أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل البيطار - شهادة - حيدر- وشهادتي...عن المجاهدين المنافقين .















المزيد.....

شهادة - حيدر- وشهادتي...عن المجاهدين المنافقين .


فيصل البيطار

الحوار المتمدن-العدد: 2789 - 2009 / 10 / 4 - 15:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خلال تسيعينات القرن المنصرم ، كنت اعمل في مجال المقاولات الانشائيه وفي المدينة التي لا يموت عشقي لها الا بموتي انا ... بغداد التي احب . كان عملي يتطلب مني في بعض الاحيان ان اتوجه الى " المسطر " ، وهو المكان الذي يتجمع فيه العمال المهره وغير المهره ، لإختار منهم من سيعمل معي ذلك اليوم او ليومين تاليين او اكثر .
صيف عام 1991 كانت قد احيلت علي من وزارة الاوقاف والشؤون الدينيه العراقيه مقاولة ترميم جامع العاقولي والذي يقع في محلة العاقوليه ، تلك المحله التي حملت اسم الشيخ العاقولي المدفون في جامعه ، وهي عباره عن زقاق ضيق يصل شارع الرشيد بشارع الجمهوريه .
عملية الترميم لا تحتاج في بدايتها الى عمال مهره " خلفات " بل الى شبان يافعين اقوياء يجيدون الهدم والتكسير والقلع ونقل الانقاض الى اماكن تجميعها . وهذا ماكنت ابحث عنه في "المسطر" صبيحة ذلك اليوم اللاهب من ايام صيف بغداد . في " المسطر" استقر رأيي على شاب يبدو مفتول العضلات و في وجهه تلوح سمات الطيبه ممزوجه بشيئ من الانكسار . ولأنني اعلم ان هؤلاء العمال يأتون " لمسطرهم " كمجاميع .... إخوه او اقرباء او اصدقاء فقد طلبت منه ان يأتيني بثلاثه من ربعه .
كان اسمه " حيدر" وهو اسم غالبا ما يتوسل به كادحي الطائفة الشيعيه ضمن اسماء اخرى الى ربهم ونبيهم وإمامهم علهم يرفعوا عنهم شيئا من شظف العيش ورقة الحال ، التوسل هذا ليس خاصا بهذه الطائفه فقط ، بل يشمل طوائف واديان اخرى بالطبع . في العاده يبدي هؤلاء الكادحين شيئ من المكر الساذج اثناء عملهم ، فهم يعملون بطاقه عاليه في اليوم الاول عندما يلاحظون ان ايام العمل ستطول كمحاوله لدفع صاحب العمل للتمسك بهم وليكرر حضورهم لليوم والايام التاليه . وعندما يتأكدون انهم باتوا اهلا للثقه ، تبدأ رحلة تراخيهم فيما لو ادار صاحبهم ظهره وترك موقعه لسبب او آخر . اقول مكر ساذج لأن المقاول يعلم بخبرته كمية ونوعية العمل الذي يجب انجازه في ذلك اليوم فيما لو ترك موقعه.
كنت اترك "حيدر" واولاد عمومته واذهب لأجلس في ذلك المقهى الشعبي الصغير القائم في احد " درابين " العاقوليه لأقرأ ما تيسر لي ان أقرأه .... او اغادر لإنجاز عمل ما . مرت عدة ايام وعصبة حيدر بزعامته التي البستها له لا تبدي اي تراجع عن نشاط وفتوة اليوم الاول ..... عملت على توثيق العلاقه معهم ، فعلمت انهم من ابناء واحده من القرى التي تلف مدينة " العماره" وتعطرها بنكهتها الشيوعيه الزكيه ، وانهم لم يكملوا دراستهم ما قبل الجامعيه بعد . وقد اعتادوا منذ زمن ، هم والكثير من اقرانهم من ابناء الجنوب على النزوح نحو المدن في العطلة الصيفيه ليكدوا هناك