أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مفيد عيسى أحمد - هويتي ..مكاشفة الذات و الآخر..لا تحطموا المرآة و لا تطلقوا على من يقف أمامها















المزيد.....

هويتي ..مكاشفة الذات و الآخر..لا تحطموا المرآة و لا تطلقوا على من يقف أمامها


مفيد عيسى أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 08:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هويتي ..مكاشفة الذات و الآخر
لا تحطموا المرآة و لا تطلقوا على من يقف أمامها

أول ما سيخطر في ذهن المتلقي، قارئاً و باحثاً، السؤال التالي:
ما المبرر ..؟ و ما الدافع و الغاية من طرح هذه المواضيع الحساسة، الإشكالية.؟ التي كان و مازال مجرد ذكرها محظوراً، يصل إلى حد اتهام من يناقشها بإثارة التفرقة و التعصب، بل الفتنة الرامية إلى تقويض الوحدة الوطنية.
يخرق أبي حسن ذلك المحرم بكتابه المعنون ( هويتي ..من أكون ) و الذي يعطف عليه عنواناً شارحاً هو ( في الطائفية و الإثنية السورية ) و يتجاوز الحديث، إلى النص المكتوب، و اسـتخدمت ( نص ) هنا لأن الكاتب تنصل من تصنيفه وفق أي من مناهج البحث و أي من حقول المعرفة ذاكراً تلك الحقول التي من الممكن أن تلامس ما كتب ( كان يجب أن يذكر الأنثربيولوجيا ) لينكفئ بطريقة ذكية و يعلن أن كتابه ممكن أن يكون في كل ما ذكر.
ما أكده أنه كتاب وجداني ذاتي، ما منطلق هذه الذاتية..؟ هل لأنه يصبغ تجربته و رؤيته الشخصية على الموضوع ..؟ ربما، لكن تجربته وفق ما قدمها لا تخرج عن تجارب كثيرة أخرى، و هي من التجارب التي يمكن أن تعمم و يبنى عليها، و كثير من البحوث و الدراسات و الاكتشافات بنيت على تجارب شخصية.
أو أنه عنى بالذاتية، تلك الأحكام و الآراء التي وجدناها في صلب ما كتب و التي قد لا نوافقه عليها أو نوافقه، مع العلم أن لم يعتبر نفسه ممثلاً لطائفته، و لا لاتجاه سياسي معين. مع العلم أن الآخر لا يعفيه من ذلك.
تبدأ إشكالية الكتاب من العنوان، و قد أتى على شــكل سؤال بدرجة كبيرة من الأهمية و الخطورة، فهو يخلع كثير من المســلمات التي ألفناها من ناحية الانتماء القومي – الوطني، الطائفي و الإثني، و يدحض تراكمات اثني عشر قرناً، ليعود و يواجه نفسه بنفسه، إنه التساؤل الذي يأخذ لبوس الشك، و هو ما يحاول الإجابة عنه في متن الكتاب، لكن بشكل غير مباشر.
