أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاسم طلاع - المعطف - بيرتولد بريخت















المزيد.....

المعطف - بيرتولد بريخت


قاسم طلاع

الحوار المتمدن-العدد: 844 - 2004 / 5 / 25 - 03:56
المحور: الادب والفن
    


ترجمة قاسم طلاع

غيوردانو برونو، رجل من نولا، كانت محاكم التفتيش الرومانية عام 1600 قد أصدرت حكما عليه بالحرق على كومة من الحطب لكونه ملحدا ( كافرا )، أعتبر، عموما، رجلا عظيما، ليس لكون أنه قد برهن على فرضياته حول حركة الأجرام السماوية، وإنما موقفه الشجاع أمام محكمة التفتيش حين قال " إن شعوركم بالخوف عندما أصدرتم الحكم علي كان أشد وقعا على نفوسكم مني حينما سمعته " أن الذي يقرأ ما كتبه هذا الرجل، وإلقاء نظرة عما كتب عنه وخصوصا عن ظهوره بين العامة وتلك الأحاديث التي كانت تدور بينه وبينهم، لا يمكن سوى القول، بأنه كان رجل عظيما بالفعل. وهذه حكاية أخرى عنه تجعل منه رجلا أكثر عظمة. إنها حكاية معطفه.
علينا أن نعرف أولا كيف وقع في قبضة محاكم التفتيش.
كان واحد من طبقة فينسيا الأثرياء، يدعى موسنيغو دعا هذا العالم إلى بيته كي يدرسه الفيزياء وفن الذاكرة. وقد استضافه بضعة أشهر، ولم يتقاضى أجر سوى الطعام الذي كان يقدم له مقابل التدريس. ولكن بدلا من أن يتعلم السحر الأسود، كما كان يتمنى، حصل على شيئا من علوم الفيزياء. فكان ضجرا ( غير راض ) عن هذا، لأن ما كان يحصل عليه لا منفعة منه. وندم على التكاليف التي نفقها على ضيفه، وفي الآخر أنذره، وبصورة لا تقبل الشك، أن يسلمه أسرار هذه المهنة التي لا تقدر بثمن. وأن رجل مشهورا مثله لا بد وأن يملك مثل هذه الأسرار. وعندما يئس من ذلك، وشى به برسالة بعثها إلى ديوان محكمة التفتيش، كان مضمونها، بأن هذا الإنسان السيئ الجحود قد تحدث أمامه بكلام ردئ منكر حول المسيح، والرهبان، إذ قال، بأنهم ليسوا سوى مجموعة من الحمير والجهلة الذين لا يفقهون شيئا، وليس هذا فقط، فقد ادعى على العكس ما هو موجود في الكتاب المقدس، لا وجود لشمس واحدة، وإنما عدد لا يحصى من الشموس... والخ . ولذا أنا ، موسينغو ، حجزت عليه في غرفة صغيرة تحت السقف وأقفلت بابها . أرجو منكم ، وبأسرع ما يمكن أن تبعثوا من يأخذه .
وفي صباح يوم الاثنين، الساعة الثالثة، في الخامس والعشرين من شهر آيار عام 1592، كانوا قد اقتادوا المعلم إلى السجن وبقى هناك حتى ذلك اليوم، الذي وقف فيه على كومة الحطب، 17. شباط . 1600.
هذه السنين الثمانية، التي استمرت فيها عمليات التحقيق والمحاكمة وتلك اللحظات الرهيبة التي عاشها أثناء ما كان يصارع فيها الموت من أجل البقاء، إلا أن أصعب تلك اللحظات هي تلك التي حاول فيها منع تسليمه إلى سلطة روما، وفي هذه الفترة بالذات بدأت حكاية معطفه.

