أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اللجنة الاعلامية للقدس عاصمة الثقافة العربية بالجزائر - في ذكراك سيد الشعراء { الشعب المقدسي }















المزيد.....



في ذكراك سيد الشعراء { الشعب المقدسي }


اللجنة الاعلامية للقدس عاصمة الثقافة العربية بالجزائر

الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 07:40
المحور: الادب والفن
    


محمود درويش
"كِتابُ حنين الأب"
علي شكشك

شيءٌ ما كان يتشكل في تلك الرحلة, في ذلك المشهد الذي تفر منه الذاكرة, لكنه يلاحق الذاكرة, دون هوادة, كأنّه يجرح عمقنا الخبيء, كما لا نريد أن نُشفَى منه, كأنه نحن, كأنَّه كلُّ الحكاية, ولا نبوح به, كأنَّه سرُّ الرواية, محاولةٌ للغياب, وزادُ المعاد, قوسُ دائرةٍ يبحث أوَّلُها عن أوّلِها ليكملَ ذاتَ الحضور شكلُ الغياب,
هكذا كان الخروج, الخروج الغريب الأوَّل, الأوَّل الأوَّل, بكل تفاصيل الغموض وألوان شتات الانفعال, فالطرق تضيق في الوراء, وتتسعُ معها باحةُ الدار, "وبئرٌ وصفصافةٌ وحصان, وعبّادُ شمسٍ يحدِّقُ فيما وراء المكان",
"وأبي خجولٌ, يا أبي ماذا يقولُ ولا تقول
حدّثتُه عنه فأومأ للشتاء, ودسَّ شيئاً في الرماد
لا تعطِني حُبّاً, همستُ, أريدُ أنْ أهَبَ البلادَ
غزالةً, فاشرحْ بدايتَك البعيدةَ كي أراكَ كما أراك
أباً يُعلمني كتابَ الأرض من ألفٍ إلى ياءٍ .. ويزرعُني هناك
لغزٌ هو الميلاد ينبتُ مثل بلوطٍ يشقُّ الصخرَ في
عتبات هذا المشهد العاري ويصعدُ ثمَّ يَكسره السواد
نخبو ونصبو تنهضُ الأفراس تركضُ في المدى, نكبو ونخبو
فمتى ولدنا يا أبي ومتى نموت, فلا يجيبُ, هو الخجول
والوقت ملك يديه يرسله إلى الوادي ويرجعه إليه
وهو الحديقة في مهابتها البسيطة, لا يحدّثني عن التاريخ في
أيامه: كنا هنا قبل الزمان وهاهنا نبقى فتخضرّ الحقول",


هو الاحتضان الخجول البعيد المفعم بالقرب والقلب, الصامت الناضح بالكلام, بلا كلام ... طوال الطريق, عام ثمانية وأربعين, من البروة إلى لامكانٍ في القصيدة ...

" أنت الذي خبّأت قلبك يا أبي عنّي فآوتني حياتي
في ما أرى من كائناتٍ لا تُكوِّنُ كائناتي
والآن تسحبني أبوتك القصيّةُ مِن يديَّ ومِن شتاتي"



وهو سقف الحياة وسقف المساء وهذي السماء, وهو ما سأصيرُ إليه ليرضى, ويعرف أني فهمت الذي لم يقله, الذي قاله في الطريقِ إليه,
وهو كلُّ المعاني, وأجوبةُ المسألة, مسلة كل البلاد وحامي نزيف العيون وبردٌ على كل نارِ, وهو شوق الوصول وعزة بوح الأماني, وضعف القصور, وهو الوصي على السنابل والحصان, وعلى الطيور,

"أنا قادمٌ حيّاً وميتا, يا أبي تَوَّاً, .. أتغفرُ لي جنوني
بطيورِ أسئلتي عن المعنى؟ أتغفر لي حنيني
هذا الشتاء إلى انتحارٍ باذخٍ؟ شاهدت قلبي يا أبي
وأضعتُ قلبك يا أبي, خبّأته عني طويلاً, فالتجأتُ إلى القمر
قل لي أحبك, قبلَ أن تغفو .. فينهمر المطر"


وهو "أبد الصُّبّار" يطوي على شوقِه شوقَه, ولا نتحَ فيه, ويعصرُ ما فيه من ماء فيه, ويُنبتُه شوكةً شوكةً يتجدّدْ,
ودمعُ الضلوع يَهيجُ قصيداً ويُكمِلُ دورتَه في النشيد, فلا يتبدّدْ,
ولْيتسرَّبْ ما زاد عن قدرة الروح دمعاً, في دمع أمّي, رغم أنّي "أعشقُ عمري, لأنّي إذا مِتُّ أخجلُ من دمع أمّي",

"- إلى أين تأخذني يا أبي؟
- إلى جهة الريح يا ولدي
... وهما يخرجان من السهل, حيث
أقام جنود نابليون تلاً لرصد
الظلال على سور عكّا القديم
يقول أبٌ لابنه: لا تخف. لا
تخف من أزيز الرصاص, التصق
بالتراب لتنجو
....
- ومَن يسكنُ البيتَ مِن بعدنا يا أبي؟
- سيبقى على حاله مثلما كان يا ولدي"


إنها تلك الرحلة الأولى الغريبة, الغريبة الغريبة, تعبَتْ رأسُ الفتى الناظرة إلى ألأعلى, إلى وجه أبيه, وتعبَتْ روحُ أبيه من طفولة محرجةٍ في الأسئلة:

"- لماذا تركتَ الحصان وحيدا؟
- لكي يؤنِسَ البيتَ يا ولدي
فالبيوتُ تموتُ إذا غاب سكانُها"


صاعدين إلى الشمال, " سننجو ونعلو على جبلٍ في الشمال, ونرجعُ حين يعودُ الجنودُ إلى أهلهم في البعيد"
لم تكن رحلةً في الجغرافيا فقط, من حيفا أمام المشهد الحربي, ولم تكن البداهة تحتملُ مفارقات الرحيل, لكنها كانت تترجمها طفولةً, هي كل القضية, وتشربها خطوةً خطوةً, لتصبح كل الطريق, أبٌ يتكتم أحزانه ويهذي كلاماً كلاما:

"السنابل مثقلةٌ, والمناجلُ مهملةٌ,
والبلاد تبتعدُ الآن عن بيتها النبويّ,
يحدّثني صيفُ لبنان عن عنبي في الجنوب
يحدّثني صيفُ لبنان عما وراء الطبيعة
لكنَّ دربي إلى الله يبدأُ من نجمةٍ في الجنوب
- هل تكلمني يا أبي؟
- عقدوا هدنةً في جزيرةِ رودس يا ابني
- وما شأننا نحن, ما شأننا يا أبي؟"

كانت يده المشدودة إلى يد أبيه, حبلاً سريّاً يرشح بالمجهول والسؤال ويسأل الأمان للدار والحصان, وتقطرُ فيه جرحَ الروح, وتماسُّه برعشِ روح الروح,

"- هل سنبقى, إذن, هاهنا يا أبي
تحت صفصافة الريحِ
بين السماوات والبحر؟
- يا ولدي كلُّ شيءٍ هنا
سوف يشبه شيئاً هناك
سنشبه أنفسَنا في الليالي
ستحرقُنا نجمةُ الشبه السرمديّةِ يا ولدي
- يا أبي خفّف القولَ عنّي
- تركتُ النوافذَ مفتوحةً لهديل الحمامْ
تركتُ على حافّةِ البئرِ وجهي
تركتُ الكلامْ
على حَبلِه فوق حبلِ الخزانةِ
يحكي, تركتُ الظلامْ
على ليلِه يتدثَّرُ صوفَ انتظاري
تركتُ الغمامْ
على شجرِ التين ينشرُ سروالَه
وتركتُ المنامْ
يُجدِّدُ في ذاتِه ذاتَه
وتركتُ السلامْ
وحيداً هناك على الأرض ...
- هل كنتَ تحلمُ في يقظتي يا أبي؟
- قم. سنرجعُ يا ولدي"


شيءٌ ما كان يلد في تلك الرحلة, الذهاب والإياب, ذلك المشهد الذي حملته الذاكرة, ممزوجاً بهيبة الأب وذلك العميق في خبءِ الروح الذي لا يقبلُ القسمة, لأنه جوهرُ الأنا, ولا يقبلُ المساس, لأنه كلُّ الأنا, كلُّ الكرامة ... فكيف حين يكون الأمر متعلقاً بالأب ...

"- هل تعبتَ من المشيِ
يا ولدي, هل تعبت؟
- نعم يا أبي
طالَ ليلُك في الدرب,
والقلب سال على أرضِ ليلكَ
- ما زلتَ في خِفّةِ القطِّ
فاصعدْ إلى كتفَيَّ,
سنقطعُ عمّا قليلْ
غابة البطمِ والسنديان الأخيرة
هذا شمالُ الجليلْ
ولبنانُ من خلفنا
والسماءُ لنا كلُّها من دمشقَ
إلى سورِ عكّا الجميلْ"

هو خيطُ الطريق إلى البيت, الطريقِ الطويل, الطويل الطويل, "وهل تعرفُ الدربَ يا ولدي؟", هو الدرب كلُّ المنافي وكلُّ السفر, وكلَّ القصائد, كلَّ الحياة, وفَلَكُ الأسئلة, من حبّةِ القمح إلى درب الجلجلة ... درب آلام الأب, والذي ظلَّ يقطعه بإصرار, وظلَّ هاجسَه المسكوتَ عنه, لأنه وقود القصيدة, ولو تنفس خارج إيقاعها لما كانت, يكبرُ ويكبرُ معه, يكتبُ ويكتبه معه يصحو ينامُ معه, ويُطوِّرُ أدواتِ نصِّه معه, ويسكنُ في المجازِ معه, ويذهبُ في الـ ماوراءِ إليه, الطريقُ إلى البيت أصبحَ كلَّ الطريق, قطعه مرتين, وفي المرتين لم يصلْ, وفي المرتين وصل, درب آلامِ الأب التي لم يَبُحْ بها أبداً, لأنّ مهابة الأب أكرمُ مِن أنْ يُفصحَ عنها, ولكنها ربما كانت حاديةً, ومُكَوَّرَةً من أوّلِ قوسِ الدائرة إلى أوَّلِ قوس الدائرة:
" وهل تعرفُ البيت يا ولدي؟
مثلما أعرفُ الدربَ أعرفُه"

وسأسيرُ إليه, بكلِّ إيقاعِ قصيدتي, "ياسمينٌ يُطوق بوابةً من حديد, وعبّادُ شمس يُحدِّقُ في ما وراء المكان" ... "وفي باحة البيت بئرٌ وصفصافةٌ وحصان .. وخلفَ السياج غدٌ يتصفّحُ أوراقنا ... ", ولا أريدُ لهذي القصيدةِ أن تنتهي ... يا أبي ...