سؤال يبدو كأسئلة التهكم السقراطي، أي أنه لا ينتظر جواباً ، لكنه يطرح لإثارة قضايا و لفتح باب على أبواب، و هو غاية في الصعوبة في مجتمع ما زالت تقسيماته العمودية، قائمة و متمايزة، قد تنجح الأيديولوجيــا بتنعيمها لكنها لا تســتطيع إلغاءها. و هي أكثر ثباتاً من التقســيمات الأفقيـة( سياسية – اقتصادية – اجتماعية ) التي تتقاطع معها لتنشأ شــرائح، ذات انتماء أيديولوجي، سياسي، أفقياً. وطائفي، عرقي، عمودياً. تأخذ التقسيمات العمودية درجة أكثر حدة في أوقات التأزم الأيديولوجي و الاختناق السياسي الاجتماعي، رغـم أنها لا تنتفي في الظروف العادية، بل يبقى أثرها في الحراك السياسي و الاجتماعي و هذا ما بينه الكاتب، مستشهداً بحالة العلويين الأتراك، حيث لم تنصفهم الأحزاب العلمانية المتعاقبة أكثر من الإسلامية، و هذا ما دفعهم لاعتبار العلمانية هناك ذات طابع مذهبي، و هي سمة تلتصق بالعلمانية في سورية أيضاً، حيث على حد اعتبار الكاتب، هناك علمانيون دروز و أرمن و علويون، و سنة، و هو أمر صحيح وواقعي في جانب كبير منه، الأمــر الأخطر يحدث عندما يجير العلمانيون- من ينعتون بذلك - العقلية العلمية و منجز البشرية من العلوم الوضعية و التطبيقية للناحيـة الدينية كل إلى موروث طائفته أي أن هذه العلوم بمجملها موجـودة في المـوروث( لكن هي كالكنز تحتاج لمن يجيد استخراجها ) تجيير خطير و محبط، و قائم عند عدد لا بأس به من الأكاديميين ذوي الاتجاهات الأيديولوجية العلمانية، حيث بالغ ما بلغت ثقافة هذه الفئة تجد لديها نكوصاً خطيراً، يرجع البدء في أي مجال علمي ترجيعاً غيبياً مقدساً ينتهي في أغلبه إلى النصوص المقدسة و تركة السلف الصالح، و هذا يعزز التقسيمات البينية من ناحية أخرى، فلكل سلفه، و كتابه، حتى القرآن الكريم الذي هو كتاب مقدس يأخذ به السنة و الشيعة و العلويون، غير متفق على تفسـيره. إنه البؤس الحقيقي لمن يدعي العلمانيــة، أو لمن يوصف بها، فالمناداة بالعلمانية لا يلغي سطوة التفكير و النزوع الغيبي عند علمانيينا، ألم يتحول الكثير من كوادر الحزب الشيوعي في سورية إلى التدين و الغيبية التسويغية، بعد انهيار المنظومة الشــيوعية ( هناك من ألف كتباً في هذا المجال و مجالات أخرى كالأبراج) كذلك تحول الكثير من كوادر حزب البعث إلى رجال دين مغرقين في الغيبية و أبعد ما يكونوا عن العقلانية.
محور الكتاب هو الهوية، و هو موضوع جد هام، يحاول الكاتب تحديد مكوناتها و تحليل عناصرها، فيورد أن الوعي و الحلم من سماتها، و يستشهد بحلم السوريين باسترجاع الجولان، و هو حلم يميزهم عمن حولهم. هل يمكن اعتبار هذا حلماً..؟
ثمة تداخل لا ينكر بين الحلم و التطلعات الرامية لتحقيق هدف معين، و لكن هل من الممكن أن يؤسس الحلم لهدف ما.؟ أو يخلق الهدف أحلاماً.؟ ممكن، لكن الحالـة السـابقة لا تدخل في إطار الحلم ، ربما قصد أنه في ظل الحالة الاستاتيكية السائدة التي تحكم تحقيق هذا الهدف، لابد من اليوتيبيا، لكن إذا أخذنا ما يشابه هذا الأمر عند كل الشعوب، نجد أنها أهداف تتعلق بكينونيتها من الناحية الوطنية، فلو وجدنا مثلاً من لا يهمــه تحرير الجولان، و لا يحلم فيه و هو سوري الجنسية، هل نعتبر أن هويته ناقصة.؟ بالعرف القانوني: لا. أما الأخلاقي من المؤكد أنه: سيصنف بأنه سوري ناقص الوطنية.
قضية وطنية كهذه لا بد أن تفرض شعوراً جمعياً، له علاقة بالمكان( المكان هنا ليس الجغرافيا فقط بل المكــــان الاجتماعي أي البنيــة الاجتماعيــة القائمة بمكوناتها الطبيعية و البشــرية) و الزمــان( ليس الراهن فقط بل التاريخي المستقبلي أيضاً) بخصوصية الحالة و بالآخر العـــدو و الصديق، بالواقع و المتخيل، بالحالة التلقينية الإعلامية السائدة، الحقيقة والتلفيق، و قد يكون الحلم أحد أوجهه.