في شتاء عام 1592، عندما كان يسكن إحدى الفنادق، طلب من خياط اسمه غابريلا زنتو، أن يخيط له معطفا ثخينا. وحينما ألقي القبض عليه، كان ثمن قطعة هذا اللباس غير مدفوعة بعد.
سمع الخياط بالخبر....اندفع مسرعا إلى بيت السيد موتسنيغو، في ضاحية سانكت صاموئيل، للمطالبة بثمن المعطف، ولكن... بعد فوات الأوان. طرده خادم السيد موتسنيغو " لقد دفعنا ما فيه الكفاية لهذا الدجال." هكذا صرخ بصوت عال ، مما لفت أنظار بعض المارة . وأضاف قائلا " مـن الأفضل أن تذهب إلى محكمة التفتيش وتقول للموظف الذي هناك، بأن لك قضية مع هذا الكافر. "
وقف الخياط في وسط الشارع مذعورا. وكانت مجموعة من صبيان الحارة ( الزقاق ) قد سمعت الحديث هذا فرمى صبي مرصع وجهه بالبثور رث الثياب حجارة عليه. وخرجت امرأة كانت ترتدي لباسا رثا من أحد الأبواب وصفعته على وجهه. وهنا بدا واضحا للرجل العجوز زونتو، " بأن من الخطورة بمكان أن تكون لك علاقة ما مع مثل هذا الكافر. " تطلع من حوله وكان وجهه قد احمر من الخجل وأسرع هاربا نحو البيت. لم يخبر زوجته عن الذي حصل له، وبقى اسيوعا كاملا نحس المزاج.... اندهشت زوجته، إلا أنها لم تسأله عن السبب.
في اليوم الأول من شهر حزيران عثرت زوجته، أثناء ما كانت تنظم الحسابات، بأن معطف واحد لم يدفع ثمنه لرجل أسمه على كل لسان... النولانر ، الذي أصبح حديث المدينة والإشاعات المفزعة التي كانت ترددها الألسن حول الخبث الذي يحمله في دخيلته. إنه لن يدنس قدسية الحياة الزوجية فقط ، كما كان يردد هذا، سواء كان في كتبه أو أحاديثه ، وإنما المسيح أيضا، إذ وصفه ، بأنه كان رجل دجال إضافة إلى تلك الأفكار الجنونية التي كان يرددها حول الشمس . لهذا فليس من الغريب، أن يمتنع عن دفع ثمن المعطف.
لم تكن عند هذه المرأة المحترمة أي رغبة في أن تتحمل مثل هذه الخسارة. وبعد شجار حاد مع زوجها، ذهبت إلى محكمة التفتيش وطالبت، بشكل وقح، بالاثنين وثلاثين سكودي التي بذمة هذا السجين الكافر.
الموظف الذي كانت تحدثت معه، سجل طلبها ووعدها، بأنه سيتابع قضيتها.
بعدها وبفترة وجيزة استلم زنتو دعوة حضور إلى محكمة التفتيش. خائف ... مرتجف الأوصال دخل هذه البناية التي تثير الرعب والرهبة كل من يدخلها. اندهش لأنه لم يحقق أي واحد معه كما كان يعتقد في دخيلته، وإنما أخبر بشأن القضية المالية للسجين، وأنه سوف ينظر في طلبه هذا. ولكن على أية حال، عليه أن لا ينتظر الكثير منها. هكذا أشار له الموظف.
غادر الرجل العجوز المكان بالسهولة التي لم تكن تخطر على باله أبدا سعيدا منشرح الصدر معبرا عن شكره بخنوع. لم تقتنع زوجته إلى ما توصل إليه زوجها ولم تكن راضية أبدا، فالخسارة هذه لم تعوض، رغم أن زوجها قد استغنى عن الحانة والبقاء حتى ساعات متأخرة من الليل يعمل في محل الخياطة. فالديون التي عليهم عند تاجر الأقمشة يجب أن تدفع عاجلا. وكانت تصرخ في المطبخ وفي باحة الدار " أنه من العار أن يساق مجرما إلى السجن قبل أن يسدد الديون التي عليه. إنها ستأخذ حقها وتحصل على 32 سكودي، حتى لو تطلب الأمر بها الذهاب إلى روما لمقابلة البابا. فما حاجته إلى المعطف إذا كان سيقف على كومة الحطب. "
