أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - مقاعد دراسية اسرائيلية في الجامعات العراقية















المزيد.....


مقاعد دراسية اسرائيلية في الجامعات العراقية


سرمد السرمدي

الحوار المتمدن-العدد: 2736 - 2009 / 8 / 12 - 04:27
المحور: الادب والفن
    



البلد الذي يملك نصف مليون دبابة يعادل سعر الواحدة منها كلفة بناء مدرسة لماذا يحتاج مقاعد دراسية من الكويت ؟!,بل لماذا الأدعاء بعدم وجود مواطن واحد لا يعرف القراءة والكتابة ؟!,وحوادث السيارات الممنوحة للشيوخ الموالين والوجهاء بلا ماء وجه !, دليل قاطع على الأمية ان لم يكفي ولاءهم للخراب دليلا !

المهم.. أربعة أساتذة في فن المسرح,لم ارى منهم احدا في التلفزيون يوما ما ولا حتى سمعت بهم في قائمة الفنانين بالصدفة , ولا حتى خبرا فنيا في مجلة المزمار او الوقائع العراقية !,ولكنهم يدرسون فن المسرح ويختبرونني لهذا بالتأكيد لم اسمع بأعمالهم التي تصدر للخارج كما لم ارى التمور العراقية التي كانت تصدر الا في الوقت الذي هبط مستوى جودتها وملأت اسواق الداخل بعد ان ادار المستهلك المريخي والزحلي وجهه عنها , أي نعم فمن يصدق ان تلك التمور كانت تستهوي المستهلك الأوربي كما كان شائعا !!,بالطبع زالت هذه الدهشة والحيرة حينما استقر ذهني اخيرا وارتاح بالي لصرح الفن هذا حينما علمت بعدها ان عميد الكلية كان قد ادى دور شرطي مرة في فيلم عراقي !, جلسوا في اول صف لمقاعد دراسية في وسط قاعة دراسية وامامهم خشبة مسرح صغيرة جدا لا تتجاوز الثلاثة امتار وترتفع عن الأرض بعشرين سنتميترا تقريبا , وهذه المقاعد الدراسية كانت جاءت من الكويت عنوة على ما يبدوا وكان هذا مكتوبا عليها وواضحا رغم اثار محاولة مسح الكتابة بالطلاء , فلم نشهد هذا النوع من المقاعد الخشبية المصنوعة من خشب الصاج اللامع الناعم الملمس الا بعد التسعينات وقبلها كانت المقاعد المدرسية كالتابوت الخشبي مطلية بأرخص انواع الطلاء وهي من اسوأ انواع الخشب حيث لم يمر درس الا ودخلت بين اظافرنا نهايات الخشب المهترأ كما الأشواك ونحن نحاول الكتابة او القراءة وقتها , وكانت هذه المقاعد الكويتية هدية غير مهداة لم تكفي كافة المدارس العراقية بل غطت الجامعات الى ان تحولت هي الأخرى الى توابيت وكأنما هي لعنة الذهب بيد العراقيين يحال ترابا شملت بسوادها كل شي بدأ من النفط الى كل ما تراه حتى لو كنت اعور فأنت ملك بجزيرة العميان! ,تكرم علي الأستاذ وقال هات ما عندك