أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-19-














المزيد.....

الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-19-


ناس حدهوم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2783 - 2009 / 9 / 28 - 09:36
المحور: الادب والفن
    


كان ذلك المساء عبوسا مكفهرا وقد خيم السواد على المدينة معلنا حلول الليل. كنا قد وصلنا باب السجن القابع بجانب سوق - باب النوادر- تمت إجراءات تسليم المعتقلين كلهم باستثناء شخصي البسيط . إستغرب الموظفون أمري فقد جئت بدون ملف . وهل هذا معقول ؟ حضر مدير السجن وقد
كان رجلا معروفا بالمدينة كبطل للعبة ورياضة الشطرنج وكان يعرج قليلا . وكان أيضا رجلا طيبا .
وجه إلي سؤاله ( ما أمرك يابني وكيف جئت عندنا بلا ملف ؟) قلت إنني حوكمت في حالة سراح وتهمتي الإساءة إلى الأصول وهاأنا جئت بيدي لأنفذ الحكم . نظر إلى الحراس وقال . شيء غريب
يحدث الآن . كيف يرسلون لنا معتقلا بدون ملف ؟ سأهاتف محكمة الإستئناف فورا . ثم انسحب .
بعد لحظة عاد وقال بأن المحكمة قد أقفلت أبوابها ولا أحد هناك ليرد على الهاتف .
- ستقضي الليلة معنا وغدا نرى في أمرك . أضاف.
دخلت الصالة المكتظة بالمعتقلين لدرجة لا تسمح بالمزيد . كان هناك معتقلون يفترشون أرض المرحاض . تنازل أحد المعتقلين عن مكانه بايعاز من حارس الصالة الذي يسكن بالحي الذي أقيم
فيه . قبل النوم تجادبت أطراف الحديث مع بعضهم واعتذرت لأستسلم للنوم وقبل ذلك طلبت من النائمين بجانبي أن يقلبا وضعهما ويضعا رجليهما جهة رأسي تفاديا لأنفاس بعضنا فلبيا طلبي
واستسلمنا للنوم . كان حلمي كله كوابس متقطعة مسالك وعرة ومنعرجات وجبال شاهقة والرعب خوفا من السقوط . وهذا الحلم تكرر لدي عدة مرات.
صباحا طلبتني الإدارة وأخبرتني بالحكم. لقد وصل الملف أخيرا . وعلي أن ألبس بذلة السجن القذرة
هذه البدلة التي تحولت إلى ما يشبه الورق المقوى بسبب الأوساخ المتراكمة والقمل والبرغوت
إنها بدلة مرعبة وعلى السجين المحكوم أن يلبسها . ورغم وشاية أحد الأشرار فقد أعفتني منها الإدارة
مشكورة .قام أحد المعتقلين وكان متواجدا بالصالة المجاورة بإرسال فراش ومخدة وغطاء إلي إنزويت
بهم في ركن بجانب الممر وكنت سعيدا بذلك لأنه شبه إمتياز لا يتسنى إلا للخواص من المعتقلين.
في الغد حضر ت شقيقتاي لزيارتي وما أن وقفت أمام الشباك الذي يفصلني عنهما حتى انخرطت في نوبة من البكاء وتسلمت المؤونة وانصرفت أدراجي نحو الصالة . لقد كان قلبي مفعم بالحزن
والألم وكان شرخا كبيرا قد أدمى روحي المنكسرة . ومع ذلك ورغم كل شيء فقد كنت أصدح بالغناء
طوال النهار أما ليلا فقد كان السجناء ينامون على حكايات وقصص كنت أحكيها عن بودلير ورامبو
وبعض الأدباء البؤساء والسياسيين المظلومين . وكنت أستعمل اللغة العربية الفصحى في الحكي
رغم أن من بالصالة لا علاقة له بالثقافة والمعرفة لكنهم كانوا يفهمون .
صادف وجودي هناك يوم عيد المولد النبوي الشريف وقبل ذلك كنت قد تعرفت على سجين متهم
بقتل زوجته وكان لازال شابا. قرأت في تعابير وجهه وسلوكه براءته كنت متأكدا بأنه غير قاتل .
كنت قد سألته يوما ( لما لا تصارحني وتكون صادقا معي بخصوص تهمة قتلك لزوجتك ؟) أقسم لي
بأنه لم يفعل وصدقته . وكان ملفه في يد الدكتور رئيس المحكمة. خلال ذلك اليوم الذي كان عيدا
تم تقديم أكلة اللحم لكنه كان رديئا وبعض المشروبات الغازية وصدحت الموسيقى عبر الممر ووصلت إلى فؤادي . حدث لي شيء غريب لا أستطيع توضيحه ومع ذلك سأحاول وصفه . فقد
عانت لي الموسيقى والأغنية التي كانت للسيدة أم كلثوم رأيت ذلك كما لو أنني أرى ماءا يتسرب
أرضا عبر الممر ويدخل الصالة ويلج قلبي بشكل لا أستطيع رسمه أو التعبير عنه .تلك الأغنية
خرجت حاليا للتأكد منها وأعرف عنوانها من صاحب دكان بالحي يبيع الأسطوانات لكن للأسف وجدته
مقفولا . ولهذا سأكتفي بالتعبير عنها بكلمة تقولها الأغنية ( كما قد عهدت ) أي لازلت على العهد .
وقتها أخذتني نوبة بكاء حاد وسقطت أرضا أضرب بيدي على أرضية الصالة فاجتمع علي السجناء
يصبرونني ويذكرونني برجولتي . وما أن هدأت رفعت عيني المبللتين بالدموع فرأيت صاحبي
المتهم بقتل زوجته يبكي مثلي . تأكدت حينها أن الرجل بريء بشكل حاسم لأن في عرفي
القاتل لا يمكن له أن يبكي . بعد أيام معدودة حلت الجلسة الأخيرة للمتهم فأصدر الدكتور ( علوش)
وهذا إسمه حكما بالبراءة لفائدة البريء ولما دخل الصالة وأخبرني ببراءته كدت أجن من فرط السعادة وعانقته بين أحضاني وبكينا معا من الفرحة . في نفس المساء أطلق سراحه وأصبحت
أكن الإحترام الكبير والحب الصادق لذلك القاضي العظيم . وبينما أنا جالس بمكاني متقرفصا أرقب حركة الأشخاص وشغبهم أحسست بشعور غريب وعجيب يكتنف أعماقي وكانت سعادتي لا توصف وكما لو أنها بدون سبب وتخيلت نفسي سعيدا بدرجة عالية لا علاقة لها بالجسد كانت سعادة
روحية محضة جعلتني أمتنع عن تقبل سراحي لو تم اقتراحه علي . أحسست كما لو أنني لا أريد
الخروج من السجن . دام ذلك فقط دقيقة أو أكثر ثم اختفى ذلك الإحساس ثم عدت إلى معاناتي
وحزني من جديد .



#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثالث من البسيط والهيئة العليا- 18-
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-16-
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-17-
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-15-
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-13-
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-12-
- ببوع
- عشوائية الصدف
- حرف للجر
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا - 11 -
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا- 6 -
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا -10-
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-9-
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا - 7 -
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا - 8 -
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا - 1 -
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا - 2 -
- الجزء الثالث من البسيط والهيئة العليا - 3 -
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا - 4 -
- الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا - 5 -


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - الجزء الثالث من سيرة البسيط والهيئة العليا-19-