أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد نوح - الفصل الأول من رواية ملاك الفرصة الأخيرة















المزيد.....

الفصل الأول من رواية ملاك الفرصة الأخيرة


سعيد نوح

الحوار المتمدن-العدد: 2730 - 2009 / 8 / 6 - 07:43
المحور: الادب والفن
    


حينما يستنفد المرء كل السبل، ويصل إلى أقصى قدرةٍ له على الصمود،حين ذلك يظهر ملاكُ الفرصة الأخيرة، ذلك الذي يمُدّنا بأسباب البقاء. يظهر من مكانٍ غير معروفٍ.
يمد يده بالكيس الأرجواني،ثم يختفي تحت جنح الظلام أو في وجود شمسٍ حارقةٍ، لا يهم .
يتركك تتعجب وتروح تسأل نفسَك :هل كان ذاك ملاك الفُرصة الأخيرة فعلاً ؟! أم شُبّه لك؟!
ربما جاء في صورة مطرٍ يسقط في شهر أغسطس أو ريحٍ عابرةٍ للقارات .ربما تنكّر في صورة قطٍ يَخْمُشُ بابَك أو عصفورٍ رقيقٍ، لكنه أبدًا يأتي.
يأتي حينما نكون محطمين ومرتعشي الفؤاد.
حين لم تعدْ هناك أدنى قدرةٍ لدينا علي الصمود.
يأتي حينما نكون في أمس الحاجة إليه.
هو في الحقيقة لا في الخيال الشخص الوحيد الذي ننتمي إليه.
يأتي في الوقت الذي يكون النفي فيه شيئًا غير مرغوبٍ وغير متوقعٍ ،وحينما يأتي تحلُّ فينا البصيرةُ النافذةُ،فتُوَسّع منظور الرؤية،ونرى أنفسنا للمرة الأولى الأكثرَ جمالاً والأرحبَ في الأبعادِ الروحية.
لقد تمَّ إعادة تشكيلنا ،فصرنا أنقياءَ وطاهرين وأبر ياءَ.
إنها الثقةُ بالنفس التي يُقال عنها.
لا، إنها الثقةُ في الروح ،روح ملاك الفرصة الأخيرة، حينما يتحقق لنا ذلك،فإننا لا نستمر في الاضطراب والتلعثم .
بوجود روح الملاك نُصبح حكماءَ . يصير المِنْجلُ في أيدينا منجلاً صحيحًا،لا يحصدُ غير الأكيد، وغير المشكوك فيه.
ولكن هل يُصدر ملاك الفرصة الأخيرة صوتًا؟
إذن ما تلك الصرخة القادمة من المجهول؟! هذا الصوت الذي أرَّق الأجنةَ في بطون الأمهات؟!
إنه صوت أتي من روح بلا جسدٍ.
يعتبره بعضُ الناجين صوتًا يخرج من الداخل.
يُقالُ : إن الصوت يأتي في أي وقتٍ إلا أنه يأتي على وجه الخصوص عندما تكون النفس في محنةٍ.
لحظة ذلك تُطْوَى المسافاتُ ،ويقول قلب الناجي :
شكرًًا للآلهة، لأنها أرسلتْ إلىَّ روح ملاك الفرصة الأخيرة، شكرًا لكلِ الآلهة.

كانت مهمّته الأولى ،هي مهمتُه الأخيرة أيضًا .
ظل طوال عمره لا يتعدى كونه ساعي بريدٍ من قِبلِ الله .ملاكٌ طيبٌ يذهب إلي رب عائلةٍ ما ،لينقذه من الفقر أو الموت في اللحظة الأخيرة، ثم يختفي.
في الحقيقة ،هو لا يختفي،هو ـ فقط ـ دائم الذهاب إلى أسرةٍ جديدةٍ في شتّى أنحاء المعمورة.
أحسَّ هذا الصباح بالكسل،هو لم يعرفْ معنى هذا الكسل من قبل حتى يمكننا أن نقولَها ونحن متأكدون من تلك الحقيقة ،لكن هذا ما حدث .
لكمْ يفرح ، وهو يرى فرح الإنسان، حين ينتشله هو وأفراد أسرتِه من الجوع أو التشرد أو الموت الذي علي بعد فرْسخٍ! ،لكنه أبدًا لم يعرفْ كل أفراد الأسرة الناجية،ولم يكنْ في الحقيقة يَشْغل رأسه بذلك.
الفرح موجودٌ دائمًا.