مما حفظت شعرا لنرى قابليتك على الألقاء , وحينما بدأت القاء بعض ابيات لنازك الملائكة , هبوا جميعا كأنما اشارة معينة قد جاءتهم لينتشروا في المكان ولم يبقى الا من يترأس الجلسة وكان رئيسا للقسم وقتها كما تبين لا حقا ,في مكانه , أي جالسا , اما الثلاثة الباقين فواحد قرب الشباك يدخن والثاني الى اخر القاعة يتمشى , ورئيس القسم منحني على اوراقه يبحث فيها والآخر الرابع يكلمه بهمس حول الأسماء المدرجة في الأوراق امامه , بالتأكيد لم يسمع لي احد , بل لم يكن احد منهم مهتم بالسماع لي , هذا ما خطر ببالي وقتها , او انني لدرجة من السوء بحيث لم اجذبهم للأنصات لي, وبالتالي كل ما خرجت به من جدل العقل هذا اثناء قراءتي للقصيدة وبعدها المشهد المسرحي الذي اديته كما طلبوا مني هو انني رفضت كمتقدم للدراسة والا لما هذا التجاهل الحاصل الفاصل بيني وبين علامة ترحيب واحدة قد ارحل معها بعد الأختبار مرتاحا للنتيجة او مطمئنا على الأقل لهذا اليوم المتعب ان لم يذهب سدى وسط انهمار اللحظة تلو اللحظة اثناء الأنتظار !,بالطبع الكهرباء مطفأة في ارجاء الكلية وكان الجو حارا في الشهر الثامن كعادة صيف العراق , لذا فالعرق يتصبب منا نحن المنتظرين مصيرنا كما يتصبب من طالبة وحيدة تقف بعيدا عنا بحيث استغربنا الأمر , وبعدما حاول احد الطلبة التقرب منها فهمنا من كلامهم انها جاءت للتقديم ايضا , بالطبع هذا اعطاني اسوأ فكرة عن كلية الفنون والحياة الدراسية التي يبدوا لن تختلف عن الأعدادية كثيرا خاصة وها هو الدليل طالبة واحدة فقط , الا اننا فهمنا بعدها ان جيشا من الطالبات تقدم للأختبار قبلنا بيومين , حيث كان اختبارنا يدرج تحت قائمة الموهوبين الذين سبق لهم العمل في المجال او دراسة الفن على الأقل , اما الباقين من خريجي الأعداديات فعلمنا بعدها انهم يقبلون فقط بأختبار شبه وهمي, فالمهم هو العدد المطلوب للكلية وكانما هي سيارة تنتظر امتلاءها بالركاب لتنتطلق والا خسر السائق تكاليف السفر!,بالتالي فأن أوطأ معدل للدرجات الدراسية يكن مقبولا في هذه الكلية والذي يعلو عن قبول الطلبة بالمعاهد بدرجات قليلة جدا , مما يذكرني بزميل قد اخبرني يوما ان قرابة الف يقدمون لكلية الفنون في هولندا ولا يقبل منهم الا عشرين كل سنة , اما نحن فيبدوا نستعد لتصدير خريجي الفن عبر العالم لينشروا الفن العراقي لو نظرنا الى هذه الأعداد المقبولة سنويا !,والذين ان لم اخطأ التقدير لا يدخل مجال الفن منهم الا واحد بالمائة... !