يلعب الوعي دوراً أساسياً في بلورة الهوية، لكن ما هي طبيعة هذا الوعي..؟ يقتصر المثال الذي استشهد به، عن العجوز التي عاشت التقلبات السياسية و تغيراتها، على وعي الذات في درجاته الدنيا و الوعي سويات أيضاً يساهم في تطويره الخبرات المكتسبة. فوعيها يتشكل من إدراكها الفطري لانتمائها هذا الإدراك الذي يعود للبيئة التي ولدت فيها و ثقافتها الشفوية المتمثلة بالأغاني الشعبية، و القصص و الحكايات و الطقوس التي تختزنها ذاكرتها و التقاليد المتبعة في مجتمعها، ستدرك مع من تجد نفسها و هكذا ستحدد هويتها، لو سألنا هذه العجوز من أنت..؟ ستقول أنا فلانة، ستذكر طائفتها في حال وجود آخرين من طائفة أخرى، ربما لن تدرك وطنيتها إلا وفق العائدية السياسية السائدة في تلك اللحظة، إلا أنه رغم وجود هذه المرجعية فثمة حالة فطرية للانتماء لا تستطيع توصيفها، فلو سألنا تلك العجوز عن العثمانيين و الفرنسيين، عن صالح العلي و اسماعيل بك الهواش، فماذا ستقول..؟ بالتأكيد لن تقول أنها تركية أو فرنسية.
و لو سألناها عن محمد الملحم ابن الطائفة التي اضطهدتها، و الذي شنق من قبل جمال باشا السفّاح و خلف قصيدة جميلة كانت من الموروث الشعبي للمنطقة بكل فئاتها، هي بالتأكيد ستتعاطف معه و ستشعر أنها قريبة منه مسقطةً من حسابها الحساسية الطائفية. هذا المثل بحالته البسيطة يظهر دور الآخر في بلورة الوعي و الهوية.
ثمة مقومات أخرى للهوية يوردها كالقانون الوضعي و الدستور، النظام السياسي و الدين و الطائفة. و الانتماء الطائفي سمة ستبرز برأيه حال انحسار السمة الوطنية، و هو برأيه أقوى من أي سمة أخرى، يبدو هذا صحيحاً في ظل أمثلة ضربها و واقع لا مهرب منه.
إن الانكفاء إلى الانتماء الأضيق يحدث في حال اليأس و التأزم بكافة أشكاله، إذ لابد حينها من أن يلجأ الفرد إلى وسط يجد نفسه فيه، أي حين تكون هناك أزمة في الإطار الوطني، من تداعياتها الاضطهاد و التفرقة، سينكفئ الفرد إلى طائفته، ثم مع زيادة التأزم إلى عشيرته، ثم عائلته، ثم إلى نفسه، ثم..
و هو ما عبر عنه برهــان غليون أيضاً في كتابـــه( المسألة الطائفية و مشكلة الأقليات ) في قوله ( الانسداد في النظام السياسي، يخلق انفجاراً في المجتمع المدني و يؤدي إلى عصبوية مقلقة ).
مؤدى هذا أن الهويـــة ليســـت كلاً خالصاً بل هي سـويات، و هي تعــددية و هي ( ثابت و متغير ) كما اعتبرها الجابري، أي أن لها سمات متعددة و خصائص و مقومات مختلفة في طبيعتها و تحولها، و هي مجموعة دوائر و لا تتحدد إلا بواسطة الآخر، لكن نواتها تحدد وقت ولادة الشخص من الناحية العرقية و الطائفية.
عامل آخر يعتبره من عناصر تكوين الهوية، هو الاضطهاد، حيث ساهم على حد رأيه في وعي الجماعات التي تعرضت له بهويتها، و منهم الأرمــن الذين تعرضـوا لمجازر دمـوية عام 1915، و التي أدت برأيه إلى تعصبهم لعرقهم.
لم و لا يتوقف وعي هذه الجماعات لهويتها على تعرضها للاضطهاد، فهي بالأساس قبل أن تتعرض للاضطهاد الذي يصل في ذروته إلى درجة التصفية تعي وجودها و سماتها و مصلحتها، إن تناقضها مع هويات أخرى هو ما يؤدي إلى الاضطهـاد الذي يخلف تأثيرات مختلفة من التطرف إلى الخوف و الانغلاق و العصبية تضيف إلى وعيها طابعاً آخراً ولهويتها سمة جديدة.
