أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - قطارُ الوجعِ الجميل














المزيد.....

قطارُ الوجعِ الجميل


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2781 - 2009 / 9 / 26 - 19:12
المحور: سيرة ذاتية
    


كأنه قطارٌ قادمٌ من بعيد. تشعر بقدومه نحوك، أنت حصريا، كونك هدفَه الأساس. فلنسمّه قطارَ الألم. لا، لست بصدد كتابة مقال رومانتيكي يحمل صورا مجازية عتيقة مما قتلها الشعراءُ كتابةً ومما يعافها الشعراء الجدد، وأنا أحدهم. أحكي عن الألم بالمعنى الحَرفي للكلمة. الوجع. يعني الارتباك الفيسيولوجي الذي يصيبُ الجسدَ فيجعل جهازنا العصبي يئن ويزأر. يفهم كلامي جيدا كلُّ من جرّب المغص الكلوي، أو آلام العمود الفقري، أو الصداع النصفي، أو آلام الأسنان. وهي أسوأها جميعا. وصفها أنيس منصور وصفا عبقريا قائلا: لا شيءَ يفوقُ عذابَ الضمير إلا عذابُ الأسنان! يقبلُ هذه المبالغة الفانتازية من خَبَر هذا الوجع. وأنا أولُّهم. ذاك أنني أخضع منذ سنوات لعمليات جراحة جذور، وما أدراك ما جراحة الجذور! حتى أنني أثق أن الله سوف يخصم كلَّ ساعات جلوسي تحت أيدي أطباء الأسنان من فترة مكوثي في جهنم. (هذا اقتباس، بتصرّف، من أول صفحة في رواية "أحدب نوتردام لفيكتور هيجو). ولأنني أعيش هذه الآونة حال ألم مبرح، ولأنني شاعرة أيضا، فبوسعي أن أرسم للألم صورا شعرية كثيرة. لكن الصورة التي أراها أكثر دقّة وتعبيرا هي صورة القطار القادم من بعيد. وعلاقتي بالمسكن هذه الأيام طبعا هي علاقة حميمة للغاية. علاقة وجود. علاقة عشق أيضا. عند الفجر، وفي غمرة نومي، أشعر بالقطار يصفّر من بعيد. صوت أزيزه يزداد كل ثانية بما يعني أنه يقترب، يقترب. ومعناه أيضا أن أثر المُسكّن في طريقه للانتهاء. فالعلاقة عكسية بين المسكّن وبين القطار الذي لا يقف عند أي محطة. قطار اكسبريس سريع. أقفز من سريري وأركضُ لأجلب كأس ماء وقرص "كاتافلام" المُسكِّن (كان سعره 9 جنيهات وغدا بين عشية وضحاها 18 جنيه!). ما علينا، لا تتعجب فأنت في بلد يدعم شرائط الفيديو ولا يدعم الخبز والدواء. اِبتسمْ وحسب. لكن احذر أن يدهمك القطار وأنت تبتسم. فلا يليق أن تلقى وجه ربك وعلى وجهك ابتسامةٌ بلهاء من تلك التي نرسمها على وجوهنا وقت نشعر بقلّة الحيلة. أحفظُ مثلا شعبيا ذا علاقة: "سِتّنا أمّ أمِّنا قالت لنا: الضحك على تلات أربع ألوان: ضحك م الغُلْب، وضحك م الغَلَبَة، وضحك من قِلّة النَصَفَة". اِخترْ ما تشاء واضحكْ. بعد القرص لابد أن أذهب لدكتور "عماد نهاد فؤاد". وأنا أثق فيه جدا. ليس بسبب هذا الجرْس السَّجعيّ الموسيقيّ في اسمه الثلاثي، ولا بسبب شهادات التقدير التي تملأ عيادته، ولا حتى لأنه أصلح ما أفسده الدهرُ. أقصد ما أفسدته الطبيبتان السابقتان اللتان خرّبتا أسناني "اللولي"، لا أثق به لكل ما سبق وحسب، بل لسبب أخطر وأهم. أثق به لأنه من عشّاق فيروز! ومن يعشق فيروز لابد أن يكون مقدّرا لكل قيم الجمال في الحياة. وإتقانُ العمل هو أرقى ألوان الجمال.
المهم، بعد دقائق من تعاطيك المسكّن، سيبدأ صوت القطار في الخفوت. وهذا لا يعني أنه توقف. هذا القطار لا يتوقف أبدا، هو سائر منذ بدء الخليقة وحتى منتهاها، لكن معناه، بكل أسف، أنه عدّل من وجهته صوب كائن حيّ آخر. سواك. فقط أرجو ألا يكون هذا الآخر طفلا أو سيدة عجوزا أو حيوانا لا حول له ولا قوّة.
دائما ما أردد أن الألم ظاهرة غير إنسانية، وتعسّف من السماء ضد الإنسان. لكنني مخطئة. فالألم يجنبنا مصائب كبرى. لأنه المؤشر الأول أن ثمة خللا في أجسادنا. اكتشفوا في ألمانيا طفلا لا يتألم أبدا. حتى لو قطعت إصبعه لا يشعر! هذا الطفل يمكن أن تنفجر زائدته الدودية مثلا دون أن ينتبه فيموت في الحال. ويمكن أن يمتد لسان لهب إليه من خلفه، ولن ينتبه لسخونتها فيحترق قبل أن يجد الفرصة ليهرب. الألم ينبهنا للأخطار. الوجع جميل ونبيل أيضا.
أما أرقى الآلام وأنبلها في التاريخ فهو الذي خبره المسيح. حمل صليبه بنفسه وهو مدرج في دمائه من السياط والجنازير الحديدية التي مزّقت أوصاله. ثم ومشى به حتى الساحة البعيدة حيث يصلبون اللصوص والسفاحين. دقوا أطرافه بالمسامير على صليب مسجّى على الأرض، ثم رفعوا الصليب كي ينتصب في الهواء مشرعا جسده. شاهدا على ظلم البشرية. لنفسها.






#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ
- الإناءُ المصدوع
- الملاكُ يهبطُ في برلين
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!
- شوارعُ تُغنِّي بالفرح
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،
- المِصَحْيَاتي
- السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ
- يا مباحثَ بلدنا، أحبيِّنا
- أنا أستطيعُ، والناسُ تحبُّني


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - قطارُ الوجعِ الجميل