|
المفهوم الليبرالي لحقوق الإنسان
عصام عبدلله
الحوار المتمدن-العدد: 2776 - 2009 / 9 / 21 - 14:27
المحور:
حقوق الانسان
قبول "حق الخطأ" كحق من حقوق الإنسان والمواطن جاء في إعلان عام 1789 الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية. فالحرية التي يولد الناس عليها، كما تقول المادة الأولي من الإعلان، هي حرية مطلقة لا قيد عليها إلا القيد الذي يجعل الناس سواسية في التمتع بها.
ولذا فالآراء كلها، صحيحها وزائفها، ذات قيمة متساوية. وهذا المفهوم الليبرالي للحقيقة يجعل الخطأ له حق مساو لما للصواب من حق ، وهنا تكمن أهمية الليبرالية المعرفية ونظرياتها عن الإنسان، فمن ناحية معرفية فإن محدودية العقل وقابليته للخطأ هي أساس التسامح، كما يقول كارل بوبر، وحيث لا يمكن للعقل الوصول إلي الحقيقة، بمعني أنه لا يستطيع تحديد صحة أفكاره وعقائده وصوابها، فإنه مطالب بأن يسلك منهج التسامح إزاء عقائد الآخرين وأفكارهم، لأن الحقيقة تملكنا جميعاً ولا يستطيع أي منا امتلاكها.
ومع تصاعد الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان في عصر العولمة، أدركت الأمم المتحدة مخاطر مشكلة الأقليات في العالم وتداعياتها، فكان الإعلان العالمي الخاص بحقوق الأفراد المنتمين لأقليات قومية أو اثنية أو لغوية أو دينية، والصادر عن لجنة حقوق الإنسان واللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات، والمصدق عليه من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/12/1992، هو ذروة العطاء القانوني الدولي لمسألة الأقليات، كما يقول العلامة القانوني د. سليم نجيب، فهو الأكثر وضوحا ويعتبر ثورة حقيقية في القانون الدولي، حيث ينص في أحكامه علي حقوق الأقليات في المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي، واحترام مبدأ المواطنة المتساوية لكل أعضاء المجتمع بغض النظر عن اختلاف الدين.
تأكد ذلك في المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان الذي انعقد في فيينا فيما بين 14 - 26 يونيو عام 1993 والذي حضرته 171 دولة، حيث نص هذا البيان علي ضرورة التزام الدول الكامل والفعال بحقوق الإنسان والحريات السياسية.
وقد تزامن صدور هذا البيان مع انتعاش الاصوليات في العقد الأخير من القرن العشرين ، وحسب "فيليب مورو ديفارج" في كتابه "العولمة": "فإن العولمة إذ تنشر في كل أرجاء الأرض مرجعيات وقيماً غربية، تستثير ردود أفعال الثقافات الأخري التي تشعر أنها مهددة بالزوال بسبب العقلانية والعلمنة. ومن هنا يأتي تفجر الحركات الأصولية باعتبارها سعياً للنقاء المفقود، ولعصر ذهبي ترغب في استعادته لحظة البداية حيث لم يفسد الإيمان بعد، أكثر منها محاولات لا شعورية لتحديث العقيدة، وهوما يؤدي إلي تفكيك الدولة القومية التي ظهرت بموجب معاهدة "ويست فاليا" عام 1648، وينهي بالتالي فكرة الوطن والمواطنة."
وعلي سبيل المثال فإن نظرة الأصوليين، لأنفسهم دوما كامتداد للخارج، للعالم الذي ينتمون إليه باللسان والوجدان، يولد عند أكثرهم إحساس غريب بأنهم إلي ذلك الخارج أقرب منهم إلي أهليهم الذين يشاركونهم الأرض، أي يشاركونهم الوطن. وهو ما ينتج الكارثة في بلد بوتقة، كالعراق والشام ومصر والسودان والمغرب، لأنها تدفع الطرف الآخر إلي اللواذ بمن يحسبونهم أكثر قربي لهم من خارج حدود هذا الوطن.
وللأسف الشديد مازالت معظم دول الشرق الأوسط تقلل من شأن التطورات العالمية المتسارعة، وتتجاهل عن عمد القضايا الإنسانية الناجمة عن عدم حل مشكلة الأقليات بل وتنكر وجود هذه الأقليات أصلا بزعم أن هذه الأقليات من نسيج واحد ولحمة واحدة مع الأغلبية في الوطن، مؤكدة أن الدستور ينص ويقرر مساواة جميع المواطنين أمام القانون، بصرف النظر عن اللون أو الدين أو الجنس.
بيد أن هناك فارقاً كبيراً بين النص والواقع، كما يؤكد د. سليم نجيب في معظم كتاباته، فقد يتضمن الدستور وهو أسمي القوانين وأعلاها شأنا نصوصا عن المساواة والحرية واحترام حقوق كل الأفراد، ثم يكشف لنا الواقع والتطبيق عن انتهاك هذه النصوص الدستورية وبالتالي يتأكد الانفصال بين الواقع ونصوص القانون.
ولا سبيل أمام دول الشرق الأوسط إلا الارتقاء بحالة "المواطنة الديمقراطية"، واستكمالها وتهجينها بأفضل العناصر التي تتيحها العولمة. فالدعوة إلي "حقوق الإنسان" هي دعوة إلي المساواة بين البشر دون أي تمييز، وهي دعوة يتبناها ويدعمها، بقوة القانون الدولي، القوي والمؤسسات المهيمنة علي النظام العالمي اليوم.
#عصام_عبدلله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي
...
-
إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب
...
-
إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة
...
-
مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع
...
-
لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
-
سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م
...
-
حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب
...
-
ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية
...
-
اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان
...
-
اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|