أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس بيضون - جرائم بلا روايات














المزيد.....

جرائم بلا روايات


عباس بيضون

الحوار المتمدن-العدد: 2743 - 2009 / 8 / 19 - 07:49
المحور: الادب والفن
    



رغم أن الجرائم ليست قليلة إلا أن الرواية البوليسية ليست زاهرة عندنا. هناك بدايات لكنها ظلت بدايات، من السخف التفكير بأن كثرة الجرائم تنتج أدباً بوليسياً. لو كان الأمر كذلك كنا الأسبق في هذا الفن. ماذا كان لبنان سيقدم فيه او العراق او السودان، في بلدان كهذه عالمان متوازيان: عالم للحضور وآخر للغياب، في بلدان كهذه نعيش مع الغائبين المختفين والمفقودين والمخطوفين بقدر ما نعيش مع المعلومين، البحث عن المخطوفين والغائبين، البحث الطويل والتحري الطويل والفحص الطويل للأدلة الصحيحة والأدلة الزائفة هو تقريباً كل شاغل العشرات. هناك هذه المطاردة المثابرة لعلامات حقيقية وعلامات كاذبة، ومع ذلك لا ننتج أدباً بوليسياً. لم ننتج ولا يبدو أننا بصدد ان ننتج الجرائم التي تحصل في بغداد ودارفور ولبنان. لا تحتاج لمن يبحث عن المجرم، غالباً ما يكون المجرم معروفا وغالبا ما لا يهم كثيراً أن نعرفه. ليس اسمه هو المهم ولكن أسبابه، حين يقتل او يخطف واحد لمجرد انه ينتمي الى مذهب او دين او عرق او لون. لا يهم من هو القاتل. اننا نتعرف عليه في عصبية ما، في عقلية ما، في تربية ما، في ثقافة ما، ولا يهم، لا يهم على الإطلاق من هو بالاسم والكنية. نعرفه ام لا نعرفه فهذا لا يعني شيئاً، لو عرفناه سيبقى مع ذلك نكرة، ولن نحفظ له اسماً، فنحن نعلم انه لم نقصد واحداً بعينه، ولكنه قصد حيه او دينه او عرقه فحسب.
هذه هي الجريمة التي لا نجهل من فعلها. مع ذلك تبقى مجهولة ويبقى صاحبها مجهولاً، نعرفه لا بالاسم ولكن بالجهة والاتجاه والمدبر والدافع. تبقى جريمته، أيا كان اسمه، عامة. ويبقى صاحبها لا شخصاً. بل يمكن القول في الحساب الأخير، ان جريمة كهذه مغفورة ومباحة تقريباً، نستفظعها حتى تحصل فهي اكبر من ان تكون فردية، انها جماعية وهي تصل إلى حد التطهير العرقي، لكنها ليست أفعال أفراد فحسب، إن وجد هؤلاء فقد فعلوا ما فعلوا باسم جماعات فوّضتهم ام لم تفوضهم الأمر سواء، لا تفوض الجماعات مجرمين، لكنها تتبناهم فيما بعد، تنكرهم، ربما في البدء تم لدى أول رد فعل، تستردهم إلى كنفها وربما تجعل منهم أبطالاً فيما بعد. أبطالاً أم شهداء. تدافع عنهم او تعتذر عنهم. تجعل التبعة على الطرف الآخر، تحتج لهم بألف حجة، ثم لا تعتم أن تجعل منهم أبناءها المخلصين وحاملي راياتها، جرائم كهذه مغفورة ومباحة، لأنها جرائم تغدو تاريخية. ستختفي في المصالحة، ستتحوّل إلى معادلة سياسية. ستغدو بعد قليل صراعاً عاماً ولن يكون ممكناً عندئذ إلا طلب الاعتذار او التنصل، لكن جرائم كهذه على وحشيتها المخيفة، ليست جرائم، إنها أفعال تاريخية وسينظر إليها على هذا الأساس.
الرعب هنا وربما من هنا لا نجد أدباً بوليسياً. حين تكون الجريمة فردية يمكن التفكير بأدب بوليسي، حين تكون الجريمة مدانة ومحاصرة بقانون واتفاق جماعي يغدو ممكناً تحريها وكشفها وتقديمها للمحاكمة، أما حين تكون الجريمة مغفورة ومباحة وتاريخية وجماعية فما حاجتها إلى التحري والتحقيق. المجرم معروف ولو كان مجهولاً، والمجرم جماعة ولو كان فرداً. حين تكون الجريمة شرعية فما الحاجة إلى محاكمة وقانون؟ حين تكون الجريمة، في وقت ما، هي القانون فما الحاجة الى تحريها؟ حين تشيع الجريمة وتعم وتبتذل فما الحاجة إلى أدب بوليسي؟

عن السفير اللبنانية



#عباس_بيضون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة وجوه لعسف واحد
- محمود درويش الأب الثاني
- رواية «المخابرات»
- ليس قمرنا
- «المثقفون» الآن
- الشاهد، المستبطن الرائي
- العودة إلى الشيخ إمام
- التعذيب
- بين أدونيس وطرابلسي.. السياسة لا تكفي
- أنا شامت لأن الولايات المتحدة تهاجم حلفاءها فأميركا تتكلم في ...


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس بيضون - جرائم بلا روايات