أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد هيبي - أفكار حول اللانهاية















المزيد.....


أفكار حول اللانهاية


أحمد هيبي

الحوار المتمدن-العدد: 2785 - 2009 / 9 / 30 - 23:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كم سنمكث في الجنة؟ وأين نهاية الفضاء
؟أفكار حول اللانهاية

الزمن يبدو لنا كطريق طويل، أين بدايته وأين نهايته؟ وليس في حياتنا مكان لانهائي، فكيف أصبحنا قادرين على تخيل مكان بلا بداية ولا نهاية؟ وهل صحيح أن اللانهايات أنواع؟ وأن أقربها إلى الواقع الدائرة؟ هل يمكن تخيل عالم بدون مكان أو زمان؟ مستحيل؟ كيف كان العالم إذن قبل خلقه؟ وكم كانت الساعة عند لحظة الإنفجار العظيم؟

الفكرة المفقودة
لا يوجد في الطبيعة شيء بدون نهاية. حياتنا نهائية، أيامنا ولإن طالت أو كثرت، معدودة. عدد الناس في العالم، وإن بلغ مليارات من الأفراد هو عدد نهائي. كذلك عدد الشّعرات في الرأس، وحتى عدد حبّات الرمل على الشاطئ هو عدد نهائي، يُمكننا، لو أوتينا الصبر والرغبة أن نعدّه، فلا نفرِّط في حبّة مِنه على كثرته.

من أين جاءت فكرة اللانهاية الى العقل البشري إذن؟ وهي فكرة مفقودة في الواقع؟ لماذا تخيّل الناس عدداً لا نهائياً من الأشياء، وتخيّلوا أنفسهم يعيشون عدداً لا نهائياً من السنين، دون أن يروا شيئاً من ذلك يحدث أو يكون؟ ألا يشبه الأمر شخصاً لم يَرَ القردَ في حياته، ومع ذلك يعطي وصفاً حياً ودقيقاً لهذا الحيوان؟ يتخيل وضعاً نظل فيه نسير في هذه الطريق وهو لا ينتهي.

إن اللانهائي بالنسبة لمعظم الناس مؤلف من أفكار بسيطة مدمجة الواحد بالآخر: إنها الشيء الكثير أولاً، والممتدّ ثانياً، والذي لا ينقطع ثالثاً. وليس هناك في الطبيعة ما هو كثير ومتواصل ولا ينقطع. فكل طريق تصل الى نهايتها. وكل حبل مهما طال له طرف ينتهي عنده. وليس بين الأشياء المحسوسة أو المعدودة ما يكون لا نهائياً أبداً، حتى عدد البكتيريا في العالم على كثرتها هو عدد نهائي.

وإذا لم نستطع أن نجد بين الأشياء المادية المحسوسة شيئاً بلا نهاية، فإن بين الأشياء المعنوية يختلف الأمر. خذ الأعداد مثلاً. الولد الصغير يستطيع أن يعد 1، 2، 3، 4،.. وبعد أن يكبر يستطيع أن يعدّ حتى ألف، ولكنه عندما يكبر أكثر ويتعلم الحساب، يدرك أن هذه الأعداد لا نهاية لها، وأن عملية العدّ نفسها يمكن أن تستمر إلى آخر العمر ولا تنتهي، وأنه ليس بين الأعداد ما هو عدد أكبر من باقي الأعداد، كما أن بين أصنام ابراهيم الخليل ما هو أكبر هذه الأصنام.

ولكن الأعداد ليست أشياء محسوسة. والعدد 3 يختلف عن "ثلاثة أولاد" مثلاً. ونحن نستطيع أن نتصور الأعداد قوالب توضع فيها الأشياء، فالعدد 3 قالب يمكن أن يُستعمل للتعبير عن ثلاثة أولاد أو ثلاث حجرات، أو غير ذلك. وهناك قوالب أكثر مما هناك من الأشياء. فهل هذا غريب؟ إنّ عدد الناس في العالم هو خمس ملياردات نسمة تقريباً. إن العدد او القالب"خمس ملياردات" يدل على مجموعة الناس في العالم. ولكن العدد "ست ملياردات" لا يدل على مجموعة ناس يعيشون في لحظة معينة على سطح الكرة الأرضية. الناس في العالم في ازدياد. ولن تكون هناك مشكلة حين يزدادون. هناك قوالب (أعداد) تصف حجم زيادتهم في كل لحظة. لأن عدد القوالب أكبر من عدد الناس. إن عدد القوالب (الأعداد) هو عدد لا نهائي. وهناك كفاية من القوالب لوصف أي مجموعة من الأشياء، حتى لو كانت حبّات الرمل على شواطئ العالم كله.

