أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين المرزوكي - الواقعية الاشتراكية والنزعة اليسارية الطفولية _رد على مقال _















المزيد.....


الواقعية الاشتراكية والنزعة اليسارية الطفولية _رد على مقال _


ياسين المرزوكي

الحوار المتمدن-العدد: 2732 - 2009 / 8 / 8 - 10:58
المحور: الادب والفن
    





طرح السيد سامي المغربي مقالة _أرضية للنقاش _ على الحوار المتمدن - العدد: 2593 - 2009 / 3 / 22 حول الفن الاشتراكي الجماهيري الملتزم
وأرضية النقاش هذه اذ تذكر بمجموع الطاقات الإبداعية التي ظهرت في السنوات الأخيرة , مرافقة المد الجماهيري العفوي , فإنها تنشد نقاشا رفاقيا هدفه تطوير النقاش وإعطاءه الأهمية اللازمة التي يستحقها , نظرا لما يمثله الفن من دور كبير وطليعي في حياة (الشعب)
وعلى الرغم من ان السيد سامي المغربي يبدا مقاله بتأكيد الولاء للرفيق ماو اسد الجبال الجدلي ومشيرا في الآن ذاته الى مقولته (لاثورة بدون ادب وفن ثوريين) الا ان العديد من الافكار التي وردت في مقاله لا تأتي كجزء عضوي من الارضية التي طرحها للنقاش بل يصبح احيانا عرض مقولات العديد من المفكرين امثال تشيرنيشفسكي او لوسيان غولدمان اواعطاء امثلة بفان كوخ او غوته من ناقل القول اذ لا تنسجم في عضوية بحثه .
يقول السيد سامي في مقدمة المقال "الملاحظة البارزة هي غياب دراسات نقدية لهاته الاعمال على ضوء المنهج المادي الجدلي " وهو يقصد بالطبع اعمالا مثل الرسم والقصة والكاريكاتور والشعر ولعل صاحب المقال هنا يخلط بين دراسة الطبيعة واستخلاص القوانين منها , أي قوانين العلم والمعرفة , وبين دراسة الاعمال الادبية والفنية التي تتم على ضوء المنهج النقدي الواقعي . الفرق جلي اذ في الطبيعة يتم تبادل التأثير بين قوى عفوية عمياء بينما هي ليست كذلك في الظواهر الاجتماعية مثل الفن والادب .
ونقصد يالمنهجية النقدية الواقعية تلك المدرسة المؤسسة على نظرية نقدية في فهم الادب والفن واكتشاف القيم الجمالية والنفسية والفكرية والاجتماعية في أي عمل ادبي او فني وهي تتطلب من الناقد (التحلي بقدر من المعرفة تتصل بالنفس الانسانية , وقوانين تطور المجتمع وطبيعة العلاقة بين العام والخاص وكذا رؤية آنية ملمة بقضايا العصر والتي تساعد الناقد على معرفة موقف العمل الادبي او النقدي من هاته القضايا ). هاته المنهجية هو ما يمكن ان نطلق على جزء منها صفة الواقعية وعلى الجزء الاخر صفة الواقعية الاشتراكية , نعم فهناك فرق بين المدرستين وسنتبين ذلك في حينه .
يطرح صاحب المقال في المقابل بان دراسة نقدية لهاته الاعمال ستمكننا من تقييم هاته الاعمال الفنية وتطويرها وهذا صحيح لكن من لديه الحق في القيام بهذه الدراسة النقدية , بطريقة اخرى هل وجود علاقة سياسية بين الناقد وصاحب العمل سوف لن يؤثر على نوع وطريقة ومحتوى أي نقد او أي تقييم . والمثال واضح امامنا فالكثير من النقاد في العالم العربي يصدحون بعظمة هذا العمل أوذاك بينما في العمق هناك علاقة شخصية او حزبية او سياسوية ضيقة فرضت كل ذلك . في المقابل كانت العديد من الاعمال التي لاقت نجاحا وتوفيقا باهرين , رغم لامبالاة طائفة النقاد تجاهها . هذا كم جهة .
من جهة أخرى حتى ولو افترضنا بأن هناك ناقد موضوعي سيتقدم للقيام بنقد تحت ضوء كل تلك الاشياء التي ذكرناها , هل سيكون ذلك كافيا بينما هذا الناقد لا يتوفر على الحساسية الدتية القادرة على رؤية خصوصية هذا العمل الادبي والفني والقيم الخاصة به . الجواب بالتاكيد هو لا .
ان المنهجية التي نقول بها والتي هي "نقدية " هي منهجية متحركة وليست تابتة متطورة ومتجددة من حيث التطبيق العملي تابتة من حيث الجوهر والاسس والمقاييس , وهي بهذه الصفات فقط تستحق وصف "النقدية " ان رؤية هذه المنهجية لاي عمل فني ذو قيمة هو جزء من الحركة الشاملة المؤثرة والمرافقة لكل عمل فني.