"- يا أبي هلْ تعبتَ
أرى عَرَقاً في عيونك؟
- يا ابني تعبتُ .. أتحملُني؟
- مثلما كنتَ تحملُني يا أبي,
وسأحملُ هذا الحنين
إلى
أوَّلي وإلى أوَّلِه
وسأقطعُ هذا الطريقَ إلى
آخري .. وإلى آخِرِه"


[email protected]









ورد الذاكرة وعسل النبوءات


بقلم : يحيي رباح

عرفت محمود درويش أول مرة من خلال كتابات غسان كنفاني في لبنان، ورجاء النقاش في مصر، التي نشروها في الصحف المختلفة وأصدروها في كتب، عن أولئك الشعراء الشبان وقتها، توفيق زياد، وسالم جبران، وسميح القاسم ومحمود درويش، وغيرهم، الذين قاموا كل على طريقته بإحياء الشعر العربي، وتقديم تجربة غير مسبوقة له، لان أولئك الشعراء المبدعين، والكتاب اللامعين أمثال إميل حبيبي، لم يكونوا يمارسون إبداعهم في المحافل والصالونات والمهرجانات الشعرية في القاهرة او دمشق او مربد بغداد !!! بل هناك، في وطنهم الذي ظلوا فيه، ويحملون رغما عنهم هوية عدوهم المحتل، الهوية الإسرائيلية !!! ينكرهم عدوهم القومي لان يراهم صوت الذاكرة، كما يراهم لسان حال قومية مهزومة لا مكان لها !!! وينكرهم شقيقهم العربي الذي صنفهم ضمن مقولات خشبية تافهة، وحبسهم في علب الكلام الرخيص !!!
ولذلك نتذكر اليوم بإعجاز هذا الجهد الخارق والطليعي الذي بذله غسان كنفاني ورجاء النقاش، ومعهم الصحافة التي ساندتهم، ودور النشر التي نشرت كتبهم، لان ذلك الجهد كان بمثابة تبشير بهؤلاء الأنبياء الجدد الطالعين من وراء اسيجة الشوك والمحذور.
ولكن هذه المعرفة عن بعد بمحمود درويش سرعان ما تحولت الى تعايش شبه يومي، حين خرج محمود درويش الى القاهرة في عام 1971، وكنت ضمن خلية صوت العاصفة وهي إذاعة فتح في القاهرة، واحتفينا به والتقينا معه، ثم ذهب الى بيروت وكنت قد غادرت مهمتي للإذاعة الى العمل بقواتنا العسكرية قوات العاصفة، ولكنني بقيت على صلة يومية بالكتابة والكتاب، من خلال مجلة فلسطين الثورة الأسبوعية والعديد من الجرائد والمجلات والدوريات اللبنانية، وكان محمود درويش قد ترأس مجلة شؤون فلسطينية، وهي المجلة الأشهر والأكفأ في تاريخ المجلات السياسية والفكرية والثقافية والأدبية العربية !!! وذات يوم في عام 1976 سلمته بيده نصا مكتوبا بخط اليد الفوضوي بعنوان ( يوميات مقاتل فلسطيني في الجبل) الذي نشره محمود في مجلة شؤون فلسطينية باهتمام كبير وأشاد به بافتتاحية العدد، الأمر الذي كان من شأنه أن ينشر ذلك النص في عشرات من الصحف اليومية والأسبوعية والدوريات العربية.
ولكن محمود درويش أصبح حاضرا بقوة في الحياة الفلسطينية، فقد أصبح رئيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين الذي كنت عضوا في أمانته العامة، ثم أصبح عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكنه تجاوز كل ذلك، ليشكل حالة حضور قائمة بذاتها، شاهد شجاع، يقلق نبوءاته ومراثيه الكبرى ينبثق في حالات انبثاق القصوى في تجربته الشعرية، حزين مثل أول الينابيع، قلق مثل البرق المخبوء في قلب الغيوم الممطرة، اعتدنا عليه هو الأخر مثلما اعتدنا على ياسر عرفات، كلاهما كان ضرورة قصوى للحالة الفلسطينية، ياسر عرفات كان مطالبا دائما بإيجاد المخرج حين يحدث الاستعصاء الخانق !!! ومحمود درويش مطالب بان يجعلنا نعيد اكتشاف مأساتنا كلما اعتقدنا بنوع من الوهم الجماعي انها أصبحت نمطية، فيأتي محمود درويش في مديح الظل العالي واحمد الزعتر والجدارية ولماذا تركت الحصان وحيدا، وحيدا....الخ، ليأخذنا الى سماء اعلي ننظر من خلالها الى حكاياتنا الفلسطينية لكي نتأكد مرة أخرى انها ما زالت في طور المأساة.
في العام 2002 جاء محمود درويش الى صنعاء مع وفد أدبي وثقافي كبير، تحت عنوان مؤتمر الشعراء اليمنيين والألمان والفلسطينيين، كان معه جونر جراس الشاعر الألماني الأشهر الحاصل على جائزة نوبل، وكان معه الشاعر السوري الأشهر ادونيس.
احتفيت به كثيرا حيث كنت سفيرا لفلسطين باليمن، وأدهشني محمود درويش كما لو أنني اعرفه للمرة الأولى، ليس فقط كشاعر من طبقة شعراء الملاحم الكبرى، أمثال هوميروس، ولكنه أدهشني كفارس نادر في هذه الأمة المكلومة، شجاع مثل فرسان الزمن النبيل، ونافذ في رؤيته الى ابعد من المدى المنظور وخارج عن السياق مثل قطعة من الماس المشعة بانكسارات الضوء تكاد تتفتت ولكنها تقطع اشد الأجسام صلابة.
وكانت آخر مرة رأيت فيها محمود درويش في مكتبه في مركز خليل السكاكيني في مدينة رام الله في مطلع العام 2004 ، وكان محمود درويش قد تجاوز الانشغال باللحظة الراهنة المخنوقة وأصبح مهموما بما يراه قادما في الأفق البعيد !!!
رثانا قبل موته، ومنح أرواحنا جرعة من إكسير الغيب لنحتمل قوة المفاجآت!
يا له من رجل لايضاهى، حمل شهرته فوق كتفيه وذاق أوجاعها بكل شغف، واعتنق فلسطينيته كدين نزل عليه وحده ليزرعه في حدائق اليقين، فليس هناك أنبل ولا أجمل ولا اصدق من فلسطينية محمود درويش، ذلك ان محمود درويش كانت لديه هذه القدرة، الموهبة، الرسالة، بان يلملم شتاته ويصوغ أحلامنا وانكساراتنا، ونثار دمنا وجراحنا التي ننسبها لنافسنا مع أن صانعها العدو وان يرش على ذبولنا الموجع قطرات من ندى الصباحات المستحيلة وان يهدي كل واحد منا في لحظة الحطام القسوى باقة من ورد الذاكرة، وجرعة من عسل النبؤات بأننا لن ننسى وأننا قادمون.
زايها الحبيب محمود درويش، ما زلنا ننتظرك، ونتوقع قصيدتك الجديدة، وماذا ستقول عنا وتقول لناو نحن نحتشد الان في اضطراب وانقسام وآمل ورجاء، وإحباط وخيبة، نحاول اجتياز الحاجز الأخير.