هكذا استمع ملاكُ الفرصة الأخيرة إلى ما يدور في رأسه. رفع جناحيه في الهواء بتكاسلٍ واضحٍ، وأضاف ،وهو يهزُّ رأسه ،وكأنه يُؤكِّدُ علي فكرتِه بلسانِه :
ـ بعد ساعةٍ أو يزيد قليلاً سوف يكون هناك رب أسرةٍ، مليئة بالذعر والخوف عيونُه بقريةٍ ما ـ لا أعرفهاـ لا بد ستتلألأ الفرحة في عيونه عندما أُدركُه،وعند ذلك لا بد سوف أرى تلك الفرحةَ.
لينتظرْ الفرحُ قليلاً رَيْثَما أفرد جناحيّ في هذا الصباح الجميل.
هكذا همس الملاكُ لنفسه.
وهكذا فعل .
مدَّ جَنَاحيه تحت سماءٍ فاتنةٍ تُشْبه كثيرًا امرأة الأحلام .
هل تعرفون امرأة الأحلام التي طالما برع الشعراء في وصفها؟
تلك المرأة يقولون عنها إنها ذهبتْ ذات مساءٍ إلى البحر وعرَّت ثدييها ـ اللذين يُشبهان كوز الصنوبر ـ و غنَّتْ بصوتٍ رائقٍ وحنونٍ لحبيب اليوم الذي لا بد موجودٌ في انتظارها كالعادة.
لكن ما لا تعرفُه تلك المرأة أنَّ البحر قد اختطف حبيبَها قبل بلوغها الشطَّ بلحظاتٍ .
يا لهول ما يُخبئُه القدرُ لامرأة الحلم.
لقد استمع إليها البحر أمس للمرة الأولى .
وللمرة الأولى ـ أيضًا ـ ظلَّتْ روح البحر متقدةً طوال الليل.
لم يعرفْ كل علماء الطبيعة أنّ البحر حين هاج وماج كان ذلك من أجل أنه أحبَّ امرأة الحلم.
لقد ظلّتْ روحُه متقدةً مُذْ ذاك.
هاجت مشاعره الحزينة،فهاج الماء.
عشق قلبُه امرأة الحلم،فأحبَّ الماء المرأة.
ومن هنا أراد أن يُسعد سيده وصاحبه البحر.
أن يُشفي قلبَه الذي اتّقد مُذْ أمس .
لم يجدْ الماء أمامه حلاً غير سحب الحبيب .
لقد أراد أن يُوفّر الأمان لصاحبِه .
نظر البحر إلى المرأة بعشقٍ ولم يُرْخِها .
كانت تغنِّي للحبيب الذي لا بد تأخَّر لسببٍ ما لم يشْغَلْ بالها في حينها .
ظنَّ البحر أنها تُغنِّي له هو،فمدَّ يده وضمَّها إليه بقوةٍ .
يقول بعض الناس : إنَّهم كثيرًا ما استمعوا إلى غناء المرأة الحلم كثيرًا في لحظات تقبيلِهم لمن يُحبّون أمام البحرِ وقت الغروب.
لكن ما لا يعرفُه الناس أنَّ الماء كلما حنَّ إلى صوت امرأة الحلم الحقيقي ينتظر إلى أن ينام البحر ـ ذلك يحدث لا ريب ـ ويقرِّب ما بين جثة الحبيب وروح المرأة،وحين ذلك يهتزُّ طربًا وتحدث الأعاصير، وهو يستمع إلى صوتِها العذب .
ربما يكون الماء كاذبٌ،فهو أبدًا لا يستقرُ علي شئٍ .
لم يكنْ ليخطر على بال الملاك أن يشعر بتلك السعادة، وهو يهمل عمله ،لكن هناك أشياء كثيرة وجب على الراوي فكَّ طلاسمها ،كي نستطيع تصديق أنَّ ملاكَ الفرصة الأخيرة، كما يَطلق عليه أصدقاؤه قد تكاسل عن وظيفته .
وللمتعطشين لإجابة هذا السؤال أقولُ لهم : أنَّ الراوي قد علم أشياء كثيرةً تتعلق بحياة ذلك الملاك منه ذاته .
إنني سوف أُخبركم بآخر سرٍ قاله لي : وهو أنه ـ ملاك الفرصة الأخيرة طبعا ـ للمرة الأولى طوال عمره الذي لا يعلمُه إلا الله قد حَلُم بالفتاة التي كانت ممسكةً بيد أبيها المشعث الشعر وهو يمنحه الكيس الأرجواني ليلة أمس.
