أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - جدل الهوية: بعيداً عن التبشير!















المزيد.....

جدل الهوية: بعيداً عن التبشير!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2747 - 2009 / 8 / 23 - 05:50
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في كتابه «موسيقى الحوت الأزرق» يناقش أدونيس فكرة الهوية، ويستهل حديثه بالعبارة القرآنية التي تضيء بقِدَمِها نفسه، حداثتنا نفسها على حد تعبيره، وأعني بها التعارف، أي الحركة بين الانفصال والاتصال في آن، من خلال «رؤية الذات، خارج الأهواء» وبخاصة الإيديولوجية، ويمكن أن نضيف الدينية والقومية وغيرها، بمعايشة الآخر داخل حركته العقلية ذاتها، في لغته وإبداعاته وحياته اليومية.
وبعد أن يستعرض أدونيس أركيولوجية الغياب المعرفي العربي على خارطة المعرفة الإنسانية، وهو ما أشارت إليه على نحو صارخ تقارير التنمية البشرية في العقد الأخير، لاسيما شحّ المعارف ونقص الحريات واستمرار الموقف السلبي من حقوق الإنسان وبخاصة حقوق المرأة والأقليات وغيرها، يطرح سؤالاً حول سبل الخروج من هذا الغياب، ويسأل أيضاً ولِمَ هذا الغياب؟ لاسيما بتمثّل ذلك نقدياً ومعرفياً، من خلال معرفة الآخر بمعرفة ذاتنا معرفة حقيقية، ولعل الخطوة الأولى التي ظل يركّز عليها في كتابه الممتع والعميق، هو كيف يمكن أن يصغي بعضنا إلى بعض!؟
ولعل هذه الرؤية تستند إلى إحلال الفكر النقدي التساؤلي، محل الفكر التبشيري-الدعائي، حيث يصبح الوصول إلى الحقيقة التي هي على طول الخط تاريخية ونسبية، وصولاً يشارك فيه الجميع رغم تبايناتهم إلى درجة التناقض أحياناً، وهذا يعمّق الخروج إلى فضاء الإنسان بوصفه أولاً إنساناً، ويدفع الذات إلى ابتكار أشكال جديدة لفهم الآخر ثانياً، وثالثاً يكشف لنا أن الهوية ليست معطى جاهزاً ونهائياً، وإنما هي تحمل عناصر بعضها متحركة ومتحوّلة على الصعيد الفردي والعام، وهو ما يجب إكماله واستكماله دائماً في إطار منفتح بقبول التفاعل مع الآخر.
هل الهوية جوهر قائم بذاته، لا يتغيّر أو يتحوّل؟ أم هي علاقة تجمعها مواصفات بحيث تكوّن معناها وشكلها؟ وبالتالي لا بدّ من تنميتها وتعزيزها وتفعيلها في إطار المشترك الإنساني، الأمر الذي يتخطّى بعض المفاهيم السائدة، ذات المسلّمات السرمدية السكونية لدرجة التقوقع، وينطلق إلى خارج الأنساق والاصطفافات الحتمية، من خلال قراءات مفتوحة تأخذ التطور بنظر الاعتبار بما فيه من عناصر تفعيل وتعزيز وتحوّل في الهويات الخاصة والعامة.
بهذا المعنى لا يكون اختلاف الهويات أمرا مفتعلا حتى داخل الوطن الواحد، إذا كان ثمة تكوينات مختلفة دينية أو إثنية أو لغوية أو سلالية، ناهيكم اختلاف الهويات الخاصة للفرد عن غيره وعن الجماعة البشرية، ولعل هناك علاقة بين الشكل والمعنى اللذين تتكون منهما الهويات الفرعية-الجزئية الخاصة وبين الهويات الجماعية العامة ذات المشتركات التي تتلاقى عندها الهويات الفرعية للجماعات والأفراد، حيث تكون الهوية العامة أشبه بإطار قابل للتنوّع والتعددية، جامعاً لخصوصيات في نسق عام موحد، ولكنه متعدد وليس أحاديا، فمن جهة يمثل هوية جامعة، ومن جهة أخرى يؤلف هويات متعددة ذات طبيعة خاصة بتكوينات متميزة إما دينياً أو لغوياً أو إثنياً أو غير ذلك، فالشكل ليس مسألة تقنية -حسب أدونيس- وإنما هي مسألة رؤية.
