أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - عندما يتحول -الوطن- إلى -شقة مفروشة-!















المزيد.....

عندما يتحول -الوطن- إلى -شقة مفروشة-!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2763 - 2009 / 9 / 8 - 17:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"السياسيون يتعاملون مع مصر، ليس كوطن، وإنما كمجرد شقة مفروشة يستخدمونها لفترة قد تطول أو تقصر، لكنهم يعتقدون أنهم سيهجرونها إن آجلا أو عاجلاً".
هذا هو مضمون الاستنتاج القاسي، والصادم- لكن الواقعي إلى حد كبير- الذي ورد على لسان عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية فى مقابلة تليفزيونية منذ أيام.
وربما لا ينطبق هذا الاستنتاج على جميع السياسيين، لكنه بكل تأكيد ينطبق على فئة قصيرة النظر من السياسيين الانتهازيين والمتحالفين مع الفساد والمتاجرين بالدين والمتربحين من السلطة، أياً كانت شعارات هذا السلطة ولون خطابها السياسي.
فعندما يتمكن هؤلاء من اختطاف عملية صنع القرار، وطبخ السياسات التى يجرى "تفصيلها" على مقاس شريحة محظوظة ومحدودة من المحاسيب والمنتفعين، يتحول الوطن فعلا إلى "شقة مفروشة"، وتتحلل الدولة وتفقد وظائفها وهويتها.
وللأسف الشديد فان هذا هو حال الدولة فى معظم الأقطار العربية.
ونستطيع أن نلمس مظاهر بالغة الفجاجة لهذه الدولة الشائهة فى شهر رمضان على وجه الخصوص. والمؤلم أكثر وأكثر هو أن كثيرين ينظرون إلى هذه المظاهر ذاتها كأمر ايجابي وشيء طيب!
وما اقصده بالتحديد هو حالة "التسول القومي" خلال هذا الشهر الكريم، وهى حالة مزرية ومهينة يغذيها طوفان من الإعلانات المكثفة التى يبثها – ويباركها- الأعلام الرسمي، والتى تحض "القادرين" من أعيان الأمة على إعطاء "الصدقات" إلى الفقراء.
وبعد أن كانت هذه الإعلانات تتحدث عن فقراء "أفراد" تجوز عليهم الزكاة والإحسان، "تطورت" لتتحدث عن "قرى" بأكملها تعيش تحت خط الفقر، ويعشش البؤس فى أرجائها المحرومة من اى خدمات، وينخر عظام أهلها المحرومين من الحد الأدنى لشروط الحياة الإنسانية الكريمة، وكأننا عدنا إلى العصور الوسطي.
وإذا ما استمر هذا الاتجاه فليس من المستبعد أن تحدثنا الإعلانات إياها فى السنوات القادمة عن "مدن" بأكملها تجوز عليها الرحمة!
***
وبالطبع فان المشكلة ليست مع "فاعلي الخير"- أفراداً وجمعيات- الذين تحركهم دوافع إنسانية نبيلة لمساعدة أخوتهم فى الإنسانية وشركاءهم فى الوطن. بل إن هؤلاء لهم الشكر فى كل الأحوال.
المشكلة هى مع أصحاب السياسات التى أدت إلى توسيع دائرة الفقر والفقراء بهذه الصورة المروعة.
المشكلة هى مع كيفية فهم هؤلاء للفقر، وتشخيصهم لأسبابه.. ومن ثم مع الروشتة التى يضعونها لعلاجه.
والمؤسف أن نجد أنفسنا مضطرين لمناقشة هذه البديهيات فى القرن الحادي والعشرين بينما تم حسم الجدل حول الفقر- نظريا وعمليا- فى أوروبا فى القرن التاسع عشر، أى أننا نسير خلف العالم بفارق قرنين من الزمان على الأقل ولا نعلم كم سيمضى من السنين بعدهما لنكف عن الحديث واللت والعجن فى هذه القضية المخجلة، وهو ما لخصه تلخيصا رائعاً سمير العيطة رئيس تحرير "لوموند ديبلوماتيك- النشرة العربية" بقوله أن الأمر تطلب فى الغرب أزمة اقتصادية خانقة دامت حوالي عشرين سنة من 1875 إلى 1895، واستلزمت نضالات اجتماعية قاسية حتى يحسم النقاش حول الفقر الذى كان قد استشرى فى الغرب الأوروبي فى ذلك الحين، وحتى تنحسر النظريات "البالية" حول "طبيعة الفقراء" و "نوعيتهم" انطلاقا من "الزعم " بان الأمر يتعلق فقط بـ "تأهيل" هؤلاء الفقراء.
