أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - وزراء ثقافة الطلقاء















المزيد.....

وزراء ثقافة الطلقاء


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2779 - 2009 / 9 / 24 - 13:15
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


عندما أسمع كلمة ثقافة عربية أصيلة رقبتي، وأعتقد أن السيف الذي تتخذه بعض الدول والجماعات الدينية، رمزاً لها، هو خير من يمثل هذه الثقافة. وأتذكر، على الفور، السيوف اليعربية الأصيلة التي انهالت على رقاب الحلاج، وابن المقفع، وأبي ذر، وابن الراوندي، وابن أبي العوجاء، وصالح بن عبد القدوس والجعد بن الدرهم، ومحي الدين بن عربي، وغيلان الدمشقي، وبشار بن برد. ويبقى الحجاج وبعض من سيافي البدو وسفاحي التاريخ البدوي الكبار خير من يمثل ويرمز لهذه الثقافة، الذي طار وزير ثقافة عربي آخر بفرح غامر على وجنتيه الجميلتين، إلى استنبول قبيل فترة للاحتفال بذكرى رمز الاستبداد العثماني السلطان عبد الحميد رغم المجازر التي ارتكبها هذا السياف الدموي بحق أقليات وأعراق أخرى، وبرغم ما في الحقبة العثمانية من ظلام قاتل. وكتب نفس هذا الوزير مقالاً لوذعياً يتغزل فيه بالفقيد الكبير عبد الحميد ألف رحمة من رب العالمين تنزل عليه، متجاهلاً ، وضارباً بعرض الحائط بمشاعر وأحاسيس الآلاف المؤلفة من الضحايا التي سقطت إبان العهد العثماني، وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا الوزير "التقدمي والقومي"، هو المرشح القادم والعتيد لمنصب ليونيسكو العالمي (وليش لأ فكل شيء جائز ويصير)، ألا يشكل وجود مثل هؤلاء خطراُ ليس على الثقافة، وحسب، بل على الوجود الجنس البشري؟

الثقافة السائدة سرمدياً ها هنا هي محاولة فرض ثقافة الطلقاء والتداعيات الناجمة عنها. وبين محاولات الفرض والرفض بدأت إشكالياتها وأزماتها المستعصية الكبرى . وقد اقترنت هذه الثقافة "الأصيلة"، بسلسلة طويلة من الدم والإقصاء والتعتيم والتعمية والتمويه. فالثقافة العربية، بكلمة واحدة، هي ثقافة "لا الناهية"، التي تأمر بالمعروف (قكر الطلقاء)، وتنهي عن المنكر (فكر المعتزلة واللاطلقاء، والقائمة كلية، على أحادية مرعبة، ترفض أي نوع من التبعيض والتثنية والتعديد المطلوبة في أية ثقافة إنسانية وتتجه نحو العولمية. كما تغيب عنها النزعات الإنسانية ذات السمات التآخوية، التي تحمل الهم الإنساني العام، ونلمسها في الثقافات الأخرى. ثقافة الطلقاء هي ثقافة الحارة المغلقة، والقبيلة المتعصبة، والعشيرة المنكفئة على ذاتها، ثقافة اللون الواحد الموحد المؤله والمخلد المتصادم مع غيره، والرفض للحاضر، والراغب بالعودة للتاريخ المجيد حيث يرى نفسه في الصحراء وحيداً بين المعز والتيوس والنوق والبعير والسيوف والجواري والإماء والعبيد، وينأى بنفسه عن كل ما هو قائم وحديث وجديد. ولقد بدأت في انطلاقتها الأولى من خلال رحلة مضنية وطويلة لفرض رؤية الطلقاء على ألوان الطيف السياسي والمجتمعي، وكانت من تبعات ذلك اندلاع أطول حروب التاريخ، التي نعيش تداهياتها حتى اللحظة، وهي الإنجاز الأبرز، وربما الوحيد، على الصعيد الدولي، لهذه الثقافة. ففي ظل هذه الثقافة لا الأموي ينبغي له أن يدرك العباسي، ولا الأشعري أن يتصالح ويتصافح مع المعتزلي، وكل، بحمده، في فلك يتذابحون. وحين علمت أن وزير ثقافة عربي مرشح لعمادة اليونيسكو تلك المنظمة الثقافية الدولية التي ترمز إلى تعدد الثقافات وتنوعها وتفرعها واحترامها بعضها لبعض، هرعت إلى مكتبتي وحضنت أمهات الأدب العالمي التي غذتني روحياً في دراساتي الجامعية الأولى، وخفت عليها، أن ينالها فرمان سلطاني سام من أحد حراس ثقافة الطلقاء كونها تتعارض مع ثقافة الطلقاء.