تصوّروا الآن وضعاً ظريفاً: في عرس ما حضَّرَ صاحب العرس عدداً لا نهائياً من الكراسي، مع أنه يعرف أن عدد المدعوين، أو قل عدد الذين سيحضرون حفل العرس، هو عدد نهائي من الناس. قد يأتي الى العرس ألف شخص، وقد يأتي مليون شخص، وفي كل حالة سيوجد كفاية من الكراسي للمدعوين، مهما زاد عددهم. ولكن في كل الأحوال لن يأتي عدد لا نهائي من المدعوين, لأنه لا يوجد عدد لا نهائي من الناس. أنظروا الآن الحكمة في خلق العالم. خالق العالم المادي جعله محدوداً نهائياً. عدد الجبال فيه محدودة، عدد الصخور، عدد الناس، ولكن إمكانية الزيادة واردة دائماً. وهناك مُتسَّع لكل زيادة. هناك قوالب فارغة لوصف أي زيادة في عدد الأشياء. إن العالم المادي المخلوق صغير نسبياً لإمكانية الزيادة تماماً كما أن عدد المدعوين في العرس الذي ذكرناه قليل دائماً بالنسبة لعدد الكراسي الموجودة.

طرف اللانهاية وبطنها
والإعتقاد السائد بأن اللانهاية هي ما يكون عديم النهاية أو عديم الطرف خطأ أيضاً. فهناك لا نهايات عديمة البداية أيضاً. كلنا يستطيع أن يتخيل حبلاً بلا أطراف، بلا بداية وبلا نهاية (على الرغم من عدم وجود حبل كهذا في الواقع). والأعداد الصحيحة التي تضم الأعداد الموجبة والأعداد السالبة عديمة الأطراف، فكما نستطيع أن نرتفع صعوداً مع الأعداد الموجبة، نستطيع أن نهبط نزولاً الى ما لا نهاية مع الاعداد السالبة. هل العبرة في اللانهاية في الاطراف، حتى يمكننا القول أن كل ما ليس له طرف واحد أو طرفين هو لا نهائي؟ وكل ما له طرفان محدودان هو نهائي؟

الجواب كلا: إنّ العبرة ليست بالأطراف. خُذ مثلاً مستقيماً محدوداً له بداية وله نهاية. ان عدد النقاط الواقعة على هذا الخط هو ما لا نهاية من النقاط (ما دامت النقطة معدومة الطول والعرض والارتفاع).إنّ "ثقل" هذا لخط المستقيم المحدود هو في الداخل إذن، وليس في الأطراف، إنّ الخط المستقيم الذي نتحدث عنه يمتلك "بطناً" بلا قرار.. كيف؟ بين كل نقطتين (مَوْقِعين) على هذا الخط المستقيم توجد نقطة (موقع) ثالث، أليس هذا عجيباً، أن تستطيع أن تحشر بين كل نقطتين ثالثة؟ إنّك في الحقيقة تستطيع أن تحشر أي عدد من النقاط, ما دمتَ تستطيع أن تحشر نقطة واحدة، فكذا تصبح الأطراف عديمة الأهمية في هذه الحالة، وتكون العبرة في البطن العظيمة.طبعاً في الواقع المحسوس لا تحدث هذه الأمور، لا يمكن وضع لافتة ثالثة بين كل لافتتين على طريق مستقيم بين عكا حيفا مثلاً. في البداية نستطيع. ولكن بعد ذلك لا نستطيع، لأن عامود اللافتة يشغل حيّزاً يظل يتضاءل.
سأل طبيب مرة مريضه المدخِّن الذي يرغب في إقلاعه عن التدخين: هل ما زلتَ تدخِّن كثيراً؟ نظر المريض الى طبيبه نظرة لؤم وقال له : لا، ليس كثيراً، إني أدخن سيجارة واحدة بين كل سيجارتين أدخنهما. هذه نكتة طبعاً، ولا يوجد مُدخِّن من هذا النوع ، وإلا لكان ينبغي له أن يدخن ما لا نهاية له من السجائر في كل فترة زمنية مهما قصرت.