للمرة الأولى مُنْذُ آلاف السنين يحلُم ويتذكر حلمه.
لا ، ليس كذلك يا أنتَ.
هو للمرة الأولى يرى وجه أحدٍ كان في انتظاره.
( كيرياليسون) كل مَن يُؤمن به لا يهلكُ.
لأنه لم يُرسِلْ اللهُ ابنَه الوحيد إلى العالمِ ليُدين العالم،
بل ليخلص به العالم.
قالها الملاكُ المتغيب عن عمله وعقله يُراجع نظرات الفتاة.
راح يستجمع رائحتها الذكيةَ، وهو يحرّك جَنَاحيه على العشب الأخضر، ويُغمض عيونه ،ويتحرّك أنفُه حركاتٍ سريعةٍ في البداية، وكأنه يستجمع رائحةً ما، ثم ببطءٍ، ثم ببطءٍ شديدٍ.
وبشوقه الذي لمحه علي وجه ملاك التفاصيل الصغيرة
الذي كان في الطريقِ إلى عمله،كاد يَقِف ،ويسأله عن معنى تلك النظرة المرسومة على فمه ووجهه ،ويسأله ـ أيضًا ـ لماذا هو متغيبٌ عن عمله ؟ لكن ذلك الملاك، ملاك التفاصيل الصغيرة ـ طبعًا ـ كان على عجلةٍ من أمره ، فآثر السلامةَ ومضى تاركًا المشهد دون أن يُؤثّر فيه إلا برائحته العبقة ،رغم أن المشهد قد أثّر عليه تمامًا .
للناسِ أنْ تعرف أنَّ المشهد قد ملك عليه لبَّه .
هكذا يُعلّق أحد الرواة .
كانت النظرة المرسومة علي وجه صديقه الطيب، ملاك الفرصة الأخيرة تنتقل معه من عملٍ إلى عملٍ، حتى زُلَّتْ قدماه مرة، ولم ينتبه .
لقد أخذ النظرة من مكانٍ إلى مكانٍ ثانٍ،ثم مكانٍ ثالثٍ،وهكذا دواليك حسب طبيعة عمله.
اختلطتْ رائحةُ الفتاة برائحة ملاك التفاصيل الصغيرة، ففتح عيونه .
لم ير شيئًا هنا أو هناك ، حيث دارت عيون ملاك الفرصة الأخيرة بأرجاء المروجِ الخضراء والجداول والماء السلسبيل.
عاد بعيونه إلى السماء، وراح يتشمم ما علق في خياشيمه من رائحةٍ للفتاة.
دقق النظر، فرآها بازغة من الأفقِ، تمامًا كما كانت، حين رآها في المرة الفائتة. كانت التفاصيل ترتسم أمام عينيه للمرة الثالثة في السماء إِثْر حركتها،وكأن الله أراد أن يُريه ما رآه في الحقيقة ظهر أمس.
ظُهر أمس، يا حقيقة ظُهر أمس تعال.
تذكَّر الآن تفاصيل كل شئٍ، وانبلج الصبحُ.
أنجز عمل البارحة على خير وجهٍ.لم تكنْ الفتاةُ فيه .
كانت تقف بالقرب من أبيها ظُهر أول أمس.كان يقولها ،وهو يعتدل بظهره على العشب الليّن،يا لها من مفاجأةٍ!.
أضاف ،وهو يصوّب نظرته على الفتاة في السماء.
كانت كما هي ،لكن شيئًا ما مختلفًا دخل المشهد في رأس الملاك.كانت الفتاة تُعيد تمثيل المشهد.
نعم ،ذلك حقيقي تمامًا،لكنها كانت وحدَها .
يا الله !
قال بصوتٍ عالٍ،فرددت الجوقةُ كلُها بمائها وأحيائها وكل ما يُحيطُ بالأبصار.
الآن تذكَّر أنَّه حين استيقظ بعد حلمه مُنذ ساعاتٍ فكَّر،وهو يُعيد الحلم لنفسه،بل وتمنّى أنْ تكون هي محيط المشهد كله.
فكَّر أنْ يراها هي فقط .فكَّر ألا يشغل فكره بمأساة الأب،أو حتى رؤيته للفرحِ يتلألأ . تمنّى أنْ يكون وجودُها ضروريًا للمشهد .
لا يجوزُ لتلك الفتاة الحزينة الجميلة أنْ تكون مجرد التفاتةٍ عابرةٍ منه ،هي ما تجعله يراها كما حدث.