شكرا قالوا, وخرجت مرتبكا جدا ومحتارا اثناء وجودي بين طلبة ينتظرون دورهم بالدخول لأختبار التقديم لدراسة الفن في كلية الفنون الجميلة جامعة بابل , واثناء وجودي بينهم محاولا شرح ما حدث في الداخل والأسئلة التي طرحها الأساتذة وكيف اجبت لاحظت دخول اربعة شباب لذلك الممر الذي تتوزع ابواب الغرف الدراسية الصغيرة على جانبيه وكانوا على غير الهيئة التي تعودنا عليها وقت الحصار , بمعنى كانوا مترفين جدا , بل ان القلادة والخاتم الذهبي كانت علامتهم الفارقة , الأربعة يرتدون الجينز الذي لا مثيل له في اسواقنا ويصففون شعرهم بطرق تثير الأنتباه لا نراها الا في احياء الأثرياء نادرا وقتها , لكن كانت ملامحهم غريبة, تعبر عن ثقافة ثانية بالتأكيد,فهم ليسوا بالوسامة التي يسهل قياسها ضمن تقييمنا العراقي ,بل هم اقرب للبدوية في قسمات وجوههم مما يخالف هذا المضمون شكل الهيئة التي دخلوا علينا بها , والتي في مجملها غربية الطابع ,وهنا بدانا نهمس متساءلين حولهم انا وباقي الطلبة المتقدمين , واذا بهم يقفون عند باب غرفة الأختبار المفتوحة والتي كان اقرب الجالسين اليها هو رئيس القسم وحين رآهم نهض مرحبا مغيرا طريقة كلامه التي اعتدناها في الساعات الأخيرة بين انتظارنا واختبارنا , وكانت معاملته وصدره الرحب تشكل فارقا زاد من حيرتنا حول هؤلاء الشباب ,ونحن وقتها ننتظر أي اشارة تلميح بقبولنا وكأن العقل حين يركز في مسألة لا يلبث ان يرى منها مخرجا الى اخرى فيغرق فيما لا يعنيه طلبا للراحة مما يعانيه ربما ,ربما يصح القول ان الأنسان يغرق في ما لا يعنيه املا في الراحة مما يعانيه , الا ان هذا وصف فوقي لتلك اللحظة التلقائية ,حينما اخذهم لغرفة رئاسة القسم لحقنا بهم ورأينا كيف ان الشاي جاء لهم معززين مكرمين وهم يجلسون امام مكتب رئيس القسم الباسم الضاحك الفرح بحضورهم, ونحن ننظر من شباك المكتب ومن خلال بابه المفتوح ونسمع القهقهات والمجاملات , ولهجة غير عراقية !,هنا ادركنا انهم ربما من الفنانين الذين يرتادون الكلية وبدأنا نحاول تذكر اين رأيناهم , وبنفس الوقت حالت اللهجة الغريبة علينا دون فهم ما يجري , واذا بهم شباب من الأردن واليمن وفلسطين جاؤا للتقديم في هذه الكلية مثلنا , بالطبع تخيلنا عاصي الحلاني وعمر العبدلات وهم اشهر مطربي تلك المرحلة على حد علمي في التسعينات ومن يمثلون في ذاكرتنا تلميحا عن الأردن , بالطبع تخيلنا ان هذه المواهب الشابة الأردنية ستجعل من ايام دراستنا مثمرة اكثر , ولكن الغريب وقتها ان هؤلاء الطلبة العرب جاؤا ومعهم ورقة قبولهم في الكلية وانا العراقي يختبروني ليقرروا في امر قبولي من عدمه !,لأنهم غادروا رئيس القسم وسمعنا اثناء رجوعه لغرفة الأختبار حديثه مع احد الأساتذة عن هؤلاء الطلبة العرب وفهمنا انهم مقبولين وسيباشرون الدوام لهذا العام الدراسي, بنفس الوقت كان هنالك ثلاثة طلبة من خريجي معهد الفنون الجميلة في بغداد يقدمون معنا في الكلية وتم اختبارهم !! ,مع ان الواحد منهم قد اشترك في ما لا يقل عن عشرة مسرحيات تجارية كما كان يعرف وقتها عن المسرح الهابط لدرجة الملهى بما يحتويه من رقص وتطبيل ونكات على شاكلة الميلوجست الذي تليه فقرة الرقص الشرقي ,وربما لا يعتد بهذا السجل الفني الا انني لاحظت تمسكهم بوثائق تثبت اشتراكهم بهذه الأعمال الفنية وبفخر كبير جدا !.