ولعل الحديث عن هويات فرعية، أو خصوصيات قومية أو دينية، لأقليات أو تكوينات، يستفز أحياناً بعض الاتجاهات المتعصبة دينياً أو قومياً، فهي لا ترى في مجتمعاتنا سوى هوية واحدة إسلامية أو «إسلاموية» حسب تفسيراتها وقومية أو «قوموية» حسب أصولها العرقية ونمط تفكيرها واصطفافات طبقية كادحيّة حسب إيديولوجياتها الماركسية أو «الماركسيوية»، أما الحديث عن حقوق ومواطنة كاملة ومساواة تامة وحق الجميع في المشاركة وتولي المناصب العليا دون تمييز بما فيها حقوق المرأة وحقوق متساوية للأديان والقوميات، فهي تصبح في الواقع العملي ليست أكثر من مؤامرة ضد الأمة والدين، تقف خلفها جهات إمبريالية- استكبارية تضمر الشرور للمجتمعات العربية- الإسلامية، وبهذا المعنى لم تسلم حقوق بعض المبدعين في التميّز والاستقلالية والتفكير الحر، واعتبرت بمثابة انشقاق وخروج على الجماعة، أما في معارضة تفكيرها، فالأمر قد يستحق العقاب والتحريم والتجريم.
ولعل مثل هذه الممارسات لاسيما بحق الجماعات القومية أو الدينية دفعها للانغلاق وضيق الأفق القومي، لاسيما إذا تعرّضت للاضطهاد وشعرت بالتهديد لهويتها، وهو الأمر الذي كان إحدى نقاط ضعف الدولة القُطرية العربية تاريخياً، لاسيما في مرحلة ما بعد الاستقلالات.
وقد تجد هناك من يدعو لعدم نشر الكلام الذي ينتقد أوضاعنا العربية، لأنه يتحدث عن المساوئ لكي لا يستفيد منها العدو، تحت مبرر عدم نشر الغسيل الوسخ، ولكي لا نسيء إلى صورتنا أمام الآخرين، وينسى هؤلاء المبشرون أن إخفاء المرض لا يشعر المرء بالطمأنينة على صحته ولا يعيد له العافية، كما أن التغلّب على العدو يحتاج إلى تشخيص لنقاط ضعفنا والتخلص من بعض النزعات العنصرية إزاء الآخر في داخلنا، وقراءة واقعنا موضوعياً بروح النقد والنقد الذاتي والاعتراف بحقوق الأقليات وبالهويات المتعددة، وعدم تجميل صورتنا أمام أنفسنا، خصوصاً إذا كانت صورة البعض كالحة.
وما زال الموقف من الأقليات القومية والدينية قاصراً في الكثير من الأحيان، وحتى الاعتراف ببعض الحقوق يأتي كمنّة أو مكرمة أو هبة أو حسنة، حيث تسود تصوّرات مغلوطة عنها، بل إن الكثير من السائد الثقافي يعتبرها خصماً أو «عدواً» محتملاً أو أن ولاءها هش وقلق وسرعان ما يتحول إلى الخارج، دون أن نعي أن هضم حقوقها، تارة باسم مصلحة الإسلام وأخرى مصلحة العروبة والوحدة وأحياناً بزعم الدفاع عن مصلحة الكادحين، والقوى العلمانية والمدنية وقيم النضال المشترك وغير ذلك، هو السبب الأساسي في مشكلة الأقليات وليس نقص ولائها أو خروجها على الهوية الوطنية العامة التي تصبح لا معنى لها بسبب معاناتها، وبسبب نقص المواطنة الفادح والنظر إلى أفرادها كرعايا لا مواطنين من الدرجة الأدنى، وإن كان المواطنون ككلٍ مهضومي الحقوق، فإن العبء الذي سيقع على كاهل الأقليات سيكون مركباً ومزدوجاً ومعاناتها كذلك.
ولعل هذا الموقف من الأقليات ودلالاته الثقافية لا يقوّم الإنسان بوصفه إنساناً له حقوق وواجبات معروفة في الدولة العصرية بحقوق المواطنة، وإنما يقيّمه بوصفه «انتماءً»، أي أنه يحوّل الإنسان إلى سياسي برأس إثني أو قومي أو ديني أو مذهبي، وهكذا يتحوّل الإنساني إلى سياسي، وهذا الأخير إلى حقل من الحروب تبعاً للمصالح السياسية والمادية، فتهيمن الأهواء والنزعات على العقول وتظهر الوحشية عند الممارسة، ويغيب كل ما هو إنساني، وأحياناً كثيرة تستخدم القوى الخارجية هذه الثغرات والعيوب والنظرة الاستعلائية القاصرة للنفاذ منها لتشتيت الهوية الجامعة والعزف على الهويات الخاصة لدرجة التعارض والتصارع مع المشترك الإنساني.