طيلة الاشهر الثلاثة القاسيه بحرّها وغربتها وليجمعوا ما يعينهم على اكمال دراستهم ويعينوا اهاليهم بالنذر القليل مما يدخرونه . في بغداد ، كانت حياتهم قاسيه فغدائهم يحملونه معهم الى موقع العمل وهو لايتعدى وفي كل يوم بضعة ارغفه من الخبز مع قليل من حبات الطماطه ورأس بصل او رأسين ، ثم " استكان التشاي" الذي لا غنى عنه في ذاك المقهى الشعبي اياه . اما مبيتهم واقامتهم فعلى سطح احد فنادق " البتاويين " حيث يقع مسطرهم ، يفترشون سطح الفندق هم وجميع النزلاء بعد ترطيبه بشيئ من الماء عله يقهر شيئا من حرارة تلك الخراسانه اللعينه وتخفف قليلا من غليانها لتكون بردا وسلاما على حيدر واقرانه تلك الليله . لا يعرفون شيئا عن الترويح عن النفس وتطييبها ، اللهم الا التسكع قليلا في شارع " ابو نؤاس" او شارع " "السعدون " دون ان تكون لهم المقدره على شراء شيئ مما تشتهيه الأنفس . احببت مجموعة حيدر وحيدر بشكل خاص . كانوا مثالا للمناضلين الثوريين غير المنتمين ، بكدحهم وتضحياتهم وطيبتهم الغريبه ، تلك الممزوجه بقلة مافي اليد والخوف الدائم مما سيأتي به الغد ، تلك الطيبه التي يصعب ان نراها بعيدا عن اهل قرى جنوب العراق فهي هناك المتسيده كل الطباع . غير المنتمين لأنه لم يكن هناك من فرصه للإنتماء في ظل قمع وارهاب نظام صدام حسين الذي غيّب حزبهم الطليعي منذ عقد ونيّف من الزمن .... في وطنهم الزاخر بالثروات كانوا مغربين ، مقموعين محرومين ، وكما رأيتهم أنا " الغريب" مرعوبين .... تهتز ابدانهم مع كل حدث مهما صغُر ، فالقتل موزع على دورهم وازقة قراهم ومدنهم بعدل " صدامي " نادر . امنيتهم القريبه من اعينهم هي اكمال دراستهم والحصول على شهادة جامعيه علها تعينهم وتعين اهاليهم بوظيفة لها راتب ثابت . فلا من امل قريب او بعيد بزوال كابوس " البعث" الثقيل وغد أجمل واكثر اشراقا . واكاد ادعي ان حيدرا قد احبني ايضا ووثق بي . وعندها وعندما توجد مثل هذه العاطفه فان كل الحواجز بين الطرفين تتكسر... اطلعني حيدر على كل ما اردت معرفته عنه وعن عائلته وقريته ، كيف يسكنون وماذا يأكلون ويلبسون وكيف يقضون ساعات يومهم بعد الدراسه ... احوال الكهرباء والماء والسل والجرب والبلهارسيا ، الصراع مع الارض والنوم مع اسراب البعوض بعد عشاء الخبز و " التشاي" .... والخوف الابدي .
كنت اصدقه بكل ما يقول ، فلا تناقض مع ما سمعته من غيره وما شاهدته انا بأم عيني في اقضية جنوب العراق ونواحيه .
قال لي حيدر ان مدينة العماره والاقضية والنواحي التي تزنرها قد عاشت اياما مجيده اثناء الانتفاضه العفويه ، فقد لاح في الافق اخيرا بصيص من الامل ، لقد فر ازلام النظام من بعثيين ورجال امن ومخابرات بسرعة البرق ، ومن لم يستطع فقد قتلته جموع الثائرين انتقاما لسنوات من القهر والعذاب . وتم االسيطره على مقرات ومؤسسات النظام ودونما جهد يذكر ، وبالقليل من البنادق والكثير من العصيّ . ولكن ... لا شيئ اكثر من هذا . ايام مرت دونما اي عمل للثائرين وكأنهم بإنتظار عودة النظام وادوات قمعه ، ذلك الذي حصل بعد ايام عذراء قليله اذ وبعد ان قُمعت الانتفاضه في محافظات شمال العماره ، وصلت اجهزة السلطه للمدينه وتم السيطره عليها بلا مقاومة تذكر ، وفر من استطاع من الثائرين باتجاه اهوارها ، ملجأ الثائرين الدائم منذ "حركة الزنج" و ثورة " القرامطه" وما قبلهما وما بعدهما . اجهزة السلطه هذه المره لم تكن وحدها - يقول حيدر- كانت قوات منافقي خلق ( وهي التسميه التي اطلقها اهل جنوب العراق على منظمة مجاهدي خلق) جنبا الى جنب قوات السلطه المركزيه . ويقول ايضا ان منافقي خلق كانوا يداهمون النواحي والاقضيه والقرى العراقيه ليل نهار ويتولون تفتيش المنازل بحثا عن الاسلحه او ما من شأنه ان يوجه تهمه العصيان والتآمر لقاطني المنزل ، كانوا بصحبة ادلاء ملثمين من العراقيين اتباع النظام . سياراتهم كانت من نوع تويوتا بيك أب خاكية اللون تحمل رشاشات الدوشكا مع طاقمه وسيارات اخرى من نوع لاند كروزر محمله بالعسكرين من رجال ونساء يرتدين الحجاب اسفل خوذة الرأس.... كانوا يتكلمون الفارسيه وكانو مقاتلين بهندام يختلف عن هندام العسكري العراقي ، شاركوا قوات السلطه كما قال حيدر باشتباكات مع مقاومين ودخلوا بعض مناطق الاهوار واعتقلوا بعض الناس منهم زوجا لخالته ( لصيفين تاليين عمل حيدر معي في مشاريع اخرى ولم يكن لزوج خالته من أثر حتى ذلك التاريخ ) . وقتلوا آخرين واسكنوا الناس بيوت الرعب من جديد وهم يحرسون مفارق الطرق ويطوقون تجمعات سكنهم ويطوفون بالشوارع كل ساعات اليوم ... كم عددهم اذن يا حيدر ؟ "هوايه" يقول حيدر .
اثناء العدوان الثلاثيني على العراق والذي قادته الولايات المتحده الامريكيه بمشاركة دول عربيه ( سوريا واحده منها .. وملعون هو من لا يقرأ التاريخ) كنت لا احرم نفسي من لقاء الاصحاب نهارا في مكتبنا او في هذا المنزل او ذاك .. نتناقش ونحلل على اصوات قرع كوؤس " العرق " وقبل المغيب حيث تبدأ معه غارات طيران وصواريخ " الحلفاء"،
اكون في منزلي مع ضجيج المولده الكهربائيه . الطريق الذي اعتدته اصبحت لا اسلكه ، فقد ضُرب " الجسر المعلق" وتم تعطيله . وبهذا اكون مضطرا لأن اسلك طريقا اطول..من " الكراده الشرقيه " متجها نحو " المسرح الوطني" و"شارع السعدون" و" الباب الشرقي" ثم احد الجسور باتجاه " الحارثيه" حيث اسكن . في طريقي هذا أمُر بـ "ساحة كهرمانه " التي يطل عليها بناء ضخم من ستة طوابق (ان لم تخني الذاكره) وهو واحد من منشآت عديده ضمن مربع واسع احد ضلعيه " ساحة كهرمانه - ساحة الاندلس" يضم مقرات لمنظمة مجاهدي خلق اياها . كانت الحراسه حول هذا المربع وكما اراها وانا في طريقي شديده للغايه ، فبعض سياراتهم المسلحه تمسك برؤوس الشوارع واخرى تجوبها على مهل ، لكن اشد ما كان يثيرني أن اراها وهي محمله برشاش " الدوشكا " تجوب شوارع تبعد عن مقرها ذاك عدة كيلومترات . من قرب " ساحة الحريه" وحتى "الباب الشرقي" ومن جهة الكرادتين " الخارج والداخل" وهي مسافة تطول لتصل ربما الى ستة كيلومترات او اكثر .
