أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - ريتا عودة.. إبحار في تجربة القصّ- قراءة في -أنا جنونك- بقلم الأديب عدنان كنفاني















المزيد.....

ريتا عودة.. إبحار في تجربة القصّ- قراءة في -أنا جنونك- بقلم الأديب عدنان كنفاني


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 2764 - 2009 / 9 / 9 - 19:52
المحور: الادب والفن
    


ريتا شاعرة خرجت من ثوب الموازي، لتخطّ درباً رصفت أرضيته بصدق الحروف.. ونثرت في فضائه سحر
المفردات، وطوّرت تفاصيل الحدث فامتزج برحيق لغة ممتطية أجنحة سنونوات.. فاستولدت من القصيدة قصيدة..
شاعرة ملأت كلماتها بعذب موسيقا.. فأطربت دون أن تلتزم رتماً أو قافية.. بل جعلت الروح تنطق، تتبدّل على أوتار النسمات.. تارة دافئة.. وتارة باردة، لكنها كلّها صدى أنات موجعات، وزغاريد فرح، ترسم لوحة الأنثى بريشة رهيفة.. تستكين حدّ الانهيار.. وتتمرّد حد الثورة.. فتحسبها.. تتمناها تكون بين ذراعيك.. تنبض بك، وتنثر مفرداتها بين يديك.
هذه ريتا عودة التي عرفتها شاعرة..
هنا.. على عتبات إبداع جديد، تشقّّ بعنفوان المعرفة، وذات الدفق الصادق، عتمات الأحداث فتغمرها بلغة الموسيقا ذاتها. تبلّل جفاف الحزن، فيأتيك على أجنحة غادرت مداراتها اللحظة، وحملتك معها إلى عالمها القلق.
يبدؤك العنوان (أنا جنونك.! ) أليس عنواناً إشكالياً.؟ أيّ جنون هو.؟ وأيّ محرّض هو.؟ بل أيّ الجنون الجنون.؟ فتُبحر قبل أن تبحر في النص، ترسم خطوط الوعي فتداهمك الكلمات فتفشل في تركيز الحدس..
ولأنها تدرك قبل أن ترتكب جنون الكتابة أن شكوكها أوهام.. يبدأ وقع المونولوج بـ "أنا جنونك.!" وهذا الـ أنا في خطاب اللاوعي هو ذلك الآخر الساكن في كلّ واحد منا.. يبثّنا الشك، والهم، والصفاء، والقلق.. الـ أنا ترفض وتتمرد.! والآخر الحقيقي يتسلّق المفردة ويبني عليها برج وهم.. تأتي "أنا جنونك" في مبتدأ الكلام تعترف الكاتبة أنها شبح جنون قبل أن تلج بحر الكلام، وتهدم سلفاً برج الإقصاء، ورغبة الابتعاد، وبذور الفتنة.. فينتصر الرويّ..
هل هي قصّة.؟ خاطرة.؟ بوح.؟ اعتراف.؟ ألم.؟
ربما كلها في آن تحت عنوان إشكالي. وعبر مونولوج يتقن فنّ الحوار، لم يكفّ عن الخوض في فعل السؤال بين قلب ينبض بالحب، وخوف من فقد هذا الحب.. بين براءة في رجاء إخلاص ليس له حدود. ورغبة مشروعة في مطلق التملّك، وبين متاهات رعب في تسرّب هذا الرجاء.. وبين.. وبين، تتواصل الأسئلة.. ويتواصل الرفض.. ويسمو عبق الكلام. (لست الأمير الذي سيأتيني بفردة حذاء على قدّ أحلامي) يأتي الموروث ليكرس فعل التمنّي.. أليست رومانسية مسافرة إلى أقصى حدود الشفق على أجنحة عاشقة حتى النخاع.؟
ومن تراه يملك تلك الحقيقة المطلقة.؟ ومن يملك القدرة على الإقناع بلا حدود وتوطين الهدأة في قلبٍ قلق.؟ تقف الذات بعد رجفة السؤال لتقول بهمس راجف (ذابَ ثلجُهَ، فتدفّق خارج الغرفة) الثلج يذوب يصير ماء يتسرّب عبر شقوق ولا يعود إلى شكل.. لماذا إذن تعود الأسئلة.؟ ومِن "أنا جنونك.؟" (صرختُ بها ثانية إياكِ أن تصدّقي) (صرختُ ثالثة إياكِ يا مجنونة إياكِ.. إياكِ)
فهل ينتصر الجنون على الحسّ.؟ وإلى متى يواصل الجنون ركوب العجلات الضبابية.؟ ويوشك الجنون "أنا جنونك" وهو يرمي آخر سهم في وجه الحب رفع راية استسلام (بسطتُ أصفادي حول دماغها في محاولة مستبسلة للجمها عن الاستماع لصوته) محال أن يُكبّل صوت الحقيقة.. محال أن يلفظ القلب من مخر عبابه وسكن.. وعلى أنقاض المونولوج بين أناها وجنونها تهبط هادئة راسيات الأمل، وتستكين على هدأة قرار (وقعتُ أنا كورقة خريف صفراء.. وغبتُ عن الوعي)
في نقطة النهاية هذه تعيدُ الكاتبة فتح الأبواب على رؤى إشكالية كثيرة.. إذ ما معنى أن تغيب عن الوعي.؟ هل هو استسلام لحب متمكّن.؟ أم هو وجع صدمة.؟ قصّة أم خاطرة أم اعتراف أم قصيدة.؟ ربما كلها في نصّ حمل كثير تكثيف، والتقط بليونة نبض حالة مكانها في كيان، وزمانها مطلق، تخرج عن شروط القصّ لتدخل في صميم القص.. حفنة هواء في راحة يد.. وهل أصعب من الإمساك بهواء.؟
"أنا جنونك" قصة باذخة بطيوف حداثة حقيقية متكئة على عوامل تكثيف كان يمكن أن تتكثّف أكثر، وكان يمكن أن تنفتح أكثر، وكان يمكن للكاتبة أن تثريها بكثير أحداث، وكثير دفء لو أعملت فيها اهتماماً أكثر. لكنها أتت هكذا تعلن بأن روح الشِعر متى تخلّل قصة بعث في جفافها نسيمات جمال..


