أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - الإدارة و ثقافة المجتمع.















المزيد.....

الإدارة و ثقافة المجتمع.


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2769 - 2009 / 9 / 14 - 22:36
المحور: المجتمع المدني
    


* هذا النص هو الترجمة العربية لمقدمة محاضرة مطولة ألقيتها على طلبة الدراسات العليا فى العلوم الإدارية بجامعة سيدني باستراليا خلال زيارتي للجامعة فى مايو 2009.


في عالمنا اليوم نموذجان للتقدم هما نموذج الحضارة الغربية الذي استغرق قروناً و الذي يشبه الطهي على نار هادئة، و النموذج الآسيوي (كتجارب تايوان و كوريا الجنوبية و سنغفورة و ماليزيا) و التي بدأت و اكتملت في أقل بكثير من خمسة عقود، و هي تجارب تشبه الطهي السريع. و إذا كان التقدم هو استعمال معطيات العلم الحديث في الرقي بكافة أوضاع و نظم المجتمع و أفراده، فإننا لن نجد في تاريخ الإنسانية خلال القرون الخمس الأخيرة نموذج ثالث للنموذجين الذين أشرت إليهما.

و إذا كنا جميعاً لا نحب لمجتمعاتنا احتمال النجاح في إحراز التقدم بعد أربعة أو خمسة قرون، فإنه لا يبقى أمامنا إلا النموذج الآسيوي الذي تقتفي أثره اليوم بلدان أخرى غير التي ذكرتها. و هذا النموذج و إن كان "العلم الحديث" هو عصبه أي أن تطبيقات العلم الحديث في سائر النواحي هي التي أتت بالثمرة المرجوة أي الإزدهار و التقدم فإن الحقيقة هي أن "الإدارة" هي عصب هذا النموذج و ليس العلم. بمعنى أن أساليب و تقنيات الإدارة الحديثة هي (برؤية استراتيجية حكيمة) التي فتحت المجال أمام معطيات العلم الحديث لإصلاح ثم تقدم المجتمع و ليس بفتح المجال أمام الأوهام و الخرافة و الأساطير.

و تقنيات علوم الإدارة الحديثة عديدة منها القيادة، و الإدارة المثلى للموارد البشرية، و تنمية روح الفريق، و اكتشاف القدرات بشكل مبكِّر و بالذات ما بين "العمويين" و "المتخصصين"، و إدارة الجودة الشاملة TQM (بأجنحتها الثلاثة الرئيسية: تخطيط الجودة و جودة المتابعة و جودة المراجعة)، و التدريب المستديم من بداية إلى نهاية الحياة العملية لكل إنسان، و تأصيل قيم التعددية و علوم التسويق الحديثة. و من المهم للغاية التنويه بأن كل هذه التقنيات و العلوم و الأساليب و القيم هي "إنسانية" بمعنى انه لا توجد حضارة و لا يوجد مجتمع و لا يوجد دين من حقه الزعم بأنه منبت هذه النظم و الأساليب و القيم كما انه لا يحق لأي جهة من هذه الجهات القول بأن هذه النظم و الأساليب و القيم تتناقض مع خصوصياتها الثقافية، فمثل هذا القول هو بمثابة إنتحار حضاري.

و لكن من المهم للغاية توضيح انه ما لم يكن المجتمع مستعداً لإتاحة الفرصة لتقنيات و أساليب الإدارة الحديثة لكي تعالج علل المجتمع و تنهض به و تدفعه تجاه الإزدهار و التقدم، فإن إجهاض محاولات الإدارة الحديثة للإنقاذ و إحداث التقدم يكون مؤكداً. و معنى ذلك أن توفر إرادة سياسية بالسماح لآليات و تقنيات و أساليب الإدارة الحديثة لقيادة المجتمع صوب الأفضل أي صوب التقدم هي ركن الأساس لحدوث التقدم المنشود.