و الاضطهاد لم يتوقف إلى الآن، فتوقف المجازر لا يعني انتفاءه، صحيح أن الحروب الطائفية كانت أكثر الحروب في القرن التاسع عشر، و هي في أغلبها حرب مصالح و ليست حروباً دينية، و أنها في القرن العشرين تقلصت بدرجة كبيرة، ربما بتأثير المد الوطني، القومي الذي تنامى مع الظروف الدولية المستجدة. من تجليات هذا الاضطهاد، قمع الآخر في عاداتـــه وســلوكه، مثل تلك الفتاة ( الطالبة غير السنية، التي تطرد من درس التربية الإسلامية لأنها غير محجبة ) في الوقت الذي يهاجم به الأوربيون لمنعهم الحجاب في مدارسهم، رغم أن ذلك لا يتلائم و ثقافتهم.
نمط آخر من الاضطهاد يورده الكاتب و هو السخرية و التهكم بكل ما يحمله من استعلاء، و الذي تتعرض له ثقافة الأقلية في مجتمع الأكثرية، كالضحك و السخرية من اللهجة و العادات و السلوك.
لا نوافق الكاتب في نسب هذا التهكم لنزوع طائفي فقط، فالمصري القاهري، يضحك و يتهكم على لهجة الصعيدي مع أنه من نفس الطائفة و المذهب، و البيروتي يضحك من لهجة أهل الجبل كما يسخر الدمشقي من الحوراني، مع العلم أن هناك تشابهات في اللهجة تصل حد التطابق أحياناً تعبر الوطنية و الطائفية كتشابه لهجة جنوب الساحل السوري مع اللهجة اللبنانية، تلك التي يتكلمها الجنرال عون مثلاً.
هناك دافع آخر يتخطى الطائفية، هو صراع المدينة و الريف و هو أمر تطرق إليه في الإطار الطائفي، فقد أورد وصف رياض الترك الأحداث في السـبعينات والثمانينات من القرن الماضي بأنها( ثورة المدينة على الريف ) أي ثورة السنة على العلويين، فهذا أمر غير دقيق فالتناقض بين الريف و المدينة لم يكن يوماً ذا لبوس طائفي فقط، و هو تناقض موجود في الشرق كله، و قد تناول الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير في كتابه المنشـور ضمن سلســلة كتاب في جريدة و المعنون ( يوم في بغداد ) هذا الأمر، متأففاً من الحالة العشوائية غير الحضارية و الهمجية التي فرضها أبناء الريف على المدن العراقي خاصة بغداد، داعياً إلى إعادة تمدينها...كيف..؟ لا ندري، قد يكون بطرد أبناء الريف، مع العلم أن من قصدهم ليسوا أبناء طائفة واحدة، بل جلهم من السنة الذين استقدمهم صدام حسين، فالتناقض هنا ليس طائفياً في جله، بل اقتصادي طبقي، تناقض تاجر مع فلاح.
هذا ما رأيناه في حديث بعض أقطاب ( 14 آذار ) عن البيروتيين، و قد أدى هذا الحديث إلى ردود أفعال ما زالت ماثلة في الذهن، رغم أن المجتمع اللبناني يتعامل في هذا الأمر ( الطائفي و الإثني ) بصراحة و بشكل معلن، فالترويكا السياسية الطائفية معروفة و معلنة بخلاف سوريا حيث هذه الترويكا موجودة لكن بشكل مضمر، إلا أنه خلافاً لما رأى الكاتب هذه الصراحة لم تخفف من السمة الطائفية، فالمجتمع البناني مجتمع عصبوي في كل أوجهه، و هي عصبوية وصلت حد التحزب الطائفي.
لا تصل الأقلية في تعاملها مع خطاب الأكثرية إلى درجة التبني، هناك توافق بما يخص بعض القضايا التي تختلف بحسب ماهية الأقلية.
فالأقلية الدينية تختلف عن الإثنية في القضايا التي يمكن أن تتوافق مع الأكثرية فيها، فالدينية غالباً ما تتفق مع الأكثرية في الطروحات الوطنية، بل و تذهب بهذه الطروحات إلى حدها الأقصى و ذلك بغية تأكيد انتماءها الوطني، و هنا لا يمكن أن نقول كما أورد الكاتب أن الأقلية قد تبنت خطاب الأكثرية ، لأنه خطابها بالأساس.
