|
العالم العربي - إيران - تركيا / أزمة البحث عن الهوية والمستقبل ./ الجزء الثاني
سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2751 - 2009 / 8 / 27 - 07:59
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
الجزء الثاني :
منذ فترة ما يسمى بالإستقلال السياسي ، وحتى الأن لم يتمكن النظام العربي من التعامل مع ذاته كقوة إقليمية سياسيه موحدة . رغم بعض القواسم المشتركة . وهو أصلاً في تاريخه لم يكن موحداً . حتى خلال فترة الإستعمار العثماني ، لم تتمكن الأمبراطورية العثمانية من فرض سيطرتها على كافة ارجاء العالم العربي .وبقيت الاطراف دائماً خارج نفوذ الباب العالي . وحتى خلال حكم الامويين والعباسيين ، لم تخضع المنطقة الى سيادة واحدة . وأيضا الغزو الفرنجي لم يستهدف سوى منطقة محددة لأسباب ليست دينية ، بل لمصالح إقتصادية لعب فيها الدين مجرد وسيلة تجميع للقوى البشرية الغازية . ومع ذلك قاتلت القبائل العربية المسيحية الغزو الأجنبي الى جانب قوات صلاح الدين الأيوبي الكوردي . وفي اعقاب العثمانيين ، خضعت المنطقة لإحتلالات مختلفة الإيطالي والبريطاني والفرنسي . ترى من الذي تصدى للحملات الاستعمارية ، خلال الإحتلال التركي . تصدت القوى العلمانية والقومية ، قياسا الى تلك الفترة لعملية التتريك .لأن الشارع الإسلامي كان ينظر اليها على أنها إمتداد للخلافة الإسلامية . في الوقت الذي كانت تساق فيه أبناء المنطقة للقتال كما تساق الشاة الى المذبح . ويضم أرشيف الآمبراطورية العثمانية كم هائل من المعلومات حول عملية تصفية وإبادة الأقليات الدينية والعرقية في الحروب العثمانية ( الارمن – الأكراد – المسيحيين ) الى جانب العنصر العربي الذي حاولت تركيا الخلافة صهرة وتتريكه . ولو لا ، هزيمة تركيا في الحرب العالمية الاولى ، وتقاسم العالم المنتصر بقايا الرجل المريض ، ربما كان علينا الأن أن نناضل كما يناضل أكراد تركيا من أجل حقوقهم . لم تكاد المنطقة العربية تلتقط أنفاسها حتى حل الخراب الأستعماري على العالم العربي . خرجنا من تحت عباءة إحتلال باسم الدين الى عباءة إحتلال باسم ( الحضارة ) الاوربية ..؟ كانت اوربا الإستعمارية تعيد بناء ذاتها ، وتعرضت المنطقة العربية ، كما تعرضت بلدان العالم الثالث الى عملية نهب منظمة لثرواته المادية . وما وصلت اليه اوربا من نهضة في تلك الفترة يعود بالأساس الى ذاك النهب المنظم للثروة والعمالة . حتى الآثار التاريخية تعرضت للنهب والسطو وجرى نقلها الى المتاحف البريطانية والفرنسية والإيطالية وغيرها . لكن في أوربا كانت من جهة اخرى تجري عملية إعادة صياغة للذات والهوية الاوربية ، عبر عملية تأكيد فصل الكنيسة عن الدولة . وهي العملية التي كانت تتطلبها عملية التحديث والصناعة والعلم وإستمرت حوالي مائتي عام . لكن في بلدان أخرى شرق أسيوية أحتاجت المسألة الى خمسين عاما.؟ بسبب تغير الظروف والآدوات والمعرفة . وأزاحت الدين الى جانب الطريق . فالدين لا يمكن أن يكون علمياً ولا علمانياً . فهو في تناقض موضوعي وليس مسألة ذاتية أو خاضعة للمزاج . أو التأويل اللفظي . نهضت اوربا ، فيما كان العالم العربي ينهض من أغلال الإستعمار. رحل الإستعمار سواء بواسطة المقاومة أو بسبب إرتفاع تكاليف إستمرار عملية الإستعمار ذاتها ، المهم بالنتيجة أنه رحل . بيد أنه رحل وترك وكلاءه المحليين . وخلال فترة الاحتلال شاركت الحركة الدينية الى جانب القوى الديمقراطية في مقاومة الإحتلال ، بيد أن الحركة الدينية لم ترفع شعار الإسلام هو الحل . في ليبيا والجزائر وتونس والمغرب وفلسطين ومصر وسوريا والعراق والسودان . بل كان الشعار هو دحر الاحتلال . والتاريخ ووثائق الحركة الشيوعية العربية ، توضح حجم التضحيات الكبيرة التي قدمتها الحركة الشيوعية العربية من أجل التحرر الوطنى ،والإنعتاق نحو بناء عالم متحرر ومستقل وديمقراطي وعلماني . هنا كانت القضية المفصلية . وهو عدم السماح للمنطقة بإمتلاك قرارها ، والسيطرة على خيراتها . والحيلولة دون وصول الحركة الديمقراطية الى الحكم . هنا برز دور الوكيل الإستعماري الوطني في قمع الحركة الديمقراطية . أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني – السوري تمت عملية إذابة جسده بالأسيد ، على أيدي جلادين لازال بعضهم حياً يرزق . الحركة التقدمية في السودان مجموعة هاشم العطا ورفاقة أعدموا رمياً بالرصاص . المهدي بن بركة المغربي إغتالته رجال أوفقير قائد الحرس الملكي المغربي في حينه . العناصر الديمقراطية في الثورة الجزائرية تم إبعادهم من مراكز القرار ، بل ونفيهم . في مصر أيضاً ذاق الحزب الشيوعي الامرين على يد رجال عبد الناصر وصلاح نصر . الإستخلاص الرئيسي هنا أن القوى التي تصدت للمشروع الأستعماري في المنطقة العربية في مقدمتها كانت الحركة الشيوعية والديمقراطية والعلمانية العربية التي لعبت الدور المحرك. وكيلا تصل هذه القوى الى السلطة ، كان لابد من إيجاد بدائل لها مقبولة شعبياً . وبشعارات شعبية تدغدغ مزاج الجماهير الديني والقومي العصبوي . ما حصل في المنطقة العربية شكل حالة كارثية من حيث النتائج . حيث تمت عملية تأجيل البحث عن الهوية الذاتية للعالم العربي . وإحلال هوية إسلامية عامه بديلة ، كشكل من أشكال الإنقلاب على المستقبل وإستحقاقاته .