أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيلة بورزق - الرجل العنكبوت















المزيد.....

الرجل العنكبوت


سهيلة بورزق

الحوار المتمدن-العدد: 2745 - 2009 / 8 / 21 - 08:58
المحور: الادب والفن
    



لم أتصور نفسي يوماً امرأة عنكبوتية ، أو بتعبير آخر لم أحاول مرّة اصطياد رجل بعنكبوتيتي، لا زلت قديمة الأنوثة أنتظر رجلا مثلي يعشق المساء بشموعه الباكية
ويبلل عطشي بقبلة مرتعشة في غفلة مني، ويهديني وردة حمراء تحيلني على المغفرة.
في ذلك المساء القرمزي حملت هيكلي الشيطان وقررت أن أعربد في الرّجال، فما أسهل أن ينهار الذكور أمام جلالة الجسد، تخفيت في فستاني الأسود المرصّع بالمرجان الأحمر، ووضعت حول رقبتي عقداً من اللؤلؤ، وأسدلت شعري الأسود المسافر في استفهامه، وعانقت عطري الخاص جداً وخرجت.
عندما وصلت الفندق الشهير بمزبلة الرجال الأغنياء قررت أن أدخله ببطاقتي الشخصية عوض بطاقة المال والأعمال حتى لا أعامل بقسوة الرسميات، فأنا اليوم حالمة وعاشقة وأريد من يدلل جمالي وفتنة بريقي، جلست بالقرب من طاولة كانت تجمع رجلا ما بامرأة في الأربعين من عمرها، توددت اليه بنظراتي فرد بابتسامة مرتبكة أوحت لي بسهولته.
لا.. لا ..لا أريد أن تنتهي سهرتي بهذه السرعة، أريد رجلا يشدني إليه بقسوة، يدمي قلقي، يسفك دمعي، يبعثر انتباهي، ينسيني لحظتي، تلك الطاولة المستديرة الضخمة بحجم فراغي كانت كلها محجوزة لي وحدي وأنا مبللة بفتنة لا ترد ولا تزوغ النظرات عنها، تحولت في لحظات إلى إشعاع يعبر الرجال إلى الداخل من دون واسطة حب ولا شفرة تفكير، لم يكن رجل واحد بلا امرأة، كان كل عتريس يضم إليه لذّته على شكل عشيقة أو زوجة أو قحبة أو شاذ مخبول من الجنس الثالث، وكنت كالراهبة في مكاني أستمتع بالنظرات الخائنة وهي تتأوه أمام لا مبالاتي. تقدم مني "براين" صاحب الفندق ودعاني للرقص معه، فوافقت حتى أكسر ملل انتظاري لرجلي الفريسة، "براين" في الخامسة والأربعين من عمره يغير النساء في اليوم بأعداد لا تحصى وها هو يعترف لي أنّه ملّ معاشرتهن وقرر أخيراً الصوم عن الجنس إلى الأبد، ... طبعاً لم أصدقه لأنه كان يرمق صدري بشهوة عارمة لاهثة ومختلطة بعرق الرغبة، استأذنت منه بطريقة تليق بذكورته الرعناء وعدت إلى مكاني ذاك حيث الانتظار لكني تعثرت بفستاني الطويل فجأة وكدت أسقط لولا تلك اليد السمراء القوية التي أمسكت بي بحرص عميق وفائض ومغرور وأعادتني إلى استقامتي بمغفرة ورجاء ودعوة وبوح، ارتعشت عنكبوتيتي وفاض فيها الزّمن بعد أن كان ضئيلا بحجم دقات منتهية الصلاحية، كان رجلا ولم يكن مزبلة، كان بقامته تلك أشبه بإله وأنا امرأة أعشق العبادة أبداً.
كان برفقة امرأة ذات شعر أصفر ترتدي فستانا فضيا وتمسك بيدها حقيبة ديبلوماسية سوداء، كانا يضحكان بصوت مرتفع وأحيانا يقترب منها ويهمس في أذنها فتقهقه هي عالياً، كان مُنهمكاً في سهرته كما لو أنّه لم ينتبه إليّ، ألم تنتقل إليه حرارة يدي وعطري وأنوثتي وهو يرفعني من عثرتي تلك؟ أحقاً لم أعجبه؟ أيمكن أن يكون شاذاً جنسياً؟ بعض الرجال ينتهون قبل البدء وبعضهم الآخر لا يقدّر رجولته أمام صبابة امرأة غارقة فضول وتحوّل وأسئلة، ماذا أعجبه بتلك التي تشبه القردة في صوتها؟ إنه لا يزال يفترسني ببرودة لا مبالاته وهذا يعني أن أسلحتي الفتاكة كلها فاشلة، اقترب مني "جونسن" الكاتب المعروف بعشقه للفنون العربية وطلب مني أن أشاركه رقصته وعوض أن أتأبط ذراعه، تأبطني هو وسار بي حيث الموسيقى وفي غمرة رقصنا سألني: لماذا أنت وحيدة الليلة؟
