أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - عمارة، عمارة















المزيد.....

عمارة، عمارة


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 2742 - 2009 / 8 / 18 - 08:24
المحور: الادب والفن
    


قد يكون من المفيد (والمستحب ايضاً) ان يضاف "الف" و"لام" الى كلمة عنوان مقالنا هذا، تمجيدا ومحبة لتلك الفعالية النبيلة والجميلة التى ندعو منتجها بـ "ـعمارة"؛ العمارة، التى تأوينا وتحمينا وتخلق انغلاقية "فضاءات" امكنة عملنا ونشاطنا وراحتنا، والتى تثير فينا إحساسا مرهفا ولذيذا ناتجاً عن متعة مشاهدتها، مشاهدة جمالياتها، جماليات المنجز الجليل!.
ومع إننا نتعاطى يومياً وعن قرب مع العمارة، فقد ظلت الأخيرة مدار نقاش وتحليل دائميين عن ماهية ذلك المنتج وجوهره. وماانفك التساؤل المشروع ينتقل من عصر الى آخر ومن ثقافة الى آخرى، ومن متلقٍ الى آخر، ومن ذهنية الى آخرى؛ عن ماهو الشئ الذي يجعل من العمارة: "عمارة"؟!. ورغم بساطة التساؤل، بل وربما سذاجته ايضاً، فان ايجاد جواب شافٍ ووافٍ عن مفهوم العمارة، لم يكن سهلا بالمرة، وظل ذلك المصطلح متحولا ومتغيراً طبقاً لنوعية الثقافة التى تطرح مثل ذلك التساؤل، وخصوصيتها التى تنتج مفاهيمها الخاصة بها. فالعمارة لدى "ليون باتيستا البرتي" (1404-1472) L. B. Alberti - وهو احد اعلام معماري عصر النهضة – هـو "الزخـرف" او "التزييـن"؛ ذلك التزيين الذي سيأتي يوم ويعتبره المعمار النمساوي الحداثي "ادولف لوس" بمثابة "جريمة تصميمية" كما ورد في كتابه المعروف في الاوساط المعمارية: !. وفي حين يحدد " لو كوربوزيـه" (1887-1965) Le Corbusier العمارة بانها "الفضاء المحصور الذي يؤدي وظيفة ما"، مؤكداً على حضور كلمة <الفضاء> في ذلك التعريف. وتعطي العمارة الاسلامية مدلولها الخاص لذلك المصطلح، بانه "السياق"، السياق البنائي الذي يشبه مجاوراته ومناخاته ايضاً. ويستعمل العرب كلمة "عمران" مكافئاً لكلمة عمارة. بيد ان تلك الكلمة تأتي كفاعل احيانا وكصفة احيان آخرى. ويتحدث ابن خلدون (1332-1406) عن العمران بمعنى البيئة والمدينية.
لمـاذا هذا الاختلاف في تحديد المفهوم ؟ لمـاذا هـذا التـباين ؟ .
لمـاذا ؟
-لان ظاهرة العمارة هي خليط من"علـم و فـن" في آن واحد. بمعنى آخر انها تجمع ما لا يمكـن جمعـه؛ انها الصيف والشتاء على السطـح الواحـد!. فمن يقينيـة العلم وماديته الى آفـاق التصور الواسعة المتخمة بها المخيلة الانسانية، تتجول العمارة ضمن هذا التحديد، خالقةً بذلك نتاجها وامثـلتها. لكن قضية مصطلح العمارة لا يمكن له ان يظل هكذا معوٌماً او هلامياً. فالعقل البشرى ميٌـال الى التحديدات كي يسهل ادراك كنه وجوهـر الموضوع المثار؛ هذا فضلا من العمارة منتج حقيقي وملموس، مما حدا باحد مؤرخـي العمارة وهو "فيتروفيوس" Vitruvius، (الذي عاش في رومـا قبل الفي سنة تقريباً)، من الخروج والاهتداء الى تعريف العمارة كونها مزيجاً من دواعي <الوظيفيـة> و<الانشـاء> ، و<الجمـال>؛ وهو تعريف على الرغم من وسعه وربما تناقضـه، فانه يخدم بشكل وآخـر مفهوم ومعنى "العمارة".
يزخر الخطاب المعماري الآن، كما في السابق، بدراسات وطروحات متنوعة، تدرس وتبحث في مفهوم العمارة، موفرة للمتلقيين اياً كانت نوعية ثقافتهم، متناً مقروءا يسهم في تشكيل فهم خاص لمعنى العمارة. ثمة كتب عديدة تخرجها المطابع سنوياً لمؤلفين كثر، تسعى وراء تفسير هذا المصطلح وتأويله. ومن ضمن الكتب الصادرة حديثا عن اشكاليات الموضوع اياه، كتاب "عمارة: العناصر، المواد، الاشكال" (2008) لمؤلفه "فرانجيسكا برينا" F. Prina عن دار نشر" برنستون انفريستي برس" Princeton University Press، وهو ترجمة لنفس الكتاب الذي صدر سابقا في الايطالية بذات السنة، ونشرته دار " موندادوري اليكتا" في ميلانو. انه كتاب ممتع. وقد جاء بقطع متوسط، وبـ 384 صفحة. وإبتغى الناشر في اصطفاء حجمه المميز، ليكون كتابا "جيبياً"، مناسبا للقراءة في اوضاع واحوال مختلفة. اذ يمكن مطالعته في اوقات الراحة في البيت او في المكتبة، في عربات المترو او القطار اثناء السفر، كما يمكن تصفحه على شاطئ البحر، مثلما في مقاهي الرصيف او اثناء زيارات حدائق وباركات المدن المختلفة. هذا فضلا على اعتباره كتابا مرجعياً لطلبة المدارس المعمارية والمهتمين في القراءات التنظيرية لتلك الفعالية الابداعية.