والهروب الى الأمام . وهي عملياً حالة مؤقته مرهونة فقط بالزمن ، ومحكوم عليها بالفشل، والتجارب الراهنة واضحة، لاتحتاج الى البحث والتنقيب في الماضي ، وكتب التراث . في اوربا وحدة المصالح ، فرضت التوحد في هوية اوربية واحدة .في العالم العربي كان يمكن ان تكون هناك هوية موحدة، لو أن الأنظمة العربية كانت أنظمة تمثل إرادة المواطن ومصالحة . لكن الأنظمة العربية ذات نظم مختلفة ومتخلفة معاً ومتعارضة مع بعضها البعض . فما هي الهوية التي تميزها ..؟ الهوية القومية أم الدينية أم العلمانية ..؟ أم الهوية القطرية التي كان أول من رفع شعارها ياسر عرفات تحت صيغة القرارالفلسطيني المستقل . نحن في عالم متحول ، ومن الصعب جداً ان يكون المستقبل نسخة فوتوكوبي عن الماضي . وبالتالي ليس بمقدور احد أن يحكم على المستقبل بمنظار الماضي . الزمن شئ متحول ومتطور . والدين شئ ثابت غبر قابل للتطور.وتبديل نصوصه القديمة ، بنصوص عصرية . إذن كيف نجابه المستقبل ..؟ مجتمعين منفردين ، بشعارات قطرية علمانية ، أم بشعارات دينية غيبية ، أم وحدة المصالح ..؟ نحن على أبواب تغييرات قادمة ، أسئلة الهوية ، ستكون هي المحور ، ولاسيما أننا ننتمي الى بلدان تعاني صدعاً في بنيتها .. ما هو الجواب ..؟ هناك سؤال أخير في نهاية هذه الحلقة ، لماذا إختصت المنطقة العربية بهذا الكم الهائل من الرسل والأنبياء والقديسين والاولياء الصالحين ، ولم نسمع عن نبي في نيكاراغوا أو الفلبين أو البرازيل ، او في وسط قبائل الهنود الحمر ..؟ وحتى في باريس ..؟؟ هل لهذه الدرجة نحن شعوب سيئة الصيت والسمعة والفعل والجهل ، حتى نستحق كل هذا الجهد من الآله لكي نتعلم ونتعظ..؟ فكل الرموز أصبحت ظل الله على الأرض .
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العالم العربي - إيران - تركيا / أزمة البحث عن الهوية والمستق
...
-
وداعاً للسلاح ..وأهلاً ياجنيف..؟
-
الى العلمانيين والمؤمنيين والديمقراطيين والليبراليين/ لنتضام
...
-
لم يولد الإنسان لكي يبقى طفلاً ..؟
-
دعوة الى فض الإشتباك اللفظي/ والعودة الى الحوارالمتمدن الديم
...
-
صورة الزعيم حتى في غرف النوم / بإستثناء مكان واحد فقط..؟
-
دور أجهزة الأمن في ترهل النظام السياسي العربي
-
أزمة المواطنة في العالم العربي. مواطن درجة أولى ..ومواطن درج
...
-
تراجيديا الترهل . هل نحن أمة واحدة ...ذات رسالة خالدة ..؟
-
اليمن - ليبيا - مصر / الآب والأبن بدون روح القدس
-
شهادة الصحافي اليوناني الذي إعتقلته السلطات الإيرانية أمام ا
...
-
وجهة نظر يونانية حول قضية القدومي
-
نكاح حلال.. وثقافة النفاق مع الذات والرمز
-
شاطئ النقاب الذهبي الحلال
-
حوار مع الأستاذ إبراهيم علاء الدين .. المهم بناء وطن وليس كن
...
-
لمصلحة أية أجندات سياسية توظف منظمات التطرف الآصوليةالإسلامي
...
-
لماذا لا تجلد فرنسا المنقبات
-
لماذا لم يعلن الجهاد المقدس ضد الصين ؟
-
لا.. لحملات الإعدام في إيران نعم ..لحق المواطن في المعارضة
-
على هامش قمة الثمانية بين خيام المنكوبين وخيمة العقيد ومدن ا
...
المزيد.....
-
هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا
...
-
إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
-
شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران
...
-
قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ
...
-
كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا
...
-
هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله
...
-
الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
-
مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب
...
-
مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال
...
-
روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة
المزيد.....
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
-
الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل
...
/ بشير النجاب
المزيد.....
|