أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - ذئاب بلا أنياب















المزيد.....

ذئاب بلا أنياب


خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


في إحدى الغابات التي لم يصلها الإنسان بعد، ثمة مجتمعات حيوانية من جميع الأجناس ولا يفصل فيما بينها سوى أسوار مصطنعة لمنع تأثير كل منها على الآخر. من بين هذه المجتمعات كان مجتمع الذئاب على أطراف الغابة، كانت له عاداته وتقاليده الخاصة رغم أن جميع يشتركون في طبيعة حيوانية واحدة . وثمة اتفاقات خرقاء عقدت ما بين الذئاب وغيرهم من المجتمعات المجاورة . وكان يترأس قطيع الذئاب سلطان مهيب اتسم بالصرامة ، كانت قراراته تدل على دكتاتوريته المطلقة . وفي كل مرة يتخذ قراراً معيناً ، يبرره بأن الظروف الخارجية والمؤثرات المحيطة بالوطن لا تفسح المجال للديمقراطية.
ولكن القرار الأخير لم يكن بسيطاً ، بل كان من الجدية ما جعل سلطان الذئاب يستشير الحاشية ويأخذ برأي الجميع ، لأن القرار يناقش الحريات الشخصية وتأثيرها على العرش . وبعد دراسة مستفيضة عرض أحد الوزراء رأيه بتجريد مجتمع الذئاب من أنيابها ، وبذلك يؤمن السلطات على عرشه ولا يكون هناك أي خطر من تمرد المواطنين في المستقبل . لكن يجب وضع مبرر لهذا القرار ليقنع عامة الشعب بأن ما تقرره السلطة هو من مصلحة الشعب . وفي مجمل النقاش عرض وزير الصحة تبريره ، وهو بأن الأنياب الأمامية لا تسبب إلا الأمراض وقد تسبب خطراً على سلامة المواطنين في حالات الشجار .
وكان سرور السلطان واضحاً ، لذكاء حاشيته التي لا تضع أمراً إلا وترفقه بمبرر ، وعندما عرض القرار على مجلس الشعب ، نظر فيه الأعضاء متسائلين فيما إذا كان القرار يشملهم .لكن طمأن السلطان هؤلاء المتسائلين بأن القرار لا يشمل سوى المواطنين .
وفتحت المؤسسات والمصحات لتنفيذ ذلك القرار .توافد الكثيرون من أجل قلع أنيابهم ، ولم ينظر أي منهم لخطورة ما يجب النظر فيه ، أما الملك ، فقد كان تلك الاستجابة بارتياح داخلي .
وبعد إحصاء عدد المواطنين الذين اقتلعت أنيابهم ، وجد أن ما يقارب العشرة بالمئة لم يأتوا إلى المصحات. وكان هذا كافياً ليزعج السلطان ويجعله يأمر بإلقاء القبض عليهم .وانتشرت أجهزة الأمن باحثه عن أولئك اللاوطنيِّن .وبعد جهد شاق عثر على نصف المتمردين حيث بقي خمسة بالمئة غير خاضعين للقرار .لكن طمأنينة السلطان ذهبت حين سمع بأن المتمردين شكلوا تنظيماً يدعى "جبهة المعارضة"،وتزعم هذا التيار أحد السياسيين المعروفين في البلدة .فهو من الذين حاول السلطان الإيقاع بهم في الماضي عندما تزعم فئة من الذئاب تحت اسم "حقوق الحيوان" .
ووصل آخر خبر للسلطان بأن المعارضين لجؤا لمملكة الأفيال طلباً للحماية .وأزعج هذا الخبر صاحب الجلالة ووضعه في حيرة تامة .وأخذت آراء الحاشية تستقر على الحرب ضد مملكة الأفيال ، لكن كيف يحارب الذئاب دون أنياب ؟عدل عن هذا القرار .ثم بدأت المبادلات ما بين المقاطعين ، وعقدت الاتفاقات الورقية ، لكن لم يتوصل الطرفان إلى الحل المطلوب.
