أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جهاد علاونه - الحياة العامة في الأردن 3















المزيد.....

الحياة العامة في الأردن 3


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2745 - 2009 / 8 / 21 - 09:10
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يستذكر الأردنيون زمانهم وماضيهم على صوت المزراب وهو يشقع في فصل الشتاء ونادراً ما يتذكرون حكاياتهم الصيفية ففي الصيف تنتشر الناس ونادراً ما يتجمعون للأحاديث إلا أثناء الحصيدة يتكلمون في كل شيء ويخوضون في كل شيء في الأكل والشرب والعِرض والشرف ويتهمون بعض البنات بالزنى وكل تلك الحكايات ليس لها عند قاضي العرب الأردني أي ُ قيمة فهو يعتبرها مثلما اعتبرها المثل الأردني (سوالف حصيده) أي أنها فقط للتسلية ولكسر ضوء الشمس الحارقة فوق رؤوس الفلاحين الحصادين فكانوا يهربون من الشقاء للإستمتاع بالأحاديث أمافي الشتاء فيتجمعون للدفء على(فاكهة الشتاء) وفاكهة الشتاء هي جمرات ملتهبة في حضن الكانون فيبدؤون باجترار الحكايات على دفئها, والكانون تحيط به دلال نحاسية وراوي يروي لهم قصص الأبطال الشعبيين وخصوصاً الزير سالم وعنترة العبسي فكانت الناس تتأثر بمثل تلك الأخيلة فيتحول أفراد القبيلة إلى (عروة بن الورد) الصعلوك الذي يسرق ليأكل الناس الضعفا وكأنهم حرافيش نجيب محفوظ في رواية (الحرافيش ) , فكانت بذلك السرقة شطارة وبراعة ورجولة وأطلق على اللصوص مصطلح(طرادين الحرام) .


حين يكون الموضوع متعلقاً بالشعب العربي فإنني أعتقدُ بأنه دائماً بحاجة إلى بطلٍ شعبيْ يحقق له عجزه منذ كان طفلاً حتى أصبح رجلاً كبيراً طاعناً في السن وقصصنا الشعبية عن الأبطال دوماً مبالغ بها وهذا هو أجمل ما فيها فالمبالغة تعطي المتلقي جمالاً خيالياً عن زعيم يخلص المظلوم من الظالم ويفك السحر ويعيد الأحجار إلى كائنات حية ويتحول الشجر إلى نساء جميلات والنمل يتحرك مع حسن الشاطر فيفرز للبطل القمح من الشعير الذي خلطته الساحرة عامدة متعمدة لتثبت للبطل عجزه والذي يبلغ مداه مدى العين وبعد النظر وفي خلال أقل من يوم واحد يفرزه النمل ويفصله عن بعضه البعض, والبطل الشعبي له مواصفات في قصصنا فهو يعبر عما نحلم بإمتلاكه , في نهاية القصص الشعبية يتزوج الفلاح البسيط أو الراعي من الأميرة ويسكنان في قصر كبير ويعيشان في سبات ونبات ويخلفان صبيان وبنات.