والدائرة بلا بداية ولا نهاية
وثمة مثال آخر على ما لا نهاية محدودة تراها أمامك كلها. وإذا كان كل شيء عديم الأطراف هو لا نهائي، فإن الدائرة أيضاً عديمة الأطراف، بمعنى من المعاني. إذ أين البداية وأين النهاية في الدائرة؟

تخيّل نفسك تسير فوق محيط دائرة. إنك تستطيع أن تستمر في السير دون أن تصل الى النهاية. إنك في كل مرة تعود الى المكان الذي كنت فيه، أو الذي بدأت منه. وبالنسبة لحشرة تسير فوق هذا المسار ولا تراه من فوق، فقد تتخيل أنها تسير فوق خط لا نهاية له. شيء من ذلك حدث للإنسان القديم الذي حسب أن أبعاد الأرض لا نهائية. وظنّ أنَّه لا توجد نهاية لهذا الإمتداد القائم فوق الأرض. ولا بد أنه جرت محاولات للوقوف على نهاية الأرض. وأظن أنها كانت محاولات غير ناجحة. ذلك أن الدائرة او الكرة، إنما تسلك معك مسلك الشيئ اللانهائي، فأنت لن تصل الى حد، وبالتالي لن تصل الى طرف، وستظن إن لم تُعدك قدماك الى نفس النقطة التي انطلقت منها، أن الأرض منطقة منبسطة ممتدة الى ما لا نهاية.

أين نهاية الفضاء؟
شيء من هذا القبيل حدث للإنسان مع الفضاء. كل ولد صغير تساءل أين نهاية هذا الفراغ؟ إلى أيّ مدى يمتد وما هي نهايته؟ والإنسان يكفّ عن التفكير في هذه المسألة، ليس لأنه حصل على جواب، بل لأنه تعوّد على حالة لا يتلقى فيها جواباً على سؤاله، وينتهي الإشكال القائم في سؤاله باقياً على حاله لا يُحَل. ويبدو أنه من الصعب أن يتخيل الإنسان شيئاً بدون نهاية. هناك نهاية لكل شيء. هذا ما تعوّدنا عليه، أو هذا ما جُبِلنا عليه بالأحرى. وكما وُلِدَ الإنسان وله يدان اثنتان وعشر أصابع، فإنه مولود مع طريقة ثابتة للتفكير، بأن لكل شيء (مادي) نهاية. ومن أجل ذلك يعذبنا التفكير في الأشياء التي لا نهاية لها، او التي نستطيع أن نتخيل نهاياتها. إننا نستطيع أن نستوعب أن الفضاء كبير والكون كذلك. ونستطيع أن نفهم فكرة أننا على كرتنا الأرضية أشبه بحبة رمل في صحراء مترامية الأطراف، أو أننا لن نستطيع الوصول الى طرف الكون الذي يبعد عنا ملايين السنين الضوئية، ولكننا نظل نتساءل برهبة أين نهاية هذه الصحراء؟ أين يقع طرف الكون، وكأننا مسافرون غداً الى هناك.
وما هو الفضاء؟
إننا نفهم أنّ الفضاء هو الحيز الذي نتحرك فيه. الفضاء هو البيت الكوني الذي تسير فيه مركباتنا، وتتحرك فيه نجومنا. ولكن هل يمكن وجود هذا الفضاء بدون سكانه، والمقصود بدون الكواكب والمواد التي تشغله؟من الصعب أن نجيب هلى هذا السؤال، لأننا في حياتنا على هذا الكوكب لم نجرب التعامل مع الفضاء، إلا كإطار يضم مواداً، عقلنا فقط هو مَن يستطيع أن يجرّد الفضاء، وأن يتخيل بدون صعوبة, وجود فضاء بدون محتوى من الأجسام. ولا يمكن أن يكون الفضاء نهائياً، لأن هذا سوف يحدّ من تحرك المواد داخله. بل يحدّ بالأحرى إمكانية زيادة حجم هذه المواد داخله. إن الفضاء هنا يشبه القوالب العددية التي تحدّثنا عنها. والنتيجة هي أن الفضاء لا نهائي على الرغم من أن كمية المادة التي في العالم قد تكون نهائية.