انتقل السيد سامي بعد ذلك الى تعريف وظيفة الفن وقال بأنه "من أجل تحديد وظيفة الفن يجب اولا تحيدي طبيعة الفن ومن اجل تحديد طبيعة الفن لا بد من فهم العلاقة الجدلية بين البنية الفوقية والبنية التحتية "
وأعتقد بان نقل هذا التحديد الصحيح الى المجال الفني والادبي الذي هو مجال معقد ومركب سيقودنا الى أخطاء عديدة .
لماذا لانه مجال يخضع في تحركه لمكنيزمات عديدة موضوعية خارجة عنه وذاتية كامنة فيه تسترعي الانتباه والملاحظة , الدراسة والاستنتاج .
اننا نتفق مع السيد سامي بان الفن ياخذ محتواه من الواقع , ويعكس النشاط العملي للناس , اذ انه احد أشكال الوعي , واحد اشكال معرفة الواقع , الا ان للفن علاقة وثيقة بالاحساس الجمالي , وهذان الموضوعان متفاعلان على الدوام في عملية معقدة وطويلة هي ذاتها العملية التي يمر بها تشكل الإحساس الجمالي لدى أي انسان .
اننا عندما نقول بان الفن هو احد اشكال معرفة الواقع أي انه يمثل انعكاسا لهذا الواقع أو ذاك لكن كيف يتم ذلك هنا جوهر المسالة اذ ان الموضوع يحتاج الى مقاربة على اساس نظرية الانعكاس .