درويش..انك نصف العرب وأكثر

بقلم:عبد الله الغذامي
ناقد سعودي
في مثل هذه الأيام من العام المنصرم رحل شاعر ومناضل ورمز قلما تنجب الأرحام مثله, رحل محمود درويش..تمر علينا الذكرى السنوية الأولى لرحيل شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها والألم لا يزال يعتصر قلوبنا على من ترك الشعر وحيدا يتيما..من الصعب أن نكتب في هذا الإنسان, الرمز, العاشق, المناضل, المتألم..فكيف تكون الكتابة في غياب صاحبها, فهو رمز من رموز النضال الفلسطيني, وعلم من أعلام الثقافة والأدب العربي, وصوت شاعر صادق وأمين, خاطب ضمائر العالم الحية بقلب مثقل بأحزان فلسطين وشعبها, وأوصل دمعة القدس الجريح الى كل فضاء ومنبر حر في كافة بقاع الأرض.
رحل محمود وقلبه مليء بهموم القضية, فهو اللاجئ من"البروة" الى "الجديدة", انه اللاجئ في وطنه وما أصعبه من لجوء..رحل محمود بعد أن أصبح كغيره من الملايين من أبناء شعبه, أصبح لاجئا في بلاد العرب والغرب..توقف قلبه عن الخفقان, فلم يعد بمقدوره تحمل عبء القضية, انه قلب لا يرحم, فبتوقفه هذا رحل جزء هام ورئيس من أجزاء القضية..هذا ما لم يرده محمود وان كان يتوقع حدوثه كل لحظة..أحمل في صدري"قنبلة موقوتة" كما كان يقول, وهذا ما لم نرده نحن والقدس, كيف لا وقد كان ابنها المدلل, ابنها الذي حمل أسمها وهمومها أينما رحل وحل, ولم يكن متعبا بها, فدفن بالقرب منها وعلى تلة تطل عليها, ومنها يصبو إليها محمود ويداعبها وتداعبه
شوكة في حلق العدو ورمد في عيونه كنت..اعتقلك وعذبك ولكن الصمود عنوان نضالك كان ولم يجد اليأس الى نفسك سبيلا..غادرت الى موسكو ومن هناك الى القاهرة وبيروت وتونس لتأخذ مكانك الطبيعي..مكانك الثوري النضالي, وكتبت ثم كتبت وتوجت الكتابة بالحنين الى خبز أمك وقهوة أمك..قمت برثاء الكثيرين حتى نفسك ولكنك لم تتمكن من رثاء أمك يا محمود.."حورية", فكانت من بين من ودعوك, كهلة تجاوزت التسعة عقود, وما هي الا أشهر قلائل حتى رحلت هي أيضا, رحلت والمرارة تعتصرها, فرحيلك أدمى قلبها كما أدمى قلوب الملايين.
إنه محمود درويش، ولا أحد اليوم غير محمود درويش, لأنه وحده وطن كامل وضمير أمة بأسرها..انه أسطورة هددت أشعاره الكيان الصهيوني.."أيها المارون بين الكلمات العابرة"..كلمات هزت برلمان هذا الكيان, وأصبحت شغله الشاغل لأنه فعلا كيان عابر ومصطنع كتاريخه..أيها الدرويش, حتى من كلماتك اهتزت الأرض من تحت أقدامهم ولا تزال تهتز, فها هو أحمد الطيبي يخاطبهم وصارخا في وجوههم ومن على منصة برلمانهم بعد أن حاولوا تمرير اقتراح عنصري يهدف الى شطب الأسماء العربية للمدن والقرى الفلسطينية وكذلك من على جميع اللافتات واستبدالها بأسماء عبرية:احملوا أسماءكم وانصرفوا..واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا..وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة..وخذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا..انكم لن تعرفوا, كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء؟..أيها المارون بين الكلمات العبرة..ولهذا لك أن تنام قرير العين يادرويش, فروحك اعلنت الثورة على الطغيان ورفاقك لم ولن ينسوا ماقدمت، كانت كلماتك حجرا فجر ثورة آلمتهم في حياتك و غدا سلاحا فتاكا أدخله رفاقك الى بيتهم في مماتك, فكأنك معنا يا محمود.
لقد سقط الحصان عن القصيدة لكي يرحل إلى البيت عبر السفح كما شاء: إما الصعود وإما الصعود..والآن يا أخانا بعد أن لم تعد بشرا مثلنا، لأنك مت شاعرا أسطوريا لتعيش مع من هم مثلك, مع الأساطير.. لقد دخلت التاريخ، وصرت اليوم ما أردت, فقد صرت فكرة وكرمة وطائرا فينيقيا وشاعرا جسده تحت الثرى، واسمه فوق الثريا..لقد صرت تماما كل ما تريد, لقد صرت فكرة," سأصبح يوماً فكرة..لا سيف يحملها إلى الأرض اليباب ولا كتاب..كأنها مطر على جبل تصدع من تفتح عشبه..لا القوة انتصرت..ولا العدل الشريد..سأصير يوماً ما أريد..أنا من تقول له الحروف الغامضات, اكتب تكن, واقرأ تجد".
لقد كانت قصائد درويش وستبقى وطناً وهوية، لذا أحبه الشعر ومنحه أسرار خلوده، لكنه ظل يبحث عن الموت في جداريته"الوصية" بلا موت، ويهزم الموت باستعلاء قائلاً:"هزمتك يا موت الفنون جميعها..هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين..مسلة المصري، مقبرة الفراعنة..النقوش على حجارة معبد هزمتك انتصرت, وأفلت من كمائن الخلود..فاصنع بنا, واصنع بنفسك ما تريد".
لقد انتظرت الموت يا محمود "بذوق الأمير الرفيع البديع", وأبنت نفسك بأفضل مما قد يفعل أي منا، فكانت وصيتك في جداريتك: "أقول صبّوني بحرف النون ، حيث تعبّ روحي..سورة الرحمن في القرآن..وامشوا صامتين معي على خطوات أجدادي, ووقع الناي في أزلي, ولا تضعوا على قبري البنفسج، فهو زهر المحبطين يذكّر الموتى بموت الحبّ قبل أوانه..وضعوا على التابوت سبع سنابل خضراء إن وجدت، وبعض شقائق النعمان إن وجدت، وإلا، فاتركوا ورد الكنائس للكنائس والعرائس".
لم يمت محمود درويش..ولن يرحل من نفوسنا..فكل قصيدة هي رمز من رموز الحياة..وكل لحن غنى لفلسطين وللأمة من أشعاره..باق وخالد في أرواحنا أبد الدهر..وعزاؤنا في محمود درويش هذا الإرث الذي تركه فينا..فنم قرير العين وأنت تحتضن القدس في قلبك..وستخلد الأجيال تلو الأجيال ذكراك العطرة..بقصائدك وأشعارك وكتاباتك..فكم من العظماء أمثالك عاشوا الآف السنين بآثارهم الخالدة.
فعلا إنه محمود درويش، ولا أحد اليوم غيره, لأنه وحده وطن كامل وضمير أمة بأسرها..لأنه هو من حمل ضحكة فلسطين وأحزان فلسطين في حروف أبياته حتى آخر يوم في حياته، ومحمود درويش ليس شاعراً فريداً، بل أسطورة زمن غابت فيه الأساطير..!.
وكل من يمر بين كلمات درويش غير العابرة لا يجد في رصيده من شعر الغزل إلا ديوانا واحدا لم يقل فيه كلاما رومانسيا كحال كل الشعراء بل اعترف فيه لسيدات فلسطين بدروهن في الثورة ومنح لكل واحدة منهن وسام اعتراف وحب، وخشي أن يتزوج منهن واحدة فتغضب منه الأخرى لأن الوطن لجميعهن وهو وطن كامل..بل أكبر بكثيرمن نصف العرب.
صحيح أن الموت غيب الشاعر الكبير محمود درويش بعد عملية القلب المفتوح..لكن الأكيد هو أنه مازال حيا يرزق لأنه ولد بقلب مفتوح على قضيته الكونية الكبيرة بل أضاف لرصيد القلوب العربية نوعا آخر من إحساس الكينونة..قالوا إنه مات جسدا لكني أراه حيا خالدا فالعظماء لا يموتون..سيبقى خالدا في دم فلسطين وأحلام الشهداء وعرق الرجال وفي صهيل الخيول العربية.
