أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -التعصُّب- إلغاء للعقل!















المزيد.....

-التعصُّب- إلغاء للعقل!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2784 - 2009 / 9 / 29 - 21:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"العصبية القبلية" هي، على ما يَعْلَم عَرَب القرن الحادي والعشرين جميعاً، ومنهم أولئك الذين لم يتحرَّروا منها بَعْد، هي من أخصِّ خواص "الجاهلية"، أي ما كان عليه العرب من جهالة، ومن أحوال سيئة أخرى قبل الإسلام.

"العصبية"، على وجه العموم، من "العُصْبَة"، وهي "الجماعة" من الناس، أو الحيوان، أو الطير.. "إذْ قَالُوا ليُوسُفُ وأخُوهُ أحَبُّ إلَى أبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةُ إِنَّ أبَانَا لَفِي ضلاَلٍ مُبينٍ".

أمَّا معناها فهو تمادي ومغالاة وإفراط المرء في الميل والانحياز والانتصار لعُصْبَته، أي للجماعة البشرية التي ينتمي إليها بالدم، أو بغيره؛ وهذا "التعصُّب" هو كالتعصُّب العشائري والقبلي، والتعصُّب الديني، والتعصُّب القومي.

"التعصُّب" مذموم، ولو كان من قبيل تعصُّب المرء لأفكاره، فالمرء المتعصِّب (المتعنِّت) لأفكاره، التي هي عادة، أو على وجه العموم، ليست من صُنْعه هو، يبدي دائماً إعجاباً شديداً بها، لا يتنازل عنها ولو ثَبُت لديه بالدليل القاطع بطلانها؛ إنَّه من مدرسة "عنزة ولو طارت"!

وإيَّاكم أن تظنُّوا أنَّ "الآخر" لا وجود له حيث تسود وتزدهر "العصبية" و"التعصُّب"؛ إنَّه موجود دائماً؛ ولكن على هيئة "عدوٍّ لدود"، أو "شيطان رجيم"؛ وبعض المتعصِّبين قد يوظِّفون "السماء" في "شيطنة" هذا "الآخر"، حتى يَسْهُل عليهم تحرير "الطاقة الإيمانية الدينية" لدى أتباعهم في معركة "القضاء على الآخر".

وإيَّاكم أن تظنُّوا أيضاً أنَّ مجتمعاً تستبدُّ بأبنائه عصبية عشائرية، أو قبلية، أو دينية، أو قومية، ويَنْظُر إلى "الآخر"، ويعامله، على أنَّه "عدوٌّ مبين"، أو "محتَمَل"، يمكن أن يُنْجِب أشخاصاً من أمثال القائل "قد أخالفكَ الرأي؛ ولكنني لن أتردَّد في أن أدفع حياتي ثمناً لحرِّية رأيكَ"، فمجتمع كهذا لا يُنْجِب إلاَّ من هم على شاكلة القائل "مَنْ ليس مِنَّا ومعنا، فهو ضدَّنا وعلينا".

أيُّها الإنسان، اعْرَف نفسك.. اعْرَف مَنْ أنتَ؛ وإنِّي لمتأكِّدٌ من أنَّ قِلَّة قليلة من الناس يحقُّ لهم أن يزعموا أنَّهم يَعْرِفون حقَّاً من هُم.

إنَّها "الهوية"، التي لم نفهمها بَعْد بما يؤكِّد أنَّنا أبناء، أو نصلح لأن نكون أبناء، القرن الحادي والعشرين.

وهوية المرء هي لجهة تدرُّجها صعوداً، أو لجهة ارتقائها، كـ "الهرم المقلوب"، تَصْعَد فيه من رأسه الصغيرة حتى قاعدته العريضة.

وهذه الرأس هي كناية عن "الأنا"، فالأنانية، مع الإفراط فيها، هي التعصُّب الأسوأ، أو التعصُّب في دركته السفلى.

ومِنَ "الأنا"، أو "الأنا المضخَّمة"، نصعد في "السلُّم"، أو في "الهرم المقلوب"، فنبلغ "التعصُّب العائلي"، ثمَّ "التعصُّب العشائري"، ثمَّ "التعصُّب القبلي"، ثمَّ "التعصُّب القومي"، ثمَّ "التعصُّب الديني"؛ وأخيراً، نبلغ، أو قد نبلغ، "قاعدة الهرم العريضة"، وهي الشعور، وقوَّة الشعور، في الانتماء الإنساني. ومع بلوغ هذه "الدرجة العليا" من "التعصُّب" يَفْقِد "التعصُّب" معناه، ويتحوَّل إلى نقيضه.

