أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - خلل فني طارئ : قصة قصيرة














المزيد.....

خلل فني طارئ : قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 849 - 2004 / 5 / 30 - 09:18
المحور: الادب والفن
    


كان المشاهدون يتخذون مجلسهم , أمام أجهزة التلفاز الحديثة جدا . يمسكون بأجهزة التحكم عن بعد , بقبضاتهم المتأهبة . يترقبون باهتمام غير عادي نشرة الأخبار الهامّة , إنهم يتلهّفون لوجبة معلومات وأخبار ....حول مستجدات الوضع الخطير والمثير .
غابت الصورة لبرهة , ثم ظهرت الشارة .. التي تعلن بدء النشرة , اختفت الشارة خلف وجه المذيع الجاد ..المستهلك .. المكرر.. والممل . وكالعادة , انطلق المذيع بحماس , فمه يطلق الكلام كالرشاش , كانت العصبية وكان التوتر باديا على أسارير وجهه ذي الملامح القاسية , التي تبعث على التوتر . بدا متحيزا , وكأنه طرف فيما ينقله ويقوله . وكالعادة ظل نصفه الأعلى ثابتا , كأنه مرسوم في صورة , فقط فمه يتحرك كفم رجل آلي , بينما ينقل نظراته بين الورقة التي أمامه وجمهور المشاهدين . الورقة لم تظهر لأنها دون المستوى الظاهر من جسم المذيع , وكا ن
واضحا للمشاهدين .. أن المذيع لا ينظر إليهم , ولايراهم , بل ينظر إلى عدسة " الكاميرا " , ولايرى أمامه سواها .
تمايزت اهتمامات المشاهدين , بعض ركز اهتمامه على فمه الذي لا يتوقف عن الحركة , آخرون
دققوا في نبرة صوته ولهاثه وأنفاسه , فئة ثالثة .. رصدت حركة عضلات وجهه الكريه , وتفاصيل ذلك الوجه المألوف جدا , فئة رابعة انشغلت بثيابه وربطة عنقه , وتساءلت عن نوعها
وجودتها وملاءمة ألوانها , فئة خامسة تابعت خلفية الصورة وأسلوب التصوير , والإخراج , ودور المذيع في حياتنا , وعلاقته بما يقوله , وموقفه من " الكاميرا " والأخبار . ومن المؤكد أن هناك فئات أخرى كثيرة , اهتمت بحياة المذيع الشخصية , وتفاصيلها : كالاسم والعلاقة مع الزوجة والأولاد والجيران والأقرباء والأصدقاء والأشياء ... مثل الأثاث وغرفة النوم والحمّام والثياب الداخلية والنوافذ والستائر والهوايات وغير ذلك مما يصعب إحصاؤه وحصره ...
كان المشاهدون ينظرون إلى الشاشة , وكان المذيع ينظر إلى العدسة ., المشاهدون يرون صورة المذيع , لكن المذيع لايرى المشاهدين .. ولاصورهم ؟؟؟
تثاءب المشاهدون .... وكادوا يضغطون على زرّ إيقاف التشغيل في أجهزة التحكم التي يمسكون بها لولا ... أن ذبابة حطت على القسم الأيمن من وجه المذيع : بالضبط أعلى الوجنة , وتحت العين . احتقن وجه المذيع . رقّص عضلة خدّه ليذبّ تلك الحشرة الوقحة , لكن الذبابة لم تعبأ بمشاعره وأحاسيسه , مما اضطره لاستخدام يده , وبالتحديد كفه لكشها وإبعادها , الذبابة راحت
تنطّ .. تبتعد .. تقترب .. تحطّ على خده .. المذيع يهاجمها بيده .. يبعدها .. الذبابة تهرب .. تتراجع
" تاكتيكيا " ثم تبدأ هجوما معاكسا على خد المذيع . المذيع ينفعل .. وجهه يحمرّ ويحتقن .. يكشها
فتهرب مجددا .. تناور .. تستفزّه .. تستقر تحت عينه اليمنى . المذيع يتململ , يضطرب , يتعرق