تحدى درويش الصهيونية"جولدا مئير" التي أعلنت موت الهوية الفلسطينية بعيد نكسة حزيران فكتب "سجل أنا عربي" ليقول إن الوجدان الفلسطيني حي رغم أنف الصهاينة..هو الذي تحدى السجون وعارض اتفاق أسلو والتطبيع واستمر لوحده في المقاومة نيابة عن الضمير العربي والقضية الفلسطينية فخلدته الذاكرة الموسيقية العربية, بل كل العرب والعروبة, فهل من شاعر بعد درويش يحمل القضية وهمها, أم أن الواقع اليوم لم يعد "يسجل أننا عرب"؟.
ونقرأ في تحديه للسجون والزنازين والسجانين"وضعوا على فمه السلاسل..ربطوا يديه بصخرة الموتى، و قالوا:أنت قاتل..أخذوا طعامه والملابس والبيارق ورموه في زنزانة الموتى، وقالوا:أنت سارق..طردوه من كل المرافئ..أخذوا حبيبته الصغيرة، ثم قالوا:أنت لاجيء..يا دامي العينين والكفين, إن الليل زائل..لا غرفة التوقيف باقية, ولا زرد السلاسل..نيرون مات، ولم تمت روما بعينيها تقاتل..وحبوب سنبلة تجف, ستملأ الوادي سنابل..!يقول شكسبير"ان الحياة التي تستحق أن تعاش, هي تلك التي نعيشها من أجل الاخرين"..والحياة يا محمود لا توهب لتعرف أو تعرض للنقاش، بل لتعاش..وتعاش بكاملها، وتلتهم كقطعة حلوى إلهية، أو شفتين ناضجتي الكرز, وقد عشتها كما شئت أنت، لا كما هي شاءت, أحببتها فأحبتك, وشاكست ما يجعلها أحد أسماء الموت، في عصر القتل المعولم الذي يمنح القتلى قسطاً من الحياة لا لشيء..الا لينجبوا قتلى. لقد عشت من أجل الأرض, أرض فلسطين الطاهرة ورحلت عاشقا لها ومدافعا عنها, فلا عجب أن نفرأ لك عن الأرض وفي يومها"أنا الأرض, يا أيّها الذاهبون إلى حبة القمح في مهدها, أحرثوا جسدي..أيّها الذاهبون إلى جبل النار, مرّوا على جسدي..أيّها الذاهبون إلى صخحرة القدس, مرّوا على جسدي..أيّها العابرون على جسدي, لن تمرّوا..أنا الأرض في جسد, لن تمرّوا..أنا الأرض في صحوها, لن تمرّوا..أنا الأرض, يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها, لن تمرّوا, لن تمرّوا, لن تمرّوا. في"طللية البروة"وهي من قصائد محمود درويش الأخيرة، يقف الشاعر على أطلال قريته..في عام النكبة كان محمود في السادسة من عمره, لجأ مع والديه إلى جنوب لبنان ولمدة وجيزة، إذ قرر الوالد العودة إلى فلسطين, فعاد الجميع إلى"البروة" ليجدوا ان الإقامة فيها مستحيلة فلجأوا الى"الجديدة"واقاموا فيها, ومع الوقت تحولت البروة إلى قفر يخلو من الحياة.."يا صاحبيّ قفا.. يقول محمود في قصيدة البروة، تماما كما قال امرؤ القيس من قبل, يقف على أطلال ما كان يُسمّى بالبروة، ويصف ما يشاهده ويروي ذكريات طفولته فيها:"هنا وقعت سماءٌ ما على حجرٍ وأدمته لتبزغ في الربيع شقائقُ النعمان..هناك كسر الغزال زجاج نافذتي لأتبعه الى الوادي..هنا حملت فراشات الصباح الساحرات طريق مدرستي..هنا هيّأتُ للطيران نحو كواكبي فرساً".
انه يتحدث حديثا رومانسياً عذبا عن ذكريات أيامه في الطفولة، بل عن حكايته الأولى:"حليبي ساخن في ثدي أمّي، والسرير تهزّه عصفورتان صغيرتان، ووالدي يبني غدي بيديه".. وعندما يقول له سائح افتراضي يرافقه في البروة، وقد شاهده منفعلا: انتظر اليمامة ريثما تُنهي الهديل، يجيبه الشاعر:"تعرفني وأعرفها"، أي انه عرفها عندما كان في البروة, فإذا سأله هذا السائح عما اذا كان يرى خلف الصنوبرة مصنع الألبان الذي أقامه اليهود، يجيب الشاعر:"كلاّ, لا أرى إلا الغزالة في الشباك".. يقول: والطرق الحديثة هل تراها فوق انقاض البيوت؟ أقول: كلاّ, لا أراها, لا أرى الا الحديقة تحتها، وأرى خيوط العنكبوت"..انه يصر على رؤيته السابقة للبروة، ويرفض مصنع الألبان، الطرق الحديثة، إذ لا يرى في ذاكرته وأعماق نفسه سوى الحديقة التي بُنيت الطرق فوقها، كما يرى خيوط العنكبوت التي كانت من أشياء الحديقة.
لم يشاهد محمود درويش وهو يقف على البروة سوى شبحها، وأشباح ما كان ومن كان فيها، انه أسير ماضيه فيها، وأسير ذكرياته..يرفض مصنع ألبان اليهود ويرفض طرقهم الحديثة ويتشبث بما كان، ولا يريد ان يتعزى لأن بروته قد بادت إلى الأبد, فحصانه لا يزال يحرسها.
على أن كل ذلك لا يفوت محمود درويش، فإذا كان قد انهي طللية البروة، بوقفة تراجيدية تعيد الحياة الى الشعر الملحمي"أقول أرى الغياب بكامل الأدوات..ألمسه وأسمعه، ويرفعني إلى الأعلى..أرى أقصى السماوات القصية..كلما متُّ انتبهتُ، وُلدت ثانيةً وعدتُ من الغياب إلى الغياب"..فإنه يعود إلى أطلال القضية كلها عندما يتحدث عن جرحه وجرح فلسطين ولا يجد قاضياً حيادياً يفصل فيها ويجري تنفيذ الحكم. يرد ذلك في"طللية" أخرى في ديوانه الأخير"لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي"..عنوان هذه الطللية:"على محطة قطار سقط عن الخريطة" يتحدث فيها عن ضياع فلسطين، ويرفض ان يصدق ما حصل، ولا يقتنع الا بما يقوله له حدسه.."كلّ ما في الأمر أني لا أصدّق غير حدسي..للبراهين الحوار المستحيل, لقصة التكوين تأويل الفلاسفة الطويل.. لفكرتي عن عالمي خلل يسبّبه الرحيلُ..لجرحي الأبدي محكمة بلا قاضٍ حيادي..يقول لي القضاة المنهكون من الحقيقة: كل ما في الأمر ان حوادث الطرقات أمر شائع..سقط القطار عن الخريطة، واحترقت بجمرة الماضي..وهذا لم يكن غزواً..ولكني أقول: وكل ما في الأمر أني لا أصدّق غير حدسي..لم أزل حيّاً".
تفتقد قضية فلسطين، كما يقول محمود درويش، المحكمة الحيادية والقاضي المحايد, ولأن الأمر كذلك، فإن الافك أو الباطل ينجح في تصويرها وفق هواه، لا وفق مبادئ الحق والعدالة، ولكن هل يستطيع الباطل ان يصول ويجول وأن ينتصر إلى ما لا نهاية؟.
وأنهي بما قاله الأستاذ أحمد درويش الشقيق الأكبر للراحل:"شعرت في المرة الأخيرة التي زارنا فيها في قرية "الجديدة" أنها الليلة الأخيرة, التقطنا صوراً كثيرة على غير العادة, وأحسست أن سفره إلى أميركا سيكون بمثابة رحلته الأخيرة..شهادتي لا تختلف عن شهادات الآخرين فليس لي بمحمود أكثر من الآخرين"..فهل بعد هذه الشهادة من شهادة؟..فعلا, لقد كنت يا محمود نصف العرب بل أكثر.
محمود, كم سنفتقدك حيا في كل مكان, وكم ستبقى حيا بيننا أبدا تغني.."على هذه الأرض ما يستحق الحياة".