وعلى أنقاض هذه المزاعم غير البريئة طرحت القضية على مستوى "سوق العمل" الذى يجب على الدولة تنظيمه وتوفير الحماية القانونية لعماله.
ولم تكن المسألة مجرد جدال لفظى ونظري حول الفقر والفقراء، وإنما كان صراعاً فكرياً ونضالا اجتماعياً أسفر عن ولادة أنظمة غير مسبوقة للتقاعد والتعويض عن البطالة والتعويض عن حوادث العمل والتأمين الصحى.. وكانت هذه كلها إرهاصات "دولة الرعاية" التى تتعامل مع الفقر ليس باعتباره "قدرا" بل كفرص عمل يجب على الدولة تأمينها- عبر تنشيط الاقتصاد – وحماية حقوق العمل.
وبتطبيق ذلك على العالم العربي يستنتج سمير العيطه أن "معظم الناس فى البلدان العربية يعانون اليوم من هشاشة العمل، إذ يمكن أن تصل فيه معدلات العمل "غير النظامى" إلى 80% خارج العمل الحكومي والزراعي.. وهذا يعنى أن معظم الشركات النظامية توظف دون عقود عمل صريحة ولا تحترم قوانين العمل.
ويتساءل بالتالى: ما الذي يتطلبه الأمر حتى تتحول مشكلة الفقر إلى مشكلة تشغيل وحقوق؟.. أزمة اقتصادية خانقة أم ثورة اجتماعية؟!
بهذا المنهج تخرج قضية الفقر من دائرة " القضاء" والقدر الذى لا يمكن رده ولا نملك إزاءه إلا الدعاء بـ "اللطف" فيه عن طريق مسكنات البر والإحسان وشنط بنك الطعام والجمعيات الخيرية.
وتوضع فى موقعها الصحيح باعتبارها إفرازا لسياسات وخيارات اقتصادية واجتماعية متوحشة تتحلل معها دعائم "دولة الرعاية" التى تتخلى عن دورها وتلقى به على عاتق "أولاد الحلال"... حين ميسرة.
ووفق هذا المنظور الموضوعى لا يكون الحل بأن "يكفل" بعض الأغنياء بعض الفقراء ومد يد المساعدة لهم بالصدقات والحسنات وإنما بتفكيك الأساس المادى للفقر ووضع أسس "دولة الرعاية".
لكن من المؤسف انه فى معظم الأقطار العربية، ومن بينها مصر، أدارت الحكومات ظهرها لـ "دولة الرعاية" فى ظل اندفاعها إلى تبنى سياسات "إجماع واشنطن" الذى هو انجيل المحافظين الجدد والنيوليبرالية، لسان حال أكثر شرائح الرأسمالية توحشاً، والتى قادت العالم مؤخرا إلى أزمة اقتصادية ومالية لم يشهد لها مثيلاً منذ الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الماضى.
وفى ظل هذه السياسات "النيوليبرالية" اتسع نطاق الفقر والفقراء بصورة غير مسبوقة حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها التى هيمن المحافظون الجدد على مقدراتها خلال عصر بوش الابن، فما بالك بتطبيقاتها المشوهة فى مصر والأقطار العربية التى دفعت شعوبها ثمنا باهظاً لها حيث أصبح نحو 40% من المصريين يعانون من الفقر والفقر المدقع، فضلاً عن وقوع نسبة مماثلة فى براثن الأمية، رغم إنجازات الحكومة التى بلغت ستين إنجازا فى غضون ستين شهراً، بمعدل أنجاز كل شهر حسب البيان الرسمى الذى وزعته علينا بمناسبة عيد ميلادها الخامس.
ومع احترامي لهذه الإنجازات- واعترافي بأهمية الكثير مما تحقق منها- فأني أدعو الدكتور احمد نظيف وأعضاء حكومته لترك مكاتبهم ومواكب سياراتهم الرسمية، والنزول إلى الشوارع والحواري والأزقة والقرى والنجوع- دون ترتيبات مسبقة- ليروا الأعداد المخيفة من المتسولين والمشردين وأطفال الشوارع وأبناء السبيل والجياع والمحتاجين الذين انضم إليهم قطاع كبير من الموظفين حتى درجة مدير عام بل ربما من حملة لقب وكيل وزارة أيضا، وان يعاينوا على الطبيعة الثمن الاجتماعي الباهظ لسياساتهم الاقتصادية التى روجت لنظرية "التساقط"، أى فتح الباب أمام عدد يزيد أو يقل من المستثمرين لكي يحققوا أرباحا طائلة، وسيتساقط جزءاً من هذه الأرباح تلقائياً من الأعلى إلى الأدنى، ويصبح الجميع رابحين!
