أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فواز فرحان - السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 2















المزيد.....


السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 2


فواز فرحان

الحوار المتمدن-العدد: 2760 - 2009 / 9 / 5 - 14:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وتمثل هذه الاقلية مجموعة من المحافظون الجدد الذين يعتقدون انهم أرسوا قواعد جديدة للنظام الدولي واستندوا في أفكارهم على حقبة مهمة في التاريخ السياسي الأمريكي الا وهي حقبة الرئيس رونالد ريغان والحقيقة أنهم تمكنوا من ترسيخ أقدامهم عبر مجهود طويل مكنهم من السيطرة على السياسة الأمريكية بكل تفرّعاتها حتى أنهم لا يسمحوا لأحد تعطيل حركة إستراتيجيّتهم مهما علا شأنه في الوسط السياسي الأمريكي وتمكنوا من وضع حد لتطلعات الكثير من الشخصيّات التي أرادت تغليب القيم الأمريكية ونشرها ومنهم الرئيس بيل كلنتون والعديد من الشخصيّات التي إنسجمت مع طروحاته في السياسة الخارجية ...
لقد تمكن هذا الجناح من السيطرة على المراكز الحيوية في صنع القرار السياسي في الوقت الذي كان يتطلب إدخال تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية ، لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة التي كانت تقسم المجتمع الدولي في القرن العشرين فقد كان العالم يتطلع فعلاً لرؤية ولايات متحدة أمريكية بوجه انساني وعلمي أكثر من رؤيتها بوجه عسكري ومتسلط ، فالبحث عن المصالح دفع بالقوة الأمريكية للتعريف عن نفسها بالطريقة التي عكست وجهاً بشعاً لم يكن حتى أقرب حلفائها يتطلع الى رؤيتها فيه ...
فقد باتت المصالح الخاصة لهذه الفئة تمثل الخطر الحقيقي على السياسة الأمريكية وربما على مستقبل الولايات المتحدة كدولة ، وإقترنت هذه المصالح بآيدلوجية تعتقد انها تتحكم في طبيعة المسار الذي يسيروا عليه وليس خافياً على أحد أنَّ أمن اسرائيل يقف في مقدمة مبادئ هذه الايدلوجية وقد ركزَّ المحافظون منذ البداية على الحفاظ على هذه الجزئية المهمة في المبادئ ...
فعند هذه النقطة بالتحديد يتم تجاوز كل الخلافات التي تحدث وتعكر مسيرة تفكيرهم ، ويعتمدوا الى حد بعيد على اسرائيل في تحليل ظروف الشرق الأوسط وظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعيىة وحتى الانثروبيولوجية ولذلك يفتقدوا الى رؤية المنطقة وفق منظار خاص بهم ونابع من دراسة جادة تعكس طبيعة تفكيرهم وصياغة الحلول لها ، هذا الاعتماد قاد الى افتقادهم الى رؤية متماسكة قادرة على وضع الحل الذي يوازن بين مصالحهم وبين نشر القيم اللبرالية التي يرغبوا في سيادتها المطلقة على العالم .
والمبادئ الاساسية لايدلوجتهم تقم على منطلق ديني بحت يعكس صراع بين قوى الخير التي يمثلوها هم كما يعتقدوا وبين قوى الشر التي كان الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية يمثلونها في السابق اما اليوم فهناك قوى الاسلام السياسي ومجموعة من الدول المارقة والمتمرّدة على سياستهم ومنها الدول اليسارية في امريكا اللاتينية وتقسيم الصراع الى هذا النوع من المبادئ له مبرّراته عندهم لا سيما وانه المفتاح الرئيسي للحفاظ على المصالح والاستراتيجية البعيدة المدى التي وضعوها في تصوّراتهم عن العالم في العقود الخمسة المقبلة ...
وأصبحت القوة العسكرية التي تمتلكها الولايات المتخدة رأس الحربة في معالجة القضايا الدولية فالمحافظون الجدد يؤمنون بأن العلاقات بين الدول من وجهة نظرهم تُحَدّد بناءاً على القوة العسكرية وحدها وعلاقاتهم مع الدول هي التي تحدد طريقة استخدام هذه القوة ..