هكذا كانت تصرخ.
عند قسيس الاعتراف روت له قصتها. نصحها أن تطلب، على الأقل، استرجاع المعطف. اعتبرت قوله هذا اعترافا ضمنيا من جانب الكنيسة، بأن لها حق المطالبة، وأوضحت له، بأنها، على أية حال، لا توافق على مثل هذا الاقتراح، أولا لأن المعطف قد أستعمل وثانيا له قياس معين. صرخت بصوت عال " أنها تفضل النقود بدل المعطف " مما حدا بالقس إلى طردها. وهذا الحادث إرجاعها إلى صوابها بعض الشيء. سكتت ولم تتكلم حول هذه القضية بعض من الأسابيع. ولم تصل أثناء هذا أي أنباء مـن محكمة التفتيش حول قضية هذا الكافر الملقي في السجن سوى ما تتهامس به ألسن الناس في كل مكان عن أعماله المنكرة.
كانت المرأة العجوز تتصنت وتلتقط الأخبار بلهفة أينما ذهبت، وكان هذا المنفذ الوحيد الذي سمعت بواسطته، بأن قضية الكافر هذا في وضع سيء وأنه سوف لن يطلق سراحه أبدا وسوف لم يتمكن من تسديد الدين الذي عليه ( بذمته ). وهكذا وصلت الحالة بها إلى حد الجنون تقريبا ولم تغمض لها عين وبدأت تتكلم في كل مكان عن هذه المؤسسة الروحية وكيفية إهمالها لأصحاب الحرف أمثالها وأشارة، بأن هم هذه المؤسسة سوى رفع الأسعار وزيادة الضرائب.
في يوم ما، وكان هذا قبل الظهر، جاءها موظف واصطحبها معه إلى مكتب الأسقف، حيث انذرها، بأن تكف عن خبثها هذا، وسئلت، فيما إذا كانت لا تخجل من نفسها بالحديث السيئ في كل مكان عن المؤسسة الروحية من أجل بعض السكودي، وعليها أن لا تنسى بأن سلطة هذه المؤسسة تملك من الأساليب التي تمكنها بالوقوف ضد مثل هذه الأعمال. وبالفعل فقد ساعد هذا من التقليل من ثرثرتها وكضم غيضها.
تناقلت الأخبار، بأن الحبر الأعظم في روما طالب بأن يرسل النولانرا ( Nolaner ) إليهم، مما دفع مجلس كبار المدينة إلى الاجتماع للبحث فـي هذه القضية, خصوصا وأن العامة كانوا لا يحبذون النزول عند رغبة روما.
فقدت العجوز صوابها.... هل يريدون، فعلا، أن يتركوا هذا الملحد بالذهاب إلى روما دون أن يسدد الدين الذي بذمته..؟ يا لها من فضيحة. وما كاد هذا الخبر يطرق سمعها ، حتى أسرعت إلى مبنى المحكمة دون أن ترتدي لباسا أحسن وأنظف من الذي عليها .
استقبلت هذه المرة من قبل موظف أعلى درجة، والمدهش حقا، أن هذا الرجل كان أكثر رحابة بها، مقارنة بالموظف السابق. كان عمره مساويا لعمرها، تقريبا، وكان ينصت إلى شكواها بانتباه وهدوء. وعندما انتهت من كلامها سألها ، بعد استراحة قصيرة ، فيما إذا كانت ترغب الحديث مع برونو .
وافقت على الفور . وحدد لها موعد للقاء في اليوم التالي.

