|
أيام خريفية ..
محمد إبراهيم محروس
الحوار المتمدن-العدد: 2784 - 2009 / 9 / 29 - 13:02
المحور:
الادب والفن
أيام خريفية .. منذ فترة أعيش في حالة خمول ، أشعر بأن كل شيء في الحياة قد توقف ودون سبب ، مما أعطاني إحساسا خاصا بالانعزال عن البشر ؛فجأة جاءتني مكالمته لتخرجني من حالتي تلك ، جاء صوته دافئا وهو يقول :- رأيتها اليوم ، وجدتها .. استمعت إليه دون أن أصغي تقريبا سوى لوشيش سماعة التليفون ، الذي حاولت إصلاحه منذ فترة وفشلت .. ولكني قلت :- والمطلوب ؟!. قال من وسط فرحته :- أن تأتي معي إليها .. حاولت أن أتحجج له بانشغالي في رواية كبيرة أطمح في كتابتها منذ سنوات ، ولكنه ضرب على وتر الأخوة والأحاسيس ، والحب ، والصداقة .. كان يكفيني جنوني عن جنونه ،ولكني قررت النزول .. كان إحساس الخريف ما يزال يتقمصني ، وأوراق حياتي تمضي إلى هواء راكد يحاول أن يعبث بها بلا جدوى .. لم تمر ربع ساعة حتى جاءني رنين هاتفي المحمول ، ليخبرني أنه بانتظاري أسفل العمارة ، نزلت. وجدته واقفا مبتسما يركن بيده على باب سيارته وهو يدعوني أن أدلف إليها سريعا ، وسرعان ما راحت السيارة تقطع شوارع المدينة .. وكانت كلماته تصل إلى وأنا أهزّ رأسي محاولا أن أعيش معه لحظات سعادته .. - لن تصدق .. أسبوع وأنا أتردد على مكانها ، أنظر إليها من بعيد ، أقترب وأبعد ، أحاول وأتراجع .. أهز رأسي فيواصل . - ولكنك معي بالتأكيد ؟ أنظر للشوارع التي تختلف في عيني ، والأضواء التي تتراقص متعامدة ، وأميل برأسي وأنا أهمهم .. وهو يكمل .. - لن تصدق فرحتي بتلك اللحظة عندما وجدتها ، ستة شهور كاملة وأنا أبحث عنها ، لم تتغير في عيني ، وكأني أراها يومها .. مجنون يسحبني معه ، وأنا أشد جنونًا منه كي أجاريه ..توقفنا بعد فترة أمام عمارة ضخمة في وسط البلد ، قال :- هنا وجدتها .. هل ما زالت نظرتك لها لم تتغير .. بلعت ريقي وأنا أقول :- وهل هناك جديد حدث لكي أغير رأيي فيها ؟!.. أشاح بوجهه ونحن نقترب من العمارة وهو يقول :- ولكنك تعرف بالطبع كم تعذبت كي أراها مرة أخري بعدما سافرت .. أمسكت يده بعنف وأنا أقول :- ماذا تريد مني الآن يا محمد ؟؟ سحب يده وهو يقول :- لا شيء ستدخل معي فقط كي تشجعني .. كززت على أسناني وأنا أقول :- ألم يقل لك أحد إنك مجنون ! ضحك بعصبية وهو يقول :- كثيرون غيرك قالوها .. ولكني لم أصدقهم بالتأكيد ! قلت وأنا أرى واجهة زجاجية أمامنا بها مئات الصور :- ها أنا أقولها لك مرة أخرى أنت مجنون ، لنرجع . قال في اقتضاب :- كلا .. ليس الآن .. أخذت نفسا عميقا وأنا أزفر كلماتي :- خانتك يا صديقي من قبل ، خانتك يوم أن أعطتك جسدها دون زواج وخانتك يوم أن سافرت ، هي عاهرة ، وأنت مجنون .. غامت عيناه وهو يقول بعصبية :- كلا .. حرام عليك .. انظر ها هي .. قلت وأنا أتراجع للوراء :- أنت مجنون .. كان أمامنا خلف الواجهة الزجاجية صورة لها في ثوب زفافها بجانبها ذلك الشيخ العربي الذي أشتراها بفلوسه ، وكانت عيناها واسعتين وثوب الزفاف يظهرها ملاكا يكاد يطير .. قلت بعد وهلة أحاول فيها استعادة رباط جأشي :- أهذا ما جئنا لأجله .. يا محمد لنذهب.. قال وعيناه تكادان تخترقان الواجهة :- ولكني أريد هذه الصورة .. من فضلك ساعدني .. - وكيف سنحصل عليها .. - سنشتريها من المصور .. بالتأكيد سيوافق .. سنشتريها بأي سعر .. لم يمهلني وهو يسحب يدي لندخل للمحل ، كانت وجهة نظرنا متعارضة تماما مع المصور الذي رفض أن يعطينا الصورة ، ورفض أن يبيعنا إياها ، حاولت إقناع المصور باختراع الأكاذيب التي تبدو مبررة ، بحجة أننا أقرباء لها وصور زفافها ضاعت ونريد نسخة منها أو الصورة الكبيرة التي في الواجهة ، ولكن المصور رفض وقال لتأتي هي أو زوجها ، فمنظر محمد لم يرحه .. والجنون المنطلق من عينيه جعل المصور يصمم على رأيه .. غادرنا المحل وأنا أسحبه خلفي مترقبا خريف أيام مضت ، ولكنه لم يمهلني وهو يميل إلى الأرض ويتناول حجرا يقذف به الواجهة التي انبثق صوت تحطيم زجاجها مدويًا ، قبل أن يخترق الزجاج الصورة لتظل هي محدقة فينا وقد تمزق ثوب فرحها بينما تعالت حولي الأصوات الصارخة لمئات الصور .....
#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل لا تعرفه الشوارع !!
-
شات
-
شوارع سالم ..
-
قرار بالمواجهة ..
-
عنوان سياسي..
-
جبل الحكايات
-
نظرة امتنان
-
روح الدنيا
-
مزامير الحي
-
امرأة اللؤلؤ
-
صانع التماثيل..
-
نور وقطعة الشيكولاتة
-
الرجل الذي لم...
-
فتاة الشيكولاتة
-
حدود مملكته
-
في انتظار المهدي ..
-
حادثة
-
دير العاشق ..
-
أتوبيس (6)
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|