رثاء للشاعر الوطني الكبير محمود درويش

بقلم : بهاء رحال

نقصتنا فمن يكملك


(1)نقصتنا فمن يكملك وبأي الكلمات ترى نرثيك وكيف تريدنا أن نقف في حضرتك منصتين صامتين دون صراخ وبكاء في المكان،،، نعرف انك تحب الهدوء ما استطعت إليه سبيلا كما عشقت رائحة الخبز في الفجر، سنقف صامتين مبكمين في حضرتك وأنت مسجاً أمامنا،،، وأنت تحملنا لقريتك التي لم تعد منذ الآن منسية،،، ولوالدتك التي لطالما حرصت على دمعها لا تحزني، أماه فمحمود اليوم عاد حراً كما أراد، عاد حراً كما شاء وكما تمنى أن يكون،،، محمود لم يخشى يوما من الغياب ولا حضرته،،، لم يخشى يوما من الإبعاد وغربته ظل حنينه يأخذه الى سفح جبل الكرمل، لم يخشى الغياب بل حرص أن يرتب بدلته مثلما كان يفعل كل يوم،،، احتسى فنجانا من القهوة التي أعدها بنفسه،،، أشعل سيجارةً وحمل معطفه الأسود على ساعده الأيسر وتذكرة سفر،،، وبضع أوراق يخط بها كلماته من على متن طائرة تقله الى ولاية تكساس،،، لم يكن يريد لأحد أن يعلم بموعد الغياب،،، أحبَ الرحيل بهدوء، دون ضجيج في المكان أو صراخ،،، كما كان يحب ذلك دائما عند إحيائه لإحدى أمسياته الشعرية،،، يصر أن يأتيه الموت في لحظة هدوء كبرى،،، عله يكتشف سر لحظة الغياب الأبدية، التي كثيرا ما كتب عنها من وحي خياله الواسع،،، أراد أن يعيش لحظة الموت الأخير بهدوء ليرى لحظة غيابه ويحيا وقت الصعود الى الحياة الأبدية ودونما خوف أو تردد أو امتعاظ،،، جرئ كعادته يذهب الى الغياب دون أن يعرف احد.
(2)نقصتنا فمن يكملك وأدمعتنا وأوجعت قلوبنا وأبكيتنا في رحيلك الأخير، وانعطافك السريع نحو الغياب والرحيل،، لا وقت للبكاء وأنت مسجا أمامنا، صامتا، هادئاً، كأنك تعد نفسك لكتابة قصيدة جديدة،هي المرة الأولى التي ستجمعنا دون أن تشدوا لنا نشيدنا الوطني، لن نسمع منك على هذه الأرض، ننشدها نحن بصمتنا ننشدها بحزننا ننشدها بالألم الغياب الآن في حضرتك نسجل برأس الصفحة الأولى نحبك أولاً ونحبك آخراً، ونحبك ما استطعنا إليك سبيلا،، سافرت الى الغياب الطويل دون تمرد أو تردد، وحدك وحالة الغياب كنتما معاً، ليس هناك من وقت لوداعك فعقارب الساعة لا تسير ببطيء، وكأنك تتعجل الغياب فهل مللت منا، أو انك تستعد لكتابة جداريه الغّياب هناك، أم لان الكتابة والثقافة العربية أتعبتك، وتحاول البحث عن لغة أخرى تكتب بها جدارية السماء،، أمهلنا قليلا كي نتأملك أكثر ونقترب من نرجسيتك التي أُسرنا طوعا لها، في حضرتك والغياب يسير الحمام أمامك ونحلق نحن معك نحو حيفا ورائحة البرتقال بفرحة العائد من منفاه الى الوطن، نحمل أوجاعنا معاً وذكريات من رحلوا الى الخلود.
(3)نقصتنا فمن يكملك،،، ورحلت قبل ان نخوض تجربة اكتشاف عالمك وسحر كلماتك وعبقريتك الأدبية،،، نستبقيك فينا جميلا جميلاً كما أنت،،، نحاول قراءة لحظة غيابك الصامتة، الهادئة، مرات ومرات حتى نفهمها – نصرّ أن نفهمها ولو استغرقنا الوقت طويلا – نحفظ أشعارك، وكتاباتك ونصوصك الأدبية بهدوء كما تحب،،، نعيش فيها حالات الحب والتعب وحالات المنفى و المقهى والجريدة،،، نسكن إليك في حالة تمني، نصحو في الصبح لأننا نحاول اكتشاف رائحة الخبز في الفجر،،،، نستبقيك فينا طيبا كما أنت ونعيش الحياء كإحدى حالات التفرد والشجن، نجهش في البكاء ما استطعنا لغيابك الأبدي ورحيلك الدائم ونعتز بك كلما اقتربنا من خياليتك الواسعة وفضاء شعرك وعلّوك الأدبي والإنساني، نحاول الإبحار إلى محيط ثقافتك في رحلة التعرف على الذات والتمايز عن الآخرين علنا نقترب فيك أكثر من ذاتنا الوطنية، نستبقيك وطناً نعود إليه كلما شعرنا بمنفانا لنكتشف انك الان تعود من منفاك وتبقينا وحدنا في منفانا.
(4)كما كل الكبار انت في رحيلك الاخير، كما كل الطيبين النرجسيين، رحلت ولم يعد هناك مساحات للكتابة فموتك احدث انهيار في الكلمات وشطب أجزاء من المفردات كنت وحدك تتقنها هي بساطة ألبلاغه ودقة المعنى وسرعه التعبير وعبقرية اجتياز منعطفات المعنى، موتك غير شكل البلاغة والنصوص الأدبية – الشعرية والنثرية، الجدلية والمرثية – سافرت إلى حيث أخذك سيد الموت مسلماً بحتمية مفارقة الحياة والى الأبد، بصمت انصعت له بهدوئك ونرجسيتك وجمالك، انصعت له رغم انك ترفض فكرة الانصياع للأشياء الخفية، هي جدليه الموت غلبتك في خضم الحياة، كنت تتمرد وترفض فكرة تقبلها، أسكنتها قصائدك وأشعارك ولم تسكن إليها، لست أنت أنت وليست بطاقة هويتك ولا شخصك الذي نعرف، أم انك تيقنت من حالة الغياب القصري هذه حان وقتها ولا جدوى من التمرد والرفض الذي لطالما سكن قصائدك وكلماتك لهذا رتبت حاجياتك وأنهيت قصيدتك الأخيرة وتركتها لنا كي نقرأها بصوتنا نحن لا بصوتك وتجاهلت اننا نحب حنجرتك مثلما نحب قراءتك،، نحب سماع شجن المنفي وسط زحام الشتات وحنجرتك الماسية تحرك فينا الذكريات وشغف الحياة في المستحيل.
(5)كما قلة من العظماء يرحلون وهم في قمة عطائهم الادبي، استبقك الموت ام استبقته واستبقيته حاضراً في أشعارك، ذهبت الية مرات ومرات قبل ان ياتي اليك، حاصرته قبل ان يحاصرك و جعلت له مكانا في كلماتك وتحدثت عنه بفعل الحاضر الغائب فكان في حضرة قصائدك قبل ان تكون الان في حضرته، وكأنك في حالة تواصل معه وهو الغائب الحاضر، ونسجت علاقة غير عادية لم يقمها أحدا غيرك من البشر إلا الرسل والأنبياء وقله من الأدباء الذين تمرسوا في حضرة الغياب، احتل هو قصائدك ام اسكنته فيها واوجدت له مكانة تفوق صفة الغائب حتى اننا اعتدنا عليه في قصائدك وكتاباتك دون ان نشعر بغرابته ووحشيته وظلمته ولم ندرك انك كنت تهمس لنا باقترابه منك وباقتراب وقت الرحيل إليه كلما كررت ذكره في كلماتك اقترب اكثر، قرأناه بحب وتعطش رغم قساوته ونسينا تاثيرة فينا واعتقدنا انها حالة كأي حالة أخرى تلقي بظلالها علينا وترحل.
(6)كما كل المتمردين على اللغة ترفض السكون امام الكلمات العابرة، ترفض عبثية المفردات الضائعه، فاخرجت نسقاً جديدا، جميلا، جديرا بفن الكتابة وفككت اسر القصيدة بين القافيه والتفعيلة ونسجت قصائدا اكثر جمالا في الحب والعشق والوطن واللجوء والخيمة والحنين الى الام، وصنعت دستورنا الوطني، نصاً جميلا مزركشاً وخلّاقاً حتى صار من ابلغ الجداريات والمعلقات على جردان مخيمنا، صرنا نحن نرفض الانصياع حتى اقمنا في داخل كل واحد منا ثورة ترفض فكرة الاذعان او الذوبان، فككت اسر القصيده وحررتها من عبوديه التفعيلة واخرجتها من نسقها المنضبط الى عالم الاندماج مع الذات، لنعشق اكثر ونحب حيث نحب في نسقنا الجديد.
(7)كما الفراشات الطائرات العائدات من المنفى الى الوطن، كما الحمام المهاجر يحط بأرض الكرمل، أنت في رحيلك المفاجئ الى حد الغرابة التي لا يتصورها العقل، فهل هذا الرحيل ام انها العودة الحقيقية لقرية البروة بعدما اتعبك المنفى والمنفى والشتات ووحدانيه العيش، عودة تلخص باختصار المعاني قصة عاشق لأرض استحق عليها الحياة، عودة مفكر فسرّ ملحمة الحصارات وحكايا اللجوء ورسم جدارية فلسطين.
(8)ولسنا اليوم نرثيك او نكتبك بين سطورنا، ولسنا اليوم نبكيك جفت اقلامنا وكأنها ترفض فكرة الكتابة من بعدك، جفت اقلامنا حزننا ودمعا على غيابك، فالاستثنائيين لايمكن اختزالهم اوحتى محاولة وضعهم وتشكليهم في كلمات وجملٍ ومفردات هم بالاصل صنعوها ببلاغة المبدعين المتألقين، الاستثنائيين دائما يكونوا متمردين خارج الكلمات يرفضون الانصياع لقواعد الكتابة والانضباط داخل نسق يحتكم إلى إليه الشعر المقيد، فالاستثنائية ليست صفة تلازم العاديين مثلنا بل إنها تعلونا وتفوق قدرتنا الى الارتقاء نحوها مع حبنا الشديد وحاجتنا في كثير من الأحيان الى الوصول إليها.














مَنْ قال محمود مات ؟
بقلم :عمر حلمي الغول

عام مضى على رحيل شاعر الشعب والقضية .. شاعر الأمة وأحد ألمع شعراء الإنسانية بين النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. أُسدل الستار عن حياة شاعر صاخبة رغم هدوئه المعلن منذ ثلاث مائة وخمس وستون يوما . انطفأت شمعة محمود درويش المتوهجة . صمت الرجل عن الكلام المباح . وأغلق نوافذه وأبواب محرابه حتى لا يرى الشمس والقمر والنجوم وأقدام شاب فتك بها رصاص الشقيق اللاشقيق حامل بذرة الموت للوليد .. وضع فطنتين في أُذنيه حتى لا يسمع صراخ امرأة فلسطينية تنوء تحت أثقال وهول جرائم المحتل البغيض .. أَغمض عينيه كي لا يرى سواد اللحظة ونفاق شيوخ المرحلة

*****

مات محمود .. لا لم يمت محمود . كيف هذا وذاك ؟ هي الحقيقة هي جدلية محمود المنبعث فينا كطائر الفينيق . من رماد اللحظة ينهض من بيننا ليرسم لنا معالم الطريق . ليذكرنا هويتنا ويعلمنا أبجدية اللغة ويعيد على أسماعنا بصوته الرخيم والمشع كلؤلؤ وثيقة الاستقلال وقصائده المنثورة على مدى سني عمره على مساحة الزمن الفلسطيني .

محمود رغم الغياب القهري ولعنة الموت < التي لا مناص منها < باق فينا وبيننا < لم يغادرنا < كان طاغي الحضور في مجالسنا < ومنتدياتنا . لعن بؤسنا وانحراف خطابنا ولؤم وبغضاء وحقد اشقائنا < عاب على أمنا انجاب لقطاء ليس لهم اب ولا دين ولا هوية..

أوصانا محمود بصون جفرا وخيوط الحرير والثوب الموشى بمطرزات من الجليل والمثلث والنقب الحزين من السهل والمرج ومهد المسيح من غزة هاشم وجبل النار والخليل . أوصانا ألا نحيد عن خيار الدولة وتلاحم الهلال والصليب في قدس الأقداس واستحضار تراتيل وأسفار العابرين وعنصرية يشع ويهوا
والنوم على أحلام المحررين القابضين على جمر الحنين والتاريخ . أوصانا محمود بزهر اللوز والمرأة و من فسق الفاسدين

ابن البروة مازال يتابع المسير . يدعونا لقراءة نصوصه واستنهاض الأمل فينا بعد ان ضاقت فسحة الأمل وذكرنا بأولئك الذين رصفوا الطريق وأناروا آخر النفق من زيت دمهم وشحم لحمهم .. ودعانا ألا نفقد البوصلة وضياع الطريق ونسيان الغاية في متاهة اللالاعيب وحقول الألغام ووحشة الليل والمستوطن وطعنة الشقيق.
*****
محمود يا وعدنا الدائم ... محمود يا رمزنا وأبجديتنا التي لا تقهر .. محمود يا قصيدتنا المفتوحة على وسع التاريخ والجغرافيا والحضارات البشرية كلها .. محمود يا مجد ثقافتنا الوطنية والقومية والإنسانية .. أنت باق فينا .. لم تمت .. لم تغادرنا .. أتعلم ان اللحظة لحظة انبعاث ونهوض ؟ أتعلم ان مؤتمر فتح السادس التأم وانتصر لإرادتك لوصاياك .. ؟ أتعلم ان أبناء فتح أعلنوا الثورة على ذاتهم البائسة ولعنوا الظلام حين أشعلوا شمعة المؤتمر والتجديد للوطنية الفلسطينية .. ؟ أتعلم ان وصاياك وتعاليمك باقية نبراسا ومرشدا لنا ...؟
*****
نعم محمود أنت غادرتنا رغما عنك وعنا.. انتصر الموت عليك وعلينا .. لكنه فشل ونجحنا نحن وأنت ببقائك بيننا.. فينا .. عنوانا ورمزا ومعيارا للوطنية والثقافة والمعرفة.. مازلت هاديا لنا وسفن قصائدك تمخر عباب البحار الوطنية والقومية والإنسانية .. وستبقى فخر شعبنا وامتنا والبشرية .. ستبقى حاضرا رغما عن الظلام و أصحاب الأقلام الصفراء ... ستبقى سيدا متوجا لأبجديتنا ولغتنا العربية الى حين ولادة من يضاهيك بلاغة وتفوها من رحم الأمة .. لكنك لن تنزل عن عرش الريادة واللغة وستبقى ملكا من ملوكها في زمن لم يضاهيك من أقرانك فيه احد .. ولأنك هكذا فأنت الابقى فينا وبيننا ولم تمت ولن تموت ما بقيت البشرية باقية.



















