أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - الملاكُ يهبطُ في برلين














المزيد.....

الملاكُ يهبطُ في برلين


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2778 - 2009 / 9 / 23 - 09:25
المحور: سيرة ذاتية
    


هبط ملاكٌ من السماء في بابل، ومعه هديةٌ أرسلها الربُّ لأفقر رجل في العالم. ولم يكن هناك أفقرُ من الشحاذ "عاقي". رجلٌ عجيب يأبى إلا أن يتسوَّلَ لكي يعولَ فقراءَ الشعراء والفنانين، ثم يُلقي في النهر ما يفيضُ من مال، حتى يظلَّ فقيرًا أبدًا؛ فلا يكفُّ عن التسول! أما الهديةُ السماوية فلم تكن إلا ملاكًا أنثى (مَلاكةً؟)، من أجمل ما يكون. هكذا أخبرتنا مسرحيةُ "الملاكُ يهبط في بابل"، التي كتبها السويسريُّ فريديريش دورنمات عام 1953. أما في الديانة المسيحية فيُقال إن ملاكًا حارسًا يرافقُ الطفلَ بعد تعميده مدى الحياة ليحميَه ويؤازرَه. وفي اللغة العربية، كما في معظم اللغات التي بها مذكّر ومؤنث، يأتي الملاكُ مذكَّرًا وليس مؤنثًا، وهو ما لم أفهمه أبدًا! إذْ يبدو لي دومًا أن القيمَ الجميلة في الحياة لابد أن تكون مؤنثة!
في المهرجان العالمي للآداب في برلين هذا العام، قرّر القائمون على المهرجان أن يخصصوا "ملاكًا حارسًا" لكلِّ أديبٍ مُشارك. يرافقُ الملاكُ الشاعرَ أو الروائيّ طوالَ فترة المهرجان، ويرتاد به كل ما يودُّ الأديبُ أن يراه من أماكن أثرية في برلين. الروائيُّ مكاوي سعيد كان حظَّه ملاكٌ حارسٌ أمريكية من أصول عربية اسمها "جبينا"، قالت إنه مؤنثُ "جبين"، بالعربية. وكان من نصيب الروائية منصورة عزّ الدين ملاكٌ تشيكية اسمُها "ملينا". أما الأديب المغربيّ ياسين عدنان فكانت ملاكُه يونانيةً اسمها آماندا"، وقد أخلفت معه الموعدَ ليومين، فقرر معاقبتها وعدم مرافقتها. واستشارنا في الأمر، فقمنا بتهدئة النفوس، ونصحناه بالصبر الجميل؛ ذاك أن الملائكةَ لا يُعاقَبون، ولا تجوزُ معاملتُهم من خلال كتالوجنا البشريّ!
لم يكن في المهرجان أجملُ من ملاكي الحارس. أولاً لأنها اختارتني بالاسم قبل وصولي برلين، فارتقيتُ نقطةً عن بقية الأدباء المشاركين؛ الذين تمَّ تعيين ملائكتهم خبطَ عشواء بمحض مصادفةٍ غير مرتَّبة. وثانيًا لأنني لم أكن لأختارَ أجملَ منها من بين كلِّ ملائكة الدنيا. وثالثًا لأنها استقبلتني بوردة في باحة الفندق فورَ وصولي. ثم إن ملاكي الحارسَ لم يكن أمريكيًّا ولا أوروبيًّا ولا آسيويًّا، إن هو إلا ملاكٌ عربيٌّ أصيل، بل من أجمل البلدان العربية، وأَحبِّها إلى قلبي. ملاكي الحارسُ سوريّةٌ من ضيعة "مرمريتا" الساحرة التي تقعُ بين حمص وطرطوس وترتفعُ كثيرًا عن سطح البحر لتحفَّها الجبالُ الخُضر. اسمها "ميساء سلامة". كاتبةٌ ومثقفةٌ رفيعةُ الطراز، تعمل في مجال تنسيق المعارض التشكيلية بين الشرق والغرب، وتعيش مع زوجها "راينر وولف" في بيت فاتن ببرلين تزيّن جدرانَه لوحاتٌ أصلية لفنانين سوريين وألمان، وقطعٌ نحتيةٌ لم أر بعد جمالها جمالا. بالبيت شرفةٌ دائرية تطلُّ على غابة تشبه قطعةً من الجنّة. تزرع ملاكي في شرفتها زهورًا وخضراوات، أكلتُ من ثمرها حبّاتِ طماطمَ، لم تزل حلاوتُها على لساني. زهورُ الأوركيديا البيضاءُ تملأ أركانَ البيت، ربما لأن ربّةَ البيتِ ذاتَها تشبه تلك الزهرةَ الفاتنة. وأنا، أُحبُّ اللهجةَ الشامية لأنها تنسالُ مثل موسيقى صافية: "هيك، شلون، ولو، لكان، "بقطفلك بس ها المرة/ ها المرّة بس عابكره/ عابكره بس شى زهرة/ شى زهرة حمرا/ وبس"، فأعملُ على ألا تضيعَ مني كلمةٌ وهي تشرحُ لي مشيرةً بسبابتها إلى كنيسة "القيصر وليم"، التي غدا اسمُها الآن "كنيسة الذكريات" بعدما قصفتها قنابلُ الحرب العالمية الثانية. لم يُزلها الألمانُ ولم يرمّموها، بل ينفقون آلافَ اليورو كلَّ عام، لتظلَّ واقفةً على صدوعِها، شاهدًا أبديًّا على ويلات الحروب، علّ جيلاً جديدًا ينشأ لافظًا كلمة "الحرب" من معجمه.
رافقتني ملاكي طوالَ الوقت، وارتادت بي الكثيرَ من أماكن برلين الفاتنة، لكنها لم تذهب بي، رغم إلحاحي، إلى الجناح المصريّ بمتحف برلين، حيث يقفُ في كبرياء رأسُ نفرتيتي الفاتنُ في نسخته الأصلية الوحيدة بالعالم! لابد أنها خافت لمّا قرأت في عيني رغبةً شريرةً في سرقة الرأس السليب، لأعيده إلى بلادي! جريدة "المصري اليوم" 21/9/09




#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!
- شوارعُ تُغنِّي بالفرح
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،
- المِصَحْيَاتي
- السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ
- يا مباحثَ بلدنا، أحبيِّنا
- أنا أستطيعُ، والناسُ تحبُّني
- الفِتْنةُ ليست دائمًا أشدَّ من القتل!
- للجريدةِ مآربُ أخرى
- لغةٌ -قايلة- للسقوط
- حتى الضفدع!


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - الملاكُ يهبطُ في برلين