ابتسمت وقلت: أنا لم أكن وحيدة أبداً!
قال: أعني الليلة؟
قلت: أترى ذاك الرجل الأسمر؟ هو رفيقي.
قال: كفي عن المزاح، ذاك السائق الأبله رفيقك؟
قلت: من تقصد؟
قال: نعم ذاك الأسمر هو بعينه، إنّه سائق "مايكل جاكسون" وتلك التي برفقته مساعدة مديرة أعمال "جاكسون".
قلت: هل هذه نكتة؟!
قال: تعالي معي.
وشدني من يدي وذهب بي إليه .
أحبُ الرجل الأسمر العنيف الذي لا تجرحني نظراته ولا تبعثرني أنفاسه.
قال "جونسن" للرجل الأسمر:
هذة السيدة الفاتنة تدّعي أنّها برفقتك؟
يا لورطتي، اللعنة عليك يا "جونسن" المقرف، سأمسح بك الأرض لاحقاً، تغيّر لون وجهي وضاعت مني ألفاظي وكدت أسقط عرضاً وطولاً وأفقياً وعمودياً، تشتت لحظتي تلك والأسمر ينظر إليّ ويقول: هي لا تدّعي بل الحقيقة ما قالت لك، لم تكن جملته مفيدة أي نعم لكنّها خدمت الموقف وحسمته وأغلقت فم "جونسن" ،تقدم مني الأسمر ودعاني إلى طاولته الفاخرة، قال: كيفك يا رفيقتي؟
قلت: أمجنون أنت؟
قال: أليس هذا ما قلتيه "لجونسن" ؟
قلت: أووف ذاك المعتوه إنّه يقول ما يريد وكفى
قال: سأصدقك أنت
قلت: ماذا تعني؟
قال: أعني أنني هنا معك وأنتظر قرارك؟
قلت: ماذا تقصد؟
قال: ماذا تريدين أنت؟
قلت: هل أنت مخمور؟
قال: بعينيك
قلت: أوووه هذا كثير
قال: أمامي ربع ساعة فقط وسأغادر بعدها المكان
قلت: هل "مايكل جاكسون" هنا ؟ أنا لم أره
قال: "مايكل جاكسون" هنا؟
قلت: ألست سائقه؟!
قال: هههه أنا سائق أعمالي
قلت: من أنت؟
قال: احتفظي ببطاقتي الشخصية وهذه بطاقة أخرى فيها عناويني وأرقام تلفوناتي.
عليّ أن أغادر فوراً عندي طائرة بعد ساعة ونصف
تركني وخرجت خلفه تلك القردة ذات الشعر الأصفر.
ترك لي بطاقته الشخصية؟ أمعقول أن يفعل ذلك مع امرأة لا يعرف حتى اسمها؟
أكيد يعرفني أو سمع عني حتى، تجاهلت الأمر حتى أصفي حسابي مع "جونسن" الخبيث أين هو؟ أكيد يراقص عجوزا شمطاء مثله ويحاول إقناعها أنه ما يزال يصلح للمعاشرة.
آه ،إنّه هناك يتودد لإحداهن حتى تراقصه!
عفواً سيّدتي ولكنني مضطرة لأخذه منك ، قلت لها.
قال: أين رفيقك؟
قلت: سائق "مايكل جاكسون" ؟
قال: كنت متأكدا أنك لا تعرفينه ولذلك ضحكت عليك
قلت: لا أحد يستطيع أن يضحك عليّ وأنت تعلم ّذلك، لكنني لا أحب طريقتك في المزاح.
قال: أنا زبالة ماذا أفعل؟
قلت: عليك بتنظيفها، ولا أريدك أن تكرر هذا معي أبداً.
قال: ألهذه الدرجة؟
قلت: أنت تعرف غضبي
قال: على العموم …
تركته في مكانه وخرجت.
لم تكن السهرة حافلة بالمفاجآت، لكنها كانت حافلة بوخزة حضور ذاك الأسمر الذي أخذ قلبي معه وترك لي بطاقة تشبه
بطاقة اليانصيب، هل هذه هي أنا؟ ما هو الفارق إذن بيني وبين أية امرأة مملوءة، رجل تسكنه أبداً كي يرميها هو في أي وقت يشاء؟ أية مفارقة هذه، وأنا أدّعي الشمولية في أنوثتي والخصوبة في تجاربي؟ ضحكت على نفسي حتى سالت دموعي وأنا أسوق سيارتي بجنون، هاهي سيارة الشرطة تلاحقني، يا لطيشي، توقفت وفتحت النافذة وانتظرت مجيء الشرطي كي يعطيني درساً في القيادة، سيهدر صبري حتماً وهو يسجل لديه معلوماتي، ثم سيقرصني بمبلغ تافه أدفعه لتسديد حماقتي، لم ينزل أحد من سيارة الشرطة تلك ما المشكلة؟ أم تراه ينتظر نزولي أنا لطلب المغفرة منه، حسنا سأذهب اليه؟!
كان الليل دامساً وعندما اقتربت من السيارة اكتشفت أنها ليست للشرطة فارتعدت وحاولت مسرعة الرجوع إلى سيارتي؛ لكن يداً فولاذية أمسكت بي من خلفي ورمتني أرضاً ثم انهالت عليّ ضرباً حتى فقدت الوعي.