فوزراء ثقافة الطلقاء يحاولون جاهدين، اليوم، كما الأمس، في وزاراتهم العامرة بالشيوخ والفقهاء والرقباء، منع وحرق وتشفير وحجب وإقصاء أي رأي وكتاب ومنشور سري يخرج عن منطوق ثقافة الطلقاء، ومن هنا تقام حفلات البتر وإحراق الكتب في معارضهم السنوية وحجب كل ما يتحدث في الدين والسياسة والجنس، فوبيا الطلقاء الوحيدة التي حاربوها عبر قرون من العسف والتنكيل، ولذا تكثر في وزاراتهم لجان الرقابة والوصاية والبصبصة والتنبيش لمنع تهريب أية فكرة تنويرية قد تضر، ولا سمح الله وقدر، بثقافة الطلقاء. فالمجزرة الثقافية والفكرية وحرب الإبادة للفكر التنويري التي حدثت طيلة الأربعين عاماً المنصرمة، والتي كان فيها الوزير حسني على رأس وزارة الثقافة لمدة 21 عاماً، كما زملاؤه من وزراء ثقافة الطلقاء، وما "حدا أحسن من حدا"، والتي تمثلت بصعود التيارات السلفية والوهابية والإخوانية، وتراجع الدور الثقافي والتنويري لمصر وانحداره للحضيض، هو مسؤول عنها بشكل أو بآخر وكانت تجري تحت "أم عين"، السيد الوزير كما يقول المصريون دون أن يكون له الموقف أو المقدرة، أو التأثير على فعل شيء في هذا الصدد، وكما يردد المصريون أيضاً، "سيبك من حكاية"، التطبيع، والعداء لإسرائيل والانتماء العربي والإسلامي للوزير حسني، فمع هذه الأجواء العولمية المفتوحة لم يعد للتطبيع أية فعالية في، فثوار فلسطين الأشاوس من أبوات ثورة حتى النصر، يقومون بالمهمة على أحسن وجه، ولذا يبقى أمر المطبعين العرب الآخرين تحصيل حاصل ناهيك عن الخبث الكامن في الطرح الذي يفترض أنه لا وجود لتطبيع مصري إسرائيلي وهذه فرية أخرى لا تهضم ، ولا تقبل، والشركات الإسرائيلية في قلب كل بينت عربي مع اقتصاد العولمة والمعرفة وباتت صور لوردات الحرب الإسرائيليين وحسناوات الموساد في كل بيت، وربما في قلب كل سياسي عربي، ولن ننسى ذاك اللقاء الحميم والساخن واللمسات الحارة بين الوزير أبو الغيظ (لايوجد خطأ إملائي هنا)، والوزيرة الحسناء ليفني على درج الأليزيه، على ما أعتقد، وهو بالتأكيد أبعد من تطبيع، وأقل بقليل من مشهد بونوغرافي، ويتجاوز كل حدود الود واللياقة، والعرف الدبلوماسي. ومن هنا فالوزير حسني، بإنجازاته الثقافية "الهائلة"، والفاشل ثقافياً ومحلياً، في منع سقوط مصر في براثن المد الوهابي، وفي إحداث أية نقلة نوعية تنويرية ثقافية وفكرية، هو بكل تأكيد غير مؤهل ولا مؤتمن على ثقافة محلية وفاشل بها، فكيف سيكون أميناً على ثقافة عالمية ويقود أمر ثقافة، لا بل ثقافات عالمية الطابع منفتحة مرنة متعددة المشارب والأهواء والتيارات، لا بل تتناقض وتقف على الضد من ثقافة الطلقاء، ذات الرسالة الوحيدة والواحدة والخالدة والباقية والسيدة.