كيف يرى السيد سامي ذلك _الرؤية اليسارية الضيقة .
يستشهد السيد سامي بهنري ارفون ( كل بنية تحتية يتحدد تقابلها مبدئيا ببنيات فوقية من الطبيعة نفسها ) . ويضيف مستشهدا بكارل ماركس (( الفكر السائد هو فكر الطبقة السائدة )) . وأيضا ((الطبقة التي تسيطر على المجتمع ماديا تسيطر عليه روحيا )) كارل ماركس . هذه المقولات الصحيحة طبعا في عهد كارل ماركس تعميمها الان هو عين الخطا وارتماء في بركة الدجل الايديولوجي , اسقاط مقولات كهذه على مياديين متحركة باستمرار كفيل بزوغان أي ناقد او كاتب ينشد الموضوعية في انتاجه . كيف ذلك .
تاتي مقولة كارل ماركس في ظروف الثورات البرجوازية حيث ان الراسمالية لتقيم السوق الوطنية أخذت بتحطيم الاسوار بين الامم وانتزاع الصناعة من قاعدتها القومية . يقول كارل ماركس ( على انقاض الانعزال القطري والقومي القديم القائم على الاكتفاء الذاتي تنمو تجارة عالمية وتبعية متبادلة بين الامم ) هذه التبعية يراها ماركس قائمة في كل المجالات بما فيها المجال المعرفي والفني .
لم يشهد ماركس عصر الامبريالية , اذ ان التبعية التي كان يراها تبعية متبادلة اصبحت تبعية احادية لصالح الطرف الاقوى اقتصاديا ( نتحدث هنا تقريبا من حقبة الاستعمار, الى حدود الان ) ان هذا هو منطق السوق الرأسمالي , فحتى الغرب الراسمالي المتقدم صناعيا ومعرفيا وعسكريا , يخضع بدوره لهيمنة الاقوى .
لكن هنا نطرح سؤالا جوهريا , هل تاريخ الغرب تاريخ رأسماليته فقط , تاريخ النهب والاضطهاد والاستغلال والاستعمار فقط
الجواب بلا طبعا
فتاريخ الغرب هو أيضا تاريخ الكمونة والثورات الديمقراطية ونضال الطبقة العاملة وخاصة ثورة اكتوبر , كل هاته المعطيات والتجارب انصهرت في بوثقة واحدة لتصبح ثقافة ملايين الشعوب ومطمحا فكريا لشعوب اخرى . ما أردت قوله هو اننا بتنا نعرف تحطم الحدود وتوحد التاريخ وفي هذه الاجواء يمكن للعالم النامي ان يعرف ظاهرة غاية في الاهمية .
يمكن للبنية الفوقية ان تتجاوز البنية التحتية .
لقد اعطى العالم النامي وفي انماط انتاج اقطاعية او رأسمالية تبعية أسماء كبرى اخص بالذكر في العالم العربي , نجيب محفوظ وعبد الرحمان منيف وحنا مينة والطيب صالح .و حيدر حيدر ..........كما يمكن ان نستحضر على سبيل المثال تجربة امريكا اللاتينية كذلك , بورخيص وغابرييل غارسيا ماركيز و نيرودا وآخرون , ذكرت العديد من الاسماء التي تتراوح اعمالها بين القصة والرواية والشعر , اذ في نظري اعمال كهذه وخاصة الرواية هي من تعطينا صورة واضحة عن المواقف السياسية والفكرية والاجتماعية , لذلك نحن نستحضرها هنا دون غيرها .
يقول السيد سامي (( غالبا ما يتم اتهام الفنانين الواقعيين , من ان اعمالهم يغلب عليها الطابع المأساوي المحزن والسوداوية ....)) بماذا يجيب صاحب المقال على هذا الاتهام .
انه يرفع كتفيه الى اعلى قائلا " ليس ذنب المرآة ان تعكس القبح "
ان المرآة تعكس الواقع ليس الا , كما يعكس الواقعيون الحياة .
ان هذه الرؤية يؤسفني أن أصفها بالرؤية الساذجة والطفولية , إنها ترى علاقة الأدب والفن بالواقع كعلاقة انعكاس مرآتية , علاقة التابع بالمتبوع , ان الفن والأدب واللابداع عموما في هذه الحالة هو الطرف الأضعف كما يشير إلى ذلك حسين مروة .
ان هذه الرؤية تفرض انه لا وجود لكيان فني مركب ومعقد قائم بذاته قبل ان يتفاعل مع الواقع ويمكنه في بعض الأحيان ان يعطي للواقع اكثر مما ياخذ منه , ان اصحاب هذه النظرة يقولون " الفن النضالي يكون في الخلف ويشكل قاعدة خلفية " بتبسيطية مضحكة يقدم لنا صاحب المقال نظرية الانعكاس على انها علاقة ميكانيكة بين الواقع والادب والفن .
ان عكس الواقع في نهاية الامر لا يتم بواسطة مرآة بل بواسطة ذات مفكرة لها أحاسيس ومشاعر وأفكار سياسية لذلك فقد وصفت الامر في أسطر سابقة بانه معقد ويحتاج الى حساسية ذاتية , لدى الناقد والكاتب على حد سواء
ان التفاعل الذي نقول به بين الواقع والفن يفرض تبادل الفعل ولا يحصر وظيفة الواقع في الفعل ووظيفة الفن في الانفعال وبذلك فنحن نعارض هذه النظرة الميكانيكية الساذجة وذات النفحة اليسارية الضيقة
هناك رؤية أخرى وهي الرؤية المسماة بالفن لاجل الفن , وهذه الرؤية ملخصة في محاولة عزل الفنانين عن حركة الواقع والقول بان الفن تفسده السياسة و تفقده قيمته الفنية , وطبعا فهذه الرؤية معادية لكل ما هو تقدمي , ناهجة سياسة اللاتسييس وادلجة اللاادلجة .
يشير غوركي الا ان الكاتب يجب ان يجنح الى البساطة والوضوح والايحاء وهو ما لا يلاحظ عامة في بعض الاعمال التي اطلعت عليها , اذ انها كتابات مباشرة وتحريضية وتفقد في احايين كثيرة الصلة بالفن والرؤية الجمالية , وتتحول في النهاية الى دعاية سياسوية ضيقة تفرض مجالات أضيق لوجودها وتأثيرها لنأخذ هذا المثال .

