أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!















المزيد.....

ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2755 - 2009 / 8 / 31 - 14:03
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


هل نحن "نتقدَّم" اقتصادياً؟ وما معنى هذا "التقدُّم"؟ وكيف نقيسه، ونستدل عليه؟

إذا كان "الهدف" هو أن تصلَ، في سَيْرِكَ، إلى نقطة معيَّنة فإنَّ اثنين لا يختلفان في إجابتهما إذا ما كان السؤال "هل أنتَ تتقدَّم في خطِّ سَيْرِكَ؟"، فـ "التقدُّم"، في هذا المثال، ولجهة معناه، وطريقة قياسه، وقياسه، ليس بالأمر الذي يمكن أن يكون مدار خلاف بين اثنين.

في الاقتصاد، يختلف الأمر، ويختلف كثيراً، ويمكن (بل يجب) أن يكون محلَّ خلاف؛ لأنَّ "المصلحة" هي العين التي ترى هنا.

إذا كنتَ مقرِّراً في الشأن الاقتصادي للمجتمع، فهل تقرِّر استعمال (أو شراء) الآلات المتطوِّرة جدَّاً أم الآلات الأقل تطوُّراً؟

ليس من إجابة مطلقة عن هذا السؤال، فاختلاف وتضاد ونزاع المصالح لا يسمح إلاَّ بـ "الإجابة النسبية"، فأنتَ ستقرِّر استعمال الآلات المتطوِّرة جدَّاً إذا ما كان لديكَ مصلحة تقضي بأن "يتقدَّم" مجتمعكَ اقتصادياً من طريق إحلال آلة جديدة محل عشرات الأيدي العاملة، أي من طريق "تنمية البطالة"؛ وأنتَ ستقرِّر استعمال آلة أقل تطوُّراً إذا ما كان لديكَ مصلحة تقضي بأن "يتقدَّم" مجتمعكَ اقتصادياً من طريق تشغيل مزيدٍ من جيش العاطلين عن العمل.

والآن، تجوَّل في أسواقنا، وفي تلك الخاصة بالسلع والمواد الاستهلاكية الأساسية (الشعبية) على وجه الخصوص، لِتَقِفَ بنفسكَ عن كثب على معاني "التنمية الاقتصادية"، و"التقدَّم الاقتصادي"، و"المؤشِّرات".

إنَّكَ لن تقف على شيء من معاني "التقدَّم الاقتصادي" إذا ما كان "مقياسكَ"، الذي هو وليد "المصلحة الشعبية العامة"، هو كمية وجودة السلع التي يحصل عليها "المواطن العادي"، يومياً، أو شهرياً، أو سنوياً.

إذا كانت "الغاية الكبرى" الكامنة في كل عرفناه (وعانيناه) من خُطَط "التنمية الاقتصادية" هي هذا "الإفقار الاستهلاكي" المتعاظِم للغالبية العظمى من المواطنين (المستهلِكين ـ المستهلَكين) فإنَّنا لن نختلف مع أصحاب تلك الخُطَط في أنَّها نجحت، ونجحت نجاحاً منقطع النظير!

عن سوء، أو عن حُسْن، نيَّة، نتوفَّر دائماً على قياس بعضٍ من "تقدُّمنا الاقتصادي" بـ "وفرة المال الاستهلاكي"، أي المال الذي في "أيدي المتسوِّقين" من أجل الشراء، والذي يُضخِّم حجم "الطلب العام".

ويطيب لناشري أوهام الازدهار الاقتصادي أنْ يصوِّروا زيادة الإنفاق الاستهلاكي (وقسم كبير منه يأتي من مغتربين، ومن غير المواطنين) على أنَّه معنى جلي وواضح من معاني هذا الازدهار.

كان ممكناً أن يكون كذلك لو لم يكن اقتصادنا يعاني تشويها بنيوياً، يتسبَّب دائماً بجعل تلك الوفرة في المال الاستهلاكي طريقاً إلى الإفقار الاستهلاكي للغالبية العظمى من المواطنين.

المال المسْتَعْمَل في شراء السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية (وفي شراء كل سلعة) ليس مُنْتِجاً، أو مولِّداً، لثروة حقيقية، مهما كان حجمه ومقداره. إنَّه لا يعدو كونه الوسيلة "لتحقيق قِيَم البضائع"، أي لجعل قيمة البضاعة حقيقة واقعة.