الأديب عدنان كنفاني
2004



_ _ _




قصة: "أنا جنونك"
للأديبة: ريتا عودة



لغطٌ غير اعتيادي في الداخل، سيّرني إليه. رأيته واقفا متكئا كتمثال من ثلج على حائط
وهي ممدّة على الأريكة مقابل نافذة مطلّة على بحر وكلاهما يلوكُ الكلمات:
- هذا لا يمنع أن ..
* لستَ الأمير الذي سيأتيني بفردة حذاء على قدّ أحلامي.
- آتيك ِ بالنيل والبحر والهرم لو ...
* أنا في انتظار أمير ليس له وجود إلا في خيالي لذلك هو حتما ليس أنت...
- من انتِِ لتتعالي عليّ..!
* أنا......؟!
................................ أنا جنونـُك .


***

ذابَ ثلجه فتدفق خارج الغرفة ، غمر في طريقه الزهور فأورقتْ وجرف كلّ الحَصى والطحالب فاخضرّت الحقول.
استبدّتْ بي رغبة جامحة لتحذيرها. قفزتُ إلى رأسها ورحتُ أنصِتُ لتسارع أفكارها.
استوت على عرش الوحدة وراحت تتلذذ باحتساء خمرة عشقها:
( الغبيّ ! متى يدرك أنّهُ ليسَ جملة اعتراضيّة في رواية عشقي بل هو العُنوان. الحلم لا يتكرر مرّتين وهو حلمي. هو حلمي. هو حلمي.)
تقززٌ مرير سرى في عروقي. يا لها من بائسة. يجب أن أحذرها لئلا تخور إزاء اغراءاته العبثيّة. بسرعة وسوستُ لها:
" استيقظي من أوهام الرومانسية يا صغيرة فالحبّ فكرة لا تتحقق. بذرة طريّة لكنها لا تنمو. هيّا، احصلي على اكتفائك العاطفي من ذاتك.
دللّي نفسك بنفسك. أشتري لك الهدايا التي تشتهين أن يباغتك بها عاشق. اروي أنوثتك بكلمات: ( يا عمري، يا عشقي ..).
لا تنتظري النقاء من رجل. يا لقلبك ! بسرعة صفحتِ عن آثام حبيبك الأوّل الذي برع في اعترافاته العشقيّة لك
أنّكِ سيّدة أحلامه وأنّكِ حبّه المستحيل وأنّكِ أفروديت وإنَّ وأنّ ولكنّ وليتَ ولعلّ إلى أن بدأتِ تئنين حين استيقظتِ
وأنتِ في ذروة انبهارك بهِ على نفاذ صلاحيّة الحلم. يا لقلبك! أهكذا تصفحين بسهولة عن عبلى وليلى وسلمى اللاتي خرجن بغتة ًمن قبعته،
كلّ تطالب قلبه بحقها من الميراث ، كلّ لوّثت حلمك الوردي بآمالها."