ظهرت قائمة اسماء المقبولين اخيرا بعد شهر تقريبا من موعد الأختبار وكنت من ضمنهم ,فرحت طبعا وبدأت الدراسة في اول ايامها باستغراب شديد الوقع حينا وباستنكار ذاتي لهذه الخطوة المستقبلية وهي دخولي لهذا المجال بالذات , ولكن تأتي صفعة لتنهي محكمة الذات وتخرس محامي الحلم في البحث عن افضل في بلد اللا مستقبل , والكلمة التي على لسان الكل تدل في العراق عن تساوي الأبيض بالأسود تحت جنح اليأس, فهذه الكلمة التي معناها الكل متشابه وكل شيء نفس الشيء ليست الا مقياس رختر تظنه عاطل عن العمل لكننه ليس مؤهلا لتقييم عمق الزلازل النفسية التي نتعرض لها في هذا البلد الملبدة سماءه بالمقاتلات الأميركية المغروزة ارضه بأحذية عسكرية ,فلم تكن اسباب ندمي كافية حتى لو ان اولها تلك الصورة المأساوية عن مدرس الفنون في مدارسنا والتي لم تفارقني ولن بالطبع لآني أحدهم فهو اخر الغيث قطرة بالنسبة لقياس الحظوظ في نيل شهادة جامعية حسب التقييم الأجتماعي العراقي الذي يقصي دور مدرس الفنون دوما من قائمة المواد الدراسية ,لدرجة انه اصبح اقرب للنكتة المتداولة بين الناس , ولما يسأل مدرس فنون عن مهنته يقول مدرس فقط ,خشية من همزة ولمزة تحيي جرحا قديما,ولو اضطر للدفاع عن نفسه يكتفي بالأية الكريمة ان الله جميل يحب الجمال , كعملية يائسة للبحث عن جذور اسلامية عربية للعمل الذي يقوم به , ويزيد ايضا حديثا عن الزخارف والخط الأسلامي وكونها تعتبر فنا ,ولكنه عبثا يحاول التمسك بهذه القشة اثناء غرق كلمة الفن في مستنقع الرقص والغناء والتطبيل , التي ترسخت في مخيلة المجتمع العراقي كالنقش على الحجر,فكل المناسبات الأحتفالية تأتي فيها الراقصات تحت عنوان فرقة فنية !