وتعلم الولايات المتحدة ان الاراضي الاوربية والكثير من مناطق العالم لم يعد بالإمكان استخدام القوة العسكرية فيها لان زمن استعمالها قد انتهى منذ عقود في تلك البقاع , لذلك حدّدت الاماكن التي قد تستخدم فيها قوتها وتستعرض قوة القطب الاوحد عالميا فرأت في الشرق الاوسط ومناطق نفوذ الاسلام الدولي المكان الملائم لارسال رسالتها الى العالم والتي تنص على ان الدول التي تخرج عن الطاعة وتتحدى القوة الامريكية ستواجه عواقب وخيمة ...
وقد وضعوا فعلاً ثوابتهم هذه طور التنفيذ دون كلل لكنهم إصطدموا بجملة من الثوابت الاخلاقية التي تتحكم في قضايا عالمية لها تأثير مباشر على حياة الشعوب ومن هذه الثوابت تقسيم الشعوب وتصنيفها ضمن خيارَي الخير والشر فالقوة في بعض الحالات لا يمكنها وحدها معالجة القضايا الشائكة دولياً لذلك فإن اعتقادهم بأنهم وحدهم من يدافع عن قوى الخير في الوجود أدخلهم في نفق مظلم ساهمت العديد من الاطراف الدولية في وضع السياسة الامريكية في هذا النفق بالتحديد ..
لقد إفتقدت السياسة الامريكية فعلاً الى تحليل القضايا الدولية من زاوية جادة كما كانت تفعل ايام الحرب الباردة ويعود سبب ذلك الى تخليها على الكثير من الشخصيات الصحفية المرموقة في الساحة الامريكية بحجة انها تعارض مشروع المحافظين الجدد ورغم الدروس القاسية التي تلقتها السياسة الامريكية في فيتنام ولبنان والصومال وغيرها الا انها بقيت تصّر على اعتمادها القوة العسكرية كخيار أول وحاسم في السياسة الخارجية لكن هذا الخيار ليس عديم الثمن فهو سلاح ذو حدين وأدخل الولايات المتحدة في مواجهة قوى دولية متعددة مع الاسلام السياسي او الفاشي كما تسميه الاقلية الحاكمة في الولايات المتحدة ومع العالم الاسلامي بأسرهِ بسبب التعريف المبهم للارهاب وكذلك لحلفاء الولايات المتحدة الذين يذكرونها بإستمرار بالاتفاقيات الدولية والشرعية التي يتوجّب عليها الالتزام بها ان أرادت بقاءهم حلفاء لها على المدى البعيد وكذلك مع الداخل الامريكي من منظمات المجتمع المدني الى الصحافة المعارضة الى الذين يختلفون مع اليمين في رؤية العالم من زاوية واحدة قاتمة للغاية ...
فقد قام اليمين فعلاً بلجم السياسات التي تدعو الى عالم متعدد الاقطاب والصوت المدافع عنه داخل وزارة الخارجية وتم إستبعاد أغلبهم من الوظائف لتعارض طروحاتهم مع هذا اليمين المحافظ ، وقسماً من هذه الطروحات ترغب في دعم المؤسسات الدولية التي لا ترغب في استخدام القوة العسكرية وهو ما جعلها في مواجهة مع هذا اليمين ، فراحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة تمعن في تهميش المؤسسات الدولية وتمويعها في خدمة مصالحها التي غدت الحجر الاساس في مصداقية أيّةِ مؤسسة ترى الولايات المتحدة مبرّراً لوجودها على الساحة الدولية ...
إذن وقعت هذه السياسة في مأزق إسمه تعدد الجهات المعادية لطروحاتها وأشدّهم خطراً هم الموجودون في الداخل الامريكي من الذين يختلفون معهم في الرأي والأهداف ، فالإعلاء من شأن القيم الأمريكية أصبح هامشيّاً أمام مفهوم السيطرة على مقدرات الدول المعادية للطروحات التي يتبناها اليمين الامريكي وهو ما يركز عليه المعارضون في الداخل الامريكي ، انهم يعتقدون دون خجل أنهم ورثة الله على الارض ولن تكون هناك قوة على الارض يمكنها الوقوف بوجه حصولها على هذا الحق ، والاصوات التي تنطلق في الداخل والخارج من الذين يعادون هذا الطرح إنما هم من أعداء الحرية والقيم الأمريكية فهم يستخدمون هذا النوع من التبرير لاسكات الاصوات المعبّرة عن واقع الحالة ..
