أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - أحرِقوا الصريم .. قصة قصيرة















المزيد.....

أحرِقوا الصريم .. قصة قصيرة


مديح الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 2731 - 2009 / 8 / 7 - 06:49
المحور: الادب والفن
    



الله أكبر .. الله أكبر , تعالت أصوات ركاب الباص الثمانية بعد أن أفاقوا من صدمتهم , تفقدوا أنفسهم , ومن معهم , الحمد لله , أمعن كل منهم بوجوه مجاوريه علامة الارتياح , مرت بسلام , ألا تبا لها تلك الكثبان الرملية المتحركة مع الريح , تغلق الطريق الصحراوي على غفلة , طريق ضيق يمتد من طرابلس العاصمة , ساحل الأبيض المتوسط حتى {غدامس } تلك المدينة الأثرية المتربعة على قلب الصحراء , عند حدود الجزائر في الجنوب الغربي , سبعمائة كيلو مترا تجتاز السهول الحمراء , صعودا على على قمة { نفوسة } الجبل الغربي ذي التربة الصخرية , الزيتون , اللوز , التين , الأمازيق

وشدة مراسهم , نزولا بين تلال لا تتنفس إلا ثعابين قاتلة , وحوشا برية , أشباحا يروي قصصا مثيرة عنها السكان بشهود أحياء .



أحس بألم في ظهره , اعتدل قليلا , مسح بمنديله عينيه , ووجهه , ريح النياسين لا تجلب إلا النتن , والغبار , تلمس حقيبة بجانبه , فتحها بارتياح , مجموعة من المغلفات , رحلة تتكرر كل أسبوع , سبع ساعات أو أكثر , ليلا , هربا من حر الصيف , ما من حيلة فعقد عمله مع الجامعة لا مجال فيه للرفض , الكلية بحاجة لأستاذ نحو وصرف , ومعها بلاغة ونقد أدبي , وعلم الأسلوب , أصول الكتابة , وشيء من مبادئ الموسيقى , وإن كان مسرحيا , لايهم , على الأقل يملك حسا فنيا , محاضرات نظرية تحاشيا لمن يرى أن الموسيقى حرام , وهو أساسا لا يجيد إلا النقر على الصينينة عندما يحلوالجو .



ساعات قلائل تفصله عن موعد الامتحان النهائي , الخامس عشر من حزيران , الأسئلة بحوزته , لا بد من وقت لتصويرها بالجهاز البطيء , إن كان له مزاج وحبر كاف , مائة طالب هو قسم اللغة العربية , جلهم من الإناث التاركات من زمن , وأفراد شرطة , وموظفين يبغون تعديل الرواتب لا غير , تم حشدهم كعدد يبرر المطالبة بفتح الكلية , التي جاهد من أجلها شيوخ القبائل , وبعض من أصدقاء الأخ القائد , واللجان الثورية , لا مشكلة إلا بكادر التدريس وهو مقدور عليه ما دام هناك حكام عدل يصدرون الكفاءات للجيران , والأحباب , أليست رسالة العلم ؟؟ .



كيف حالك يا أستاذ ؟ صوت ناعم , خائف , خجول , الركاب والسائق نزلوا رغم العاصفة يفحصون العجلات , همس في أذنه من المقعد الخلفي المحجوز دائما للنساء , مألوف لديه , بل متشبع به , لم يلتفت لئلا يثير الشكوك , جريمة كبرى هي أن تحدث امرأة في محل

عام , حتى لو كانت طالبة وأنت أستاذها , داخل الحرم الجامعي أنت محاط بالمراقبين من كل اتجاه , أول التعليمات : لا يسمح للأستاذ بالانفراد مع الطالبات , كل شيء في قاعة المحاضرات , مفهوم ؟ , نعم , أمغفل أنا أخالف الأوامر وأخسر عقدي ؟ , لا .



مريم , طالبة السنة الرابعة , المتميزة , الواثقة من نفسها , الطموحة بلا حدود , إنني أرى نفسي فيك , لا تخذليني أرجوك , مريم , تذكري , الماجستير , الدكتوراه , قصائدك الخجولة التي بعثتُ فيها الحياة , كما قلتِ يوما , غلطة العمر إن لم تفعلي , أقسم أن صناديقي أمزقها بين يديك , هو الموت بعينه أن تدير ظهرك لطالب علم يمد كفا غضة يستجديك , إن كنت كهذا إذن نبع مالح أنت , أو غمام خاصم الغيث , وكرمة بلا ثمر .