عن اللينينية تدافع
عن صورة ستالين
عن مسيرة ماو الكبرى
عن ثورة العمال والفلاحين
تيهي ايه صواريخ الكاتيوشا طيري
وحلقي من ستالين غراد
دويك في البيرو
وفي بغداد
بغداد أصبحت مرة اخرى
حربا أخرى
ستالين جراد
أخرى
النيبال انتصرت
غونزالوا قيد تكسر من قيودك
عاصفة هبت من الهملايا
أزاحت بعض قاذوراتهم عن ضريح ستالين
راية اخرى ارتفعت
تهتف عاش لينين
عاش برجندا
وعد اصدق من كل الوعود
عهد تجدد
بعد كل تلك العهود

ان كاتب هذه الكلمات المحسوبة على حقل الشعر ومهما كانت درجات صدقه في التعاطي مع قضية البروليتاريا , يتنهي بشعره الى أماكن معزولة , إذ أن من لا يتفق معه حول اللينينية سوف لن يكمل حتى قراءة القصيدة كما أن هذا الشعر سوف لن يصمد امام معطى الزمن , اذ سيتقادم بسرعة في المقابل هناك اعمال لديها من القابلية لان تصمد امام رياح الزمن ولمدة ليست بالهينة . كما ان هناك من سيقول بان هذا ليس شعرا بل شعارا سياسيا فقد قيمته فأساء الى حقل الشعر وحقل السياسة معا .
كما ان تحويل بعض الاشعار المباشرة الى موسيقى , من شأنه اضعاف وضيفة كل من المجالين وكما سبق ان اشرت الى ذلك , ان تفرض على نفسك مجالات اضيق لابداعك مثال مقتطف من قصيدة رائعة للشاعر الكبير معين بسيسو تقول

النجمة الحمراء والمتراس والبندقية
إلى الأمام يا بيارق الحرية
إلى الأمام قنبلة
إلى الامام سنبلة
تحيا الخطى الحمراء في أرضنا الخضراء
أرضنا الحمراء قادمة
التين والزيتون للمقاومة
لا خطوة للوراء
لا مساومة

ان هذه القطعة الشعرية الجميلة عندما تحولت الى اغنية فقدت مضمونها , ليس ذلك قابلية منها لتعرف هذه االنهاية بل لان المغني الذي يقدمها في شكل تحريضي بكائي قد اساء استخدامها .

اليك مثال ثاني اغنية مارسيل خليفة الجسر واعتقد ان الكلمات هي للشاعر اللبناني الكبير خليل حاوي

يعبرون الجسر في الصبح خفافاً
أضلعي امتدت لهم جسراً وطيد
من كهوف الشَّرق،من مستنقع الشَّرق
إلى الشَّرق الجديدْ
أضلعي امتدَّت لهم جسراً وطيد
إخرسي يا بومةً تقرع صدري
بومة التاريخ منِّي ما تريد؟
في صناديقي كنوزٌ لا تبيدْ
فرحي في كلِّ ما أطعمتُ
من جوهر عمري،
فرح الأيدي التي أعطت و إيمانٌ و ذكرى،
إنَّ لي جمراً و خمرا
إنَّ لي أطفال أترابي
و لي في حبِّهم خمرٌ و زادْ
من حصاد الحقل عندي ما كفاني
و كفاني أنَّ لي عيد الحصادْ،
يا معاد الثلجِ لن أخشاكَ
لي خمرٌ و جمرٌ للمعاد