" يظل العمل الفني شأناً خاصاً بالفنان، < البيت> غير ذلك !" ؛ يستهل الكتاب بهذه المقولة العائدة الى "ادولف لوس"- المعمار النمساوي، الذي ذكرناه توا. ويشير المؤلف بان مغزي تلك المقولة، يمكن لها ان تكون بمثابة "خلاصة" افكار عديدة تعاطت مع العمل المعماري. ويزيد في المقدمة التى كتبها لكتابه، بان الغالبية من مشاهدي العمارة، هم الذين قد يكونوا ساكنيها، اومستخدميها او عابري سبيل، وحتى "هداموها" يتغاضون عن النواحي الدلالية للمنجز المعماري، الذي يتحدث بلغة "نحوية" متقنة ، متأسسة على تجميع تكويني للعناصر الانشائية والمواد والتقنية بغية خلق "بلاغة " المبنى.
يحتوي الكتاب على فصول متنوعة تنزع جميعها الى اضاءة المنتج المعماري. ويبدأ الكتاب في تناول " عُدّة المعمار" ثم يعرج على " الثبوتية والشكل" ومن ثم " المواد والتقنية" ويمر على "العمارة والتزيين" وينتهي بـ" مقارنة الروائع" وفي ختام كتابه ثمة معجم للمصطلحات الواردة في الكتاب بالاضافة الى جداول تصنيف المعلومات.
ينبني "معمار" الكتاب على فكرة عرض لوحات لمبانٍ مختلفة، يشكل وجودها وسائل ايضاحية لمفردات مضامين الكتاب. اذ إن كل فصل يتجزأ الى عناوين فرعية، تمتلك صورها الخاصة بها. وهذه الاخيرة تحتوي على خطوط تشير الى تفاصيل فيها، يسعى المؤلف الى شرح دورها واهميتها بنص كتابي مجاور للصورة. وثيمات الصور ليست حكراً على نماذج مباني العمارة الاوربية، كما اعتدنا ان نراها في غالبية الكتب التى تتناول تاريخ العمارة ونظريتها. فالمؤلف يحرص على تجاوز "مركزيته" مدخلا في كتابه نماذجاً لمباني العمارة غير الاوربية، بضمنها نماذج العمارة الاسلامية. في الفصل الاول، نتعرف على شخصية المعمار، الهندسة الوصفية، المسقط وقياس المساحات المستوية، الواجهة والمقطع، الرسم المعماري، المشروع، المجسم، الاظهار، العمارة والهندسة، نظرية العمارة. اما في الفصل الثاني المكرس الى الثبوتية والشكل، نقرأ : الجدار، العمود، التاج، الطنف، المسند، الاكتاف، العقد، السقف، القبو، القبة، الواجهة، الرواق، الابواب، المداخل، الشبابيك، السلالم، المرقاة. وفي الفصل الثالث وهو خاص بالمواد والتقنيات، نتعرف على: الخشب، الحجر، الطين، الآجر، الخرسانة، الخرسانة المسلحة، الحديد والمزيج المعدني، الزجاج، العناصر الطبيعة، والمركبات الاصطناعية. وفي الفصل الثالث، ثمة مواضيع منها: الطلاء المعماري، التلوين، الجداريات، النحت، الفسيفساء، الخزف، الاعمال الخشبية، الاعمال المعدنية. واخيرا نتعرف في الفصل الرابع والاخير، على الروائع مثل، البارثينون، فيلا هارديان، ايا صوفيا، نوتردام، الباوهوس، مركز بومبيدو، متحف غوينغهام، معبد آمون، مسجد شاه، معبد انغكور في كمبوديا، المدينة المحرمة في بكين، قصر كاتسورا المنفرد في كيوتو باليابان وغيرها من الروائع المعمارية المختارة.
ينطوي الكتاب على ميزة هامة تجعل قراءته قراءة مفتوحة، بمعنى ليس من ثمة ضرورة في تسلسل اجباري وتعاقبي للقراءة، فمواد الكتاب وان بدت ذات علاقة بعضها بالبعض الآخر، بيد انها تتيح للقارئ امكانية ان يطالعها من اية صفحة يرغب. فالكتاب يمكن قراءته من الاول الى الاخير، كما بالمستطاع تصفحه بدءاً من آخر صفحة نحو الاولى، ومن منتصفه باتجاه نهايته او رجوعا الى بدايته. فالمعلومة المعطاة متكاملة ومستقلة نوعا ما، كما انها ممتعة وغنية ومفيدة ومختصرة، والمهم انها تتسم بنفَسَ علمي ومهني.
يطمح المؤلف، وهو كاتب معروف في الشأن المعماري، ومختص بتاريخ العمارة، وله كتاب حاز على اهتمامات الوسط المهني بعنوان "الف عام من العمارة الاوربية"، يطمح ان يمنح القارئ معلومات وافية تحت العناوين الفرعية المتنوعة والكثيرة للكتاب. ولكوني من اصول عراقية، فان ما يستهويني فيه، هو ما يخص الآجر- "الطابوق" بلغة العراقيين، والذي اعترف باني مفتون بخصائصه، واحرص على تتبع نماذج اعماله التى انجزتها الثقافات البنائية المختلفة على مدى العصور. فهذه المادة الانشائية الرائعة، الذي يعد "اختراعها" احد المنجزات الانسانية المهمة، اوصل العراقيون، ولاسيما البابليون، اساليب استخداماتها وطرائق رصفها الى مستويات جد متقدمة، اتسمت دوما على التجديد والابتكار. ومابرح المهتمون من المهنيين يجدون في انجازات تلك الحضارة امكانات كثيرة ويتعلمون منها دروساً عديدة في كيفية تحقيق اساليب حذاقة العمل البنائي وطرق تراكيبه الانشائية. في الكتاب تحضر امثلة "طابوقية" مشوقة لمباني عديدة تعود الى حضارات متنوعة. كما تحضر بالطبع بابل، عن طريق "باب عشتار"، لكن المؤلف يضع منجزها المعماري ضمن مفردة "المداخل"؛ وليس ضمن مفردة "الطابوق".
ويظل الكتاب بنوعية طباعته الفاخرة، وصوره الملونة العديدة، وطريقة اخراجه، فضلا على ما احتواه من تنوع معلومات شديدة الثراء وكذلك طريقة تقديمها، يظل يعتبر من الكتب المثيرة للاهتمام، والتى جاهد مؤلفه لايجاد مفهوم خاص للعمارة، وسعى لتقديم أجوبة مقنعة عنها □□