وجهه . . ولم يعد بوسعه أن يظل جامدا كتمثال بعد أن حار في أمر تلك الحشرة الوضيعة , التي تستهدفه , بل تستهدف كرامته وسمعته , وبالتالي مجده .. قرر أن يفعل شيئا ضد تلك الحشرة التي لا تخجل , فكر : " إنه دفاع شرعي عن النفس " . / كان المشاهدون يتابعون تلك المسرحية الفريدة بشغف غير عاديّ / .
المعركة بين الذبابة والمذيع تستمرّ .. تحتدم . رفع المذيع يده إلى فمه وعطس .. ثم سعل .. عاد ليكش الذبابة الملعونة بلا جدوى .. سرق نظرة إلى المشاهدين ليعتذر منهم ولهم . ضحك المشاهدون بشدة , حينما قال لهم : عفوا .
عادت عيناه إلى الورقة التي بين يديه , والتي لايراها المشاهدون المتابعون . مضت لحظات قبل أن يتمكن المذيع من العثور على آخر كلمة تفوّه بها .
عادت الذبابة تعابثه , و حطت على جبينه . أخذ الجبين يتقلص . . و ينبسط, و بدل أن ينظر المذيع إلى المشاهدين, راحت حدقتاه تخطئان مكانهم. و تتجهان إلى الأعلى, حيث الجبين و الذبابة, كادت حدقتاه تغيبان . . و كاد بياض العين يستهلك كل مساحتها. .
استمر المشاهدون بالضحك , عندما استقرت ذبابة ثانية على الجهة اليسرى من وجه المذيع, و بدأ هذا الأخير يتلعثم . . و ازداد تعرقا و نزقا. سعل. كش الذبابتين. . عاد إلى ورقته . استمر ضحك الجمهور. ذبابة ثالثة اختارت زاوية فمه ,.بدأ الكلام يتآكل والشفتان تلتويان في محاولة لكش الذبابة سعل. كش الذباب, اعتذر. ضحك المشاهدون . . ذبابة رابعة . . خامسة . . اختلطت الحروف و الكلمات . . احتقن الوجه, غطاه العرق. دارت حدقتا عينيه في كل الاتجاهات. و تراقصت عضلات وجهه. . بشكل فوضوي. و بدأت يداه تكشان يتكاثر, و أخذ المذيع يسعل بشكل متواصل, و يكش الذباب , و يعتذر ,ظهرت الذباب الذي الورقة في يده, راح يذب الذباب بها , تعالى ضحك الجمهور, المذيع يعتذر , الضحكات تصم أذنيه كان المشاهدون ينظرون إلى الشاشة, و لكن المذيع لم يعد ينظر إلى العدسة,بسبب الذباب, الذي استمر بالتكاثر و الهجوم و الغزو و احتلال وجه المذيع.. غطّى الذباب الشاشة بكاملها, و غطى ضحك المشاهدين غرف منازلهم.
قطع البث.توقف الضحك. ثم ظهر وجه مذيعة تقول :
- نعتذر عن هذا الخلل الفني الطارئ .
قطع البث مرة أخرى. و لكن هذه المرة بسبب ضغط زر إيقاف التشغيل في الريموت كونترول,
من قبل المشاهدين الغاضبين بسبب حرمانهم من المشهد الميلو درامي الفريد.
هدأ المشاهدون تثاء بوا وهم يضعون أكفهم على أفواههم. ثم تمطوا . . و غطوا في سبات عميق
خال من الكوابيس و الأحلام.



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روبوت : قصة قصيرة
- -الناسك- قصة قصيرة
- شعر: إشاعة
- مفهوم الشرعية حول قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت
- الماركسيون اللا ماركسيون
- من الماركسية المحافظة إلى العلمانية
- الدمّية
- الدمّية
- السلطة الخامسة : سلطة الشعب
- قبل أن يسبقنا الوقت إلى الأصدقاء الديمقراطيين - احذروا الأصو ...
- نحو إعادة إحياء التيار الليبرالي
- من الميكافيللية إلى الديمقراطية


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - خلل فني طارئ : قصة قصيرة