آه , ألا تدري أن ابن عمتي قال كلمة لوالدي حين كنت بالسن الذي يُخاف فيه على الفتاة , وعدتهم حينها بالوفاء بعهدي حتى أكمل دراستي , هدنة كانت , لكنني خسرت التسويف , لقد تمت مراسيم العقد ليلة أمس في العاصمة , حيث يقيم , متزمت , حاد المزاج , أزاح من قاموسه الضحك , أو حتى مجرد الابتسام , عورة يراه , اختلطت الكلمات بالبكاء , الكارثة , المصيبة أنه ألبسني الخمار , كيف بي أن أكمل الماجستير وكان شرطه : لا تفكري بالتعيين , ميسور الحال أنا , موفورة عندي نعمة الله .



لا يعلم إلا الله , من أين يأتي بهذا المال ؟ جاهل , أمي , بلا وظيفة , همه السفر إلى تونس دوما والتجوال , الله أعلم , من أين ؟؟ المهم حافظ على نفسك أرجوك , لقد سمعت همسا , أفكارك التي تمررها من خلال المحاضرات غريبة جدا , تثير الشكوك , أفهمها وأدرك مغزاها , أتعاطف مع ما تريد , أراه حلما بعيد المنال , حلم جميل

حذار , فقد تلقى مصيرا , هدر الدم .



اتجهت الأنظار إليه , غير دفة الحديث , لابد من وصولنا بسلام قبل وقت الامتحان , بضع ساعات تفصلنا , تلال الرمل ما زالت جاثمة على الطريق , السماعة في أذنه , مذيع الأخبار : بعد صلاة الفجر تغير الريح مسارها إلى الشمال الغربي , لم يخف ابتسامه بحذر .



عادالشيخ { البهلول } بجانبه , متوسط القامة , مربوع , صبغة الأحمر لم تخف عروق اللحية البيضاء , بسروال قصير يرفعه بين الفينة والأخرى , على الجبين سيماء من أثر السجود , مسبحة طويلة , أدعية , تسابيح , آيات بصوت خافت ليخفي جهله في الإعراب , سبحان الله , إنه هو نفسه , في كل سفرة يقابله , تذكرت , له ابنة تزوجت في قرية عند خط الحدود مع الجزائر , عند المعبر , لكن لماذا يستبعده الشرطة العسكرية من طابور التفتيش , حتما بعيد هو عن الشبهات , والتفتيش عن المخدرات , لاغير .



الحمد لله على السلامة , أستاذ , كل شيء بأمره , له الحمد على كل حال , وإن كان مكروها , ما هو إلا امتحان لبني آدم , تذكير بأن الله بأمره النجاة , وبيده الموت , مساكين , لا يتعظون , إن الله غالب على أمره , وهو دوما مع الصابرين .

حافلة أخرى , ثالثة , يعرفون بعضهم البعض عدا سواحا أجانب استهواهم ما قرأوا عن الصحراء , وبدوها , وبعض الآثار , هناك في { غدامس } بانتظارهم شيوخ يجيدون مفردات لغات ركيكة , تسير الحال لقاء أجر زهيد .



الفجر , الفجر صاح بأعلى صوته الشيخ , اصطف القوم بلمح البرق , تربة رملية تغوص بها الأقدام , أشواك تدمي الجباه , لكن الصلاة هنا فيها أجر كثير , وثواب , إمّ الصلاة , يا أستاذ , تلفت حوله , لا غيره حتما هو المقصود , كم أنت ذكي أيها الشيخ , تنازلت عن الإمامة طوعا , صلاة الفجر إجهار , وفي الإجهار تنكشف العيوب , النحويون دائما بالمرصاد , لا عليك , أقيموا الصلاة , نادى , تراصوا جزاكم خيرا , القبلة بهذا الاتجاه , الدعاء , اللهم أزح عنا عوارض الطرقات , أزل الغمة عن عبادك الصالحين .