فمن المعروف تاريخياً أن الأقليات لعبت دوراً كبيراً في نظرية القومية العربية، المسيحية منها خاصة، أما الأقليات الأخرى كالعلويين و الدروز و الإسماعليين فقد لعبوا أيضاً دوراً مهماً في تشكيل و تكوين الأحزاب التي تنهج نهجاً قومياً عربياً و وطنياً سورياً، كحزب البعث العربي الإشتراكي و القومي السوري..
هذا في الوقت الذي لم تكن فيه الأكثرية قد حسمت أمرها بعد- ربما إلى الآن - فيما يخص طبيعة الأمة، إسلامية أم عربية، و كان ميلها الغالب إلى الإسلامية، فلم يكن قد برد الحنين بعد إلى آخر سلطة ذات بعد ديني تتكنى بإمارة المؤمنين، هي السلطة العثمانية، حيث إلى وقت قريب كان اجتياحها للوطن العربي يوصف بالفتح في المناهج المدرسية العربية و منها السورية و هناك مناهج ما زالت توصفه كذلك. مساوية إياه بالفتوحات الإسلامية، التي قامت بدءاً من عهد الرسول ( ص ) لبلاد كانت توصم بالكفر. هل الفتح هنا يعني إعادة الصبغة السنية لأجزاء كثيرة من العالم العربي كان تحكمها مذاهب متشيعة..؟
أما فيما يخص القضايا الثقافية التراثية، فهي أيضاً تخص الجميع من أبناء القومية الواحدة، مع اختلاف الحكم القيمي المركز على الموروث الديني و الذي يرتبط بشخصيات تاريخية و دينية.
هناك صنفان من الأقليات الإثنية يختلفان في خطابهما و تقاطعه مع خطاب الأكثرية، فالإثنيات المهاجرة و التي ليس لها هدفاً جيوبولكتيكياً، أي ليس لها أرضـاً تدعي ملكيتها و لا ترمي للاستقلال، كالأرمن و الشركس و التركمان، هذه الأقليات غالباً ما تتبنى الخطاب الوطني السوري مع حفاظها على خصوصيتها، و هي تنأى عن الخطاب القومي الذي لا يلائم وضعها.
أما الأقليات الإثنية ذات النزوع الإنفصالي و التي لها هدفاً يخلق واقعاً جيويوبولكتيكياً جديداً يحقق مصالحها، فهي لا تلتقي مع الأكثرية لا من الناحية الوطنية إلا فيما قل و لا من الناحية القومية، يمكن أن يتقاطع خطابها مع خطاب الأكثرية في الناحية الدينية فقط، مع ما يفرضه ذلك من منظومة ثقافية تعود لنفس المرجعية. و هذا ينطبق على الأكراد الذين يطالبون بأغلبيتهم بدولة كردية، و القلة القليلة منهم اندمجوا بالوطنية الجديدة أو ربما لموازية لقوميتهم.
ورد في الكتاب فقرات ذات دلالات خطرة و مقلقة، منها ذلك الهامش و هو بأهمية المتن، الذي نقل فيه الكاتب ما رواه الشاعر نديم محمد عن مقابلات الشيخ محمد البوغا، ، مع جميل مردم بك، رئيس الحكومة السورية وقتها.
في هذه المقابلات كان البوغا يحض جميل مردم بك على التحرك فاللواء على وشك الضياع إلا أن جوابه كان مخيباً، فقد قال: سورية إسلام و تركيا إسلام..! أين الوطنية و القومية هنا، و ما الدافع لجوابه..؟ إنها الطائفية فقد التفت إلى أحد جلسائه بعد خروج البوغا ليقول، خلي هؤلاء العلويين يروحوا عنا ..
إنها حادثة ذات دلالات خطيرة، أن يصل رفض الآخر لحد التفريط بأجزاء من الوطن، أو لحد التمني أن يختفي من هذا الوطن و كأنه دخيل، و هو ما تضمنته النكتة التي أوردها ، عن الدمشقي و العلوي و الفلسطيني الذي خرج لهم المارد من مصباح علاء الدين ليحقق أمانيهم فتمنى العلوي وطناً قومياً للعلويين في أستراليا – تأملوا ذلك – مع دلالات هذا الطرح الخطيرة، وطنياًُ قومياً، أي كالطرح اليهودي الصهيوني، أي أنهم شعب بلا قومية قوميتهم هي دينهم و لا وطن، و تمنى الفلسطيني العودة لفلسطين و هو ما حققه المارد، و عندما جاء دور الدمشقي سأل: يعني لم يعد هناك علويين و لا فلســطينيين..؟ أجابه المارد: لا. فرد: لا أريد شيئاً يكفي هذا. تعتبر النكتة نوعاً من الأدب الشعبي و هي تعبر بشكل كبير عن المكبوت و من هنا تنبع دلالاتها و أهميتها.