شاعر البدايات الدائمة

عبده وازن

السبت 08 أغسطس 2009 الذكرى الأولى لرحيل محمود درويش كانت الفرصة الملائمة لإصدار ديوانه الأخير «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» في طبعة جديدة، خالية من الأخطاء التي اعترتها، عروضية كانت أم طباعية. فهذا الديوان الذي لا يحمل صفة «الديوان الأخير» يستحق أن يُقرأ في منأى عن السجال الذي دار حول أخطائه ومَن ارتكبها وكيف. هذا ديوان ليس بـ «الأخير»، بحسب ما جاء على غلافه الأول، وإن كان صدر بُعيد رحيل شاعره. وقد لا يكون أصلاً ديواناً إذا قورن بمفهوم محمود درويش للديوان، لا سيما في الأعوام الأخيرة عندما كان الشاعر ينصرف الى بناء ديوانه أو تشييده، لغة ومناخاً ورؤية، حتى ليمسي أشبه بالمعمار الذي لا يمكن المسّاس به. هذا ديوان ناقص إذا تم وصفه وفق العيار «الدرويشي» أو انطلاقاً من نظرة الشاعر الى الديوان، ديوان «مركّب» من قصائد كانت مبعثرة في الأدراج وبين الأوراق، وكان الشاعر، على ما بدا، يؤجل النظر فيها، مرة تلو مرة، مع أنه لم يكن يخفي حبه لبعضها. ولعله كان يحدس أن هذه القصائد كتبت كيلا تجمع في ديوان، أو لتبقى مبعثرة في الذاكرة وعلى الورق بخط يده. بل لعله كان يحدس أن هذه القصائد كتبت لئلا تنتهي، أي لتظل قصائد مفتوحة على الصدفة التي هي قدرها المجهول.

لم يتخيّل محمود درويش قصائده هذه، التي كتبها في فترات وظروف وأحوال شديدة الاختلاف، تجتمع في ديوان لم يمرَّ عليه قلمه، حاذفاً بضع مفردات هنا أو مضيفاً بضعاً هناك، ديوان لم يلق على صفحاته نظرة أخيرة، ثاقبة، تنم عن مراسه الصعب في «ترويض» القصيدة وبلورة اللغة. لكن الديوان صدر حاملاً اسمه وصفة «الديوان الأخير» وكان من المفترض أن يحمل صفة «ديوان ما بعد الرحيل» كما يحصل في الغرب عندما تُنشر الأعمال بعد موت أصحابها، لا سيما إذا لم يتسنّ لهم إكمالها ووضع اللمسات الأخيرة عليها. وبدت الصفة هذه على تناقضٍ مع جوّ القصائد التي ضمّها الديوان، وبعضها بديع حقاً ويستحق النشر. وكان العنوان كافياً ليدل على عدم اكتمال الشعر هنا أو المشروع الشعريّ الذي لم يرد الشاعر أن ينهيه ويغلق نوافذه التي تطل على اللانهائي. ومَن يقرأ القصيدة التي حمل الديوان عنوانها يدرك أن الشاعر لم يكن البتة أمام ديوانه الأخير، ولا أمام نهاية مشروعه الشعري الفريد. و هذا سرّ محمود درويش الذي كلما أحس أن النهاية تتهدده شرع في بداية جديدة. فهو شاعر البدايات الدائمة، البدايات التي تعقبها بدايات ولو اكتسبت طابع المغامرة الجريئة أو الخطرة في أحيان.

لكن نشر هذه القصائد المتناثرة والمبعثرة لم يسئ اليها على رغم الهنات التي اعترت الديوان، بل هو أتاح لجمهور الشاعر أن يستعيد قصائد كان قرأها سابقاً أو سمع عنها أو يجهلها تماماً. وكان لا بد لهذه القصائد من أن تصدر فلا تظلّ رهينة الأدراج على رغم الصيغة المضطربة التي ظهرت فيها. وبعض هذه القصائد من أجمل ما كتب الشاعر وأعمق ما كتب، وفيها يبلغ القمم التي ارتادها سابقاً. وقد تكون بضع قصائد قصيرة أشبه بـ «اللقى» الشعرية ذات الصوت الخفيض والوهج الخفي، ومنها على سبيل المثل قصيدة «كلمات» و «عينان»... ناهيك عن القصائد التي تحمل في صميمها ما يشبه «البيان» الشعري الأخير الذي يندّ عن نظرة الشاعر الى الشعر واللغة كمرآتين يتجلّى الموت على صفحتيهما. ولا يمكن نسيان القصائد التي بدت تحلّق في فضاء الذات والأنا والجمال، متحرّرة من ثقل التاريخ، الشخصي والعام.

واللافت في هذا الديوان الذي ليس بديوان تام، أن قصائده تخفي الكثير من المفاتيح التي لا بدّ منها لدخول عالم الشاعر، بأسراره وسماته الفريدة. يشعر القارئ الحصيف أن ملامح عالم محمود درويش تتوزّع القصائد هنا، متراوحة بين الغنائية العالية ونثر الحياة اليومية والتخييل والترميز والسرد والماوراء والواقعية المباشرة... كأن عالم الشاعر يتجلى كله هنا، متناثراً ومضيئاً مثل قطع البلّور: الحب والموت والمنفى الداخلي والخارجي، بؤس التاريخ، مأسوية الحياة، العبث واللاجدوى، الألم المجهول، السراب، الصمت، الغناء المجروح، الحلم... لو تسنّى للشاعر أن يصنع هذا «الديوان» وأن يهذّبه ويبنيه لكان حتماً من أجمل دواوينه! ولكن لا ضير أن يصدر بعد رحيله ليكون شاهداً له، شاهداً لشعرّيته الكبيرة.

يكتب محمود درويش قصيدة بعنوان «عينان» قد تكون احدى أطرف القصائد التي كتبت عن «عيني» امرأة. والطرافة هنا تعني الغرابة ممزوجة بالجمال والسحر. انها قصيدة فريدة في لغتها كما في مقاربتها لصورة «العينين» اللتين تضفي عليهما ألواناً تشبه ألوان قوس قزح أرضي أو حلميّ. كأن درويش يهتك في هذه القصيدة، القاعدة التي قام عليها شعر «العينين» أو «غزل» العينين بالأحرى. فالعينان الأنثويتان هنا لا لون واحداً لهما بل هما «تائهتان في الألوان»: عينان «خضراوان قبل العشب، زرقاوان قبل الفجر...». عينان «لا تقولان الحقيقة»، عينان «تكبران إذا النجوم تنزّهت فوق السطوح وتصغران على سرير الحب»... نادراً ما كتب عن «العينين» بمثل هذه الفتنة أو بمثل هذا الالتباس أو الغموض. العينان ليستا «غابتي نخيل» كما وصفهما بدر شاكر السياب ولا هما الأعجوبة التي سحرت الشعراء على مرّ العصور من المتنبي الى نزار قباني وأنسي الحاج، ولا هما مرآة الطبيعة البهية، كما تخيلهما الشاعر الفرنسي لويس أراغون، انهما بحسب محمود درويش، «تهربان من المرايا»، عينان «صافيتان، غائمتان، صادقتان، كاذبتان»، انهما عيناها... ثم يقول الشاعر خاتماً قصيدته بما يشبه المفاجأة الساطعة سائلاً: «ولكن من هي؟». كأن كل غزله بهاتين العينين هو غزل بعينين لا امرأة لهما، عينين هما كل العيون وليستا لامرأة يسميها امرأته.

هذه القصيدة البديعة هي من المفاجآت التي حملها الديوان «الناقص» الذي يصعب وصفه بـ «الأخير» ما دامت قصائده كُتبت لتبدأ ثم تبدأ ثم... وما أكثر القصائد التي تماثلها فتنة واغواء، في هذا الديوان الذي كان يستحق أن يقرأ في الذكرى الأولى لرحيل شاعره، في طبعة أخرى، خلو من الأخطاء، العروضية والطباعية التي ارتكبها سواه.

عام على رحيل محمود درويش! ما أصعب الكلام عن هذا الشاعر في صيغة الغائب، هذا الشاعر الذي يحمل في قلبه «ثقباً سماوياً» والذي «يمشى على أطلاله... خفيفاً مثل أوراق الشحيرات».