قال أحد الحكائين واصفًا وجهة نظر الملاك ببساطةٍ :
ـ كان وجود الفتاة في المشهد فقط َ لمليء الفراغات.
وجود ربما يُؤتى أكله في التشويق والإمتاع و المؤانسة،تمامًا كأشعة الشمس الطافحة حرارةً على المشهد.
ببساطةٍ أكثر،كما يقول آخر:لم تكنْ هي كابتسامة الأب بعد حزنه الطويل،ولا هي الكيس الأرجواني الحامل للمكافأة.
إنها أقرب ما تكون إلى الظلِ،أو ما يدخل محيط بصرك دون أنْ يدخل نظرك.
لكنها كانت، وهو لا يعرفُ ذلك حتى الآن علي الأقل،وربما يتفاجأُ بحدسي،لقد كانت أقرب ما تكون إلى نقطة الماء التي سقطت في فمه حين ذلك بعد أنْ أحسَّ بالهجير القاسي .
لقد كانت ضروريةً له ليكسر ذلك الفرح الدائم العائش فيه ليل نهار، حتى أن زملاءه يحسدونه ويقولون بعد انصرافه مباشرة :
ـ محظوظٌ صديقُنا ملاك الفرصة الأخيرة،سعيدٌ وفرحٌ دائمًا ،لأنَّه يُعطي الفرصة الأخيرة، لمَن تقع له مصائب الدهرِ ،ولا يرى غير الفرح بمجرد أنْ يَمُدَّ جَنَاحيه بالكيس الأرجواني ،فلماذا لا يكونُ سعيدًا، ونحن المنغرسة عيونُنا بالحياة ومعاناتها قبل حضورِه؟!
علَّق ملاك التقارير الوافية الجامعة :
ربما يُخالفُني ملاك الفرصة الأخيرة الرأي الآن ،ويُعلن أنَّه ما أحبَّها قط،ولا خَطَر على قلب ملاكٍ.
وربما أضاف:إنها هي القشة التي قصمتْ ظهر البعير.
لكنَّه قط لن ينكر أنها قد أضجَّتْ مضجعه.
مدَّ جَنَاحيه في السماء،وأمسك بها. قرَّبها ببطءٍ إليه .ثبَّتها بين جناحيه،ثم دنى،فتدلَّى،فمدَّ فمه ولَثَمها على خدها.
حين ذلك، وذلك رأس الخيمة يا أعزاء،إنها لحظة اكتشاف المأساة التراجيدية .إن صاحبنا الطيب ملاك الفرصة الأخيرة فيها. لا إن ملاكًا هو كل شيءٍ فيها.
لقد ذكَّرته الفتاة بعمله،وكيف غاب عنه.
لقد كان في انتظارِه ـ مُنذ ساعةٍ أو يزيد ـ بالخليل أب مكلومٌ في بيته وفي أسرته وفي وطنه كله.عند ذلك تذكَّر ملاكُنا أنه لم يذهبْ إلى عمله.
دار في الأرض عدة دوراتٍ ،وهو يصرخ ويقول :
لقد أضعت شخصًا ما في الخليل، يا لمأساة ما صنعت يا لله.
لقد أضعتُه تمامًا،وحطمّتُ حياته وحياة أسرته. قطعت عليه طريق النجاة الوحيد للتغيير والإنصاف، ككل الناجين الذين أُدركهم في اللحظة الأخيرة.
وللملاك أقولُ: لأنه لم يعرفْ بعد.
بعد معاناةٍ لا يعلمُها إلا الله ،ولم تكنْ أبدًا لتخطر على قلب ملاكٍ مدربٍ على العمل والعبادة مثلك يا صديقي . إن ما أضعتُه كان رب أسرةٍ مكونةٍ من أحد عشر من الأبناء والزوجة والأم والحموين والأقرباء والأصدقاء وأشياء كثيرةٍ، لو ظللت أُعددها لن ننتهي قبل صياحِ الديك للمرة الرابعة وإنكارنا ـ جميعًا ـ للمسيحِ .
حين ذلك أنزل الفتاة بين الورود . لم تكنْ لمسة ناعمة وخفيفة مثل تلك التي فعلتْها الفتاة لتخطيء باب القلب أبدًاً .
وأنتم ـ جميعًاـ شركاء رومانسيةٍ ، لو كانت الظروف مغايرةً ،لكن الملاك كان جدَّ حزينًا،والبنت ـ أيضًا ـ حتى لا يلومُها لائمٌ،كانت حزينةً.
