أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-














المزيد.....

يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2754 - 2009 / 8 / 30 - 09:39
المحور: حقوق الانسان
    


علّق الأستاذ حمدي يوسف على مقالي السابق متسائلاً ماذا يفعلُ مع طفلته الصغيرة التي تطلبُ منه أن يأتيها بفأر أبيضَ لتربيَه؟ هو يكره الفئرانَ؛ لأنَّ لديه ميراثًا مريرًا معها، فيما طفلتُه لم تكوّن بعد ميراثَها الخاصَّ مع الفئران. كلُّ ما تعرفه أنها كائناتٌ ذكيّةٌ خفيفةُ الظلّ، تذكرُّها ربما بالفأر "جيري" في الكارتون الشهير. هذه الطفلةُ الجميلة، وكلُّ أطفال الدنيا، يشبهون ذلك الكائنَ الفضائيَّ الذي تكلمنا عنه في المقال السابق، من حيث أنَّ لا ميراثَ لديه مع الصرصار أو الفأر أو الفراشة أو سواها من كائنات الأرض، جميلها وقبيحها، حسب تقييمنا البشريّ. لهذا السبب، الأطفالُ علماءُ كبار. لديهم نظرةٌ صافيةٌ بِكرٌ للأشياء، لم تلوّثها بعدُ المعرفةُ المنقولةُ عن الآخرين. يمكن لطفلٍ صغير، إذا ما رأى صرصورًا، أن يركضَ وراءه بفرح، محاولاً الإمساكَ به واللعب معه. سوف تنهره أمُّه، ثم يبصرُها وهي ترفعُ حذاءَها، وعلى وجهها سيماءُ التقزُّز والنفور. هنا سيتعلّمُ الطفلُ شيئًا جديدًا. درسَه الأولَ حول تقييم الموجودات من خلال أعين الآخرين وعقولهم. سيتعلّم أنَّ هذا الكائنَ مُنفِّرٌ وغيرُ مرغوبٍ في وجوده بيننا، نحن بني الإنسان. تمامًا مثلما سيتعلم، عبر ابتسامة الراحة والنشوة في وجه أمه، وهي ترقبُ فراشةً ملوّنة غافلتِ النافذةَ ودخلت غرفتَها، أن الفراشةَ كائنٌ عَذْبٌ جميل. هنا يبدأ الطفلُ في تكوين إرثه المعرفيّ حول الأشياء. هو إرثٌ نَقْليّ غيرُ عقليّ تقريبًا. ذاك أنه يرانا، نحن الكبارَ الناضجين، نكرهُ ونحبُّ، فيتعلم، لا إراديًّا، أن يكرهَ ويحبَّ. والمؤسفُ في الأمر أن معظم معارفنا نَقْليةٌ بامتياز، لا محلَّ للعقل فيها إلا أقلّ القليل. كلُّنا يقلّد أباه وأمّه ومعلّمَه وشيخَه وكاهنه وحبرَه، ولا نُعْمِلُ عقولنا إلا قليلاً! وهنا، أنا لستُ أدعو إلى وأْد التراث، بل إلى تأمله جيدًا والتبصّر فيه. تجاربُ الآخرين توفّرُ لنا الوقتَ وتختصرُ الجهدَ، دون شك، لكنها تحرمنا لذّةَ الكشف الأول. لابد أن نخوضَ التجاربَ كي نفرحَ باكتشافاتنا واندهاشاتنا. للاندهاش متعةٌ فريدة لا تمنحها لنا النصائحُ الجاهزة المُعَلَّبة. لماذا لا نترك أبناءنا يخبرون كشوفَهم ويصادفون اندهاشهم بالأشياء، طالما أمِنا عليهم من المخاطر؟ لذا، ربما سأقترحُ على عزيزي الأستاذ يوسف، ليس فقط أن يأتي طفلتَه بفأر أبيض، ويتركها مع دهشتها الفَرِحَة الأولى به، بل سأدعوه أن يجرِّبَ معها كشفَها الخاصَّ الطازجَ بالفأر الصغير، ربما غيّرت الصغيرةُ إرثَه السلبيَّ القديم، ربما صالحته على كائنٍ تعسٍ لم يحبّه يومًا اسمه "الفأر". وطبعًا على الفأر، أيضًا، أن يقدّمَ أوراقَ اعتمادٍ جديدةً تجعله كائنًا جميلاً غير مقزز، وهو ما لا أضمنه أنا، لكنني، بكلِّ يقين، أضمنُ للأب والطفلة تجربةً جديدة تحملُ كشوفًا لا تخلو من متعة ودهشة.
أظنُّ أن الفنانين التشكيليين هم أوّلُ من أدركَ فرادةَ "عين" الطفل من حيث التقاطها البِكُر للموجودات من حولها. لذلك راح الفنانون يحاولون إبصارَ الأهداف التي يرسمونها من خلال عيون الأطفال الصافية. في المراحل المتقدمة من تجربته الفنية، راح بيكاسو يرسمُ العالم كما لو بريشةِ طفل يلهو بالفرشاة ويعبث بالألوان. وقال في هذا: "هل كان عليّ أن أعيشَ ستين عامًا لأرسمَ كما يرسم الأطفال؟" كذلك الشعراءُ يحاولون ألا يكبرَ الطفلُ الصغير في أرواحهم، من أجل أن يقبضوا على جمرة الدهشة الدائمة، تلك التي تموتُ موتًا بطيئًا كلما تقدمنا في العمر، ونضجَ وعيُنا بالأشياء.
أنْ تظلَّ تندهشُ مما قد لا يُدهِشُ الآخرين، أنْ تجدَ الجمالَ فيما يراه الناسُ قبيحًا، أن تفتِّشَ بين خبايا الشيء عمّا لا يراه الآخرون، أن تظلَّ تُبهجُكَ ورقةُ الشجرة، وريشةُ الطائر، وشَقٌّ ضئيلٌ في صخرة، ومَيْلٌ طفيفٌ في ساق نبات، ونملةٌ صغيرة تسعى نحو جُحْرها، فأنتَ طفلٌ، وأنت عالِمٌ، وأنت، بالضرورة، شاعر.- جريدة "المصري اليوم" 10/8/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،
- المِصَحْيَاتي
- السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ
- يا مباحثَ بلدنا، أحبيِّنا
- أنا أستطيعُ، والناسُ تحبُّني
- الفِتْنةُ ليست دائمًا أشدَّ من القتل!
- للجريدةِ مآربُ أخرى
- لغةٌ -قايلة- للسقوط
- حتى الضفدع!
- أوباما، وغرفةُ الجلوس
- أجملُ قارئ في العالم
- فلتقصّ الشريطَ تلك السيدة!
- مقابر جماعية للمصريين
- ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى
- المواطَنة ودرس الفلسفة
- هذا شابٌ من جيلي
- مصر


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-