وعقدت الاجتماعات اليومية ما بين السلطان والحاشية، حيث اتفق الجميع بأن يلقي السلطان خطاباً يدين فيه المتمردين ضد الوطن .إلا أن السلطان لم يقتنع بذلك :
_ ماذا ستفعل خطبتي ..لقد عرف المواطنون سر اللعبة ، وصاح رئيس الوزراء:
_ لقد تمت اللعبة بنجاح ، أما الذي نريده الآن هو إقناع المواطنين بأن المتمردين أعداء الله والوطن . وأشار السلطان بأصبعه على المتكلم :
_ ماذا سينفع كل ذلك يا سيادة الوزير ؟
_ على الأقل نضع حداً لتأثير المتمردين على أبناء الوطن .
وأُغلقت الجلسة بالموافقة على خطاب السلطان .وفي اليوم الموعود تجمهرت الذئاب في الساحة العامة تنتظر خطاب السلطان وبرز صاحب الجلالة من شرفة المبنى الملكي ينظر إلى الحشود المتلهفة ومعه رئيس الوزراء ذو النظارة الغليظة والحاشية .وأخذت الحشود تصفق لجلالته ،وأتبع الصخب صوت السلطان أبنائي ،تعرفون كم أني أحرص على مصلحتكم ومصلحة الوطن وتأكدوا لو أن القرار يضر بكم لما سمحت له بالتنفيذ .وأوقف السلطان تصفيق الجماهير ، فاستغل ذلك بحك أرنبة أنفه ، ثم تابع قائلاً :
_ إن المتمردين لا يضرون سوى أنفسهم ، بل إني أدرك والله يعرف أن مصلحة الوطن فوق كل شيء ...تصفيق .وانحنى الوزير هامساً بأذن الملك .
_ يبدو أن كل شيء على ما يرام .وتابع متحدياً.
_ نحن ندرك أن مملكة الأفيال أقوى منا حربياً ، ولكن هذا لا يعني أنهم سيستعملون المتمردين ضد وطننا .سنعمل ما بوسعنا للسلام ، لكن إذا أراد الأعداء حرباً !فلتكن حرباً .وعندما انتهى من خطابه التاريخي رفعه يده اليمنى إلى الأعلى مودعاً الحشود المتجمهرة ،ثم اتجه نحو الداخل تاركاً الصخب الذي ما زال ينبعث من المواطنين تأكيداً على دعم سياسته .وانحنى السلطان نحو الوزير صاحب النظارة الغليظة يسأله فيما إذا كان خطابه مناسباً .فأجابه الوزير :
_ طالما أن الحشود تصفق ، كل شيء سيكون على ما يرام .
وهكذا أدرك السلطان أن الحرب شيء شبه مستح لايل .إلا أن فكرة لمعت في رأسه ، وهي أن الخيار الوحيد بالنسبة له هو توقيع معاهدة مع مملكة الأسود .فهم معروفون بقوتهم وشراستهم .وبعد مناقشة الأمر مع الوزراء ، قرر الجميع أن المعاهدة شيء ضروري ، وخاصة في أزمة كهذه .وعندما وصل الوفد إلى أرض الأسود يشرح مطالبه بالتفصيل :
_ نظراً لتأزم الوضع في المنطقة ، خاصة بينكم وبين الأفيال ، فإننا نود مساعدة شعبكم ضدهم ، لكن هل أنتم مستعدون لتقبل شروطنا ؟
أجاب رئيس الوفد :
_ إذا كان باستطاعتنا يا صاحب الجلالة .وبعد النظر لجميع الشروط ، كان هناك شرط لم يعجب الوفد ، وهو إعطاء خمسين بالمئة من المنتوج الوطني للأسود .وبعد أخذ ورد بين الطرفين كان جواب الوفد لملك الأسود بعدم القدرة على اتخاذ أي قرار من دون استشارة ملكهم .