لقد تأكَّد لها ،وهي تراه يَلُفُّ حول نفسه ويزعق ويئنُّ ويسجد ويركع إنها بالفعل تُحبُّه.
ورغم علمها أنَّها كانت ألعوبةً في يد الشيطان الذي استطاع أنْ يدخل ،حيث لم يُنتظرْ. يدخل قلب ملاك الفرصة الأخيرة.
حيث خلقتَني أكون،لا حيث أشاء.
قالت الفتاة، وهي تحاول البحث عن مبرراتٍ تُعينُها على تحنين قلب الرب.
اصمتْ يا أنتَ ،مَن قال لكَ: إنها تقصد بقولها السابقِ ما علَّقت به؟
مَن قال إنها لا تحبُّ خطيئتها ؟!،
إنها ليست فرحةً بها ؟! يا هذا أنا أُؤكّد لك ذلك.
من قال لكَ إنها تطلب الغفران من أجل تلك الخطيئة؟!
هل تنطق بما لا يعلمُه إلا الله وهي؟!
هلوليا . هلوليا .
استغفرْ الله العظيم،استغفرْ ربَّك العلي العظيم يا أنت .
ولكي تعرفوا جميعًا أنَّ ذلك الرجل الذي تدخَّل في الحكاية منذ قليلٍ كذابٌ ، أقول لكم ما قالته الفتاة لملاك الفرصة الأخيرة ، وقفتْ أمامه وقالتْ:
ـ هل تعلم أيها الملاكُ،ربما ظللت أعيش مع أبي هناك لسنواتٍ عدةٍ وطويلةٍ أيضًا،ربما كنت تنعمّت بالخير الذي منحتَه إياه أمام نواظري،بل ربما أكثر، كنت سأتزوج شابًا جميلاً جدًاً،وربما يكون فيثاغورس ذاته،ما العائد علىّ؟! قصور منيفة ، خدَّام ،
أبناء سعداء ؟!
في النهاية زوجة فيثاغورث، يا لهذا الهراء!
حيواتٌ أُخرُ رائعة يمكن لي أنْ أصف لك ،لكنني أبدًا يا ملاكي الطيب.
لن أكون حيث أشاء.
وحيث شاء الله الملك الحق .
حياتي أنا أحلم بها معك.
ثمَّ مرتْ بيديها على زغبٍ آخر في جناحه ،وأضافتْ وهي دامعةُ العين :
ليغفر لنا الله جميع خطايانا التي فعلناها دائمًا كما أراد هو.
لا حيث نشاء.
حيث نحبُّ.
أنهتْ جملتَها ،ثمَّ دنتْ منه وعيونُها ملئ بالدموع والحب والشوق والذعرِ والرجاء والأمل، ربما كادت أن تكون قبَّلتْه.
وهو ـ ملاك الفرصة الأخيرة ـ لا حيث خُلِق.
ولا حيث يكون.
وحيث شاء.
ومن هنا لم يحسّ بالقبلة أو بملمس الشفاه ،فقط سحب رأسه من بين يديها ،وأدارها في الفضاء دورةً،فدورتين ،ثم زاد في السرعة، دورةً فدورتين ، ثم فرد جَنَاحيه في الفضاء ، وكاد أنْ يطير إلا أنَّ سؤالاً في القلب انبلج،وخرج من لسانه.
ـ ما اسم الرجل الذي كان في انتظاري منذ ساعةٍ أو يزيد في الخليل؟
حاولتْ إبعاد عيونها عنه. كانت عيونه ملونةً بأحلى ما يُريد الناظرُ.
هزَّها جناحاه ،فعادتْ إلى الكارثة ،فعلمتْ أن الأرض مستقرٌ ومتاعٌ ،فهبطتْ بعيونها إلى عشب الجنة الأخضر، ورددتْ بصوت الذليل :
ـ اسمه فلسطين.





#سعيد_نوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الثاني من رواية ثلاثية الشماس
- قصة قصيرة:الشيخ قاسم
- قصة :عريف أول
- قصة :في انتظار اللقاء الثاني
- قصة: ثلاثية الشماس
- قصة : كما يجب عليك قبل أن تحتل المقعد الأخير
- مقال
- قصة حذاء عمي اللميع
- جزء من رواية :الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك
- جزء من رواية كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد نوح - الفصل الأول من رواية ملاك الفرصة الأخيرة