بعد انتهاء عدوان الستة اسابيع اصبحت لقاءاتنا تطول لما بعد الغروب بساعات عده ، وكان طريقي نفسه لا يتغير، وكانت دورياتهم نفسها لاتتغير . والمهم في الامر انه لم يكن هناك من أثر للسلطه او لأي مظهر من مظاهرها ، بل ولا حتى سيارة نجده واحده او شرطي مرور واحد . كان واضحا وحسب مشاهداتي ان منظمة مجاهدي خلق قد تولت وبالنيايه عن السلطه ، حماية هذه المنطقه الواسعه والهامه جدا حسب ما يعرف ابناء بغداد .
بحكم عملي كمقاول ، اتيحت لي الفرصه لأن ادخل معسكر مجاهدي خلق في "العظيم " عدة مرات عندما كانوا بحاجه لعدة "تانكرات" تحمل الماء لري مزروعاتهم ولبناء عدة منازل من ذات الطابق الواحد . المعسكر كان يمتد على ارض ذات مساحة واسعه ، للسكن والزراعه والتدريب وايواء آلياتهم التى كنا نراها في استعراضاتهم العسكريه الضخمه والتي كان يبثها تلفزيون العراق بشكل دائم وفي الساعات المخصصه لهم ببرنامجهم اليومي. كانوا يمثلون قوة عسكريه وبحجم كبير لعبت دورا لم يكن مخفيا في التدخل بالشأن العراقي الداخلي وفي قمعه لشعبه متحالفه مع جزاريه ، ولم يمثلوا ولأية لحظه مجموعة من اللاجئين المسالمين حتى ينبري الآن انصار النظام القديم والبعض من المتلحفين بالقوانين والاتفاقات الدوليه للدفاع عنهم من غير وجه حق . الأخبار التي يتناقلونها حول اضطهاد سكنة المعسكر ليست بالصحيحة فما حصل ليس أكثر من ان دولة ارادت ان تفرض سيادتها على جزء من اراضيها ، جوبهت قواتها بالسواطير والسكاكين مما ادى الى مقتل بعض العسكريين العراقيين واعتقال ست وثلاثون من " المجاهدين " . حدث هذا منذ اكثر من شهرين ومازال البعض يتغنى نشازا بما حدث في " العظيم"... وليس اشرف .
العراق الآن على ابواب انتخابات جديده لا تفصله عنها سوى ثلاثة اشهر ، والحمله الاعلاميه وما يرافقها من نشاط ارهابي محموم لايُوظف الا لخدمة برامج انتخابيه ، على توجهاتها الف اعتراض وطني واعتراض . وهذا ليس من شأن شهادتنا هذه .



#فيصل_البيطار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قدسية المسجد الأقصى ... بين الدين والسياسه .
- لسايكس – بيكو ..... لا عليها / رؤيه واقعيه تدحض اوهام القومي ...


المزيد.....




- حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر ...
- باريس تعلق على طرد بوركينا فاسو لـ3 دبلوماسيين فرنسيين
- أولمبياد باريس 2024: كيف غيرت مدينة الأضواء الأولمبياد بعد 1 ...
- لم يخلف خسائر بشرية.. زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جزيرة شيكوكو ...
- -اليونيفيل-: نقل عائلاتنا تدبير احترازي ولا انسحاب من مراكزن ...
- الأسباب الرئيسية لطنين الأذن
- السلطات الألمانية تفضح كذب نظام كييف حول الأطفال الذين زعم - ...
- بن غفير في تصريح غامض: الهجوم الإيراني دمر قاعدتين عسكريتين ...
- الجيش الروسي يعلن تقدمه على محاور رئيسية وتكبيده القوات الأو ...
- السلطة وركب غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل البيطار - شهادة - حيدر- وشهادتي...عن المجاهدين المنافقين .