هذه القطعة الموسيقية تنساب برقة الى الوجدان وتثير الاحساس الجمالي بعمق الكلمات وصدقها ,و تفتح افاقا اخرى
امام الفكر, امام الفرد كفرد وامام الفرد الجماعي , لقد استطاع الشاعر ان يقول ما يخصه على نحو ان يكون خاصا بالاخرين كذلك’ واستطاع الموسيقي ان يصهر كل ذلك, ليفتح افاقا بعيدة قد تصل الى من لا يقرا الشعر الى محاولة تتبع خيط هذا الابداع الذي يمكن ان يحتذى في الواقع كممارسة .
نأتي الى الالتزام فصاحب المقال يقدم الالتزام ( كتمرير للمضمون المأساوي عبر توظيف وابتكار أساليب فنية تغطي هذا المضمون) ان السيد سامي يفرض رؤيته ومنطلقاته كزاوية وحيدة للنظر وهي في حقيقة الامر الزاوية الساخرة البكائية الهجائية التي لم تستطع ان تخدش الواقع فخرجت من حناجرها الحان هي انعكاس للاشيء , إن الزاوية التي ينظر منها السيد سامي هي بالضبط الزاوية التي تنظر منها البرجوازية الصغيرة او على حد تعبير أحد الستالينين ( البرجوازية الوضيعة) مع طلب المعذرة للذين لهم احاسيس رقيقة
ان الالتزام وحتى بالمعنى السارتري هو ( تحويل ما أحسه وما أفكر فيه الى كتابة والى شكل ادبي ) وبهذا المعنى ووفق هذا الاتجاه سيكون للبرجوازية الصغيرة نصيب الاسد من هذا الانتاج , مهما كان كتابيا او ادبيا او فنيا , فالبعض يكتب او يرسم او .......ليطرد الملل ليس الا , تائها بين حالة الفراغ الزمني والتاريخي , حالة التيهان هذه هي جزء من البنية المتناقضة لهذه الفئة , اذ لا تخضع للاستيلاب بشكل مباشر , ويمكن ان تحدث في الواقع خلخلة واضطرابا وتمويها فيتحول ماهو يميني الى يساري وماهو تقدمي الى رجعي .
ان الفنان الملتزم او الكاتب الملتزم هو في المرحلة من يمكنه أن يتصدى للبرجوازية الصغيرة فاضحا مطامحها الغريزية في التسلق والنجومية واستغلال حالة التأرجح لحساب مطامعها . فضح هذه البنية هو تمهيد الطريق لتقدم الطبقة العاملة
الفنان الملتزم ككائن اجتماعي هو القادر على عكس الواقع عبر ذات خلاقة ومبدعة قادرة على التقاط شيطنة الواقع كما يقول لينين او خبثه كما يشير ليوكاتش لإبراز القيم تاريخيا كما يؤكد بريخت الذي يحب كاتبنا ان يستشهد به .
وعودة الى وضيفة الفن فالسيد سامي لا يجد نفسه متناقضا عندما يشير الى ان الفن يتنمي الى مجال النشاط الحر الواعي , ويذيل كلماته هذه بكلمات لينين زمن الثورة (( لنتخلص من رجالات الادب الغير حزبيين , لنتخلص من هواة الادب المثاليين )) ولا ادري ان كانت كلمات لينين ((لنتخلص)) اتية من رحم التفكير المقصلي , او انها دلالة على رفع الصراع حول القضايا الكبرى في الفن وفي الشق الإيديولوجي .
ومهما يكن فالقول بان الفن هو نشاط حر واع , يجب ان يتنمي الى الالة الديموقراطية الاشتراكية هما قولان متناقضان على ان الانتماء بهذا المعنى ومهما كان تحت راية الطبقة العاملة هو تقييد للفن ولوظيفة الفن اذا كان مجالا للنشاط الحر الواع .
ان نقل العديد من المقولات وإسقاطها على واقع متغير لهو عين المثالية والتفكير اللاجدلي , لان هذه النظرة تفترض وجود مدارس عديدة للفن , السريالية والصوفية .... غير انه في الواقع ليست هناك سوى مدرسة الواقع وانما انعكاسها لدى الفنانين يأخذ أشكالا عديدة .
لكن ما هي المدرسة الواقعية
ذكر الكاتب اسم شيرنيشفسكي وهو ناقد أدبي وعالم اقتصاد وفيلسوف شهير , وفي الحقيقة فان الواقعية بالمعنى الماركسي تبدأ من هذا الرجل , الذي كانت روايته ما العمل إنتاجا ألهم أجيالا من البحاثة والفنانين والعلماء الروس , بل والثوار أيضا , ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الثوري المغمور غرمن الكسندروفيتش لوباتين , لوباتين ذو العينين الذكيتين زار ماركس في بيته وحدثه مرارا وتكرارا عن نظريته فائض القائمة وكان في الحقيقة عضو المجلس العام للأممية الأولى التي أسسها ماركس وانجلز
كان لينين من الجيل الثاني الذين الهمتم رواية هذا الناقد الذي يصفه ماركس ب(العظيم) , ولا عجب ان كان لينين مؤلف رئيسي ومركزي في كل كتاباته كتابه الشيق ما العمل .
سنة 1853 نشر شيرنيشفسكي رسالته عن الحياة وعلم الجمال وهو يشن هجوما على النظرة المثالية في الفن عند الفيلسوف الكبير هيجل , وكان شيرنيشفسكي متأثرا بأطروحة فيورباخ المادية , ويرى بان الفن الذي يهدف الى الكمال المثالي يحتوي دائما على عناصر من الاسطورة والوهم وهذه العناصر تتحطم تدريجيا بتقدم العلم .
بيد ان الواقعية في شكل ماركس وانجلز كانت في البداية محاولة تنقية أفكار شيرنشفسكي وتعميقها لكي تصبح ذات نفع , أي فكرة اكثر كمالا , وكانت هذه ايضا فترة تأثر ماركس بافكار فيورباخ , اذ لحد االلحظة ماركس يشير الى ال(الشعب) وليس لل(البروليتاريا) أي ان ماركس لم يكن يربط الظواهر الاجتماعية بالصراع الطبقي المحرك للتاريخ . أي كتابات النضج .
يقول ماركس ( ان التصور الرئيسي في كل مادية بما فيها مادية فيورباخ ينحصر في انها لا تفهم الواقع او الموضوع وكل ماتدركه حواسنا الا باعتباره موضوعا للتامل , لا باعتباره نشاطا إنسانيا حسيا كممارسة) . وشيرنيشفسكي بتبنه لخطى فيورباخ يكون قد اعتبر الواقع دائرة منعزلة أي موضوعا للتأمل بطريقة ذاتية لا كممارسة ونشاطا انسانيا حسيا .
ان الانسان جزء لا ينفصل عن الواقع وما الوعي الى انعكاس عقلي للنشاط العملي في تغيير الواقع . والفن بوصفه بنية فوقية هو جزء من هذا النشاط العملي .
لذلك ليس من المفروض في الفن ( اعادة خلق طبيعة خالدة كموضوع جامد يكون محورا للتامل , بل عكس الصراع الانساني ضد الاغتراب )الذي يراه ماركس اغترابا مؤقتا , اد ان العوامل التي تؤدي الى الاغتراب في الفن هي نفسها تخلق شروط انبعاثه .