ونحن لو تصوَّرنا مجتمعنا على أنَّه مؤلَّف من طرفين اثنين، أحدهما هو ذوو الأجور والرواتب، التي ترمز إلى "قِيَم البضائع" التي يملكون، أي إلى قِيَم قوى عملهم، وثانيهما هو فئة التجار الذين يسعون في "تبادل البضائع" مع الطرف الأوَّل، لَسَهُلَ علينا كثيراً أنْ نكتشف ونَسْتَنْتِج أنَّ "التبادل الأقرب إلى السرقة" هو القانون الذي يَحْكُم تبادل البضائع بين الطرفين، فالطرف الأوَّل يبادِل ما يملك من "بضائع" بما يقل عن قيمها الحقيقية في استمرار.

وهذا الفساد الاقتصادي البنيوي هو ما نراه في ظاهرتين متلازمتين: ظاهرة "الانهيار المتسارِع والمتعاظِم في القوَّة الشرائية الحقيقية للأجر أو الراتب"، وظاهرة "الربح الاحتكاري الوحشي".

وكل زيادة (ورقية) في الأجر أو الراتب لا تأتي إلاَّ لِتُظْهِر وتؤكِّد ما أصبح في منزلة "القانون"، وهو أنَّ الأجر أو الراتب الجديد يقلُّ، في استمرار، ولجهة قوَّته الشرائية الحقيقية، عن الأجر أو الراتب القديم، فـ "دينارنا الأقدم" هو دائماً الأقوى!

إنَّهم ثلاثة أطراف يتضافرون على جعل "الوفرة المالية الاستهلاكية" طريقاً إلى إنتاج مزيدٍ من البؤس الاقتصادي والمعيشي للغالبية العظمى من المواطنين، ولذوي الأجور والرواتب (أو ذوو الدخل المحدود) على وجه الخصوص.

وهؤلاء الأطراف الثلاثة هم: "زمرة العائلات التجارية الاحتكارية الكبرى"، و"دولة الضرائب"، التي مسخت وشوَّهت معنى "الضريبة"، و"العمالة الأجنبية".

إذا أنتَ احتكرتَ مادة غذائية أساسية ما، إنتاجاً واستيراداً وبيعاً، فإنَّ كل زيادة (متأتية من الداخل أو الخارج) في إنفاق المال الاستهلاكي لن تؤدِّي إلاَّ إلى التوحُّش في غلاء سعر هذه المادة، وفي أرباح محتكِرها، وفي سرقة مزيد من القيمة الحقيقية للأجر أو الراتب، والتي هي (أي هذه السرقة) المرادف لإضعاف وتدمير القوَّة الشرائية الحقيقية للأجر أو الراتب.

وإذا كنتَ أنتَ هذا المحتكِر فإنَّكَ ستُفضِّل أكثر تشغيل وتوظيف "العامل الأجنبي" على "العامل الذي من أبناء جلدتك"؛ لأنَّ لديه من "ضآلة وقلَّة الحقوق (الاقتصادية والإنسانية..)" ما يسمح لكَ بزيادة الربح، حجماً ومعدَّلاً.

وإذا كنتَ أنتَ هذا المحتكِر، الذي أنعم عليكَ هذا التشوُّه البنيوي للاقتصاد بما أنعم، فإنَّ "الدولة"، المُفْرِطة في حُبِّها لجباية ضرائب ما عادت بالضرائب، ستدقُّ بابكَ طالبةً "حقها المعلوم" في دخلكِ الاحتكاري الوحشي.

أموال كثيرة تأتي إلينا، زيارةً أو سياحةً أو إقامةً، بعضها نظيف، وبعضها يحتاج إلى "التنظيف (والغسل)"؛ أمَّا العاقبة الحتمية (لاجتماع أسبابها في هذا الفساد البنيوي لاقتصادنا) فهي التوسُّع والتعمُّق في الإفقار الاستهلاكي للغالبية العظمى من مواطنينا؛ وهذا الإفقار المتَّسِع المتعمِّق إنَّما هو، والحق يقال، مرادف "السرقة"؛ لأنَّ "اللا تكافؤ" في "تبادل البضائع" بين المواطنين "العاديين" و"زمرة التجار الاحتكاريين" يزداد ويتعمَّق في استمرار.