كيف يفكر عراقي بأن يلصق اسمه بالفن وتعريفه المحلي سيكون شعار, بفتح الشين وتعني حسب علمي المغني الذي حوله الراقصات وبالعراقي تكون التسمية الكاوليات,وهؤلاء القوم من الغجر الذين لم تمنحهم الحكومة السابقة فرصة لعيش مختلف ومحترم ولم يجدوا غير بقاءهم على طريقة اجدادهم الذين قد يمتدون الى ايام الدولة العباسية والأموية والا من اين جاءت كل هذه الراقصات في كتب التاريخ والأفلام والمسلسلات حينما يتم ذكر حياة اسوأ خلف لأفضل الخلق من السلف,أكيد كان للكاولية جذور تعاملت معها الحكومات بنفس القدر الذي نتيجته ملاهي جديدة تفتح في سوريا ولبنان ,لأن تعامل الحكومة العراقية بعد 2003 لم يعتمد الراقصات كمصدر جذب جماهيري لأحتفالاتها كما كان يحدث بالمناسبات الوطنية فمثلا تجد ذكرى انتهاء الحرب مع الدولة تلو الأخرى,درسا تلفزيونيا للرقص, فنحن وبلا فخر حاربنا العالم وكأننا من كوكب آخر !, فرصة لرمي الزائدة كروشهم اوراق النقد تحت اقدام الراقصات العارية بطونهم !,بديلا عن تذكر وتفكر في محو اثار هذه الحرب وتجنب غيرها,ثم ماهذه الأموال التي تحول العراق الى ملهى كبير تجول فيه بنظرك فتجد خشبة مسرح وجمهور يحيط بها واصوات نعيق بدوي لا تفهم ولم يكن متاحا ان تفهم ولا الهدف ان تفهم ما يقوله المطرب المخرب المخمور ,بل ان تشبع عينيك بالعري لتعود مرة اخرى بكل ساحة اعدامات فقدت فيها عزيزا ودما عراقيا لسبب لا تعرف من تسأل عنه لكي لا تلحق به ,ما هذه الأموال العجيبة التي لا تستطيع ان توفر حليب اطفال يرضعون الماء المالح في العراق كما تنبح القنوات التلفزيونية الرسمية يوميا ضد امريكا والعرب جميعا بل العالم كله احيانا ولا تكفي نفس الأموال التي فتحت الملهى الكبير في المناسبة تلو المناسبة ومااكثرها لو تعلم ,لا تكفي هذه الأموال التي تغمس بخمر جسد الراقصات المتصبب من صدورهن حين تغرف أيادي قذرة من هذا الخمر وهي تطعم صدر راقصة بمال الفقراء فيكبر ويكبر وعيون العجائز المفترشات للجسور تصغر وتصغر حتى لم تعد تفرق بين ورقة النقد التي توضع في يدها من متعاطف وبين ورقة مزورة لا يعلم اين يرميها عراقي خائف ,ويأتيك شاعر داعر ومذيعة عاهر لتقول بكل بساطة لا تكفي كل هذه الأموال لسد حاجة الحليب عند الأطفال ؟! أثناء الحصار !,فكيف تكفي لمقاعد دراسية ,اليس فخرا ان نستخدم مقاعد دراسية اسرائيلية في الجامعات العراقية بعد ان حررنا فلسطين والأمة العربية , لتكون شاهدا على انتصاراتنا التي احتارت كتب التاريخ كيف تؤرخ لها !