د. خالد السلطاني
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قول في اعادة نصب الجندي المجهول
- عدالة قضية الاكراد الفيليين ومحنتهم
- تداعيات القرارات المستعجلة
- العمارة .. الآن
- في معنى هوية بغداد
- -لقطة- الحياة اليومية، إذ تضحى لوحة فنية
- اغتيال حالم .. وحلم
- معروضات بيت موندريان: الزمان والمكان
- مدارس -اكوام- الطين
- تنويعات العمارة -القوسية-
- العمارة الأسلامية، بصفتها مرجعية ابداعية
- كتاب (خالد القصاب: ذكريات فنية): -نصوص- على ضفاف النص الاساس
- نصف قرن على مشاريع - رايت - البغدادية: تصاميم العمارة المُتخ ...
- نصف قرن على مشاريع - رايت - البغدادية: تصاميم العمارة المُتخ ...
- العمارة، بصفتها رمزاً شعبوياً
- خاتمة كتاب - تناص معماري : تنويع على تطبيقات المفهوم- ؛ الصا ...
- ثمانينية قحطان المدفعي :التعقيد ... والتعبيرية في العمارة *
- عمارة قحطان عوني :المفهوم الخاص للمكان
- الطليعة المفقودة : عمارة الحداثة الروسية
- تداعيات ، في طريق الى معبر- ربيعة -


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - عمارة، عمارة