أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باهي صالح - سطور من الفصل الثّاني عشر من رواية كرة الثلج















المزيد.....

سطور من الفصل الثّاني عشر من رواية كرة الثلج


باهي صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2735 - 2009 / 8 / 11 - 07:28
المحور: الادب والفن
    


إنّها العبثيّة و الفوضى و ما الدّيموقراطيّة و العدالة و الحرّية و شرف الإنسان و التّديّن إلاّ أغطية تعمية و تمويه، ما يفعله البشر ببعضهم البعض يترجمه الواقع و تتجلّى نتائجه و أهدافه و دوافعه في شكل قصور و صروح و شركات و أراضي ومشاريع و أملاك و حسابات متخمة في بنوك داخليّة و خارجيّة! فإلى متى يكتفي بدور المتفرّج و المنتظر لقدره ؟!إلى متى يتتبّع الجدار و الظّلال و يخاف النّور؟!إلى متى يعيش مسلوب الإرادة و الحرّية؟!إلى متى يشارك في دفع ضريبة الظّلم و العبثيّة و الفوضى، الجور و الإجحاف و الاستغلال الّذي يمارسه الأقوياء ضدّ الضّعفاء؟!غلت الأفكار و التّساؤلات في رأسه و منعت عنه النّوم إلى أن طلع النهار و استضاء بأنوار يوم صيفيّ جديد. جاءته صفيّة كالعادة بفطور الصّباح، تناول ما تيسّر له و قام و أصلح من هندامه و سرّح شعره( أصبحت عملية تسريحه محنة بعد أن استطال و مضى وقت على موعد حلقه ) في عجالة على مرآته الجداريّة الصّغيرة ، كانت السّاعة السّابعة و النّصف و هو يحثّ سيره إلى مقرّ المحكمة.
شارفت قضيّة التّعويض على السّنة و لم يُقضى فيها بشيء، كم مرّة أضحكته تعليقات والده حين يسأله عن التّقدّم الحاصل و الّذي اقتصر على تأجيلات متكرّرة و دفوعات و ترجيعات لا تنتهي بين وكيل الضّحيّة ( جابر ) و محام صندوق التّأمين! لحسن حظّه أنّه اكتسب خبرة مناسبة في التّقاضي و كتابة العرائض و الرّدود و إنجاز الوثائق الطبيّة و غيرها و نجح في لعب دور منوط أساسا بسلك المحاماة مستعينا بكتاب في قانون الإجراءات المدنية صادف وجوده بين كتبه و وفّر على نفسه و على عائلته مصاريف تكليف محام كما يفعل النّاس عادة.
تفتح المحكمة أبوابها على الثّامنة صباحا، في أعلى مدخلها رسْم بخطوط نحاسيّة بارزة يلخّص المهمّة المفترضة، ميزان متكافئ الكفّتين فوق كتاب مفتوح الأوّل يرمز للعدالة و الثّاني للحقّ و القانون! في الباب وقف شرطيّان متنمّران ككلبي حراسة يرقبان توافد النّاس بأعين شكّاكة متحفّزة لكلّ عصاته السّوداء يلوّح بها في الوجوه و يهشّ بها على الدّاخلين و الخارجين و ما هي إلاّ ساعة حتّى امتلأت القاعة و اكتظّت في أكثر من نصفها بنساء و رجال من العوامّ و المغلوبين على أمرهم بين واقف لم يجد مكانا للجلوس و جالس على مقاعد خشبيّة طوليّة غير مريحة، خُصّ القسم الأمامي من القاعة للمحامين و ممثّل الادّعاء و الّذي تمّ إعداده بمنابر و مكاتب و مقاعد خشبيّة منضّدة و مريحة على عكس تلك المخصّصة للمتقاضين، أمّا مجلس القاضي و مساعديه فقد صُمّم بطريقة تعمّدت إيقاع الرّهبة في النّفوس و دفع إحساس بالضّآلة و الإذلال لعلوّه و وقوع ما خلاه أسفله، و حتّى يكتمل التّمييز بين ممثّلي الدّولة و العدالة من جهة و بين الرّعيّة و أفرادها من جهة أخرى فقد مُدّ بين الطّرفين سياج من الخشب أيضا بارتفاع نصف قامة الشّخص البالغ يفصل و يميّز هذا الطّرف عن ذاك، في وسطه بوّابة تتيح لمن نودي له أن يتقدّم من خلالها إلى حيث يضطرّه متراس آخر بنفس الارتفاع للوقوف على بعد مترين بذلّ و رهبة ينتظر صامتا ذليلا منكّس الرّأس ما يقرّره القاضي و ما يجري به قلمه !