اذن المجتمع العراقي الذي فتحت له فرصة لإعادة التكوين أدت الى نوع من الطرد المركزي والجذب احيانا للجديد والقديم والعادي والغريب من شتى مراحل التكوين السوسيولجي لهذا الشعب في بوتقة واحد نأمل ان يكون مخاضها مثمرا بالنهاية ,ولن ينفع ان تكون رساما فيجب ان تكتب خطاطا بعدما الزمت نفسك بقالب الزخارف الأسلامية وانت تدافع عن مهنة الفن وتبحث لها عن جذور تتمسك بها لتحميك من الألسن,ولن لن ينقذك ان تقول شاعرا ما لم تبقى في خط المدح لرؤوس المجتمع القبلي وبالتالي الحكومي والذم لكل ما يذموه هم لا انت برؤيتك الشعرية الحرة والا اصبحت مناديا بالفسق والفجور وينتهي بك الأمر بائعا مفترشا اكياس الزعرور ,وكم تتمنى لو كنت ضابطا انسانيتك بلجام لتصبح ضابطا في الشرطة وتخرس هذه الأعين الناظرة اليك بعد معرفة مهنتك في تدريس الفنون بمجرد ان تعدل رتبتك التي تستقر كما الملاك الحارس على اكتافك فتحيل الوجه الشامت الساخر الى متوسل متوجس مفرط في الأحترام ومبالغ في التقدير توخيا لأي صدفة قد تجعله بين يديك الحديديتين يوما ما ,فيتحول في اللحظة هذا الكائن من متعالي واعظ ديني اجتماعي في خطبته محلق بكلماته متألق الى شيء ما يزحف مقبلا متملق والى رتبتك اللامعة متسلق ! ,الا ان كل هذه الصور لم تكن لتحبطني اكثر مما انا محبط ,فها هي حياتي التي كنت استحقها من بين زملائي , وكل حسب قدرته , ولكن في العراق ليس كل حسب حاجته ,ودعه يعمل دعه يمر, ولكن في العراق لا عمل ولا مرور ,كل هذا وانا اقف امام باب مسرح الكلية في اول ايام الدراسة اسمع اصواتا من الداخل يختلط فيها الحوار المسرحي بالضحك ,والمرح والصراخ الشبابي المبالغ فيه , ومن بين كل هذه الضجة تسمع موسيقى جميلة لم تخني جرأتي وطرقت الباب وخرج علي بودي كارد بمعنى الكلمة وعلمت بعدها انه الطالب الذي توكل اليه وظيفة مدير المسرح اثناء التمارين , فمن مواصفاته البلادة وشحة الموهبة, وكثرة في الطول والعرض , ويكون على الأغلب من الذين لم يسعفهم المال والواسطة لدخول كلية الشرطة, فأبتسم له القدر ومنحه بابا يحرسه ويمرر الداخل والخارج منه بأمر مزاجي وهو يجلس والسيكارة في يده ونشوى تخيله صوت صفير سيارة الشرطة تشع من عينيه !