فـي اليوم التالي تقابلا الاثنان في غرفة صغيرة لا شيء فيها، سـوى شباك له قضبان حديدية. سألها بأدب عن بغيتها. لم تتعرف عليه حالا ، لأن الذي دخل عليها كان رجل صغير ونحيف وذو لحية خفيفة . ففي ذاكرتها كانت تحتفظ بذلك الوجه الذي رأته عندما كان يقيس معطفه ... يبدو أن المعانات اليومية من جراء التحقيق قد غيرت الكثير ملامحه.
قالت بعجلة: " المعطف... لم تدفع ثمنه . "
تطلع إليها بعض من الثواني مندهشا ، ثم تذكر وسألها بصوت منخفض : " كم هو الدين الذي لازال على ذمته ..؟ "
" اثنين وثلاثون سكودي " هكذا قالت له وأضافت " لقد استلمت قائمة الحساب. "
التفت إلى الموظف الثخين الطويل القامة ، الذي كان يراقب المحادثة وسأله ، فيما إذا كان يعرف كم مـن النقود قد سلمت مع أمتعته إلى محكمة التفتيش . لم يعرف الرجل ، إلا أنه وعده في معرفة ذلك .
" كيف حال زوجك ..؟ " سأل السجين ملتفتا إلى المرأة العجوز، وكأن الأمر قد حل، وأراد من سؤاله هذا إعادة كل شيء إلى مجراه الطبيعي، ومحاولة منه لجعل هذه الزيارة زيارة عادية.
ارتبكت المرأة العجوز من رقة هذا الرجل القصير وتمتمت، بأنه في حالة جيدة وأضافة إلى حديثها شيئا عن مرض التهاب المفاصل ( الروماتيزم ).