ذات يوم، وفي بيروت، كنتُ جالساً مع أصدقاء، بعضهم لبنانيين، فحدَّثني أحدهم (وهو سني بيروتي) عن شخص، فامتدحه قائلاً: "مع أنَّه شيعي، فهو.."!

صديق ثانٍ، يبغض هذا اللون من العصبية والتعصُّب؛ ولكنَّه شرع يحدِّثني عن مناقب ومزايا وفضائل عشيرته حتى كدتُ أظن أنَّهم من أبناء السماء، فسألته "لماذا أنتَ متعصِّب لعشيرتك هذا التعصُّب؟"، فأجابني على البديهة قائلاً "وكيف لي ألاَّ أتعصَّب لها، فهي الدم الذي يسري في عروقي.. والدم لا يصبح ماءً"!

لقد حِرْتُ في أمرهما، فصديقي اللبناني المتعصِّب لطائفته الدينية (السنة) لا يُصلِّي ولا يصوم، ولا يعرف شيئاً من التديُّن الإسلامي؛ أكان سنياً أم شيعياً؛ فهل من صلة سببية بين التعصُّب الديني، أو التعصُّب الطائفي الديني، وبين "قِلَّة التديُّن"؟

أمَّا صديقي الذي يتصوَّر العالم كله على أنَّه مؤلَّف من فسطاطين اثنين لا غير، هما عشيرته، وسائر العالم، فقد أقنعني بأنَّ "الجهل" يولِّد التعصُّب كما يولِّد الفسفور اللمعان.

"العُصْبَة"، التي تدين بديانة "الدم"، هي الجهل بعينه، ففي زماننا ليس من جماعة بشرية يمكنها، أو يحقُّ لها، أن تدَّعي "النقاء العرقي"، فـ "العرق النقي"، كـ "الوطن السرمدي"، أقرب إلى الخرافة منه إلى الواقع، وإلى الوهم منه إلى الحقيقة.

حتى في زمن "الاقتصاد الطبيعي"، حيث "الاستهلاك المباشِر" لا "التبادل" هو هدف "الإنتاج"، لم تكن العشيرة بالجماعة التي لديها اكتفاء ذاتي من "الدم"، فهي (وعبر زواج بعض أبنائها من بعض أبناء غيرها) كانت "تُصدِّر" الدم، و"تستورده"، ولم تستطع، بالتالي، المحافظَة على ما يسمَّى "وحدة الدم".

لو كان ممكناً ألاَّ تكون العصبية معميةً للأبصار والبصائر، وممحاة للمنطق والعقل من رؤوس الذين تستبدُّ بهم، لجادلناهم بالتي هي أحسن، ومن غير أن نشعر بأننا مطالَبون بالإتيان بدليل على وجود النهار، فالمطالِبون بذلك كُثْر، ولا يصحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل!

للقائلين بـ "الدم" صلةً لا تفوقها صلةً في قوَّتها وأهميتها وقِدَمها، أقول: لو نظر أحدكم إلى جسده بعينين علميتين واقعيتين لا تغشاهما أوهام العصبية والتعصُّب لَوَجَد أنَّ بعضاً من مكوِّنات وعناصر جسده يزيد عُمْرها عن 18 ألف مليون سنة!

إنَّكَ من "ذرَّات"؛ والذرَّات من "بروتونات" و"نيوترونات" و"إلكترونات"؛ والبروتونات من "كواركات"؛ وإنَّ كثيراً من هذه الجسيمات، التي منها يتألف جسدكَ الآن، يزيد عُمرها عن عُمْر كوكب الأرض، وحتى عن عُمْر الشمس، و"النظام الشمسي".

إنَّ تلك الأشياء، التي منها يتألَّف جسدكَ الآن، هي من المنتجات الأوَّلية لـ "الانفجار الكبير"!

وأنتَ المتعصِّب لِمَا تتوهَّم أنَّه العنصر الأقدم في جسمكَ، وهو "الدم"، الذي انتقل إليكَ من آبائكَ وأجدادكَ، هل تَعْلَم أنَّ تلكَ الجسيمات (التي منها يتألَّف جسمكَ الآن) قد استقرَّت فيكَ بعد 18 بليون سنة من حلها وترحالها، وأنَّها أتتكَ من نجم عملاق انفجر قديماً (انفجار سوبر نوفا) ناشراً في الفضاء تلك الجسيمات، التي فيها تَضْرِب جذوركَ عميقاً؟!

وهل تَعْلَم أنَّ من جسيماتٍ أتى بها انفجار نجم عملاق آخر يمكن أن يكون جسد أخاكَ، أو ابنكَ، قد تكوَّن، فعن أيِّ "وحدة دم" تتكلَّم؟!

