أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (3/3)















المزيد.....

أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (3/3)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2787 - 2009 / 10 / 2 - 23:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد غدا ثابتاً أنّ التجارب الوحدوية العربية لم تكن إلا محاولة استعادة بعضها لبعض، في طبعات تختلف في شكلها، بينما مضمونها لم يتبدل في أغلب الأحيان، وصعوباتها هي نفسها. فما هي الأوهام التي سقطت في امتحان التجربة والتاريخ ؟
(1)- الوحدة " الانعزالية "، حيث توهم أغلب القوميين أنّ الوحدة شأن عربي محض، طالما أنّ شروطها الذاتية، المتعلقة بإرادتنا، وشروطها الموضوعية، المتعلقة بمقوماتها، متوفرة وموجودة، وهي لذلك تعنينا وحدنا أو لا دور للآخرين فيها إلا بمقدار ضئيل. وإذا كانت الوحدة شأناً داخلياً، في المرتبة الأولى، إلا أنها أيضا شأن دولي، تاريخي - سياسي مرتبط بمجموعة شروط وقواعد، أكثر تعقيداً واتساعاً من أن نملكها وحدنا.
إنّ كل زعم بإمكانية بناء وحدة، باعتبار ما نملك من قوة وحسب، بمعزل عن محيطها وواقعها وعالمها، هو وهم باطل. إذ لا قوة لمن لا يستطيع أو لا يعرف كيف يحول بين معوقات الخارج ورغبات الداخل.
(2)- الوحدة " الفارغة "، أي الوحدة من دون مضمون، وهي وحدة لا تاريخية، أي خارج سياق الأشياء والوقائع والأفعال. فلقد ظن بعض القوميين أنّ المطلوب هو الوحدة وكفى، انطلاقاً من الاكتفاء بالمبدأ وإهمال التفاصيل والتطبيقات العملية.
(3)- الوحدة " الزعاماتية "، وهي التي تنشأ بفعل إرادات أو رغبات ذاتية لـ " الزعيم "، والرغبة التي " تنشئ " وحدة اليوم، في ظل مشاعر وأسباب وشروط محددة، سرعان ما تطيح بها رغبة أخرى في اليوم التالي، في ظل مشاعر وأسباب وشروط مختلفة، فتُلغى الوحدة بقرار مثلما قامت بقرار.
(4)- الوحدة " اللاديمقراطية "، إذ أنّ بعض القيادات القومية ارتأت أنّ مطلب الوحدة هو أكثر شرفاً ونبلاً وتعميماً من أن تحده شروط الديمقراطية، وكأن الوحدة إضافة محايدة لا علاقة لها بالناس، بحياتهم وبمستقبلهم، وعليه فهي إما أن تصون حرياتهم وحقوقهم الأساسية، أو تسيء إلى تلك الحريات والحقوق فتسيء، بالتالي، إلى حياتهم ومستقبلهم. فإذا كان مطلب الوحدة قادراً أن يدفع ملايين الناس إلى الشوارع لتفرض الوحدة فرضاً، فإنّ اللاديمقراطية قادرة، بدورها، أن تعيد هذه الملايين إلى بيوتها مُحبَطة ويائسة وكافرة بالوحدة نفسها.
وهكذا، فإنّ الدرس الأهم من التجارب العربية الوحدوية المعاصرة هو أنّ التسرع في إظهار مطلب الوحدة، كيما يُذبح بعد ذلك، هو أكثر إيلاماً للمشروع القومي، من التأني في طلبها والتدقيق في شروطها، والتعقل في البحث عن أشكالها العملية، حتى وإن طال بها الزمن أو تأخر.
كما أنّ التجربة أثبتت أنّ الوحدة العربية ليست عقيدة أو إيديولوجية مغلقة على ذاتها بل هي مفهوم وهدف استراتيجي، يمكن أن تتلاقى على تحقيقه تيارات فكرية وسياسية متباينة. فوحدوية أي برنامج أو ممارسة، لم تعد تقاس بالشعار المرفوع، بل تقاس – أساساً - بمقدار نجاح هذا البرنامج أو الممارسة في إيجاد وقائع وحدوية فعلية على الأرض، تستقطب الجماهير إلى العمل الوحدوي.
وهكذا، فإنّ النقد الذاتي هو دافع ومحرك ورافع نحو التقدم، فلا يجوز أن نكتفي بنقد الإمبريالية والصهيونية وجعلهما مشجباً نعلق عليهما عوراتنا وهزائمنا. فقد سحقت فكرة " الثورة " فكرة " التقدم " في العالم العربي المعاصر، خاصة في قطريه الرئيسيين سورية والعراق. وليس المطلوب بناء إيديولوجية جديدة، وإنما المطلوب هو تغيير نوعية العلاقة القائمة بين الأفكار والتيارات القائمة في العالم العربي، وتحويلها من علاقة عداء وقطيعة واقتتال ذاتي إلى علاقة تعايش وتواصل وحوار وتبادل.
وعليه، فإننا لسنا بحاجة لشعارات من أجل مواجهة التحديات الكبيرة المطروحة على أمتنا العربية، بل الارتقاء إلى مستوى التحديات، بما يخدم مصالح الأمة ويضمن حقوقها الأساسية في السيادة والحرية والاستقلال التام.