ولكي تعطي الوقت الكافي لهذا السيد، ذهبت إلى بناية المحكمة بعد مرور يومين وطلبت، بأدب ولياقة، زيارته مرة أخرى.
وبالفعل سمح لها بمقابلته، وكان عليها أن تنتظر في هذه الغرفة الصغيرة أكثر من ساعة، لأنه كان في إحدى جلسات التحقيق.
دخل وكان الإرهاق قد بدا عليه. ولعدم وجود أي كرسي ، أسند نفسه على الحائط وبدأ الحديث معها فورا . قال بصوت خافت منهوك ، بأنه ليس في وضع يستطيع فيه دفع ثمن المعطف ، لأنهم لم يجدوا نقودا ضمن أمتعته ، ومع هذا فلا داعي لقطع الأمل . لقد تذكر ، بأنه من المفروض أن تكون لديه نقودا عند رجل من مدينة فرانكفورت ، كان قد قام بطبع كتبه ، وسوف يكتب له رسالة . سيطلب غدا السماح له بكتابة الرسالة وإرسالها . يبدو أن اليوم غير مناسب لمثل هذا الطلب فقد لاحظت هذا عندما كان التحقيق جاريا معي.
كانت المرأة العجوز تتطلع إليه بنظرة حاد أثناء ما كان يتحدث إليها، معتبرة حديثه هذا، ليس سوى اسلوب من أساليب الحيل والمماطلة لمثل هؤلاء المدانين. فهم يتركون كل شيء للشيطان، وإذا ما طالبهم أحد ما عليهم، يفعلون وكأنهم يريدون بذل كل ما في طاقتهم من إنجاز ما بذمتهم.
" ما حاجتك إلى المعطف ، إذا كنت لا تملك النقود ..؟ "
سألته هكذا بوقاحة .
كان السجين يحرك رأسه موحيا لها بأنه كان صاغيا يتتبع حديثها. أجابها :
" كنت أكسب دائما من كتبي ومن التعليم الذي أقدمه للآخرين ، وهكذا كان ظني بأن حالتي ستستمر على هذا المنوال وسأبقى طليقا وبذلك سأكون بحاجة إلى هذا المعطف عندما أخرج للسير والتجوال . "
هكذا قال لها كاظما في دخيلته قسوة سؤالها ، كي لا يبقى مدينا لها بالجواب .
تطلعت إليه المرأة العجوز ثانية متفحصة إياه من الأعلى حتى أخمص قدميه وكان السخط والغضب قد سيطر على كل كيانها، إلا أنها شعرت بعدم الرغبة في الاستمرار بالحديث معه، فأدارت وجهها عنه دون أي كلمة تتفوه بها وخرجت تاركة المكان.