علماء الفيزياء الحديثة يحدّثوننا عن اتساع حاصل في الفضاء المشغول بالكواكب والأجسام المادية. يقول لنا هؤلاء إنَّ المجرات في أطراف الكون تبتعد الواحدة عن الأخرى بأقصى سرعة ممكنة في الكون، بسرعة الضوء. إنّ الفضاء مستعد طبعاً لهذا الإتساع، تماماً كما أنَّ الأعداد مستعدة لاستيعاب مضاعفة عدد سكان العالم، أو عدد البكتيريا في الكون.ولكن هل لا نهاية الفضاء مثل لا نهاية الدائرة أو الكرة الأرضية؟ إنَّ السائر فوق الكرة الأرضية يستطيع أن يسير الى الأبد بدون أن يصل الى حائط يمنعه من التقدم الى الأمام. إنّ لا نهائية ادائرة أو الكرة نابعة من اتصال البداية بالنهاية. فهل هكذا تكون نهاية الفضاء ايضاً؟

يجيب أينشتاين عن هذا السؤال بنعم. إن سهماً منطلقاً في الفضاء بسرعة الضوء لن يصطدم بأي حائط يخبره أن هذه هي نهاية الفضاء وأن عليه الإرتداد. ولكن السهم سيظل منطلقاً وقد يعود الى نقطة انطلاقه الاولى. وهنا نفهم من تصوُّر اينشتاين للكون أنه لا نهائي، ولكنه مُغلق على نفسه، بحيث أنَّ السائر فيه قد يعود الى نقطة بدئه الاولى. وقد أخالف آينشتاين الرأي في هذه النقطة بالذات، إنّ السهم المنطلق بسرعة الضوء، ليس بحاجة الى أن يعود الى نقطة انطلاقه الاولى، ما دامت المجرات نفسها تبتعد الواحدة عن الاخرى بسرعة الضوء، إلاّ إذا وجدنا أنفسنا في حالة من تقلّص الكون بعد تمدّده. وهي نتيجة تقول بها نظرية الإنفجار العظيم .

ونظرية الإنفجار العظيم اختصارها أن الكون تكون من انفجار حاصل في كتلة من المادة مضغوطة. تخيّل أن قوة رهيبة عملت على ضغط الكرة الأرضية حتى جعلت منها بحجم برتقالة. هكذا إذن كان الكون كله قبل الانفجار العظيم. وبعد الإنفجار - هكذا يقولون - تفرقت مواد الكتلة المضغوطة في الفضاء (المتكوِّن)، وتكونت الكواكب والمجرات. ثم يأتي يوم وتنعكس الآية، وتعود مواد الكون الى التراكم في نقطة واحدة.

أين نهاية الزمن؟
نفس هذه الأفكار عن امتداد الفضاء ولا نهائية الكون, تراودنا وبشكل أكثر حِدّة بالنسبة للزمن. إننا نعرف أننا سنموت. ولكن الناس بعدنا سيظلون يتناسلون ويعيشون، الى متى؟ الى متى سيظل يعيش الناس فوق سطح هذا الكوكب، الف سنة اخرى، مليون سنة؟ ولكن حتى لو مات جميع الناس بفعل حرب كونية مثلاً، فإن الأرض ستبقى كما هي. كرتنا الأرضية ستظل تسبح في الفضاء بلا مسافرين. الى متى ستظل تسبح؟ أين نهاية للزمن؟ إننا لا نستطيع تخيل نهاية الزمن من جهة، ولا نستطيع أن نعترف أن الزمن بلا نهاية من جهة اخرى.

إننا ننظر الى الزمن نظرة مادية. إنّ الزمن يمكن التعبير عنه بعدد الأيام التي نعيشها، أو عدد السنوات التي نقضيها في عمل ما، بل عدد أرغفة الخبز التي نأكلها. فلماذا تكون لهذه نهاية, والزمن لا نهائي؟



وكم سنمكث في الجنة؟
إليكم أيضاً هذا المثال: في الجنة سنعيش كمؤمنين زمناً طويلاً. وهكذا يمكث الكفار "خالدين فيها ابداً" كما يقول القرآن الكريم، أي يعيشون لا نهاية من الزمن. إننا نتخيل أنفسنا في الجنة نعيش براحة وبسعادة غامرة بين الجنائن والنساء الحِسان، تحت الأشجار الوارفة وعلى ضفاف أنهار اللبن والعسل والخمر، ولكن إلى متى سنبقى على هذه الحال؟ألف سنة، مليون؟ ألن يأتي يوم يقول الله فيه للمؤمنين كفاكم، أو يقول المؤمنون لله، كفانا هذه الحياة، ولقد مللنا هذه السعادة التي لا تنتهي!