على سيبل الخاتمة

اهدي هذه القصيدة الى المعتقلين السياسين , وخاصة المعتقلين بسجن بولمهارز بمراكش وهي قصيدة للشاعر العالمي ناظم حكمت

اذا كنت تؤمن بالوطن
بالعالم وبالانسان ..
فسيقودون خطاك الى المشنقة
أو سيلقون بك في الزنازين
ستبقى هناك عشر سنين
أو ربع قرن
ولكن مهما يكن الأمر
عليك أن لا تفكر حتى ولو للحظة
أنّهم لو علّقوك كالعلم على العامود
لكان ذلك أفضل ...
عليك أن تتمسّك بالحياة
رغم مسحتها التعسة
فواجبك أن تقاوم
وأن تعيش ليوم آخر نكاية بالأعداء
بعض نفسك سيبقى في الزنزانة وحيدا
كحجر في قاع البئر
لكن البعض الآخر سيمتزج بمشاغل الحياة
ستسترق السمع ، وعلى بعد مئات الأميال ،
لحفيف أوراق الشجر .
لتعلم أن انتظار الرسائل في الزنزانة
أو غناء أغنية حزينة
أو النظر في السقف حتى الصباح
نظرات جامدة ، كل هذا حلوّ
يحوي طعم السّكر ، لكنه خطر
أنظر الى وجهك الحليق من حين لآخر
وانسى السنوات .. لكن حافظ على
الأمسيات الربيعية وامضغ طعام السجن
.... حتى الفتات ....واضحك عاليا
المهم أن لا تنسى صخب الضحك ...
واذا نسيتك محبوبتك ....
فمن يدري ؟ ! لا تقل سيان عندي
صدّقني .. يظن السّجين أن الريح تقوى
على الغصن الأخضر ...
متعب التفكير في الزنزانة بالورد الجوري
ومريح التفكير بالجبال والبحور ..
حاول أن تقرأ أو تكتب أكثر ..
وأن تشغل وقتك بالحياكة
أو في صناعة الزجاج
عندها يمكنك الصبر سنوات
ساعة تلو أخرى
المهم أن لا يبهت اشعاع
الماس المختفي في ناحية
... صدرك اليسرى ... !!!




#ياسين_المرزوكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحذاء
- هوامش لقاء قادم


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين المرزوكي - الواقعية الاشتراكية والنزعة اليسارية الطفولية _رد على مقال _