أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - شوارعُ تُغنِّي بالفرح














المزيد.....

شوارعُ تُغنِّي بالفرح


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2752 - 2009 / 8 / 28 - 07:33
المحور: سيرة ذاتية
    


لمحةٌ واحدة تكفي لتستنتجَ كثافةَ عدد الأطفال في هذا الشارع، أو ذاك. ولمحةٌ أخرى تُخبركَ عن متوسط أعمار هؤلاء الأطفال، أو إنْ كان من بينهم صِبْيَةٌ أكبرُ سِنًّا. أحبُّ هذه اللعبةَ في رمضان. لعبةَ التجوّل في شوارع القاهرة، والحدس بأعمار أطفالها، دون الحاجة لأن أراهم. رمضانُ في مصرَ لا يشبهه رمضانُ أيةِ بقعةٍ من بقاع الأرض. هو في مصرَ أجملُ وأكثرُ ثراءً. يعرفُ المصريون كيف يخلقون من مناسباتِهم الدينيةِ طقوسًا دنيويةً مبهجةً، فيغنمون المتعةَ الروحية والاجتماعية في آن. ويعرف الأطفالُ المصريون كيف يجعلون شوارعَهم تختالُ ألوانًا وفرحًا في رمضان، حتى لتكادَ ترى الشوارعَ والحواريَ والأزقّةَ تضحكُ، وإنْ أصختَ السمعَ، سوف تسمعُ هذا الشارعَ يقول: "لديّ أطفالٌ كثيرون يغسلونني بالفرح. في هذا البيتِ وحدَه سبعةُ أطفال، بنتان وخمسةُ أولاد، وفي البيت ذاك الذي على الناصية توءمان في الصف الرابع، وفي الدور الثالث من تلك العمارة العالية ولدُ وبنتٌ، هم جميعهم مَن رسموا صفحتي بالألوان. حين أبصرتُهم يجهّزون بكراتِ الخيط، وقصاصاتِ الورق الملوّن، ومحلولَ النشا والصمغ، أدركتُ أن شهرَ رمضانَ سيطرقُ البابَ بعد برهة. أطفالي كما ترون صغارٌ، لذلك مدَّدوا بين نوافذي خيوطًا مشبوكًا بها مثلثاتٌ من الورق الملون، ثم علّقوا بينها فوانيسَ صغيرةً من الورق المقوَّى. الحارةُ المجاورة لي، لديها صِبيانٌ وبناتٌ أكبرُ عمرًا، قدروا أن يصنعوا ذلك الفانوسَ الضخم بعيدان الخشب والخيزران وشرائح الزجاج الملون والكرانيش الكوريشة. بعد عام أو عامين سوف يكبرُ أطفالي ويصنعون لي فانوسًا أكبرَ من ذلك الذي تتيه به خُيلاءً جارتي الحارةُ الضيقة!"
شوارعُ مصرَ في رمضانَ لا تعرفُ شيئًا عن الأزمة الاقتصادية العالمية، لا يعنيها مفرداتٌ من قبيل التضخّم وانهيار الجنيه والركود والبطالة والعطالة. شوارعُ مصر تُصِرُّ على الفرح رغم الفقر ورغم العَوَز ورغم الأوبئة والمرض والفساد الضارب في الشارع السياسيّ. ليس ضروريًّا أن يكونَ أطفالُ الشارع من أبناء الأثرياء حتى يزيّنوا شارعَهم. ربما العكس هو الحادث. تجّولْ في أرجاء مصرَ لتكتشفَ أن البسطاءَ هم القادرون أكثرَ على صناعة الفرح! هم المُصِرّون أكثرَ على عدم التفريط في بهجةٍ ينتزعونها انتزاعًا من فمِ غول شرس اسمُه العَوَز. أبناءُ الشارع الأرستقراطيّ سوف يشترون زينةَ رمضانَ جاهزةً من محال الزينة. رقائقُ من البلاستيك زاهيةُ الألوان. فيما رمضانُ يكون أكثر فرحًا في الحارات الفقيرة. لأنه يحبُّ أن يصنعَ أطفالُها زينتَه بأيديهم. رمضانُ لا يحبُّ الملابسَ الجاهزة. أبناءُ الحارة الفقيرة سيجمعون قروشهم القليلة لشراء بعض الصمغ. ثم تجود كراساتهم وكتبهم القديمة بأوراقها، ويقومُ مقصُّ إحدى الأمهات بمهمة تحويل تلك الأوراق إلى مثلثاتٍ ومربعاتٍ ومعيّناتٍ ودوائرَ، وسوف تمنحهم إحدى الأمهات الأُخَر بكرةَ خيط باقيةً من خياطة كسوة لحاف قطنيّ، (ينام الآن فوق الدولاب انتظارًا لفصل الشتاء)، وربما تتبرع أمٌّ أخرى بكيس نشا، كانت تدخره لصناعة بعض أطباق الأرز باللبن لصغارها.
زرتُ العديدَ من بلاد العالم العربي في رمضان. رمضانُ هناك صامتٌ وخامدٌ لا يختلفُ عن بقية شهور العام. رمضانُهم لا يشبه رمضانَنا. رمضانُنا حيٌّ يتكلمُ ويغنّي ويزغرد. الشارعُ المصريّ يعرفُ كيف يستقبلُ شهرَ الصوم بما يليق به. لذلك يحبّنا رمضانُ ويحبُّ أماسينا وسهراتنا. يحبُّ صوتَ محمد رفعت حين يرفعُ الأذانَ وقت المغرب، بعدما يتأكد أن كلَّ الشوارع قد انفضَّ الناسُ عنها، ليتحلّقوا حول أكواب الخُشاف على موائد الإفطار، وبعدما ينطلقُ المدفع من قنوات الإذاعة المصرية. صوتُه العميقُ الآتي من مسارب الجنّة يجعلُ الزمنَ يتوقفُ، والأرضَ تسكنُ عن دورانها. الأرضُ تنتبه أن تلك اللحظةَ ليس من شبيه لها في الدنيا بأسرها. لأن لا مكانَ بكل الدنيا أنجبَ صوتًا يشبه صوتَ سيد النقشبندي حين يقول: "مولاي إنّي ببابكَ قد بَسَطتُ يدي، مَنْ لي ألوذُ به إلاكَ يا سَنَدي؟"- جريدة "المصري اليوم" 24/8/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،
- المِصَحْيَاتي
- السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ
- يا مباحثَ بلدنا، أحبيِّنا
- أنا أستطيعُ، والناسُ تحبُّني
- الفِتْنةُ ليست دائمًا أشدَّ من القتل!
- للجريدةِ مآربُ أخرى
- لغةٌ -قايلة- للسقوط
- حتى الضفدع!
- أوباما، وغرفةُ الجلوس
- أجملُ قارئ في العالم
- فلتقصّ الشريطَ تلك السيدة!
- مقابر جماعية للمصريين
- ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - شوارعُ تُغنِّي بالفرح