في النصّ الديني لا كلام واضح حول هذه المسألة. وإن سألت شيخاً متبحراً في العبادة يقول لك هذا لا يحدث أبداً. ذلك أن المؤمنين سيبقون خالدين فيها. ولكن ما معنى هذا الخلود؟ إن الخلود كلمة لا نعرف معناها التام. هل الخلود هو جريان دائم للزمن بدون انقطاع؟ ربما، ولكن جريان الزمن الى متى؟ لا يوجد في تصوّرنا نهر يجري الى غير مستقر. ولا يمكن أن نتخيل زمناً بدون ا نقطاع. ثمّة حلاّن اثنان لهذه المشكلة العويصة: الحل الأول يكون باعترافنا بقصور عقولنا عن الإمساك بفكرة جريان الزمن الى ما لا نهاية. نحن لا نستطيع مثلاً أن نتخيل آباء يغتصبون أو يقتلون أولادهم الصغار، ولكن هؤلاء موجودون، سواء فهمنا دوافعهم أو اعترفنا بوجودهم أو لا.

الخلود هو توقف الزمن!
ولكن ثمة حل آخر، أكثر أصالة، وهو إمكانية وجود عالم بدون زمن. إذا أقررنا أنَّ الزمن هو إحساس داخلي للإنسان او للكائن الحي، وليس للزمن أي وجود موضوعي خارج هذا الاحساس، أمكننا أن نخرج من مُعضلة الزمن هذه. في الجنة لا يوجد زمن، ولا يجري الزمن هناك. والمؤمنون في الجنة لا يقولون اليوم الأحد وغداً الاثنين. لا تطلع الشمس في بلادهم ولا يغيب القمر.

والخلود حسب هذه الفكرة معناه انقطاع الزمن. في النوم نوع من الخبرة بالزمن يؤكد ارتباط الزمن بوعي الكائن الحي بالزمن. الزمن غير موجود، ولكن الموجود هو الإحساس بالزمن. النائم لا يشعر بالزمن إلا بعد أن يستيقط. وزمن النوم يبدو أحياناً وكأنه زمن ميت، ولا يعرف المستيقظ لأول وهلة إن كان قد نام ساعة أو يوماً كاملاً. ولولا خبرته بالتغييرات الحاصلة حوله, لما عرف إن كان نام يوماً او سنة كاملة. هكذا قال أصحاب الكهف الذين قيلَ أنهم ناموا سنيناً طويلة، إنهم لم يلبثوا نائمين إلا يوماً أو بعض يوم، كعادة النائم العادي. فلمّا ذهبوا للسوق لشراء بعض حاجاتهم، فوجئوا بأن النقود التي كانت معهم قد أبطِلَ التداول بها.

حل إشكال المكان
حلّ مشكلة الزمن بهذا الشكل ينفع أيضاً بالنسبة للمكان. في القرآن وصف مؤثر للجنة. وكما وُصِفَ زمن الجنة بأنه أبدي لا نهائي ولا ينقطع، كذلك وُصِفَ مكان الجنة. إنه مكان هائل غير نهائي أيضاً. فالجنة في الوصف القرآني عرضها عرض السماوات والأرض. ولكن السماوات والأرض هي الكون كله. أين إذن تقع الجنة، إن لم تكن خارج حدود هذا الكون؟ثم إنّ وجود أمور أخر – كالجنة – خارج إطار المكان، يعني أن المكان مثله مثل الزمن، إطار محلي، إطار فردي تشترك فيه المجموعة. والإحساس بالمكان هو إحساس داخلي فقط. ولا يوجد كما يبدو وجود مستقل للمكان خارج الوعي الإنساني.