مع كل هذا ثمة أمر كنت أتمنى أن يتطرق إليه الكاتب و هو لا يقل خطراُ و أهمية عن الطائفية بكل أبعادها، و هو الطائفية المعكوسة.
و هي نزعة موجودة فعلاً ينساق معها أبناء الأقليات الطائفية خاصة ليثبتوا أنهم غير طائفيين، و في سبيل ذلك يمارسون اضطهاد مقيت بحق أبناء طائفتهم لا يمارسه المتعصبون من الأكثرية، يدفعهم لذلك مصلحة أو هدف معين، و يصل الأمر إلى حد محاولـة من يفعل لذلك التنصل من انتمائــه و السخرية من أبناء طائفته و من أفرادها و عاداتها و المبالغـة في ذلك بما يفوق ما يفعله الآخـرون، مع الإيحــاء الدائم أنه هو غيرهم و متميز عنهم، أما إذا كان في موقع مســـؤولية، فغالباً ما يقصيهم أو يرفضهم و يقلل من شأنهم و كأن ثمة ثار له معهم.
لا تحد الطائفية المعكوسة من الحساســية الطائفية بل تزيدها و الذي يمارس هذا الأمر غالباً ما يعير و كأنه ينتسب إلى الطائفة الأخرى، فتسبغ عليه سلبياتها، كما لا يمكن لتلك الطوائف خاصة التي يحابيها أن تخرجه من سياق طائفته، بل تستمر في معاملته كابن قبيلة مهما فعل.
كتاب ممض لكنـه مهم، إنه تعريـة، للواقع و لشــخصيات تاريخية تم تجميلها لأغراض مختلفـة، ربما يشكل فاتحة الحديث بصراحة عن واقع لا سبيل لإنكاره يجب التعامل وفقه مع الآخر بقبول و احترام على نهج أن لا أحد يمتلك الحقيقة و ليـس على مبدأ ( غصباً عنا ).
لقد أغلقت هذا الكتاب مرات متأثراً، ممتعضاً و مستغرباًَ. لأعــود إليه فالمعرفة و الحقيقة فوق كل شيء و لو كانت مرة، وقد أعدت قراءته أكثر من مرة.
بقي أن أقول أني لست مع تحطيم المرآة. و لا مع التسديد على من يقف أمامها، على أن تكون بأبعاد حقيقية و غير مشوهة و ألا تحجبني عن الآخر و تقصر رؤيتي على ذاتي.

مفيد عيسى أحمد







#مفيد_عيسى_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوزف سماحة ..الموت و استحقاقات الحياة
- خوف
- سعد.. زعيم المقاومة ( الحريرية ) بالسموكن و ال / 5 / نجوم
- ماذا يريدون من الحرب
- التعقل إلى حد الطائفية
- إعلان ( بيروت – دمشق ) عنوان باتجاهين و خطاب باتجاه واحد
- أحلام الرجال تضيق
- بالتأكيد ما رح تظبط
- الوردة ..وجه ريم
- أبو ليلى
- لبنان ترويكا السياسة ..ترويكا الموت
- تلفزيون المستقبل .الحقيقة.و إعلام لا تقربوا الصلاة
- عبد الحليم خدام ...من العار أن تعضوا أيها الرفاق
- الوطنية و المواطنة
- كل هذا وليد جنبلاط
- كل هذا .....وليد جنبلاط
- سياسة الضحك
- مطار عكرمة الجديدة
- يلزمنا كوادر للإصلاح ....شرفاء و خبراء ....فمن يبيع؟
- ماركيز وميليس رداً على عباس بيضون


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مفيد عيسى أحمد - هويتي ..مكاشفة الذات و الآخر..لا تحطموا المرآة و لا تطلقوا على من يقف أمامها