المحامون واقفون بعباءاتهم السّوداء كالجوارح و الغربان السّود داخل منطقتهم يتحدّثون و يتمازحون مثلهم مثل من اكتظّت بهم أكثر من نصف القاعة يشغلون أنفسهم و يقتلون الوقت في انتظار تجلّى هيئة المحكمة الموقّرة؟
حشر جابر نفسه في زاوية بين المنتظرين، كلّ الأعين على باب داخلي مخصّص للقاضي و مساعديه، لا أحد يمكنه التّنبّؤ بانفتاحه و طلوع الوجوه المشرقة بالكبر و هيبة القدر و المقام، قد يكون بعد دقيقة أو بعد ساعة أو في آخر النّهار أو تمضي السّاعات و يؤمر النّاس بالمغادرة؟! ليس أمامهم إلاّ الصّبر و الاصطبار..!
تفحّص الحشد المتمايل على بعضه البعض، منظرهم أشبه بقطيع من الماشية حشر حشرا داخل زريبة لا تسعهم، سحنهم، هيئاتهم،أعينهم المرهوبة الحائرة، بؤسهم و استكانتهم و انضباطهم، قدرتهم العالية على التّحمّل، مناعتهم ضدّ الجزع و التذمّر، طول الأمل و الرّجاء في عدالة تنصفهم و تعيد لهم حقوقهم الضّائعة، تلك سماتهم و ما تفضحه ملامحهم، الغريب أن لا واحد منهم تتوسّم فيه الوجاهة أو الغنى أو علوّ الشّأن و المنصب، مجرّد خليط متهالك على بعضه من النّساء و الشّيوخ و الرّجال وبعض الشّبان تقرأ في وجوههم علامات الفقر و الجهل و تلمح عليها آثار الظّلم و القهر و الضّياع و قلّة الحيلة، على أقصى تقدير ليسوا سوى مصدر استرزاق للطّيور الجارحة و الغربان السّود ( المحامون ) تتصيّدهم لتمتصّ دماءهم و توهمهم بأنّ بأيديهم رفع المظالم و استعادة الحقوق!
إنّه واحد منهم، واحد من القطيع المحشور و المنسيّ هناك، قد يكون خروفا أو تيسا ينتظر مع المنتظرين ما يراه و ما يقرّره أسيادهم، إمّا ذبح أو علف أو بيع أو تسريح بإحسان للفلاة يحتال لنفسه و لعيشه؟!
رنّ الجرس فانتصب النّاس وقوفا و خيّم الصّمت الرّهيب،تجلّى القاضي و في إثره مساعداه يحملان و يحتضنان الملفّات و الدّفاتر، لم يكن القاضي الّذي جلس متوسّطا مساعديه إلاّ شابّة لا يمكن أن يكون سنّها فوق السّادسة أو السّابعة و العشرين،شكلها عادي تلبس حجابا بنّي اللّون و تختمر خمارا أبيضا، متكوّرة بها بدانة، صدرها بارز يسبقها، يحرّكها و يطبعها علوّ المنصب و أهمّيته، أشارت لمن كان جالسا أن يجلس و ضربت بمطرقتها تأمر بالصّمت و الإنصات، اشرأبّت الأعناق و تطاولت تنظر و تصيخ السّمع، بصوت منخفض لا يكاد يسمع بدأت تنادي بالرّقم و الاسم غير مبالية بمن سمع و بمن لم يسمع، تقدّم شيخ بعد أن أخبره من حوله همسا بأنّه معنيّ، بدا تائها و كأنّه في متاهة لا يدري ما يجري من حوله، اقتاده أحد الشّرطيين إلى المنصّة المخصّصة، حاول الاقتراب ليفهم، ليسمع و يستفسر لكنّ الشّرطيّ منعه من تجاوز المنطقة المحرّمة، تلعثم و لم يدري ما يقول، نظر حوله مستنجدا و لم ينجده و لم يسعفه أحد؟! صاحت القاضية في وجهه: أين محاميك؟!..انصرف هيّا..ألا تسمع؟!