متى يتم استخدام هذهِ القيم التي تم إدارجها في مشروعهم ؟؟
إنهم يستخدمونها في التوّجه نحو الداخل ومخاطبتهِ ورغم اليقين بأن الداخل الأمريكي لا يزال يجهل الكثير عن أحوال الشعوب التي يعاديها المشروع الامريكي إلاّ أنهم في نهاية المطاف ضحايا لتعتيم إعلامي لا أخلاقي تمارسه وسائل الاعلام التابعة لليمين وبغض النظر عن الاراء التي تقول ان المجتمع الامريكي مجتمع متماسك ومنسجم مع طروحات هذا اليمين فإن الحقيقة تبقى هي الابرز في ان الشارع الامريكي يتأثر بالاعلام أكثر من باقي شعوب العالم وعندما توجد صحافة تمعن في نقل الحقائق بالطريقة التي تعبر عن وجهة نظرها فأن هذا النوع من ممارسة السياسة يدخل في خانة الديماغوجية التي تتهم الولايات المتحدة خصومها بممارستها ...
وتعارض الاراء في الداخل الامريكي بين الاجنحة التي تشكل مجموعة من الاوليغاركية المالية التي تتحكم في القرار السياسي يتم توظيفة بالطريقة التي تجعل اليمين قادراً على المواجهة ويستفاد حتى من آراء المعارضة في السير قدماً بالمشروع الذي يجعل الولايات المتحدة القوة الاوحد لابعد مدى يمكن تحقيقه ..
قسماً داخل هذه الاوليغاركية يضع في الحسبان تحقيق مصالحه الموجودة ربما في الداخل وطالما ان اليمين يكفل تحقيق هذه المصالح او على الاقل يتعهد بعدم الاقتراب اليها فان هذا الجناح يتم تحييده من الاراء والنقاشات الدائرة وقسماً آخراً توجد مصالحه في اماكن بعيدة اصلاً عن ارض الصراع ويتأثر الى حد بسيط بها فانه هو الاخر لا يرغب في معارضة هذا اليمين لانه لا يقترب من مصالحه او يعطل حركتها ..
وهكذا يمكن استخدام الاراء المعارضة او التعامل معها من منطلقات تحقق الهدف ان كانت لا تؤثر في الاطار العام للسياسة ، فالبدائل غير موجودة عند اليمين لتغيير السياسة الخارجية او انها يجب ان لا تخرج من النطاق الايدلوجي التي تم وضعها فيه كما ان هذه السياسة غير قادرة على ابداء المرونه ازاء الكثير من القضايا التي اصبحت تتهدد الامن والسلم الدوليين ، وعالم السياسة الامريكي متداخل ومتشابك الى حد ينشر الملل في النفس عند كل من يرغب في تسليط الضوء على هذا المجتمع لا سيما تلك المؤسسات التي تقوم بإستقطاب العقول والصحافيين والعلماء والاكاديميين من الداخل ومن بلدان العالم المختلفة وغالباً ما يتم استخدام هذه العقول في الترويج لافكار اليمين الامريكي بالتحديد بل ان معظمهم يذهب في تعصبه ابعد بكثير مما يتطلب الامر منهم ...
فالسياسة الامريكية تبتعد يوماً بعد آخر عن السياسة المرنة التي كانت الادارات الامريكية السابقة تمارسها بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية القرن العشرين ، فاستخدام مصطلح القوة الناعمة لم يعد دارجاً في مفردات السياسة الامريكية ويتداخل هذا المفهوم عند اليمين بالعجز او الضعف السياسي في الساحة الدولية ويرون ان ان الدبلوماسية عندما تكون مقرونة بالتهديد والوعيد تعود بفوائد أكبر من حالة المرونة والتوافق في الاعراف الدبلوماسية ..