" من الذي سيبعث نقودا إلى رجل يحاكم من قبل محكمة التفتيش..؟ "
هكذا قالت بغضب وخبث في تلك الليلة لزوجها وهي مضطجعة إلى جانبه على الفراش . لقد اطمئن الآن من موقف المؤسسة الروحية ، لكنه استنكر محاولات زوجته المستمرة ودون ملل وبلا كلل في الحصول على النقود .
" أنه مشغول الآن بامور أخرى أهم من هذا. " دمدم بصوت غير مفهوم .
صمتت ولم تتكلم بعد هذا.

مر شهر ولم يأتي بشيء جديد ما يخص هذه القضية المتعبة. ولكن في بداية شهر كانون الثاني قيل ، بأن في نية المسئولين النزول إلى رغبة البابا بتسليم الكافر إليه في نفس الوقت الذي وصلت فيه دعوة إلى زونتو من محكمة التفتيش تتضمن السماح لها بمقابلة السجين مرة أخرى ، دون أن تحمل هذه الدعوة موعدا محددا للزيارة .
ذهبت السيدة زونتو بعد ظهيرة أحد الأيام في وقت غير مناسب، حيث كان السجين بانتظار زيارة مندوبا عن الجمهورية، الذي خوله مجلس المدينة أن يقدم تقريرا حول قضية تسليمه.
استقبلت من قبل الموظف العجوز ، الذي تمكن فـي المرة الأولى من تحقيق موعدا لها مع النولانر . قال لها " أن السجين هو الذي طلب حضورك والحديث معك، ولكن اختيارك لهذا الوقت جاء في وقت غير مناسب الآن، لأنه بانتظار جلسة مهمة جدا بالنسبة له. "
أجابت العجوز باقتضاب " إنها لا تريد شيئا ، سوى أن تسأله "
ترك أحد الموظفين المكان ورجع بصحبة السجين . وقبل أن يطل من الباب عليها وكانت الابتسامة قد ارتسمت على وجهه فاجأته بسؤالها " لماذا سلكت الطريق هذا ، إذا كانت عندك الرغبة أن تكون طليقا ..؟ "
اندهش من سؤالها هذا، فخلال الثلاثة اشهر التي مضت كان قد تعرض إلى الكثير من الأسئلة والرد عليها وكان قد نسى تقريبا لقاءه الأخير مع زوجة الخياط.
" لم تبعث إلي نقودا " قال لها هذا وضاف :
" كتبت مرتين من أجل هذا ، إلا أن النقود لم تبعث إلي . لهذا فإنني فكرة أن أعيد إليك المعطف . "
" كنت أعرف أن مثل هذا سيحدث " قالت هذا بازدراء، وأضافت " أن له قياس خاص. فهو صغير الحجم ، نادر من يجد أن يشتريه ."
تطلع النولانر على المرأة العجوز بألم وحرقة " لم يخطر مثل هذا على بالي " قال هذا والتفت إلى القساوسة ( رجال الدين ) " هل من الممكن بيع أمتعتي وإعطاء ثمنها إلى هؤلاء الناس ..؟
" هذا غير ممكن . " تدخل الرجل الضخم ، الذي كان قد أحضره ، في الحديث ، " لأن السيد موسينغو سيعترض على هذا ، لكونك قد عشت في بيته مدة طويلة . "
" هو الذي دعاني إلى بيته " أجابه النولانر وكان التعب والإرهاق ظاهران على وجهه.
رفع الرجل العجوز يده قائلا " أن مثل هذا الحديث لا يتناسب مع ما نحن فيه . أعتقد أنه من الواجب استرجاع المعطف . "
" ماذا سنفعل به.." هكذاذا قالت المرأة وبقت مصرة على عنادها ولا تريد سوى ثمن المعطف.
أحمر وجه العجوز من الخجل وقال : " عزيزتي السيدة ! قليل من التساهل والتحلي بالروح المسيحية. إن بانتظار المتهم لقاء مهم. فهو بالنسبة له يعني الحياة أو الموت . فلا يمكن أن تطلبي منه أن يهتم فقط في قضية معطفك. "
تطلعت المرأة العجوز من حولها وتذكرت فجأة أين تقف، هي، الآن. وفكرت ، فيما لو كان من الأفضل لها أن تترك هذا المكان . وهنا طرق سمعها صوت السجين: " أعني، بإمكانك المطالبة به. "
وقبل أن تلتفت عنه أضاف قائلا: " على أية حال، عليك أن لا تفكري، بأن خسارتك هذه سيان عندي. سوف أقدم التماسا بخصوص هذه القضية .
وبإشارة من الرجل العجوز خرج السمين من الغرفة ثم رجع فاتحا ذراعيه قائلا: " أن المعطف ليس مع الأمتعة. يبدو أن الموسينغو قد احتفظ به .
ظهر الانزعاج على وجه النولانر واضحا وقال :
" هذا ليس من حقه . سأرفع عليه قضية وسأقاضيه عن هذا ."
هز الرجل العجوز رأسه.
" من الأفضل أن تشغل بالك بالمقابلة، التي يجب عليك القيام بها بعد بضع دقائق. لهذا لم أسمح بعد، بأن يستمر مثل هذا النقاش من أجل بضع من السكودي. "
احمر وجه المرأة العجوز من الغضب، بعد أن كانت قد صمتت طول الوقت أثناء حديث النولانر ولم تفعل سوى التطلع إلى زاوية الغرفة. وعندما سمعت هذا ، لم تتحمل البقاء على صمتها.
" بعض من السكودي ! " هكذا صرخت ... " هذا راتب شهر بحاله ! وماذا يضرك إذا تنازلت عنه. فالخسارة هذه لا تصيبك.
في هذه اللحظة دخل راهب طويل القامة " لقد حضر المبعوث " هكذا أعلن هذا وبصوت شبه منخفض متعجبا من صراخ المرأة .
مسك الرجل الطويل القامة النولانر من ذراعه واقتاده إلى الخارج . نظر السجين ، عبر كتفه النحيف ، إلى الخلف متطلعا إلى المرأة العجوز حتى خروجه مـن المكان . وكان وجهه النحيف مصفرا .
نزلت المرأة العجوز عبر السلم الحجري وهي في حالة من الذهول ( مشتت الأفكار ) لا تعرف ماذا يجب عليها أن تفكر ، فقد فعل هذا الرجل ، ما كان بمقدوره أن يفعل .
لم تذهب اسبوعا إلى العمل ، بعد أن استلمت المعطف .
وعندما كانت تصنتت من راء الباب ، طرق سمعها كلام أحد الموظفين " لقد اهتم فعلا في الأيام الأخيرة بقضية المعطف . إذ قدم إلى مسئول المدينة طلبين أثناء جلسات التحقيق وتحدث أكثر من مرة حول هذه القضية مع ممثل البابا وقد ظفر ببغيته. فكان على موسنيغو أن يرد المعطف . ولكن كم هو بحاجة الآن إلى هذا المعطف، لأنه قد وضع تحت رحمة روما وسيذهب في الأسبوع القادم إلى هناك. "
هذا صحيح. نحن في كانون الثاني.



#قاسم_طلاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أين تستمد الانتخابات العامة شرعيتها ...؟
- الثأر من التاريخ


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاسم طلاع - المعطف - بيرتولد بريخت