حتى اجتذاب القطع النادر، الذي يملكه أجانب، إلى اقتصادنا لا يعود بالنفع والفائدة على ذوي الأجور والرواتب من مواطنينا؛ بل إنَّه يتسبَّب في النيل من القوَّة الشرائية الحقيقية لأجورهم ورواتبهم.

ويتأكَّد هذا على نحو جلي في "الخصخصة"، أي في بيع منشآت ومؤسسات اقتصادية عامة لمستثمرين أجانب، فهذا البيع لا يستفيد منه إلاَّ "البائع"، وهو "الدولة"، في معناها الضيِّق، ويعود على المواطنين "العاديين" بمزيدٍ من الفقر الاقتصادي؛ ثمَّ أنَّ هذا البيع يفتقر إلى "الشرعية"؛ لأنَّ "المبيع" ليس بالشيء الذي يملك "البائع" الحق في بيعه، فـ "المجتمع" هو وحده المالك الشرعي له؛ ولا يحق، لـ "المدير"، بالتالي، بيع ما يدير مِمَّا لا يملك!

و"التشوُّه الاقتصادي البنيوي" يتأكَّد، أيضاً، في ظاهرة الهجرة للقطع النادر الذي يملكه مواطنون "غير عاديين"، فهؤلاء يحوِّلون، في استمرار، جزءاً كبيراً، ومتزايداً، من ثرواتهم إلى قطع نادر (دولار على وجه الخصوص) يستثمرونه في الخارج، وفي عواصم الكوارث الاقتصادية والمالية العالمية، فـ "الحَلْب" هنا، و"الحليب" هناك، ولـ "هناك"!

إنَّ "التاجر" و"الجابي" و"العامل الأجنبي (الرخيص أجرةً وحقوقاً)" هُمْ الذين يؤلِّفون معاً مثلَّث الفساد الاقتصادي البنيوي. إنَّهم نتاجٌ له، وسببٌ له في الوقت نفسه!





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -دولة الأمر الواقع-.. معنى ومبنى!
- عشاء في -السفارة في العمارة-!
- المقرحي أُفْرِج عنه.. و-الحقيقة- ظلَّت سجينة!
- -الأوتوقراطية التجارية-.. في رمضان!
- جمهوريات -العائلة المقدَّسة-!
- نساؤنا في عهدهن -السيداوي-!
- رمضان على الأبواب.. فَلْتُشْعِلوا نار الغلاء!
- فلسطين لن تكون -إمارة رفح- ولا -إمارة أندورا-!
- الأمير الشهيد الشيخ عبد اللطيف موسى!
- إنَّه قانون شهريار وسايكس وبيكو!
- نماذج نووية جديدة أربعة
- في -الأجندة الخاصة- وأصحابها!
- سنة على موت -هوميروس فلسطين-!
- العبوس.. عربياً!
- موت -الخبر-.. في الجريدة اليومية!
- هكذا يُحارَب -التوطين-!
- إذا لم يكن من -التطبيع- بُدٌّ..
- إذا سلَّمْنا ب -نظام القضاء والقدر-.. فهل إرادتنا جزء منه؟!
- أوَّل غيث -التطبيع الجديد-.. -مقالة-!
- ماركس إذ بُعِثَ حيَّاً!


المزيد.....




- يوتيوب الذهبي تنزيل اخر اصدار بميزة جديدة احصل عليها انت فقط ...
- مقطع فيديو يظهر لحظة وقوع انفجار بمسجد في إيران (فيديو)
- السجن 25 عاما لمؤسس بورصة FTX للعملات المشفرة في الولايات ال ...
- يباع بنحو ألف دولار.. باحثون: أوزمبيك يمكن إنتاجه بكلفة 5 دو ...
- عباس يصادق على حكومة فلسطينية جديدة من 23 وزيرا برئاسة الاقت ...
- بلومبيرغ: انحسار جاذبية دبي لأثرياء روسيا
- فوربس.. قائمة قادة الشركات العقارية الأبرز بالمنطقة في 2024 ...
- ثقة المستهلكين الأميركيين ترتفع إلى أعلى مستوى في 32 شهراً
- بورصات الخليج تغلق على انخفاض قبيل بيانات التضخم الأميركية
- 1.8 مليار درهم حجم إنفاق -مبادرات محمد بن راشد- في 2023


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!