هناك شبكة واسعة لا يمكن للامريكي استيعاب أبعاد تأثيراتها في النفس تعمل لمصلحة هذا اليمين تستقطب فقط المؤيدين للفكر اللبرالي وتعمل على ترسيخ فكرة أولوية الحلول العسكرية في السياسة الامريكية وتحاول تشويه الابعاد التي قد يجنيها المجتمع الامريكي من هذه السياسة ، وتشير أغلب الاستطلاعات ان الرأي العام الامريكي يميل لطروحات اليمين أكثر من الطروحات الاخرى وسبب ذلك طبعاً هو الاعلام ووسائله لا سيما تلك التي تسمّي نفسها بالمستقلة لكنها في واقع الأمر تابعة لليمين وتُمَول من قِبَلِهِ ، فلو أخذنا على سبيل المثال الإستطلاعات التي سبقت الحرب على العراق تعترف العديد من الصحف الامريكية بأن الشعب الامريكي يمتلك تصوّرات خاطئة عن العراق فقسماً منهم يعتقد ان النظام السياسي في العراق تحت حكم صدام حسين هو نفسه الموجود في السعودية وايران وهذا ما يعكس صورة مشوّهة عن الواقع او انه يعكس جهلاً مطبقاً لدى الفئات التي تناولتها تلك الاستطلاعات والحقيقة الابرز في التعبير عن هذا الجهل هو جورج بوش نفسه الذي اعترف لاحدى القنوات الامريكية انه لم يكن يعلم اين يقع العراق حتى اثناء اقتراب موعد الحرب كل ما كان يعلمه عن هذا البلد هو انه يهدد اسرائيل ويعادي السياسة الامريكية اي انه كان مسيّراً وليس مُخيّراً في طبيعة المهمة التي اوكلت له والتعامل مع حقائق من هذا النوع يدعو للاسف لان العالم يحكمه أشخاص من هذا الطراز ...
وكي نعطي للموضوع بعداً مهماً يتوجب علينا تسليط الضوء على مصادر التصوّرات الخاطئة التي جاءت من مصادر اعلامية محددة شنت حرباً اعلامية واسعة النظاق لعسكرة وجهة النظر التي يمتلكها المواطن الامريكي ..
وربما يتسائل البعض عن التكالب الذي حصل في بعض وسائل الاعلام في التوجه للداخل الامريكي حول اولويات الحرب على الارهاب واسباب ذلك ..
والسبب بطبيعة الحال يعود الى التراجع وفقدان الاهتمام لدى الشارع الامريكي بالاهتمام بالاحداث السياسية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي ، وهذا التراجع هو الذي دفع بالمحافظين الجدد في التوجه لاعادة الاهتمام بالاوضاع وفق رؤية أحادية تصب في مصلحة توجّهاتهم وان كان هناك نوعاً من النقد لنظام الحكم الشيوعي في الصين بسبب الحزب الواحد والرؤية الاحادية للعالم فيه فإن الولايات المتحدة أصبحت البلد الأوحد في تطبيق سياسة النظرة الاحادية للامور وفرضها على الرأي العام في البلاد ..
ان الشعب الامريكي في حقيقة الامر شعباً يمتلك روحاً تسيطر عليها الانعزالية الى حد كبير حتى ان إحدى الاحصاءات تؤكد هذا التعريف الذي يتطرّق لطبيعة هذا الشعب ، فقبل عام 1996 كانت نسبة لا تتجاوز ال 7%من الامريكيين يمتلكون جواز سفر ولا تتولد لديهم الرغبة في الاحتكاك بالشعوب الاخرى وإكتشاف العوالم البعيدة عنهم كما يفعل نظرائهم الاوربيون ..
هذه الروح الانعزالية ولدت جهلاً بالواقع الدولي عندهم دفعهم الى الاعتماد على وسائل الاعلام المحلية في التعريف بهذه المواضيع وغالبية هذه الوسائل تستقطب كما ذكرت الاكاديميون القادمون من تلك البلدان موضوع البحث والذين يمثلون في أغلبهم وجهة نظر اليمين الامريكي ..كما ان هناك مواضيع داخلية تستحوذ على اهتماماتهم اكثر من مواضيع السياسة الخارجية ومنها الاقتصاد والرعاية الصحية واسواق العمل وغيرها ...