***

شئ ما التصق برأسها .
* ألو ..
- يا مجنونة أحبّك ِ..
غفتْ كلماتهُ في حضن أحاسيسها كما تغفو في حضن ورقة. صرختُ من قحف رأسِها: " إياكِ أن تصدقي ..! "
استمرَ الترنيمُ الرّوحيّ :
- أنتِ لي ..
صرختُ بها ثانية : "أياكِ أن تصدّقي..!".
- "أنتِ جنوني .."
تراختْ خلاياها..
صرختُ ثالثة ً:" إيــَّاكِ..!!".
استرسلَ هو:
- " أنتِ اشتعالُ الفكرة ووهج الإبداع. أنتِ العشق والعشقُ أنتِ. أنتِ أنا وأنا أنت. أنت وأنا مسوّدةُ حبر ٍ واحد وروح واحدة.
تعالي. لا تخافي . أدخلي روحي .أشعلي في كل خُطوة مصباحًا ، وفجرّي كتابة ً على جسد الحنان يا حناني.
تعالي . كوني جنوني. إيّاكِ ألاّ تكوني...!"
كان يشدّ قلبَها إليهِ كالحاوي الذي يسحبُ المناديل الملونة من قبعته السحريّة ببراعة حرفيّة .
راحَ قلبُها يزقزقُ: تبّا لكَ. لمَ نسفتَ الأسلاكَ الشائكة، الأسوار والجنود من حول جنون الأنثى في عروقي.!
أخبرني كيف سأتفنن الآن في إخماد اشتعالي.!

***

بسطتُ أصفادي حول دماغها في محاولة مستبسلة للجمها عن الاستماع لصوته لكنّها ضغطت فجأة ً وبقوّة على صدغها.
ثمَّ، وقفتْ وسارتْ باتجاه الحديقة. أوْرَقتِ الزّهورُ واخضّرَتِ الحقول.
وقعتُ أنا كورقةِ خريف صفراء في مهبّ حبّ عاصف. وغبتُ عن الوعي .


***

تمّت وبالأحرى بدأت في :
9-1-2004

_________

* من المجموعة القصصية: " أنا جنونك"، بيت الشعر الفلسطيني، 2009



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - لتكُنْ مشيئتي..! -
- ديوان: مرايا الوهم ، للشاعرة ريتا عودة، 1998
- ديوان:ثورة على الصّمت، للشاعرة ريتا عودة ، 1994
- ديوان:مرايا الوهم للشاعرة ريتا عودة// عرض: الناقد رشيد يحياو ...
- فارسٌ بلا جواد
- طائراتٌ مِنْ وَرَق - قصّة ليست قصيرة
- أُغَرِّدُ؛ فَتَحْسِدُنِي الْقُبَّرَاتُ عَلَى عَفَوِيَّةِ الْ ...
- أُغَرِّدُ؛ فَتَحْسِدُنِي الْقُبَّرَاتُ عَلَى عَفَوِيَّةِ الْ ...
- أُغَرِّدُ؛ فَتَحْسِدُنِي الْقُبَّرَاتُ عَلَى عَفَوِيَّةِ الْ ...
- فارسٌ من زمنِ الحنين
- أَنَا الأُنْثَى
- أَنَا كِيَان
- فارسٌ مِنْ زَمَن ِ الحُبّ
- الْحُبُّ يَصْنَعُ الْحِبْرَ .. وَمْضَاتٌ
- هاربة إلى ملاجئ حبّك
- كَمَا تَبْحَثُ إِبْرَةٌ فِي كَوْمَةِ قَشٍّ عَنْ خَلاَصِهَا.. ...
- من قبل ِ أنْ يكونَ نورٌ, كنتُكَ.. كنتنِي..(ومضات)
- سبحان من سوّاني قصيدتك الأخيرة...ومضات
- جديد ريتا عودة عن بيت الشعر الفلسطيني -سأحاولكِ مرّة أخرى-
- النصّ المُناور يتطلَّبُ قارئا مُناورًا -


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - ريتا عودة.. إبحار في تجربة القصّ- قراءة في -أنا جنونك- بقلم الأديب عدنان كنفاني