ولنتأمل الحرب الأهلية اللبنانية، فبعد دماء غزيرة وخراب استمر 15 عاماً، غسل الجميع أيديهم وتعانقوا وكأن شيئاً لم يكن، وظلّت الهويات الصغرى طاغية، والهوية الجامعة هشّة، قلقة، مقصاة، وبعد الاحتلال الأميركي للعراق، اندلع العنف والإرهاب على نحو لم يسبق له مثيل ليحصد أرواح عشرات ومئات الآلاف من العراقيين من جميع الطوائف والقوميات والاتجاهات، تحت شعارات التفوق الطائفي والإثني أحياناً وهو ما كانت له بعض الأسباب في التاريخ لاسيما المعاصر وبخاصة الاتجاهات التمييزية السائدة، رغم أن المحاصصة والتقاسم المذهبي والإثني كانا يشكلان أساساً قام عليه مجلس الحكم الانتقالي وما بعده، ولكن ظل جميع الفرقاء والفاعلين السياسيين من جميع الاتجاهات، يعلنون أن لا علاقة لهم بالطائفية والمذهبية، بل إنهم يستنكرونها ويعلنون البراءة منها، لكنهم عند اقتسام المقاعد والوظائف يتشبثون بها، ويحاولون الظهور بمظهر المعبّر وربما الوحيد عنها، دون تخويل من أحد.
وبدلاً من التبصّر والتعامل مع المشكلة بالتحليل والبحث والتساؤل، يتم إلقاء الخطابات الرنانة والكلمات الحماسية والعناقات الفارغة والحديث عن مصالحات سمّيت «وطنية» وهي مصالحات سياسية محدودة جداً في ظل نزعات الهيمنة وادعاء الأفضليات وإقصاء الآخر أو الانتقاص من دوره، دون نسيان توزيع الاتهامات وتحميل الآخر المسؤولية كلّها، سواءً الآخر الخصم والعدو أو الآخر التكفيري، الإجرامي.
إن الفكر اليقيني المطلق، هو فكر «إمحائي» لا يؤمن بالآخر، ويريد إلغاء الفروق داخل المجتمع بكياناته ومكوّناته وأفراده وسجن التعددية وإقصاء الخصوصيات، والأكثر من ذلك يريد إلغاء تاريخ مكوّنات بحيث يلعب فيها مثل كرة عمياء تتدحرج في طريق أعمى وبأيد عمياء.
إن التعصب والعصبية هما اتجاهان إلغائيان لمن لا يتعصّب لهما، ولعل جدل الهويات يكشف أن اختيار الصراع بدل التعايش والصدام بدل الحلول الإنسانية سيكون ضاراً وخطيراً على الهويات الكبرى مثل الهويات الصغرى، وهذه الأخيرة إن لم يتم احترامها وتأمين حقوقها المتساوية فستكون عنصر ضعف كبير ويتسع باستمرار، إذ لا بدّ من اتباع طريق المعرفة وشراكة الناس في المسؤولية والبحث عن الحقيقة وعن المعنى، سواءً عبر الهويات الفرعية-الجزئية أو من خلال الهويات الأوسع والأكبر، ولكن بانسجام مع الهوية العامة التي لا تستقيم كينونتها وحقوقها إلا باحترام الهويات الفرعية وخصوصيتها على مستوى الجماعات أو الأفراد.




#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انشغالات -المواطنة-
- عند تخوم ولاية الفقيه ؟
- هذه النجف التي توشوشني!
- خصوصية المجتمع المدني العربي
- هل تخالف -الشرعية الدولية- القانون الدولي؟
- تخوم ولاية الفقيه!
- إرهاصات الدولة والمجتمع المدني في العراق
- الجدار الديموغرافي.. الأبارتيد الجديد
- بين الإسلامفوبيا والإسلاملوجيا
- لائحة اتهام وحلم العدالة الممكن والمستحيل!
- دارفور.. العدالة الممكنة.. العدالة المستحيلة
- الغرب والصورة النمطية للإسلام
- في فلسفة الدولة والمجتمع المدني
- في شجون القضاء الوطني والدولي
- الجدار الديمغرافي
- الحكمة يمنية والوحدة يمنية
- وحدانية الدولة وتعددية المجتمع!
- جدار برلين!
- مفارقة السيادة والتدخل الإنساني!
- نفط العراق.. وجوهر الخلاف


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - جدل الهوية: بعيداً عن التبشير!