والداخل الامريكي عاش فترة من الفراغ بعد نهاية الحرب الباردة سارع اليمين المحافظ الى ملئهِ قبل ان يتجه الرأي العام للمطالبة بتحسينات في الحياة الاقتصادية ومناقشة حال السياسة الداخلية وأوجه قصورها في مجالات عديدة ، وليس الرأي العام لوحده بل حتى وسائل الاعلام التي لم تعد تمتلك المواضيع الساخنة التي من شأنها إدخال المزيد من الاموال الى خزائنها على إعتبار انها شركات وتساهم في دعم الاقتصاد المحلي ودورها لا يختلف عن باقي الشركات المتخصصة في الجوانب الصناعية والتقنية وغيرها ..
وكل التقديرات تشير الى ان الاعلام الموّجه الذي مارسه اليمين المحافظ أعطى ثماراً واضحة في ظرف عقد من الزمن فقد أصبحت أغلبية الشعب تفضّل طروحات اليمين المحافظ على تلك الطروحات التي تناصر اللبرالية داخل المجتمع ، وبرزت نتائج التوجّه اليميني بقوة أكبر في الفترة التي تلت ضربات الحادي عشر من سبتمبر ، فقد وفرت وسائل الاعلام الفرص الاكبر للمحافظين في التعبير عن آرائهم ونقل تصوّراتهم للمجتمع الامريكي وراحت تفتح لهم المنابر في مختلف المجالات من أجل الضغط على الرأي العام من خلال عملية متوازنة محكومة بجملة من الاهداف أهمها توجيه دفة المجتمع نحو تحقيق الايدلوجية التي رسموها لانفسهم وللعالم ...
ومن أهم الصحف التي تناصر الطرح اليميني في الوسط الامريكي وول ستريت جورنال وواشنطن تايمز ونيويورك بوسط ومحطات فوكس نيوز وراديو كلير تشانال اللتين تعود ملكيتهما الى روبرت مردوخ الذي ينتمي لهذه الاوليغاركية ويحاول بقوة فرض توجهاتها الايدلوجية على المجتمع ...
اذن لم تعد اللبرالية تمتلك ذلك التأثير القوي الذي كانت في السابق تمتلكه لا سيما في ستينيات القرن الماضي وحتى نهاية الحرب الباردة ، وقد شخصت القيادة السوفيتية في عهد غورباتشوف هذه النقطة بشكل دقيق وأدركت ان اليمين المحافظ والمؤيد لاستخدام القوة في حل النزاعات الدولية يبسط سيطرته بقوة على المجتمع الامريكي ولن يمضي عقداً من الزمن حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم طالما ان كل شئ في الولايات المتحدة يعامَل كبضاعة بما فيها القيم ،ولم يكتفي اليمين بوسائل الاعلام الموجودة بل لا زال حتى يومنا هذا يغرق العالم بتلك الوسائل وبمختلف اللغات ، وعندما انطلقت القناة الاخبارية ال سي ان ان عام 1980 شعر الشعب الامريكي للمرة الاولى بأن هناك نوع آخر من الاعلام يفرض نفسه على المتلقي ويجعله أسير المتابعة المستمرة دون إدراك لطبيعة الهدف الذي انشأة لاجله المحطة غير ان ظهور فوكس مثل الانطلاقة المهمة والجادة نحو تغيير المجتمع بإتجاه اليمين ومنذ تلك اللحظة كان العالم يشهد تغييرات في طبيعة التوجه الامريكي ...
ولا يخفى على المجتمع الامريكي ان الكثير من مسؤولي هذه المحطات مرتبطون بالمشروع الايدلوجي لليمين الامريكي المحافظ وتوظيف طاقات هذه المحطات لا يمكن ان يكون عديم الثمن والخيارات السياسية لهم واضحة الملامح لكن انعدام القدرة على عمل ما كالذي يقوم به مايكل مور والكثير من منظمات المجتمع المدني التي تحاول ان تظهر نفسها على اقل تقدير وسط هذا البعبع الاعلامي الهائل الذي يتحكم بالساحة وبالرأي العام في الداخل الامريكي ...
والاكثر اثارة في مواضيع السياسة الداخلية للمحافظين هو القدرة على تكميم الافواه وطرد المخالفين لهم في الرأي من مناصبهم وإخراج موضوع المحاسبة والرشوة والفساد والفضائح الى السطح فقط عندما يتعلق الامر بالمخالفين لهم في الرأي او لللبراليين الذين يكشفون عن نقاط حساسة في الاستراتيجية التي يسير عليها اليمين للاعلام وللرأي العام ، الموضوع هنا لا يدخل في خانة تبرئة اللبراليون في المجتمع الامريكي من القضايا التي أدت الى تشويه صورة الامة الامريكية عند شعوب العالم بل يتعلق بالتعريف العام للوسائل المتبعة لكل طرف داخل العملية السياسية التي تتحكم في حياة الشعب الامريكي ..