تعمدت الصدق بطلب الدخول للتفرج فأنا طالب جديد ويثيرني ما اسمع من اصوات في الداخل , فقال تفضل ولكن بلا صوت يخرج منك والا اخرجتك, وكنت متفاجأ من هذه التحذيرات الا انني تغاضيت مجبورا لأجل الدخول ولم اعلق على كلامه ,وبجو شبه مظلم اذ ان الأضواء مسلطة على خشبة المسرح فقط تسحبت وجلست قرب طالب لم تتضح ملامح لا المكان وجهه الا بعد دقائق فكان بالصدفة احد الطلبة الأردنيين ,ولم افوت الفرصة فهذا يعتبر بالنسبة لي باب يفتح لأعرف ماذا يدور خارج سجن العراق الذي لم يأتيني فيه للزيارة احد من قبل ,فالوفود تذهب لمصدر النقود , أي للمسئولين وليس لها علاقة بالشعب الذي تنادي لكسر حصاره بالأعلام ليل نهار ,واثناء محاولة ترتيبي لجملة البداية لاحظت ان المقعد الدراسي الذي نجلس عليه هو من نفس نوع المقاعد الكويتية ,فأحببت ان اعرف وجهة نظره بهذه اللحظة الرمزية ,اردني يجلس على مقعد دراسي كويتي في كلية الفنون الجميلة ,شيء غريب جدا , وفي اثناء تفكيري بجملة البداية بادرني هو بالسلام بهمس فهنالك تمرين مسرحي يدور على الخشبة , وتجاوبت معه مرحبا به في العراق وما شابه من المجاملات السخيفة التي تعودنا زجها في كل حديث مع غريب في بلدنا طمعا في البقاء بمركز الصدارة تحت بند الكرم الطائي الذي ذبح حصانه للضيوف واتخذناها مثالا فذبحنا ابناءنا للدفاع عن من لا نعرفهم ,فكل شهيد حرب او قتيل مهزلة مكتوب تحت صورته مات دفاعا عن العروبة والأسلام والوطن والشعب وكل واحدة منها تحتاج تفسيرا لما يزحف ابن هذا المضحي بنفسه على الأرض لا حسا ترابها من الجوع !, فأين هم من دافع عنهم ليدفعوا شبح الفقر عن اسرته !, محمد اخبرني ان السنة الدراسية تكلفه في بلده ستة الاف دولار وهنا تعطيه الحكومة العراقية مائتي دولار شهريا ليأتي ويدرس في العراق , واخبرني ايضا انه يلتقي بالمسئولين الكبار اسبوعيا ليسألوهم عن احتياجاتهم واي طريقة لتيسير حياتهم داخل البلد المعطاء الكريم ,واثناء دهشتي بما اعرف لأول مرة من معلومات لم اتوقعها في اول ايام الدراسة ان تكون صادمة بهذا الشكل , لاحظت انه يكثر من صب الغضب على اعداء العراق وينادي بحب العراق ونصرة شعبه وانه عراقي اكثر من العراقي في عداءه لأميركا ,وكان مسترسلا بحيث مللت واستوقفته سائلا عن رأيه في ما مكتوب على المقعد الدراسي الكويتي الذي نجلس عليه , فقال ان يهود الخليج لا يستحقون ان يدرسوا فقد خانوا الأمة ,وانا خفت ان يكون اعتراضي على ما قال مدعاة لعدم عودتي للبيت قطعة واحدة , فهو يلتقي بالمسئولين يا عيني وانا استجدي احتراما من شرطي يطلب هويتي في الشارع كل يوم حفاظا على امن العراق من الدخلاء والجواسيس ,ورأيت ان تغيير الموضوع سينقذني من خطاب السياسة هذا ,فسألته عن ثمن خاتم كان في اصبعه وجاملته بأنه يبدوا راقيا وجميلا في يدك, فأنتزعه من يده لأنظر فيه جيدا فقد كان الظلام شبه مخيم ,واشعلت نارا من قداحة سكائري لأركز فيما كتب على جوانب الخاتم الفضي ذو الجوهرة الزرقاء اللامعة واذا بي اقرأ جملة القوة الجوية الأميركية واشتعل فضولا ,بالتأكيد كانت الأبتسامة الصفراء تنتزع من وجهي براءته وانا اسأل محمد ما سبب ارتداءك لهذا الخاتم عزيزي المناضل الذي قال قبل قليل انه سيموت دفاعا عن العراق لو جاءت امريكا لأحتلاله !!, فغرس الخاتم بجيبه ولم يرتديه وبرر الأمر بأن والده كان في دورة تدريبية في الولايات المتحدة الأميركية بوصفه ضابطا في سلاح الطيران الأردني ,ولما عاد كان هذا الخاتم من ضمن الهدايا العديدة للمتخرجين من تلك الدورة, وزاد في كلامه وانا محدق فيه بدهشة ,وقال بان هذا لا يعني ان الولد على سر ابيه وضحك لتلافي الحدث وعرض علي سيكارة اميركية ايضا !,لم يكمل هذا الطالب سنوات دراسته المجانية في حضن كرم العراق على المقاعد الكويتية , فقد حالت الحرب في 2003 الى ان لا يكمل السنة الأخيرة من دراسته كما سمعت, هو والكثيرين من امثاله ورحلوا عن ارض الهرب قبل الحرب بأشهر , حالت الحرب التي شنتها امريكا لتغيير النظام العراقي دون ان ينتفع هو امثاله بمجانية التعليم العراقي والرواتب الشهرية ,ليزداد المتعلمين في ارض العرب ,بنفس اعداد المتسولين في ارض الهرب !.

