أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ














المزيد.....

أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2784 - 2009 / 9 / 29 - 04:14
المحور: حقوق الانسان
    


يُحكى أن رجلين في مرحلة متقدمة من مرض خطير، جمعتهما غرفةٌ واحدة بإحدى المشافي في أطراف الريف الإنجليزيّ. أحدهما كان يرقد على سرير يجاورُ نافذةَ الغرفةِ الوحيدةَ. وفي عصر كلِّ يومٍ يُسمح له بالجلوس على السرير لساعة واحدة حتى يتم سحب السوائل المتجمعة في رئتيه. فيما الآخرُ راقدٌ على ظهره أبدًا، دون حراك. فما كان بوسعه أن يرى إلا سقفَ الغرفة. كان المريضان يقطعان الوقتَ بالحديث. وخلال أيام، كان كلٌّ منهما قد حكى للآخر عن زوجته وعائلته ووظيفته وفترة خدمته في الجيش، وعن حياته قبل أن يدهمه المرض. وفي أثناء ساعة الجلوس اليومية تلك، كان بوسع الرجل أن ينظر عبر النافذة المجاورة سريرَه، ويتأمل الطبيعة الخلابة. يحكى لصاحبه الراقد عن الحديقة الفاتنة المترامية، بدرجات أخضرها التي تتماوج بين الأصفر والأخضر وما بينهما، وعن الظلال التي تسكبها الأشجارُ والنخيل على العشب هنا وهناك في فوضى محسوبة لا يرسمها إلا الفنان الأكبر. يصف له البحيرةَ الزرقاء تتلألأ صفحتُها تحت أشعة الشمس، فتتكسر الأشعةُ في الماء مثل خيوط ذهبٍ مرتبكةٍ في فستان عروس. وهنالك البطُّ يسبحُ في المياه ويلعب فيتطاير الرذاذُ من ريشه مثل قطرات فضة ونُثار لؤلؤ، وفي البعيد، ثمة أطفالٌ يصخبون فيما يطلقون مراكبهم الورقية في الماء، وفي السماء تحلّقُ طياراتهم وتتراقص أذيالُها التي من قصاصات الورق الملون. حكى له أيضًا عن العشّاق. يجوبون المدى الأخضرَ ذراعًا في ذراع وقلبًا في قلبٍ، وسط أيكات الزهور التي ليس بعدُ جمالِ ألوانها جمالٌ، يتخاصرون فتبتسم الطيورُ وتربتُ السماءُ على ظهورهم. وعند خطِّ الأفق البعيد تقفُ خطوطُ المدينة شاحبةً تحت طبقات الضباب الكثيف، والغيمِ المُثقل بهدايا الرب.
مُنصتًا في شغفٍ، كان الراقدُ يغمضُ عينيه ليسمح لريشة قُدَّت من صوتِ رفيقه أن ترسمَ على صفحة خياله تلك المشاهدَ الفاتنة. وفي ظهيرة يوم، كان الجالسُ يصف مشهدًا أسطوريا لموكبٍ ملكيٍّ يمرُّ عبر الحديقة في أُبّهةٍ تليق بملك ومليكته. ورغم أن الراقدَ لم يستطع أن يسمع نغماتِ الفرقة الموسيقية المصاحبة للموكب، ولا وصلَه وقعُ خُطى الأحصنة على العشب، إلا أن خياله استطاع أن يرى المشهد الساحر كاملاً غير منقوص بفضل وصف صديقه الطيب. وهكذا تبدَّلتْ حياةُ المريض الراقد على ظهره، من حياة مُسطّحةٍ جافة باردة إلى دفءٍ حيٍّ بهيٍّ غارقٍ في الألوان والموسيقى واللوحاتٍ المفعمةِ جمالا ودهشةً ووجودًا، بفضل عينٍ ترى وصوتٍ يحكي ما وراء النافذة.
مرّت أيامٌ وأسابيعُ وشهورٌ. وتعلّقت حياةُ الراقد بتلك الساعة القصيرة من عصر كلِّ يوم حيث يقدر أن يعيش، عبر خياله، الحياةَ، وينصت إلى العالم الموّار الذي يلونه له رفيقُ الغرفة الذي يرى. وذات صباح غائم، دخلت الممرضةُ كعادتها لتمدَّ المريضين بأدوية النهار وترفع تقريرها الطبيّ للطبيب. وفيما يشرقُ وجهها بتحية الصبح، وجدت جسدَ رجل النافذة وقد فارقته الروح. طفرت دمعةٌ من عينيها أو دمعتان، قبل أن تمضي لترتيب إجراءات مواراة الجثمان الثرى.
بعد يوم سألها المريضُ الراقد إن كان بوسعه الانتقال إلى سرير النافذة بعدما رحل عنه الرفيق. رحّبت الممرضةُ وتم النقل. كافحَ الرجلُ ساعاتٍ وأيامًا وتحامل على أوجاعه حتى استطاع في الأخير، أن يتكئ على مرفقه كي ينهض قليلاً ويتطاول بعنقه وعينيه وشغفه من أجل أن يخطفَ نظرةً من النافذة الصديقة التي مدته بالحياة شهورًا. وحينما نجح بعد جهد وإعياء نظر. فلم يجد أمامه إلا جدارًا مصمتًا من الحجر الأخرس، ولا شيء آخر. دُهش الرجل وحار في تفسير الأمر. ولما دخلت الممرضةُ سألها كيف استطاع رفيقه أن يخترق الجدارَ بعينيه ويشهد ما وراءه، ثم يصفه بكل هذه الدقة والشاعرية. فأجابته الممرضة بأن رفيقه الراحل لم يكن حتى بوسعه أن يرى الجدار. الرجلُ كان كفيفًا.








#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا عيناك أيها الكهلُ
- التردّد يا عزيزي أيْبَك!
- قطارُ الوجعِ الجميل
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ
- الإناءُ المصدوع
- الملاكُ يهبطُ في برلين
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!
- شوارعُ تُغنِّي بالفرح
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،
- المِصَحْيَاتي


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