و قد كنت و لقرابة عقد كامل من الزمن الرئيس و المدير التنفيذي لعدد كبير من شركات البترول العالمية ذات الثقافة المؤسسية الراقية التي نمت و نضجت عبر قرنين من العمل على مستوى العالم. و خلال تلك السنوات كنت أرى كل يوم كيف تعمل الثقافات المحلية في منطقتنا (بكل جهدها) لإجهاض ما يمكن أن تحققه تقنيات و آليات و أساليب الإدارة الحديثة. و كان قراري من اليوم الأول أن ولائي المطلق هو لمجموعة القيم التي أؤمن بها و ليس لجانب لمجرد إنتمائي له عرقياً أو جنسياً أو دينياً أو ثقافيأً. و سأضرب بعض الأمثلة: لعشر سنوات كنت أواجه يومياً مئات الضغوط من عدد من حكومات منطقتنا لإلحاق شباب بالعمل بمؤسسات كنت أتولى رئاستها دون أن يمر هؤلاء الشباب بمفرزة التعيين الصارمة في تلك المؤسسات و كان إصراري صارماً و مطلقاً أن لا يكون هناك استثناء حتى لو كان هؤلاء الشباب أبناء و بنات الحكام أو الوزراء أو الكبراء. و للقارئ أن يتخيل ردود فعل أصحاب النفوذ و السطوة في مجتمعاتنا على موقف كهذا. و كمثال آخر، فقد كنت أرفض قبول أية استثناءات لقواعدنا الصارمة في مجالات مثل السلامة المهنية و الصحة و البيئة. و للقارئ أن يتخيل مدى الصراع الذي كان يقوم به منطقين: منطق أنتمي إليه يقول أن كل الحوادث في العمل كان يمكن تجنبها، و إن الخطأ البشري هو المسئول عن كل الحوادث، و إن الإكتفاء بالتسليم بأن الحوادث قضاء و قدر يخالف العلم. ذات يوم أوقفت العمل في أحد حقول الغاز الطبيعي لأن مقاول مَحلِّي تسبب في انفجار أودى بحياة عشرة من العاملين. و تلى ذلك إنهاء التعاقد مع هذا المقاول (الحكومى) و عدم إسناد التعاقد لمقاول آخر إلا بعد ثبوت تحلِّيه بنظم إدارة متقدمة في مجال السلامة المهنية. و في عشرات المجالات و النواحي كانت ثقافة المؤسسة العصرية القائمة على العلم و الموضوعية في حالة صدام يومي مع قيم أقل ما توصف به انها قيم ما قبل عصر العلم و التقدم.

و هكذا، فإننا و إن لم يكن أمامنا لتحقيق النهضة و بلوغ التقدم الذي بلغه آخرون (مثل ماليزيا المسلمة، و سنغفورة البوذية، و كوريا الجنوبية التي نصف شعبها اليوم من المسيحيين) إلا سفينة الإدارة الحديثة بتقنياتها و آلياتها و نظمها فإن حدوث ذلك مستحيل إذا كان المجتمع رافض لتلك الآلية و لم تكن هناك إرادة سياسية تفتح المجالات أمام عربة الإدارة الحديثة لإنجاز المهمة المنوطة بها.

و قد يبدو الأمر سهلاً، و لكنه ليس كذلك على الإطلاق. ففي مجتمعاتنا حيث يركب الساسة على أكتاف كل المجتمع بوجه عام و على كل المؤسسات بشتى صورها بوجه خاص، فإن حرية الإدارة الحديثة في إحداث التقدم تكون منعدمة.

---------------------------------------------------------------------------
http://www.facebook.com/group.php?gid=119750042367&ref=mf (Facebook, to its membership you are invited).
http://en.wikipedia.org/wiki/Tarek_Heggy#Published_works (Biography in English).
http://www.tarek-heggy-interviews.com (TV interviews).
http://www.google.com/search?q=%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82%20%D8%AD%D8%AC%D9%8A&hl=en&rls=gm&sourceid=gmail&output=search&tbs=vid:1&tbo=1
http://www.tarek-heggy.com/photo-gallery.htm
http://www.tarek-heggy.com (Tarek Heggy s website).




#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات
- آثار انهيار الطبقة الوسطى - باربع لغات
- مصر تمنح جائزة الدولة التقديرية لسيد القمني .
- بماذا أؤمن ؟
- عفريت الحداثة
- سلامة موسي : كبير المظاليم فى حياتنا الثقافية
- يا طائر الفينيق الأروع إنتصر اليوم للتحضر والتمدن
- خطاب أوباما بجامعة القاهرة - تعليقات أولية.
- نحن ... وثقافة الحوار المتمدن .
- عواقب تآكل الطبقة الوسطى.
- رحلة صعود الإسلام المحارب وإنزواء البدائل
- وهم ضياع الهوية ... أو ثقافة القوقعة !
- مرة أخري : لخدمة هذه القيم أكتب منذ ثلث قرن !
- نحن .. . وقيم التقدم .
- أدب المنشقين السوفييت قبل إنهيار جبل الجليد.
- ثقافتنا: ... بين الوهم والواقع
- بين الإستقرار والفوضى.
- العربي النمطي ... فى الشعر النبطي
- مستقبل العقل المسلم.
- الحالة الإيرانية فى كبسولة.


المزيد.....




- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - الإدارة و ثقافة المجتمع.