لم ارى ما يشوقني في المسرحية التي يتم التمرين عليها على الخشبة امامي اكثر من الشخصية الدرامية الجالسة بقربي والذي دعاني لتناول القهوة على طريقة بلاده كنوع من المجاملة ,وانا بادرت محمد انني لا اعرف مقهى في مدينتي الحلة يقدم القهوة على الطريقة البدوية فضحك وقال في بيتنا الجديد في مدينتكم نشرب القهوة كما في بلدنا فتفضل, وتفضلت خارجا معه من الكلية لبيتهم السبع نجوم حيث علمت انه لثري من المدينة ولما دخلنا سلمت على اربعة منهم كان اثنان من اليمن والباقي من الأردن وبين نكتة وضحكة وتعارف ومجاملة جاءت القهوة التي لم ترق لي حيث تعودتها مرة وها هي كأس طويل نصفه سكر والباقي قهوة لم تذب جيدا حسب رأيي وقتها الا انني اكتشفت ان السبب هو الكثافة ,وبين كلمة واخرى طلبوا مني ان اساعدهم بأخراج مشاهد تمثيلية كان اساتذة المسرح في الكلية كلفوهم بها واجبا في الدرس ,فخطر ببالي ان اسألهم ان كانت موهبتهم التي عبروا الحدود قد ضاعت ف الطريق , فبادروا بالأجابة القاطعة ان لا يوجد كلية اردنية تقبلنا بالمعدلات التي جئنا بها في الأعدادية لهذا كان العراق اختيارنا , واكمل بدوري , كان العراق اختيارهم ليكملوا مسيرة العلم والتقدم نحو الخلف قفزة تلو اخرى, فقد عهدت هذا الكرم من العراق نحو الأشقاء دوما , بأن يأتي بارباب السجون ليسدوا النقص الحاصل في اليد العاملة اثناء ما كانت هذه اليد تحمل السلاح لتدافع عن ارباب السجون ذاتهم , وان يأتي بأصحاب اوطأ الدرجات العلمية ليحتلوا مكانهم في مسيرة مجانية التعليم العراقي بدون اختبار لطاقاتهم الفنية فيكفي انهم تكفلوا عناء السفر , ويجب بالطبع ان نعطيهم رواتب شهرية ليتكرموا ويتفضلوا ويزيدونا علما وعبقرية, رحمة , ولا يهم ان لم يستطيعوا اداء مشهد تمثيلي في اثناء دراسة المسرح,زحمة, ولا حتى بعدها عزيزي القارىء فالمهم انهم ليسوا من شعب العراق لهذا يستحقون مجانية العراق, عفوا التعليم ,لا فرق بصراحة !.بالطبع ساعدتهم , وكثيرا,فكنت احسبهم عين على الخارج واذا بهم عيون على حقيقة الداخل التي لا تسمح مكانتي كعراقي متواضع بمعرفتها,كالنوادي الخاصة وحفلات المجون, واماكن الأستجمام السرية لعلية القوم ,وكانت هذه تمتعني بقدر ما تثير حيرتي وتطبع على عيني اليسرى علامة استفهام وعلى اليمنى التعجب , لأنني في كل مرة انتشل معلومة عن العراق الذي اتفاجأ به لأول مرة ,واصبحت اسمع منهم بقدر مااسمع عن الشباب العراقي الذي يذهب للبحث عن عمل في الأردن ويرجع فارغ الجيب مكللا بالورود منتصرا معززا مكرما منقوش على جبينه يعطيك العافية حبيبي وهو يسير على ارض عراقية تم تعبيدها وإهداءها من ضمن المجانية , وما هي خريطة العراق الا شخبطة قلم الأستعمار اللعين الذي قسمنا اربا اربا والآن حان دور التحامنا من جديد , ولكني لم اجد ارضا من أي بلد يحيط بالعراق تضاف اليه كما استقطع من خريطته الشبر تلو الشبر حتى بدأ يصغر ويخنق شعبه المسكين الذي لم يجد للطيران وسيلة وإلا لهرب للسماء محلقا وانحنت الرؤوس باليأس الى الأرض وصار العراقي يحفر القبر تلو القبر, غريبة صح؟!, أي نعم, في حالة كونك لست قارئ عراقي .!,مع ان كل كاتب يهدف للهرب من الكتابة عن بلاوي بلده اصبح يكتب عن العراق بعد 2003 ليتجنب هراوات الشرطة من حكومته حينا وليمتص اخر ما يملك سراق العراق من الكنوز المحمولة جوا اثناء هربهم من قصاص الشعب المنهار احيانا اخرى ,الآن غريبة بأمتياز !.

يتبع ….
لحظة عارية – 10
الكاتب
سرمد السرمدي
العراق




#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل المشاركين في مسرحية عراقية !
- التمر العراقي والقوة الجنسية عند الكتاب العرب
- جفت دموع العراقيات في بلد دجلة والفرات
- الفن العراقي عاري عاري عاري
- علكة صهيونية تغزوا الأسواق العراقية
- ليس في لوحة الغدر لون للرجال – لحظة عارية 3
- القاهرة تكتب وبيروت تطبع والعراق يغرق - لحظة عارية 2
- رسالة عراقية ل عمر موسى
- لحظة عارية 1
- فنية الفعل في القرن الواحد والعشرين
- العصر الجليدي الخامس
- نحو السهل الممتنع
- ألف باء الآه
- ثالث اثنين الميكانو
- بعثرة في بعثرة
- ذات كيان الذات
- نقطة التلاقي الأفتراقية..افتراضية فن ثامن !
- نقطة التلاقي الأفتراقية في اخر الفنون واخيرها !
- في اخر الفنون واخيرها !
- تداخل افتراضات الفن الثامن !


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - مقاعد دراسية اسرائيلية في الجامعات العراقية