حسنًاً فعل المصوتون حين استبعدوا مرشحاً ينتمي لثقافة لم تثبت جدارتها عالمياً وإنسانياً، ولم تفلح في الانتقال لأي نوع من العالمية بسبب خلوها وافتقارها الفظيع للنزعة الإنسانية والأخوة العالمية الشاملة، التي تظهر لك في كل سطر وموقف وتبهرك بأحاسيسها النبيلة في الثقافة العالمية، والتي ألفناها، على سبيل المثال لا الحصر، في الآداب الروسية والفرنسية والإنكليزية وحتى الأمريكية والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى، وأصبحت الكثير من مؤلفاتها تحفاً خالدة وتراثاً كلاسيكياً عالمياً يدرس في كبرى الجامعات العالمية. فـالـ Masterpieces العالمية التي عرفناها أكاديمياً، وروايات الأدب العالمي التي درسناها نقدياً وفكرياً، هي نفسها التي تدرس في جامعات أكسفورد، وهارفارد، وجورج تاون، والسوربون، ما يعطيها طابعاً عولمياً وإنسانياً، والناظم الوحيد فيما بينها جميعاً هو ذاك الخط البياني الأخوي الإنساني العالمي، فيما كان من النادر أن تجد عملاً أدبياً تراثياً، بين أمهات الأدب العالمي، ممن ينتمي لثقافة الطلقاء، يجسدها ويعكس تفكيرها جنباً إلى جنب مع هذه التحف العالمية ولسبب واحد وبسيط هو افتقاره للبعد الإنساني.

ولو فاز حسني وتبوأ المركز فكان أفضل ما ينبغي له حمله إلى مكتبه الجديد هو السيف الذي يمثل الثقافة التي أتى منها. وستبقى ثقافة الطلقاء، التي حاولت فرض نفسها بقوة السيف والإرهاب خلال 1400 عام، خارج سياقات الفكر الإنساني، واستبعاد حسني هو استبعاد لتلك الثقافة فاقدة اللا إنسانية وفاقدة الصلاحية. فالثقافة والأفكار تتشرب شرباً، وتغزو النفس والأرواح، ولا تفرض فرضاً بالسيف والإرهاب، كما حاول أن يفعل الطلقاء على الدوام، والذين ما زالوا، حتى اللحظة، وبكل أسف، طلقاء.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حمار عربي أصيل!!!
- لماذا لا يستشهدون؟
- اسم على غير مسمى
- لماذا يُفرض الحجاب في الدول الدينية؟
- البكيني مقابل الحجاب والأكفان السوداء
- وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
- الحكام أم المحكومون العرب؟
- باب الحارة: الإسلام هو الحل
- ما هي معايير الوطنية؟
- العَربُ وتهديد القيَمِ والحَضارةِ الغربية
- عبد الباسط المقراحي طليقاً
- لماذا العتب على جنبلاط؟
- هل السعودية بحاجة لمهرجان ثقافي؟
- زوال الدولة الوطنية العربية
- المملكة السعودية: اعتقالات بالآلاف من دون محاكمة
- أبناء حكام العرب: شيء يرفع الرأس!!!
- غزة-ستان: بين حصار وحجاب
- خرافة البحبوحات النفطية
- لا لولاية السفيه
- لماذا يطالبون بتحرير فلسطين؟


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - وزراء ثقافة الطلقاء