الريح غيرت مسارها , اشتدت أكثر , شمالية هي الريح , تلاشت تلال الرمل , وانفتحت الطرقات , تهللت الأسارير , تعالى التكبير , دعاء الصالحين مستجاب , والله لأنت صالح , يا أستاذ , ألا زرتنا ودعوت لبناتي الخمس العانسات , وقد يكون من نصيبك واحدة منهن , والدة مريم همست , رعاك الله , بيتنا مسكون لعل ليلة تبيتها فيه تدعوهم للرحيل عنا بسلام , أشجعهم كان الشيخ { البهلول } ستنال الجنة لو زوجتني ابنتك على سنة الله والرسول , ثالثة الأثافي ويستقر القِدر , أولاد عمك نحن , ذرية لأبي زيد الهلالي , أما أخبروك ؟ , على بركة الله ليصعد الجميع في المركبات .



استجمع الأستاذ قواه , اللحظة لا تتكرر مرتين , موقفه يؤهله للإفتاء , أيها الناس , جال بنظره بكل الاتجاهات , كما هم الخطباء , أتعلمون لماذا تكدست تلال الرمل في تلك البقعة بالذات , فأغلقت علينا الطرقات , إنها إرادة الله , هتف الشيخ , أضاف آخر : عقاب منه لأن الناس ارتكبوا المعصيات , والنساء خرجن بلا حجاب , والشباب انشغلوا عن العبادات بالمغريات , و .. .و ...

انظروا خلفكم , أيها الصالحون , علام تكدست ذرات رمل , خفيفة , تذروها الرياح ؟ أليست شجيرات الصريم تجمعت حولها الرمال ؟ أوتاد هي للعوارض , والعقبات . غيّر نبرة صوته وفق مقتضيات الحال , واعظا : مَن اقتلع صريمة من الطريق غُفِرَ له بعدد أشواكها من ذنوب .

البدوي لا يستغني عند السفر عن اثنين : السكين , وولاعة النار , شمر الرجال السواعد , أشهروا السلاح , اقتلعت عشرين فحسب , ما زال بذمتي كثير , تشاجر اثنان , سكين أعارها لصديقه فأساء استخدامها لصالحه , لا بأس يا أخوَيَّ فالأجر مناصفة بينكما , عجوز توكأت على جذع قاربت الثمانين : أعرني سكينك يا أستاذ , مباركة منك السكين .


النساء يختلسن النظرات من خلف النوافذ , كلبوة في قفص هي مريم ما ذا بوسعها الفعل ؟ حتما سيرمي يمين الطلاق عليها { مفتاح } إن هي تجرأت وشاركت الرجال في اقتلاع الصريم , ستسري الأنباء إليه حتما فالعاطلات يجدن متعة في نقل وتهويل الإشاعات , وتنسج عنها قصص , وروايات , سيعزف عنها حتى الذين كانوا لنظرة منها يطمحون .



في جيب أمها ولاعة تبغ , وفي الحقيبة حزمة أوراق من ناقلات الأكاذيب , الولاعة , الحزمة , أكوام الصريم , والخِمار , ترجلت مريم , شقت الصفوف بكبرياء , وشموخ , ألسنة اللهب أجلت العتمة

الطريق ابتلعته العجلات , وخِمار مريم شظايا , نشرته الريح في الأرجاء , مات الصريم في الطرقات ...



مديح الصادق

الأول من آب 2009



#مديح_الصادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملائكة كونوا , أيها المندائيون .. بمناسبة عيد رأس المندائية ...
- مواضع كسر همزة { إنَّ } ومواضع فتح همزة { أنَّ }
- الذكرى الأربعون لاستشهاد المناضل ستار خضير الحيدر
- لغة العاشقين ..
- لغةُ العاشقينَ ..
- راحلة .. شعر
- قِصَّةُ مَجْنُونَينِ
- باقة ورد لأمي ..مهداة إلى كل نساء العالم , بعيدهن
- محكمة القرية المتحضرة ..جدا ..جدا .. شعر
- مبروك .. مبروك , فازت قائمة الشهداء
- الحب عبودية
- موعد على الجليد ...قصة قصيرة
- كفن الحرير الهندي ... قصة قصيرة
- غن ...يسقط هولاكو
- ألا شلت يمينك يازيدي ... فقد أهنت الحذاءا
- والله العظيم ...لإنه استعمار
- كلا الأخوين ضر ...ولكن شهاب الدين أضر ...من أخيه رجاءنشر هذا ...
- في كل عراقي..وجدت مندائيا


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - أحرِقوا الصريم .. قصة قصيرة