لا يوجد مكان إذن بمعزل عن الوعي الإنساني. المكان هو فقاعة يراها الناس جميعاً. كل واحد يراها بطريقته، ولكن الجميع متفقون أنهم يرونها. الجنة قائمة خارج هذا الوعي، في معزل عن هذا المكان. الجنة مُتسعة بالمعنى المجازي فقط. إنها أوسع من أي مكان. وبالفعل إن المكان المادي محمدو ونهائي، بينما الجنة ليست مكاناً بعينه وليست مادية بالأساس.



بدء الزمن
لا نهائية الزمن من نوع لا نهاية الخط المستقيم. لا نهائية من الطرفين. وبالنسبة لنا، نحن الذين نحسّ بجريان الزمن نراه جارياً الى الأمام نحو المستقبل بدون انقطاع. وهو جريان قادم من الماضي. الماضي أيضاً يبدو لنا معدوم البداية. والزمن يعود في القدم بدون بداية واضحة ومحددة.

متى بدأ الزمن؟ من الصعب أن نجيب على هذا السؤال. في الماضي، ثارت مسألة فلسفية دينية هذا نصها: في لحظة ما خلق الله الكون. قبل مليون سنة مثلاً أو مليارد سنة – لا يهم. ما الذي كان قبل هذهاللحظة؟ ما الخاص في هذه اللحظة.هذه الأفكار أثيرت في القرون الوسطى، وتناولها بالبحث كبار الفلاسفة والمفكرين في تلك الأيام، حتى جاء ابن رشد وحسم هذه المسألة نهائياً، قائلاً : انه قبل لحظة خلق الكون لم يكن هناك زمن. ولذلك لا معنى البتة للسؤال ماذا كان قبل خلق الكون.

لقد خلق الله الزمن كما خلق الأشياء الأخرى. وليس للزمن وجود مستقل عن الكون و عن خالق هذا الكون. خلق الله الزمن بعد أن خلق الكون. او في لحظة خلقه الكون، وقبل ذلك لم يكن هناك زمن والله يستطيع ان يطوي الزمن، او يوقف جريانه كما يطوي الجبال. وهذا يعني أن الله نفسه لا يعيش في سياق زمن، وهذا معنى الآية "لم يلد ولم يولد" فالله لم يُولد أي أنه لم يظهر في لحظة معينة. الله ليس رجلاً قوياً قام وسيطر على الكون. بالعكس، الكون كله يستمد وجوده من الله، وكذلك الزمن.إن الله فوق الزمن بهذا المعنى. لا يحدّه الومن، إنه أبدي. إنه خارج جريان الزمن ولا يحدّ الله الزمن تماماً كما لا يحدّه المكان. الله موجود خارج الكون مستقلاً عنه. لأن الله كان موجوداً قبل خلق الكون فأين كاني قف إذن؟

إنَّ الله قائم خارج السياق المكاني أيضاً، كما هو خارج السياق الزماني. والله لا يعيش في قصر كوجود في السماء، تماماً كما أنه ليس شيخاً يحمل ساعة.علماء الطبيعة اليوم يتحدّثون عن خلق باصطلاحات قد تكون متشابهة. الإنفجار العظيم هو بداية الكون حسب اعتقادهم: كان الكون كله مؤلفاً من مادة متراصّة لا تُشغل إلا حيزاً صغيراً. ثم حدث الإنفجار العظيم، فقلّ تماسُك هذه المادة التي تطايرت أشلاء في أرجاء الكون، فتكونت منها الكواكب والمجرات.هذا حدث في لحظة. ماذا كان قبل هذه اللحظة؟ أين حدث ذلك؟ متى حدث ذلك؟ قبل بضعة ملايين او مليارات من السنين. ماذا كان قبل هذه اللحظة لحظة الانفجار؟ لم يكن هناك شيء. لم تكن عقارب الزمن قد بدأت تجري. لأن الزمن وُلِدَ مع الإنفجار العظيم، ومع حركة الكواكب، وقبل ذلك بم يكن هناك زمن ولم يكن هناك شيء.



#أحمد_هيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيراقليطيس .. لا يمكن عبور نفس النهر مرتين!
- السلحفاة .. يا طويل العمر
- ما هو التفكير الجبري؟
- هل أنت انسان طبيعي؟
- درس في غباء الجسم الانساني
- الجنس عند اليهود - الجزء الأول
- الذكاء المتعدد - أنواع الذكاء الانساني - أعمدة الذكاء السبعة


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد هيبي - أفكار حول اللانهاية