وعندما عاد الوفد إلى الوطن ، قص وبالتفصيل ما حصل في الاجتماع .وكانت دهشة السلطان واضحة ، فهو يستورد أكثر من ستين في المئة من المحاصيل الكلية من بلدان أجنبية ، ثم إن هناك ديوناً لمملكة الأفيال ما زال يماطل في دفعها لسوء المحصول .
ورمت الأيام دون وضع الحلول اللازمة .ولم يكن هناك أي قرار بالإجماع بين السلطان ووزرائه لكن ما وحد قرارهم حول توقيع المعاهدة بسرعة مع الأسود هو تهديد الأفيال بالهجوم إذا لم تدفع مملكة الذئاب القروض المطلوبة في آخر العام .وحصل كل ذلك في سرية تامة .
وتسلل بعض المعارضين إلى العاصمة يوزعون منشوراتهم ويؤلبون الشعب ضد السلطة .حيث كانت حجتهم أن لو كان اقتلاع الأسنان صحياً ، فلماذا لم يقتلع السلطان وحاشيته أسنانهم !وتطرقوا أيضاً في منشوراتهم السرية إلى المعاهدة السرية التي عقدت مع الأسود لحماية السلطان وعرشه ونتائجها على أرض الوطن .
تتالت الأيام ، وأخذ الأفيال يتحرشون بالذئاب ، لكن ثقة السلطان في أن أصدقائه الأسود سيدافعون عنه في اللحظة المناسبة .في صباح أحد الأيام بدأ الأفيال زحفهم نحو الذئاب.
وأخذت الاتصالات الهاتفية بين الذئاب والأسود ، وأظهرت الأسود مماطلتها في إرسال جيوش لإنقاذ جيرانهم .ولم يصمد الذئاب طويلاً ، بل دخلت الأفيال تدمِّر وتقتل .وفرَّ السلطان إلى أصدقائه الذين كان من المفروض أن يساعدوه في محنته لكنهم لم يستقبلوه قائلين :
"تم الاتفاق بينك وبين الأفيال على تسليمك لهم حال وصولك ، ونحن سنعمل بهذا الاتفاق" . وتذكر السلطان الاتفاق السابق مع الأسود وعدم اكتراثهم به ،ثم أدرك في قرارة نفسه أنه أضعف بلاده باقتلاع أسنان شعبه .وشعر بذلك العار الذي ارتكبه ضد وطنه ، فقد خان شعبه مرتين، مرة باقتلاع أسنانهم ،ثم بتوقيع معاهدة سرية مع الأسود ، وهو الآن يدفع الثمن .ولمعت في رأسه كلمات من المنشورات السرية التي كان المعارضون يوزعونها على الناس .فهو الآن يدرك صحتها :"لقد سحب السلطان من تحته القاعدة التي يقف عليها ، وهكذا فهو بالتأكيد سيفقد رأسه




#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاص خليل الشيخة للكاتب عيسى اسماعيل
- موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي
- الرحيل
- إصدار المجموعة المترجمة (رسالة إلى السماء)
- من أجل غرين كارد
- إصدار غابة الذئاب - تعليق خليل السواحري
- نفاق
- علم تحليل الشخصية - الشخصية اليقظة
- من العم توم الى باراك اوباما
- قراءة في كتاب (الرقيق) – ميندي نزار *
- إصدار كتاب إنطباعات الزمن الفائت
- ماوراء أعياد الربيع....سانت باتريك - النيروز - الفصح
- قراءة في رواية -عمارة يعقوبيان- لعلاء الاسواني
- تركيز الثروة العالمية بين أفراد
- تركها زوجها وفر مع صاحبته الامريكية
- الذات العربية والكيان الاسرائيلي
- قراءة في مجموعة (الكلاب) من الكاتبة ريما فتوح
- مشكلات التنمية في الوطن العربي
- الثقافة العربية ومرحلة الضياع
- الأصولية والغطاء الديني


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - ذئاب بلا أنياب