وضع كلب الحراسة أقصد الشّرطيّ يده على كتف الشّيخ و همس في أذنه بشيء ما و جرّه من يده إلى الخارج و هو يردّد حائرا مذهولا:ماذا قالت لم أفهم..لم اسمع شيئا؟!
في المرّة القادمة.. قالت..عد في المرّة القادمة قالت لك و احضر محاميك؟!قال الشّرطيّ للشّيخ و هو يأخذ بيده إلى خارج القاعة!
تقدّمت عجوز برفقة فتاة، سألتها القاضية عن شيء لم تفهمه أو لم تسمعه، كرّرت عليها السّؤال! التفتت العجوز للفتاة تسألها و تستفسر منها لكنّ القاضية لم تمهلها و لم تنتظرها، طوت ملفّها تقرّر و تخطّ عليه بالقلم:أجّلت القضيّة إلى تاريخ الثّاني و العشرين من هذا الشّهر؟! و أشير لهما بالخروج!
القضيّة رقم732، فلان و فلان و فلان، تقدّم ثلاثتهم، على محيّاهم و مظهرهم تلوح سيماء البساطة و البداوة و الإرهاق من عنت الأيّام و الأحوال، شبكوا أيديهم خلف ظهورهم خنوعا و انصياعا، أمرت القاضية أحدهم أن يبتعد إلى ما وراء المنصّة و يستقيم إلى جانب رفيقيه، امتثل فورا، تقدّم غراب أسود و هو المحامي المكلّف بقضيّتهم، أشار لهم بالتزام الصّمت و قدّم ورقة للقاضية و تراجع بهدوء و أدب، وضعت الورقة داخل الملفّ و صرفت الثّلاثة لجلسة قادمة دون أن يتفوّه أحدهم بكلمة واحدة ثمّ جاء دور رجل متّسخ اللّباس متجعّد الوجه أغبره، نطق بضع كلمات و التفت ليلحق به في المنصّة عشرة من أمثاله في المظهر و الملامح، تراصّوا أمام هيئة المحكمة بانضباط الجنود و انتظامهم في ساحة العلم، قدّم محاميهم الدّفوعات الخاصّة بهم، وضعت القاضية كلّ ورقة في ملفّها و صرفتهم كلّهم لجلسة قادمة!غادروا القاعة صفّا واحدا بهدوء منكّسي الرؤوس؟! كان واضحا أنّهم مجموعة من العمّال المطرودين من عملهم قصدوا العدالة طمعا في نيل حقوقهم الضّائعة المهضومة!؟
بنظراتها الدّونيّة الفوقيّة استمرّت القاضية تنادي و تتعجّل الانتهاء ممّا تكدّس بين أيديها من ملفّات، أغلب القضايا مؤجّلة أو بها عيب في الشّكل أو القانون،تحوّلت القاعة إلى فرن ساخن، تصبّب العرق ولهث العباد و تناقص عددهم بمرور الوقت.
القضيّة رقم 825، حامد سامرين، صندوق التّأمين الاجتماعي؟
شقّ جابر الحاجز البشري و خطا إلى حيث يجب أن يقف، لكنّ القاضية قرّرت حتّى قبل أن يصل إلى هناك بتأجيل القضيّة للثّاني و العشرين رغم أنّه و ممثّل خصمه استنفذا كل ما في حوزتهما من ردود و دفوعات؟!استدار مستاء يغادر قاعة المحكمة و حين اصبح في الشّارع نظر في ساعته و حمد اللّه على أنّه لم يمكث هناك إلاّ ساعتين و نصف؟!برّد تحرك الهواء حوله وجهه و يديه المتعرّقتين و انتعش بالهواء و الاتّساع و بحرّية الحركة.



#باهي_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل إسلام الغالبيّة ممسوخ أم منسوخ....؟!
- على من يكذب أمين منظّمة المؤتمر الإسلامي....؟!
- احتقان، شغب..و سخط عامّ! الفصل الأوّل (2)
- نعم أنا مسلم و لكن....؟!
- احتقان، شغب..و سخط عامّ! (1)
- مقدّمة رواية كرة الثلج الصّادرة في سنة 2006
- تُرى هل العين حقّ أم مجرّد خرافة و ظاهرة غباء و تخلّف...؟!


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باهي صالح - سطور من الفصل الثّاني عشر من رواية كرة الثلج