إن إعادة تشكيل وصياغة وسائل الاعلام من جديد مثل الطريق الامثل للسيطرة على الرأي العام وامتلاك القدرة للتسلط داخل المجتمع ولم تغفل الفئات التي تقف خلف اعادة هذا التشكيل عن الشخصيات المؤثرة في المجتمع الامريكي وكذلك الشخصيات القادمة من العالمين العربي والاسلامي لاستقطابهم نحو هذا المشروع الذي يمثل الاساس المتين لايدلوجية المحافظون الجدد ...
واعادة التشكيل هذه تصب في خانة تغيير البنية الثقافية والفكرية عند المتلقي في الشارع الامريكي ويعلم القائمون على هذا المشروع ان ردود الافعال له قد تأخذ منحى يتعارض مع طموحاتهم لكنهم واثقون من تمريره مهما كلف من ثمن ، ففي بلدن الاتحاد الاوربي هناك من يرى ان هذا المشروع سيعمل على تعميق الكراهية لأمركة المجتمعات ويقف بالضد من الطموحات التي ترغب في عولمة المجتمع الجولي وتسييره بالطريقة التي تراها فئة المحافظين وسيعمق ايضاً من المشاعر المعادية للولايات المتحدة طالما انه يصب في قالب نظرة الكراهية للمجتمعات الاخرى ومنها المجتمعات العربية والحكومات العربية غير قادرة على الصمود طويلاً في وجه التيارات التي تنشط في المجتمعات لشرح ابعاد السياسة الامريكية للشعوب العربية وهو ما تتجاهله الادارة الامريكية والقوى المسيطرة على صنع القرار فيها فوسائل الاعلام التي تنشر الكراهية والاحقاد يتوجب عليها قبول ردود الافعال عن تصرّفاتها ...
ان الفشل في فهم الاخر وعدم تقبله اصبح دارجاً عند فئات واسعة من الشعب الامريكي جرّاء شحن المجتمع بهذه الافكار وغدا من الصعب اقناع الامريكي بان المجتمعات في التقييم الاجتماعي متساوية في تقسيماتها فمن غير المنطقي اتهام شعوب بأكملها بانها ارهابية ومجرمة وتكره الولايات المتحدة ففكرة من هذا القبيل تجعل رأي الشارع الامريكي متشنجاً وسيقابله تشنج من الطرف الاخر بل يوازيه ويفوقه في قسوة المشاعر واتخاذ المواقف ..
والمسؤول عن خلق هذا النوع من التفكير هو وسائل الاعلام التي تحلل وفق قوالب موضوعة لها سلفاً لا تمت في الكثير من الاحيان الى الواقع بصلة ، وفي حالة وجود المشروع الايدلوجي مع الاموال المخصصة لتمويل هذا المشروع بما في ذلك اعادة صياغة القالب الفكري للمجتمع ووجود القوة العسكرية العملاقة التي تكفل سيره فإن من المنطقي ان يكتب له النجاح ..! لكن ...
في حالة عدم وجود مشاريع مضادة تعمل لابطال مفعوله وإفراغه من محتواه كما يحدث على ارض الواقع فهناك قوى دولية تعمل بجد على شرح أبعاد هذا المشروع حتى لحلفاء الولايات المتحدة لتتخذ تدابير وقائية تحصّن مجتمعاتها من الانصياع للثقافة التي يرغب اصحاب المشروع نشره في المجتمعات وهو صراع فكري وعسكري واقتصادي بأبعاد واسعة يشهده العالم دون القدرة على وقفه او تجميده .
ان تحديد العلاقة مع الاخرين في السياسة الدولية يجب ان لا يخضع للمصالح الاحادية وفرضها على الاخرين بقوة ، وما تقوم به الادارة الامريكية في عالم اليوم يجسّد هذا النوع من العلاقات الدولية فنشر الديمقراطية الامريكية يجب ان لا يخضع بالاساس لاستخدام العنف المسلح والقوة العسكرية اذا ما اريد لهذا المشروع النجاح ، كما ان نشر الديمقراطية بهذه الطريقة يمثل في الحقيقة نوعاً من تحديد العلاقة مع الاخرين وفق نظرة احادية الجانب كما ذكرت ...