إنّ مشروع النهضة العربية، أي قضايا المسألة القومية العربية، كان ولا يزال في حاجة إلى فكر الأنوار والحداثة، وكذلك استيعاب التحولات والتغيّرات التي تطرأ على الساحتين العربية والدولية. مما يستوجب الاعتراف بالخصوصيات القطرية، في إطار التنوع ضمن أمة عربية واحدة، مع إمكانية تحويل التنوع القطري إلى عنصر غنى للثوابت القومية الضرورية لتطور كل حركة قومية. ومن أجل ذلك، تبدو الديمقراطية في رأس أولويات التجديد العربي، فالمسألة القومية تستدعي مقولات جديدة: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة. وتبدو أهمية ذلك إذا أدركنا أنّ العالم العربي المعاصر، بشكل عام، لا يملك لغة سياسية حديثة، منظمة وممأسسة، في بناه السياسية والثقافية، إذ بقي خارج تسلسل وتاريخ الأحداث ، فالماضي مازال ملقى على هامش الحاضر، بل يهدد المستقبل.
لذلك، فإنّ الأمة يجب أن تتجه نحو البحث عن حل تمديني ـ ديمقراطي، مما يعمق المحتوى الإنساني والمضمون الديمقراطي للحركة القومية العربية، على مستوى الفكر كما على مستوى الممارسة. ففي مجتمع واسع متعدد الجماعات العرقية والدينية والمذهبية كعالمنا العربي الكبير، لا يمكن لحركته الجامعة إلا أن تكون حركة ديمقراطية تعترف بالتنوع وتُثرى به، وتحترم تعدد الجماعات المكونة للأمة وتسعى إلى تحقيق التكامل بينها، بل تحترم السيادات الوطنية لأقطارها وتسعى لأن تحقق تكاملها القومي بعد أن ترسخ إحساس أبناء هذه الأقطار بهذه السيادة.
إنّ انخراط العرب في العالم المعاصر يتطلب منهم البحث عن مضمون جديد لحركتهم القومية التحررية، بما يؤهلهم لـ " التكيّف الإيجابي " مع معطيات هذا العالم، وبالتالي الانخراط في مقتضيات التوسع الرأسمالي، بما يقلل من الخسائر التي عليهم أنّ يدفعوها نتيجة فواتهم التاريخي، لريثما تتوفر شروط عامة للتحرر في المستقبل. فالعرب ليسوا المبدأ والمركز والغاية والنهاية، هم أمة من جملة أمم وحضارات وثقافات، لا يمكن أن ينعزلوا عن تأثيرات وتطورات العالم الذي يعيشون فيه. إنّ الأمم التي تدور حول نفسها لا يمكن أن تتقدم، خاصة عندما تكون خطابات نخبها الفكرية والسياسية متوازية لا تواصل بينها، في حين أنّ التقدم يتطلب تراكم خبرات كل قوى الأمة، التي تعانق تناقضاتها، وتبحث عن حلول ممكنة وواقعية لمشكلاتها.
ومن سياقات ما قدمته، يبدو أنه لا يجوز القفز عن واقع الدولة الوطنية/القطرية تحت أي عنوان، بما فيه الطموح المشروع إلى دولة قومية عربية واحدة. فالأمة العربية لن تكون أمة " قبائل "، وإنما أمة دول حديثة تطمح إلى توحيد جهودها للبحث عن مصالحها المشتركة وتعظيمها. إنّ المشكلة الأهم المطروحة أمام الحركة القومية العربية هي بناء الدولة الحديثة، وما يتفرع عنها من أدوات مفاهيمية تنتمي إلى المجال التداولي المعاصر: الأمة، المجتمع المدني، المواطنة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، التعاقد الاجتماعي، الشرعية الدستورية والقانونية، التنوير، العقلانية، العلمانية.
إننا أحوج ما نكون إلى استنباط وسائل جديدة لاستنهاض العمل القومي الديمقراطي العربي، وقد بدت أهمية بناء المجتمع المدني، بعيداً عن لعبة الصراع على السلطة، باعتبار ذلك هو السبيل إلى تعميق الاستقرار الاجتماعي وتطويره على أسس ديمقراطية وحدوية عقلانية هادئة. كما أنّ المشروع الحضاري القومي العربي مازال، بأهدافه الكبرى، مطمح كثير من النخب الفكرية والسياسية العربية: الوحدة العربية في مواجهة التجزئة، والديمقراطية في مواجهة الاستبداد، والتنمية المستدامة في مواجهة التأخر، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الظلم والاستغلال، والاستقلال الوطني والقومي في مواجهة الهيمنة الأجنبية، والتجدد الحضاري في مواجهة التجمد التراثي من الداخل والمسخ الثقافي من الخارج.







#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (2/3)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (1/3)
- حاجة العرب إلى التنمية المستدامة
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (5/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (4/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (3/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (2/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (1/5)
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- في الدولة الأمنية
- في الثقافة السياسية
- العلمانية المؤمنة ضمانة للتقدم العربي
- تحديات الأمن الإنساني في العالم العربي
- نحو تجديد الثقافة السياسية العربية
- عبثية الانقسام الفلسطيني
- هل تعود الشرعية الديمقراطية إلى موريتانيا ؟
- العراق على طريق الاستقلال
- خصائص الإسلام السياسي الديمقراطي


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (3/3)