محمود .. و رقة الغياب



اسم الكاتب : ناصر عطا الله

ساندني ظل قصائده يوم أن حملت حقائب الدمع وحشوت قلبي بالحنين قبل أن أصل مطار دمشق مغادراً الأهل إلى رحلة الغياب الأولى ، كان يركض في داخلي إيقاع قصيدته أحن إلى خبز أمي قبل أن أنظف أسناني من خبزها ، ومن بقايا قهوتها ، وكنت أواصل عزفه في أروقة عروقي باحثا مع قصائده عن الهوية ، والعنوان ، ماذا سأقول للغرباء هناك ، إنسان بلا وطن ، ام إنسان في منفى ،تدربت على الصبر ، وتسلمت ودائع حبره التي تحولت إلى أناشيد ، تزّن في مسامع روحي ، أصغي إليها كطفل اعتاد التشبث في ثوب أمه الغجري ، لم اترك أصابعي بعيدة عن ديوانه الأخير آنذاك مديح الظل العالي ولم اسمع في سفري الأول كما لم أسمح لسواه أن يذكّرني بشجاعة طفل أبدع وجعل من حجر دولة العشاق ، تعّود قلبي على دليله للعشق الوفي ، ولم يكن في طوابير الذاكرة غير عاشقة واحدة ، تستهويني وتحمل عني ما هو فيا ، عاشقة مرسومة في خارطة ، كانت يومها كاملة ، لها بحر ونهر وسهول وجبال وأودية ، وكثيرة هي دروبها الضيقة التي لم أمش عليها ، ولم يسمح لي أن أكون فيها ، وما عوضني عن غيابها غير دليلها ، محمود درويش ، وقبلت مؤانسته صوتا وقراءة .
كبرت في غربتي كبقعة ماء في بركة واسعة ، وارتويت من فيض الحب على طاولة البسطاء ، الذين يستحمون في أوطانهم بكامل أمنهم ، ولا يخلعون جلودهم مثلي عند كل مطار أو نقطة تفتيش ، أوطانهم على جباههم ، مصونة ومحفورة ومعلومة ، ووحدي أفقد الكثير من الوقت باحثا عن وطني ، في جيوبي وأوراقي الشخصية ، وافقد الكثير من الحجج كي يصدقني شرطي مسكين أو ضابط ماكر ، أذهب في الكثير من الأسئلة مع تتويه غير بريء ، وإذا ما تعب الآخرون مني ، أطلقوا سراحي إلى وجهة لا أريدها ، فأمسك بقيثارة الشعر وأسأل صاحبي الورقي ، متى سنصبح كغيرنا ، أبناءً للشمس .. ؟ فتنتحر قصائده عند هي هجرة أخرى ، فلا تذهب تماما .
خلاف أمري أبتسم أمام حسناء بولندية وأقطع قلبي لها على شاطئ سبوت وهي تمضي نحو الموج كغزالة واثقة من تاريخ ميلادها ، ورقم مواطنتها ، وحقها في ممارسة المشي فوق مالحها وترابها ، فيعجبني فيها الانتماء لا الشكل ، كما يعجبني مزاج أصحاب الأوطان ، حين يلتحمون بالأرض ويلتحفون بالسماء ، يزركشون ما يريدون في غابة أو ساحة تحمل أحد أسماء من ماتوا لأجلها ، فأغبطهم على نعمة حرمت منها ، وأقبل أن أكون عندهم تلميذا مشاغبا يريد أن يستقر على معنى ممارسة الوطن ، ولا يقطعني غير غروب خفيف ، وثوبها الأبيض المالح ببحر البلطيق ، لم أفقد الطريق إلى هويتي ، ووقفت بجوار حجر أسمع صاحبي المخفيّ في أعماقي يدلني عليا وهو يردد ليس من حقِّ العصافير الغناء على سرير النائمين فأهرب من صورتها التي اختفت ورمتني باسمي المفقود .
محمود قبل أن يغادر كان هدايتي لوطن أصبحت على جزء منه اليوم ، ولكن دون أهلي ودون أمني ، كي أقول أنني فقدت هواية البحث عني ، يوم أن فقدت الدليل إلى وطني الكبير .


شعراء ونقاد مصر يحيون الذكرى الأولى لرحيل درويش


القاهرة
أحيا نخبة من الشعراء والنقاد المصريين الاحتفالية التى نظمتها مكتبة الإسكندرية اليوم الأحد الموافق 09-08-2009 بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، حيث ألقى الشاعر عمر حاذق قصيدة بعنوان كشرفة سقطت بكل زهورها للشاعر مريد البرغوثى في رثاء محمود درويش باعتبارها كلمة شعراء الشعب الفلسطيني تخليدا لذكراه.

ووصف مدير إدارة الإعلام بالمكتبة الدكتور خالد عزب، الشاعر محمود درويش بأنه شاعر مقاومة أكبر من دولة إسرائيل حفر الكثير على وجدان الشعب الفلسطيني الذي يرفض القهر داخل أرضه الحبيبة.

وقال عزب إن درويش استطاع أن يحيى الروح الفلسطينية العظيمة، فهو أحد كبار شعراء القضية الفلسطينية والمجد العظيم الذي يسوده الحب وينعم فيه البشر بالسلام في مختلف أنحاء العالم.

وأضاف أن مكتبة الإسكندرية ستجدد ذكرى محمود درويش كل عام تخليدا لذكراه وإحياء للشعر الفلسطيني ليكون بمثابة مدرسة للأجيال القادمة، قائلا إن درويش ترك لنا شعرا لا يرحل ولا يموت .

وفى السياق ذاته، أكد الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي أن درويش شاعر نبيل فهو ضمير شعب بأكمله وهو الحالم بعالم يسوده الحب والعدل والسلام، مشيرا إلى أن مكتبة الإسكندرية أقامت الذكرى الأولى لرحيل شاعر العروبة والإنسانية محمود درويش تقديراً لحياته الحافلة والمليئة بالحب والصدق.

ولفت إلى أن درويش فارس الشعر فهو شاعر كبير جمع بين الشهرة الواسعة والقيمة الفنية، موضحا أنه جدير بما يحقق وبما ينال لأنه جعل من الشعر غاية وجمال فهو يخطو كل نهار خطوة جديدة وينتقل من مغامرة إلى أخرى واثقاً من نفسه مطمئناً جمهوره الكبير لما يسعى للوصول إليه.





لارحيل للشعراء

ورد محمد

مع قدوم الذكرى الأولى لرحيل شاعر الكلمات التي عبرت إلى دمائنا وشراييننا جيلاً بعد جيل فأحالته إلى دم ممزوج بالحب والوطنية والثورة , ومرّت فوق عالم أمنياتنا وأحلامنا فأهديتنا سنابل قمح من فلسطين وحبات زيتون من أصالة أشجارها ونسائم عطر من أزهارها ... نحلق في عالم محمود درويش الذي أحببناه وجعلنا من المرور به كل صباح ومساء من طقوسنا الوطنية والأدبية الأثيرة ...
كانت كلماته الزاد الروحي الذي نحمله معنا في حقائب اغترابنا وشتاتنا لنتدفأ بها من صقيع البعد وكانت قطرات الماء الذي نروي بها ظمأ أرواحنا العطشى إلى الوطن والكرامة والحرية
مضى ربان الشعر الذي كان يبحر في بحور الكلمات ليهدي وطنه قلائد من الأشعار
مضى خلف الأفق وترك لنا قصائد الحنين والشوق والأمل, وأمنيات وأحلام ملونة بالرجاء
كتب عن نكبات الوطن وأحزانه, عن شعب ضيعوه فثار وانتفض وأرعب الكون, عن شعب غدروا به فحمل بندقيته وقاوم المستحيل لقد جعل من كلماته مصابيح نور وضياء تبشر بالرجوع وتلملم شتات الأرواح كي تسير على طريق العودة.
فيا شاعرا نقشت على جبين وطنك كلمات من ذهب الأرض المقدسة وحملت عصا شعرك السحرية ووقفت في وجه عدوك قائلاً :
أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا .. والآخرة ْ
فاخرجوا من أرضنا
من برنا .. من بحرنا
من قمحنا .. من ملحنا .. من جرحنا
من كل شيء ، واخرجوا من ذكريات الذاكرة ْ
أيها المارون بين الكلمات العابرة

وعلى أمل الرجوع وأن يخرجوا, وعلى أمل أن يتحقق حلمك وحلم شعب أنهكته دروب الشتات والغربة
نقف اليوم أمام صرحك باكين متألمين مفجوعين نحن الذين عقدنا رابطة مع البكاء والألم والفواجع
لكن بكاءنا عليك أكثر إيلاماً وأشد حزناً فقد كنت صوت حزننا, حملت بأشعارك آلامنا ومآسينا بل حملت وطناً بأكمله وقدمت معاناته للدنيا
نبكيك وقد ألفت عيوننا البكاء على الأهوال التي أحاطونا بها وزرعوها بيننا
أيها الفارس الثائر الحالم
أيها العائد إلى رحم أرضك
ستبقى فينا سيد الشعراء وأمير الحلم وقائد ثورة من القصائد والأشعار والكلمات والحروف
زلزلت الثرى تحت الأقدام وربيت فينا حب الوطن وعلمت أجيالاً معنى أن نعشق الحرية ونموت في سبيلها.
ستبقى خالداً في دمائنا التي اتحدت مع كلماتك وفي ذاكرتنا التي لاتنسى .





كتب النائب محمد دحلان



لمسافتنا الفلسطينية بين المداد والكلمات في إعجاز اللسان العربي على البيان الإنساني

بقلم النائب: محمـد دحــلان.

بحده وجده، وشعره ونثره، بدا شاعر الوطن الراحل قبل عام من وجع غياب غير ذي استحسان، يأبى فينا النسيان، بذاك القدر الذي نأبى فيه النكران، انبعاثا لثورة ثقافية أو أدبية، معراجها فلسطين، وإسراؤها أينما شُدهنا بالاستمالة إلى جهات الكون الأربع. واستكمالا لعلو عنان الرسالة الفلسطينية، التي دونتها للعالمين باسم كنعان الأول وأحفاده الجبارين اللاحقين، فوهتا بندقية وقلم، لم يطأطئ أيٌ منهما ما دام الآخر له نصيرا عزيزا. واستباقا لتفسير معنى النصر الآتي بعد حين، بصدق النبوءة والرؤيا، التي لا تخطئ مؤمنا، أجاد الانتماء فتصوف فيه. وانغماسا في همٍ لا ينتهي أجاد التعبير عنه، بالوهج والألق الذيْن استقاما مع روحنا وعبء حملنا، على امتداد خارطة اللجوء والمنافي والشتات والآلام .. فكان محمود درويش خارج محددات اللغة واشتراطات التوصيف، في تعميد الطائر الفلسطيني، عند تحليقه المجيد، بانطلاقةٍ حدث بها عنا الشرقُ الغربَ، من خلال شعره ونثره، الذي جسد مَدَنا، عند وقوع جزرِنا، بانحسار المراحل في التدارك أو التقييم أو الانتظار، سعيا لواحدة لا ثاني لها، ألا وهي فكرة الانتصار.

