذهاب إلى بئر الرغبات
- مارثون مفارقات القهر - - قراءة في المجموعة القصصية - إحراج - ...
- على جناح القبرة
- مقهى الذاكرة - نص مشترك
- حكاية الليلة الثانية بعد الألف..- نص مشترك مع هناء القاضي
- تجليات الرغبة في مدار الوردة
- كله تمام يا فندم, وغياب الحقائق
- البراءة في عالم متوحش
- مكابدات الواقع في زمن بعث المراثي
- القمر لا يدخل مدار الهامش
- في جغرافيا ما فوق السحاب
- البحر - قصة قصيرة
- يسرا الخطيب.. وعطش البحر
- شرفة الانتظار
- شظايا آمال الشاذلي وسؤال النوع الأدبي


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية زمن الانتياه - محمود