ولا نريد أن نناقش فلسفة هذه النظرية البائسة، التى هجرها الغرب الرأسمالى المتقدم منذ سنوات، لأن نتيجتها واضحة وضوح الشمس. وأغلبية المصريين الذين عانوا الأمرين من جرائها لن تفيدهم نشرات تهنئة الذات الحكومية أو شهادات حسن السير والسلوك التى تمنحها بعض الجهات الدولية لحكومة نظيف، ولن تفلح هذه النشرات أو تلك الشهادات فى ملء ثلاجات المصريين الخاوية أو توفير ضروريات الحياة لأسرهم من تعليم وعلاج ومواصلات وخلافه.
كما انه من العار أن يصبح الحل الوحيد الذى تباركه الحكومة لحل مشاكلهم هو جعلهم مجرد مادة للاحسان وصدقات أولاد الحلال من القادرين. فضلاً عن محاولة التهرب من هذه الوصمة الاجتماعية بتبريرات متهافتة من قبيل "القرار الوزاري" الذى حدد ثلاثة جنيهات ونصف كمبلغ كافى ليعيش به المواطن المصرى ويوفر به ضرورات حياته!!
هنا.. يتحول الوطن إلى شقة مفروشة على حد تعبير عمرو موسى. وأضيف إليه أنها شقة مفروشة فى مبنى آيل للسقوط تحيط به العشوائيات من الجهات الأصلية الأربع.
ولا سبيل لتجنب عواقب هذا الكابوس المخيف إلا بإرساء دعائم "دولة الرعاية".. وهذا بدوره يتطلب من الجماعة الوطنية الاتفاق على "عقد اجتماعي جديد" من خلال حوار مجتمعي يشارك فيه الجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. قبل أن يتسع الخرق على الراقع.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياة.. بدون محمود عوض!
- الفتنة الصحفية.. الكبري!
- حسب الله الكفراوى يتحدي .. فهل من مبارز؟!
- العشوائيات .. بعيون غير عشوائية 2-2
- مبادرة -القلعة-.. هل من مزيد؟!
- في عام 2002 دق »تقرير التنمية الإنسانية العربية« نواقيس الخط ...
- أسماء .. الفلسطينية!
- العشوائيات .. بعيون غير عشوائية
- قراءة سريعة في تقرير مهم (3 3)
- وهم حوار الحضارات
- سيد القمني.. وجائزته الملغومة
- قراءة سريعة في تقرير مهم (2):
- وصمة عار وشعاع أمل:لبنى .. السودانية
- قراءة سريعة في تقرير محترم (1)التقرير السنوي السادس للتنافسي ...
- ما رأى بشير عقيل؟!حسنة وأنا سيدك!
- مروه.... -النوبية-
- أيها المصريون: اعقلوا قليلا!
- جنيه 2005 العجيب
- وصف مصر بالمعلومات
- دماء على أرض مصر


المزيد.....




- قطة مفقودة منذ أكثر من شهر خلال نقلها إلى ألمانيا.. لم يعرف ...
- وزير خارجية تركيا يتحدث عن زيارة مرتقبة للسيسي إلى أنقرة.. و ...
- -نيويورك تايمز-: سلاح إسرائيلي ألحق أضرارا بالدفاعات الجوية ...
- أوكرانيا قد تتعرض للهزيمة في عام 2024. كيف قد يبدو ذلك؟
- أخذت 2500 دولار من رجل مقابل ساعة جنس مع طفلتها البالغة 5 سن ...
- جناح إسرائيل مغلق.. تداعيات حرب غزة تصل إلى معرض -بينالي الب ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- عباس: سنعيد النظر في العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة
- الجيش الروسي يسقط ثلاث طائرات بدون طيار أوكرانية فوق مقاطعة ...
- المكتب الإعلامي في غزة: منع إدخال غاز الطهي والوقود إلى القط ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - عندما يتحول -الوطن- إلى -شقة مفروشة-!