إنَّكَ يكفي أن تعي ذلك حتى تعي أنَّكَ لا تعرف نفسك، وتجهل حقيقتها الكونية العظمى، فأنتَ لستَ بابن العشيرة، أو القبيلة، أو غيرهما من الجماعات البشرية؛ بل أنتَ لست بابن كوكب الأرض. إنَّكَ ابن السماء، ومن رحم نجم عملاق جئتَ!

العصبية، ومهما كان نوعها، هي أفيون الناس، والفقراء منهم على وجه الخصوص. إنَّها تعمي البصر والبصيرة، تلغي العقل، وتغتال فينا المنطق والحكمة، تُصوِّر لنا "الآخر" على أنَّه شيطان رجيم، وعدوٌّ مبين، فنتوحَّش في صراعه، وكأننا لا نعيش، ولا يمكننا أن نعيش، إلاَّ في الحرب، وبالحرب، ضده.

قديماً، كان لبعض أنماط العصبية مبرِّرها التاريخي والواقعي، فهي كانت السلاح الذي به تذود الجماعة البشرية عن وجودها، والقلعة التي تحتمي بها من مخاطر الانحلال والزوال؛ أمَّا الآن، حيث انتفت أسبابها التاريخية والواقعية، واضمحلَّت الحاجة إليها، فقد أصبح وجودها عندنا، في النفوس والمشاعر والعقول، خير دليل على أنَّ "الجاهلية" ما زالت حيَّة فينا، وعلى أنَّ سلطان الأموات على الأحياء ما زال قائماً قوياً، وما زال يُزيِّن لنا حَمْل "الخيمة" معنا، ونصبها ولو في عاصمة المجتمع الدولي، وكأنَّ "الخيمة" اختراع عربي خالص، وكأنَّنا نحتاج إلى من يُذكِّرنا (من الأمم المتحضِّرة) بأنَّهم هم أيضاً، وفي ماضيهم البعيد، كانت لهم خيامهم؛ ولكنَّ ناطحات السحاب عندهم عوَّضتهم "خسارتهم" للخيمة؛ فمتى تعوِّضنا؟!





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نتنياهو يطلب تشدُّداً فلسطينياً وعربياً!
- أُطْلبوا -عِلْم التفاوض- ولو في إيران!
- إنَّها -مفاجأة- أوباما الأولى!
- شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!
- -الصنمية الاقتصادية- لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!
- أيلول 2009 يتربَّص بالفلسطينيين شرَّاً!
- حكومة الذهبي -خصخصت- حتى -تخصخصت-!
- -ثقافة قضائية- مستمدَّدة من -الأمِّية الديمقراطية-!
- تسع سنوات من حرب -بن بوش بن لادن-!
- -ظاهرة-.. في مؤسَّساتنا!
- خيار -الدولة الواحدة-!
- ليبرمان يقود من الحبشة -حرب المياه- ضدَّ مصر!
- اعْرَف حقوقكَ!
- ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!
- -دولة الأمر الواقع-.. معنى ومبنى!
- عشاء في -السفارة في العمارة-!
- المقرحي أُفْرِج عنه.. و-الحقيقة- ظلَّت سجينة!
- -الأوتوقراطية التجارية-.. في رمضان!
- جمهوريات -العائلة المقدَّسة-!
- نساؤنا في عهدهن -السيداوي-!


المزيد.....




- أندر إوز بالعالم وُجد بفناء منزل في كاليفورنيا.. كم عددها وك ...
- بعدما وضعتها تايلور سويفت في كوتشيلا.. شاهد الإقبال الكبير ع ...
- طائرتان كادتا تصطدمان في حادث وشيك أثناء الإقلاع.. شاهد رد ف ...
- بعد استخدامها -الفيتو-.. محمود عباس: سنعيد النظر في العلاقات ...
- لبنان.. القبض على رجل قتل زوجته وقطع جسدها بمنشار كهربائي ود ...
- هل ستجر إسرائيل الولايات المتحدة إلى حرب مدمرة في الشرق الأو ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل 10 فلسطنيين في مخيم نور شمس شمالي ...
- الصين.. عودة كاسحتي الجليد إلى شنغهاي بعد انتهاء بعثة استكشا ...
- احباط عملية تهريب مخدرات بقيمة 8.5 مليون دولار متوجهة من إير ...
- -كتائب القسام- تعرض مشاهد من استهدافها جرافة عسكرية إسرائيلي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -التعصُّب- إلغاء للعقل!