ان الولايات المتحدة مطالبة فعلاً بإعادة صياغة معلوماتها عن المجتمعات البشرية لا سيما تلك التي تدخل في المجال الحيوي لسياستها ومصالحها الاقتصادية ، وربما دفعتها الغطرسة العسكرية الى نسيان التجربة التي خاضتها بريطانيا في استعمارها للشعوب حتى وصلت الى مرحلة تكافح فيها لبقاء الامبراطورية او على الاقل بقاء الاسم لان العقود المقبلة قد تشهد تقسيماً فعلياً لاراضيها واعادة صياغة تسمية البلدان المنضوية تحت جناح المملكة من جديد بحث ان اسم بريطانيا سيصبح جزءاً من التاريخ وهو ربما قد يشكل درساً لليمين الامريكي الذي يجب ان يضع في حساباته ان اعادة السيطرة على العالم بنفس الطريقة الاستعمارية التي استخدمتها بريطانيا قد يهدد وجود الولايات المتحدة ويساهم في تقسيمها وهو احتمال غير مستبعد في ظل الازمات الاقتصادية التي يشهدها العالم والتي قد ينتج عنها استقلال الكثير من الدول ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في بقاع مختلفة من العالم ...
فالقوة العسكرية وحدها في الكثير من الاحيان لا تؤدي الى تحقيق الاهداف السياسية والدرس السوفيتي في أفغانستان يجب ان يكون مائلاً أمام أنظار الاطراف التي تسعى لاقناع المجتمع الدولي بجدوى هذا الاجراء ، فالقوة التي ساهمت في انقاذ العالم من النازية وحسمت الحرب العالمية الثانية لم تتمكن من تحقيق اياً من أهداف حملتها العسكرية في أفغانستان والشئ نفسه ينطبق على الولايات المتحدة اليوم فالقضايا الدولية تتطلب العمل الجماعي في الكثير من الاحيان وكذلك تتطلب الارادة الدولية الجماعية لتحقيق اي من الاهداف التي تدخل في خانة المشاكل الدولية وعندما تفرض قوة ما على هذا المجتمع نوعاً محدداً من العلاقات وتفرضه على الجميع فبلا ادنى شك ستضع نفسها في زاوية ضيّقة للغاية وما حدث في حرب العراق من جهل للمعلومات عن المجتمع العراقي أدخل القوة الامريكية بكل عظمة أسلحتها في مستنقع وكذلك في مأزق ليس لانه تواجه مقاومة عسكرية بل لانها دخلت في مواجهة مع القائمين على العملية السياسية في العراق بسبب عدم مقدرتها على تقبل الرأي الآخر حتى لو كان ذلك الرأي قادماً من حلفائها في هذا البلد ، والشئ نفسه ينطبق على الوضع في أفغانستان ...





#فواز_فرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 1
- العراق والطريق للتخلص من دولة الفشل ...
- وجهة نظر في الأحداث الايرانية ...
- الصراع بين الدين والعلمانية في الولايات المتحدة ..
- شهود يهوه .. ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي
- الأيادي الصفراء للرأسمالية ...
- التأثيرات السلبية لألعاب الكومبيوتر على الطفل ...
- النظام لا يزال حديديّاً ...
- أحباب في العالم الآخر ...3
- معجزات البرلمان العراقي ...الخمس عشرة ..!!!
- مالذي إعتبره لينين أساساً متيناً للنظرية الثورية ؟
- لم يعُد لينين بيننا !!
- سقوط الارادة الدولية ...
- حادثة المؤتمر الصحفي لبوش بشكل معاكس ...
- مكافحة العنصرية والأيدلوجية الدموية ...
- ما الذي ننتظرهُ من الإنتخابات المقبلة ...
- الفرصة الكبرى لليسار السياسي الأمريكي ..
- ثورة اكتوبر ...ودولة المجالس العمالية
- سفراء الولايات المتحدة وأشواك اليسار المتمرّد
- الموضوعية ...في وسائل الاعلام الغربية


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فواز فرحان - السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 2