بعد عام من الغياب ... تتجذر لمحمود درويش هالة من الذكر، لا ينفك الأصلاء والعقلاء والنبلاء عن ترديدها، ما بقيت الشهور تداور ثلاثينياتها، وكأنه قد تحالف مع الزمان، الذي أدرك أنه لا يستطيع أن يلغي حقا فلسطينيا بالتقادم، على إثبات أنه المسافة الفلسطينية بين المداد والكلمات، في إعجاز اللسان العربي، على البيان الإنساني، وأنه شاعر أيامنا التي وثق فيها كينونتنا، بالحال والمآل، إن وقعت أيٌ من واقعاتنا المترادفة على نحو استنساخ المأساة التي نعيش تحت غيمها ما استمر الاحتلال .. لتتأسس في ذكرى رحيله الأولى حالة من الاستذكار، المحفوف بكل معاني الوفاء والحنين، للإيجاز الشعري والثقافي الذي استكمل ملامحه في قصيدة، كان هو عنوانها، لاعبا للنرد، عندما ترجل دون أن يعلن للرحيل موعدا ؛؛؛ فتراه حاضرا في مشهد الغياب، أو غائبا في ذروة ما لا ينبغي فيه له ذلك.

بينما ترانا نحن نتقلب على جنب المفاجأة، التي توازي رحيل المحمود، وكأننا قد توافقنا على انفصام نقبله على غير استحياء ... فالوعي يدرك أن ناظم القصيدة تحت الثرى ميتا، واللاوعي يختلج بعبرات حانية، نجزم أن شاعر الأرض المحتلة في كل واحدة منها، لا زال حيا.

لا نملك في ذكراك غير الاعتزاز بك، شاعرا وإنسانا، فلسطينيا ومقاوما، مثقفا ومرهفا، سيدا للكلمات على خلق مترادفات، حدودها الوطن واسمها فلسطين، بالخصوصية والعمومية، والتعريف والهوية .. فعليك سلام الله ورحمته ورضوانه، مع الشهداء والصديقين والنبيين في عليين، وحسُن أولئك رفيقا، أيها الثري بحبنا في القلوب.























تهنـئة لحـركـة فتــح بانبعاثهـا من جديـد

تتقدم اللجنة الإعلامية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية، في الجمهورية الجزائرية، إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتــح"، بأسمى التهاني وأعز التبريكات، لمناسبة نجاح انعقاد مؤتمرها العام السادس، في مدينة بيت لحم، مهد السيد المسيح عليه السلام، وما خرج به المؤتمر من مفرزات حيوية، تلتزم بالخط التحرري للحركة، كقوة ثورية عربية، تسعى إلى الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي المقيت وتبعاته على الأرض، وصولا إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إن اللجنة الإعلامية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية، في الجمهورية الجزائرية، إذ تبارك لحركة فتح لعرسها الديمقراطي بالتجديد والانبعاث والتوحد، فإنها تتقدم أيضا إلى أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري، المنتخبين جميعا بإرادة حركية واعية وواثقة بالعطاء .. سائلين الله عز وجل أن يسدد لهم دربهم، ويقوي من عزائمهم، لما فيه خير لفلسطين ومناعة لقضيتها، على طريق الحرية والاستقلال.


اللجنة الاعلامية لإحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية بالجزائر
سفارة دولة فلسطين
عزالدين خالد










سنة على رحيل شاعر يوميات جرح فلسطيني
محمود درويش يظل حاضرا رغم الغياب

تمر اليوم سنة كاملة على رحيل شاعر المقاومة وصوت القضية الفلسطينية محمود درويش، الذي تحدى الموت وخاطبه يوما قائلا: هزمتك يا موت الفنون جميعها/ هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين/ مسلة المصري، مقبرة الفراعنة/ النقوش على حجارة معبد هزمتك انتصرت/ وأفلت
من كمائنك الخلود ../ فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريد ...

شاعر يتحدى ذاكرة النسيان
انتقل درويش الذي صنع من قضية شعب همّ أمم، إلى عالم الخلود، ومع ذلك بقيت كلمات الرجل وأعماله تصنع أحاديث الساحة العربية وتشكّل مركز أهم النقاشات الأدبية الدائرة اليوم..
في مثل هذا اليوم، ودّع الشعر العربي وشعر المقاومة الفلسطينية، أحد قاماته البارزة على مستوى العالم، في وقت شهد فيه الوضع الفلسطيني أدق وأخطر مراحله، مع حصار غزة والاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي انعكس على المشهد الثقافي الفلسطيني، خاصة منه الشعري الذي أصبح فيه السؤال من يكتب لمن؟ وهل أنت مع السلام والتفاوض أم ضده؟ وأنت مع أي فصيل؟ لتضيع المقاومة سياسيا ويضيع الأدب المقاوم إبداعيا.
لكن محمود درويش، الذي حمل لواء المقاومة منذ محاولاته الشعرية الأولى عندما كان طالبا في حيفا، واعتقل مرّات عديدة بسبب أشعاره التي كان يرى فيها المحتل تحريضا على الكفاح، وأصبحت الشرطة الإسرائيلية تطارده وتحاصر كل أمسية شعرية يقيمها، بل وصل صيته أن أثارت قصيدته عابرون في كلام عابر نقاشا حادا داخل الكنيست الإسرائيلي. كان من الرافضين لمفاوضات أوسلو ,1993 فقد انسحب على إثرها من منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه بقي يكتب عن المقاومة والسلاح وواكب شعره كل مراحل القضية الفلسطينية، بل عاش حتى شهد الانقسام الفلسطيني، ليواصل النضال لكن على الجبهة الفلسطينية ضد الانقسام والاقتتال، فكتب في آخر كتاباته أثر الفراشة الصادر في جانفي 2008 قصيدة تحت عنوان أنت منذ الآن غيرك يقول في إحدى مقاطعها لولا أن محمد هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابة نبي، ولكل صحابي ميليشيا .
الكتاب يضم يوميات درويش الشعرية والنثرية وهو آخر ما صدر للشاعر قبل رحيله. ويخيّم على معظم نصوصه ذلك الانكسار الذي عاشه درويش في أعوامه الأخيرة كرمزية الموت، السراب، البطلان، المنافي.. كانت نقاط مركزية تدور حولها أغلب القصائد.
يذكر أن درويش تعرّض لملاحقات أمنية إسرائيلية وسجن ثلاث مرات 1965 ,1961 و,1967 ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية بسبب تصريحاته ونشاطاته السياسية، وتحوّلت قصيدته الشهيرة بطاقة هوية التي يخاطب فيها شرطيا إسرائيليا، عنوانا للمقاومة الفلسطينية.
















الجبهة الشعبية بذكرى محمود درويش : الراحل رسخ الثقافة الوطنية والهوية العربية الفلسطينية



أشادت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالشاعر الوطني الكبير محمود درويش في ذكرى رحيله الأولى وبدوره الثقافي والسياسي في رفد وترسيخ الثقافة والهوية العربية الفلسطينية, باعتباره جزءاً وامتداداً لمسيرة الأدب والثقافة الوطنية الفلسطينية وروادها أمثال أبو سلمى وناجي العلي وغسان كنفاني وراشد حسين وتوفيق زياد وإسماعيل شموط وغيرهم الكثيرين الذين قدموا عصارة فكرهم وروحهم لا بل وبدمهم كتبوا لفلسطين تربية للأجيال ودفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
وتوجهت بهذه المناسبة بتحية التقدير والإكبار لأدباء وفنانين وشعراء شعبنا ومثقفيه على دورهم المتقدم وإسهامهم الوافر في إثراء المكنون الثقافي الوطني والقومي والإنساني التقدمي وفي تعزيز روح العزة والكرامة الوطنية والصمود والمقاومة ما يعتبر عاملاً أساسياً في الحفاظ على ثقافة وهوية الشعب وروحه الوثابة التي ترفض الظلم والعدوان وتصون الحقوق والمكتسبات وتقدم الغالي والنفيس في سبيل تحرير الوطن والمواطن.
وإذ توجهت الجبهة بتحية المحبة والتقدير لأدباء شعبنا وفنانيه ومثقفيه الصامدين المرابطين اليوم على جبهة الثقافة الوطنية في وجه طوفان ثقافة الاستهلاك والخنوع والتطبيع والنفاق وشتى أشكال التخريب والإفساد الثقافي والسياسي, فإنها دعت إلى تكريم ودعم وإسناد وتقدير هؤلاء الأبطال في حياتهم أيضاً والأخذ بيد الأدباء والمثقفين والشباب وحمايتهم والدفع بهم ليتصدروا إلى جانب الأجيال المخضرمة المشهد الثقافي الوطني والقومي الصامد والمقاوم في وجه ثقافة العولمة والعدوان والاستشراق والتشرذم من أجل مواصلة المسيرة الكفاحية لشعبنا على درب الحرية والديمقراطية والوحدة, على درب العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
واعتبرت الجبهة بأن بناء اتحادات الكتاب والفنانين والمثقفين وتوحيدها وإغناء مضمونها المهني والوطني والديمقراطي هو السبيل لتنظيم وتعزيز مكانة ودور أدباء وفنانين ومثقفي شعبنا وحماية هذه المكانة المادية والمعنوية وإسهاماتهم في مختلف الميادين وشتى المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية.



#اللجنة_الاعلامية_للقدس_عاصمة_الثقافة_العربية_بالجزائر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اللجنة الاعلامية للقدس عاصمة الثقافة العربية بالجزائر - في ذكراك سيد الشعراء { الشعب المقدسي }