استفقت داخل غرفة الانعاش ومن حولي آلات وخيوط، ناديت الممرضة بضغطي على زر ما وسألتها عمّا حصل لي فقالت: جاؤوا بك إلى هنا منذ يومين هذا كل ما أعرف!
قلت:أين أغراضي؟
ردت: لا أدري سيّدتي! عفواً هناك السيّد "كوهين" من مكتب الشرطة يريد التحدث إليك، قلت: حسناً، دعيه يتفضل.
ماذا حصل لي برب السماء؟ لماذا لا أستطيع أن أتذكر شيئا؟
دخل الشرطي المحقق "كوهين" الأصلع وفي يده دفتر ومسجلة صغيرة، سلم عليّ ثم تنهّد وقال: هل أنت بخير؟ قلت: ماذا حدث لي؟ قال: هذا سؤالي لك! قلت: لا أستطيع أن أتذكر شيئا؟، قال: لقد أخبرني الطبيب أنّها حالة عابرة، لكنك قوية وستساعديننا في القبض على المجرم، قلت مذعورة: ماذا تقصد بالمجرم، ماذا حصل لي؟
قال: لقد حاول أحدهم قتلك، ووجدنا سيارتك محروقة هل تصدقين؟ أدري أنّك صاحبة مؤسسات ناجحة في البلد، لكن محاولة قتلك لها أبعاد سياسية أكثر، قلت باستخفاف:
هل تصدق؟
ردّ بعصبية: سيدتي أنا لا أمزح هنا.
قلت: دعني الآن أرجوك فلست قادرة على تحليل أي من أفكارك.
قال: حسنا، سأعود غدا، قلت: بعد غد من فضلك.
قال: بعد غد، اهتمي بنفسك.
استحيت أن أسأل الممرضة عن اسمي، عن هويتي فلست متأكدة إذا كنت أنا هي أنا، إنّهم يعاملونني معاملة فيها الكثير من الوّد والاحترام، طيب سأحاول أن أنام كثيراً عساني ألتقي بذاكرة ما تعيدني إليّ وإليه.
الرجل الأسمر الذي فتح شهيتي وشهوتي وجنون جسدي إلى شبق سمرته وغادر، ماذا عساني أن أفعل في جوعي اللحظة وأنا غارقة في غياهب النسيان؟
لا أذكره تحديداً ولا أخاله سيعود إلى ذاكرتي، أتخيله يداعب شعري ويمرر يده على وجهي ويهمس في أذني كذبة حب يذيب بها جليد تعنتي فأصاب بحمى الرغبة وأتحوّل إلى عاهرة أطلب منه أن لا يتوقف عن تعنيفي في لحظة المتعة.
عندما استيقظت فوجئت بسكرتيرتي "ماتيسا" جالسة على كرسي بجانب السرير والدموع في عينيها، لم يعن ِ لي وجودها أكثر من صورة وكانت فرحتي عارمة عندما عرفتها، هل أنت "ماتيسا" ؟ سألتها كمن لا يصدق نفسه، قالت:
نعم سيدتي أنا سكرتيرتك "ماتيسا" لقد….
قاطعتها منادية الممرضة وقلت: أريد الحديث إلى طبيبي من فضلك. لقد تذكرت من أنا وهذه "ماتيسا" سكرتيرتي واسمي هو "جوانا كيمبري" وأنا امرأة أعمال مشهورة و…و…
كنت أتحدث بسرعة وألفاظي تخرج متقطعة من شدة فرحتي، ابتسمت الممرضة وبكت "ماتيسا" وغرقت أنا في وجه الأسمر العنكبوت.
تذكرت السهرة وتفاصيلها المملة وتذكرت تلك اليد الحديدية التي رمتني أرضاً وحاولت خنقي، لم تكن ملامح المجرم واضحة لي فقد كان يغطي رأسه كلّه بقناع من الصوف.
دخل الشرطي المحقق "كوهين" وابتسامة عريضة على محياه، حياني مُصافحاً لي ويده تكاد تعتصر أصابعي وقال:
أنا سعيد بك ، ألم أقل لك أنّك قوية؟



من مجموعتي القصصية "كأس بيرة"





#سهيلة_بورزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غواية نهد
- ألو يا جزائر
- ما تقتله التكنولوجيا في رمضان
- شهرة الكاتبة العربية
- شرف الرّجال
- تقاطع
- أمريكا وسياسة عرب الداخل
- ضجيج في رأسي
- الوهم
- الكاتب
- تجاعيد
- شالوم
- الرّعب الأمريكي
- فقاعة عيد
- رسالة قلب الى محمود درويش
- ثقوب في الذاكرة
- رأسي ورنة خلخالي
- السكسو عربي
- بالونات طفولة
- عفوا لتاء التأنيث


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيلة بورزق - الرجل العنكبوت