منظر الناس وهم يجلسون في بيوتهم قبل أن تصلهم الكهرباء ما زالت أمي ترويه لنا من خلال القصص والروايات والملاحم الشعبية عن حسن الشاطر ومحمد الشاطر وليلى والذئب ويبدوا أن أمي كانت بطفولتها تتمتع ُ بذهن صافي فهي إلى اليوم تروي لنا قصة الزير سالم حين تنقطع الكهرباء عن المنزل في الليل لساعة أو لساعتين وتنفتح قريحة أمي لمثل تلك القصص حين تنقطع الكهرباء ليلاً وهذا الموقف يذكر أمي بطفولتها حين كانت تجلس وتنظر لأبيها وهو يروي لها ولإخوتها القصص والملاحم الخيالية الشعبية فلم تكن الكهرباء قد وصلت لبيتهم وبالتالي لم تكن عندهم مواد أدبية مرئية للتسلية فلم يكن غير صوت الراوي الذي يطلب من الحضور الإنصات إليه فكانت أمي حين تنقطع الكهرباء تطلب ُ منّا أنا وأخواتي أن ننصت إليها ونجلس بهدوء ونذكر الله ونسبحه ونحمده ونشكره ومن ثم تروي لنا قصصها وأذكر أيضاً أن قصة (الحجارة الزرق- الحجارة الزرقاء) كنا نستمتع برواية أمي لها حين يذهب أو يغيب البطل عن المنزل فتأتي الساحرة الملعونة وهي عجوز متقدمة في السن فتحول الأب والأم رؤساء العائلة إلى حجارة زرقاء ويبدأ البطل محمد الشاطر أو حسن الشاطر قصة البحث عبر سبعة أبحر (سبعُ بحورٍ) في كل بحر يلقاه حوت كبير والحوت رجل طاعن في السن يَعرضُ على البطل لغزاً والبطل يحله بذكائه ودهاءه أو بمساعدة كائنات أخرى مثل النمل أو الطيور حتى يبلغ الساحرة الملعونة ومن حسن أدب حسن الشاطر أنه كان يبدأ بالسلام على الحوت ويقص أظافر الحوت وشعر رأسه فيقول له الحوت(لولا سلامك غَلب كلامك لأخلي الوديان السود تسمع قريط إعظامك) وكانت أمي تقول لنا سامعين ما أحسن الأدب والأخلاق؟ ويعرض عليه البطل مشكلته فيقول الحوت ناصحا ومرشداً ومعلماً : (روح على أخويه هو أكبر مني بشهر وأعرف مني بدهر) ومن غير المعقول أن نصدق بأن المرأة تلد كل شهر ولكن المغزى من ذلك احترام كبار السن حتى لو كبرونا بشهر واحد ,والخبرة والتواضع في المعرفة واعتراف الإنسان بعجزه عن الإجابة.


ويبدو أن البطل يتغير اسمه مع تغير اسم الراوي الحكواتي ويتغير اسم البطل أيضا بتغير الزمان والمكان , فحسن الشاطر هو نفسه محمد الشاطر وهو نفسه علي ألزئبق في مصر فعلي الزئبق المصري لا تختلف رواياته ومغامراته عن مغامرات حسن الشاطر ومحمد الشاطر , فكلهم يختلفون باختلاف الراوي والمكان , وكل أولئك الأبطال أعتقدُ أنهم منبثقين عن شخصيتين أسطوريتين هما (علي بابا) و(جلجامش) فرحلات جلجامش وبحثه عن عشبة الخلود لا تقل قيمة فنية عن رحلة حسن الشاطر للبحث عن الدواء الذي يعيد أمه وأبيه إلى كائنين حيين بعد أن أصبحا بفعل سحر ساحر حجرين أو حجارة زرقاء اللون .


عرفتُ ذلك حين قرأت ملحمة جلجامش وملحمة (الإينوما إيليش-عندما في الأعالي_)فتلك الملاحم هي النسخة الأصلية المنبثقةُ عنها كل صور وأشكال الأبطال الشعبيين .
كنا نجلس ونستمع ونُشنفُ آذاننا للمغامرات مغامرة حسن الشاطر والأربعين حرامي وهي نفسها قصة علي بابا والأربعين حرامي , وكلمة علي بابا تعني عن الشعب الأردني الإنسان الشريف وفوجئتُ مرة حين عملت في مصنع صيني للألبسة سنة 2003م أن كلمة علي بابا عند الصينيين مشهورة ومعناها اللص والحرامي القذر.
اندثرت يا أصدقائي تلك الصورة الموحشة والمعبرة من الماضي وطوى الشعب الأردني معها أجمل ذكرياته عن البطل المخلص , ولهث الشعب الأردني خلف قصصٍ جديدة يتلقاها من (الصندوق الخشبي) أو (صندوق الغُنى_الغناء) هكذا كانت تسميه بنات العرب من حيفا ويافا ونابلس واربد والرزقاء والسلط وعمان, وقالت أمي : ما زلتُ في بداية وعيي حين كنتُ اسمع أبي يقول لأمي : يا قدرة الله في إشي (شيء) طالع من الخشب وبيحكي وبيسولف !! هاي والله إنها علامة من علامات الساعة ويوم القيامة , نهض الأردنيون مبكراً جداً وهم يستمعون لصوت عبده موسى وسلوى قطريب وكانوا قبل ذلك يستمعون لأم كلثوم ولمحمد عبد الوهاب وهنالك من الفلاحين من عشق أم كلثوم وباع أرضه وسافر للقاهرة لكي يشاهد أم كلثوم وهي تغني ومن الناس من باع أرضه لكي يسافر إلى دمشق ويأكل (الحلاوة ) الدمشقية , وسادت طرفة يعرفها الشعب الأردني عن حوار يدور بين اثنين :
- ذُقت حلاوة الشام؟
- -لا .
- طيب كيف ابتحكيلي عنها وأنت ما ذقتها .
- بس في عبد من عبيد خوالي سافر للشام وشاف إهناك واحد ذايقها فوصفله إياها .
وقالت جدتي مستذكرة أيام زمان : كان جدك يجيب الراديوم ونشغله على بطارية السيارة قبل ما توصلنا الكهربه , فكانت الناس والأقارب يأتون ليسهروا في بيت جدي ويستمعوا إلى الراديو وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب .

اندثرت تلك القصص ولم تعد الشباب تتأثر بمنظر عروة بن الورد أو الزير سالم لقد حل البطل الصيني التنين الصيني محل حسن الشاطر وعلي الزئبق واستقبلتْ الشباب ُتلك الأفلام في بداية إحساسها بالحياة فكانت ُ مغرمة بالسينما تُشاهد برسلي وهو يقفز في الهواء في فلم (الرأس الكبير) وحل أُميت باتشان محل عنترة العبسي , وتلاشت الحياة القديمة مع أبطالها وظهر بحياتنا أبطال جدد يجددون لنا الكلمات ويغيرون معانيها , فكانت البنات أيضاً يرين ويشاهدن أنفسهن في الأفلام العاطفية مثل هند رستم وليلى مراد وأسمهان ومديحة يسري ولبنى عبد العزيز وتحية كاريوكا والنجمة العالمية الشهيرة ساندريلا الشاشة العربية العظيمة والرائعة خفيفة الظل والدم سعاد حسني(سعاد محمد حسني البابا) والتي سأتحدث عنها بمقال خاص .

أما بالنسبة لنا نحن الأطفال فقد بدأنا نشاهد (إجرن دايزر) و(جونكر) في صراع ثنائي بين قوى النور التي يجسدها البطل الآلي إجرند دايزر وجونكر وقوى الشر التي يجسدها أعداء الأرض وكأننا أمام أسطورة (هرقل ضد أبناء الشمس) في كل مرة يحاول أعداء السلام أن يقتلوا أبناء الأرض قيتصدى لهم حسن الشاطر الآلي وهو إجرن دايزر, واختلطت في مخيلتنا كأطفال صورة الجد بالهزل والضحك ونحن نشاهد توم وجيري , وهذا لم يكن غريباً على أخيلتنا فالطفل دائماً صاحب مخيلة واسعة ولا يوجد أغرب ولا أوسع من خيال الأطفال فكنا نبتسم لتوم وجيري وودي بيكر والقصص الفانتازية عن (ألس في بلاد العجائب) وكذلك مغامرات (جزيرة الكنز) .
لقد أثرى جهاز التلفزيون مخيلة الأطفال كما منح للكبار مخيلة عاطفية عن قصص الغرام بين رشدي أباضة والشحرورة صباح اللبنانية , وعاد البطل الشعبي للظهور ولم تتخلص منه المخيلة العربية ,للأطفال اليوم بطل شعبي وللكبار بطل شعبي وللسياسيين بطل قومي وللفنانين بطل فني وللعشاق أبطال رومنسيين .







#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياة العامة في الأردن2
- هل العائلة ضورورية ؟الأب الاجتماعي والأم الدادا
- هل العائلة ضرورية في المجتمع؟1
- الحياة العامة في الأردن 1
- تحرير المرأة
- مؤسسة الحب والزواج
- التقليد من أجل السعادة
- ولدي علي
- تحرير النساء1
- لحم الخنزير وحرية المرأة
- ولد خرباني
- -حب أحلى من حب-
- المساواة بين الجنسين
- غرائب الحب1
- امرأة في البرلمان
- شيوعية النساء؟ أم شيوعية الرجال؟
- حب للأبد
- الازدواج في الزواج
- هل الحبْ ضعفٌ في الشخصية
- خاتم قُدسي على حفة كُرسي


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جهاد علاونه - الحياة العامة في الأردن 3