أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار محمد - توما هوك















المزيد.....

توما هوك


صالح جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2729 - 2009 / 8 / 5 - 10:08
المحور: الادب والفن
    



كرست عمري بحثا عن جزر رسمتها في خرائط تضفي رونقا على جسد محاصر بزوابع غبار يستيقظ في الهياكل المتكدسة عند الفجر تفترش حبات الندى حلم أمي الغافية على أهداب الفجيعة ترى من يوقظها من ذهول سباتها ؟ والحزن أشداقا تلتهم ندوبا تنمو كالطحالب فوق دموعنا الواجمة الإشارة هذيان يتفرس الوجوه المتعبة تحوي صمت بيتنا العتيق الغافي على صور أبي الجاثمة خلف زجاج يحتضنه أطار متسخ يرنو بعينيه لحلم شائخ يتعرش فوق رائحة النخيل ويجعل أمي تزرع خرافتها بتمازج الألوان واشتراطات تفكك - ثوابت ومتغيرات - في سياق التأصيل حتى ينبض بريق متراكم يحوي شرط اللعبة يكررها أبي في أجواء الحرب يبشرنا علانية (بالصدمة) التي تمر فوق رؤوسنا أنه فصل اضطراري يبتلع هاجس الرعب الملاصق لجلجلة صواريخ (توما هوك) مصحوبة بدوائر تبدد الدماء حتى تغطي أدعيتنا السماوية تتناوب في تأثيث الفراغ الذي يرتفع وينخفض في تخسفات أجسادنا التي تشعر بنمط الدهشة الممزوجة بالعجز الفاضح حيال أول طية تختبئ في حاجاتنا النهمة نجتاز الشراسة بوعي مبهم لكي نتمكن من الاحتفال بالغضب الذي ينهي ليلته بعناقيد مظلمة تتجاهل الأحياء في قسوة تعكس ملامح صخرة تنفتح الطرق تحت مدارج أقدامنا نستعيد ضجيج أجواء المدينة مشبعين برغبة سحيقة تتزين بقلائد عنف متكهرب لنعثر بعدها على سحن متنافرة تلاحقها نيران المفخخات في هواء ساخن يحاصر اشتراطات اللعبة بمحاذاة امتزاج الطين حين تفتح زوائد طحلبية لتنشئ نتوءات خشنة وحادة تقطع ما تبقى من تأسيسات تشاكس أصماغ الضجر المطبقة على رماح نبتت فوق كبد جفل من أوجاعه فتطمس علامات تعصف بابتكاره المضني لينبث في وشم الخاصرة حتى تتوالد شرارات متقدة بإهمال يعتصر الجو المكفهر بالغيوم ويلهو مع الهواء قنديلا تعبث به الريح حيثما ينتهي أبي تبتدئ أمي التي تعمل أمينة صندوق في المصرف يستهويها رجل وسيم تمرر يدها البالية على جبهة الأوراق المغرية تتسرب في روحها موجة تحاول إخفاؤها لكنها تتبدد حينما ترفع بصرها نحو الزبون الذي يكرس لوحه الخشبي في جيب بنطاله يطاردها دبيب رغبة مفرطة في اقتناص لحظة موجعة لكن أبي المشمئز يفهم سرها الدفين يتفحصها بنظرته الجانحة ويشيح وجهه عنها يعرف ماذا أنمحى من هذا الوجه الليل يرتجف على أكتاف منزلنا نسمع صوت رنين الهاتف يأتي من الطابق العلوي أمي تتحدث بحذر يبقى أبي واقفا بين السرير والنافذة المواربة بينهما عوالم صامتة ريح الليل ترشف روائح البارود أنه لايرضى عنها يلعب ببندقيته ثم يسخر من روحه يهرب من اللذة المدفونة - عند منتصف الليل نسمع أزيز (توما هوك) يعبر من فوق رؤوسنا تتصاعد تمتمة نائمة لأحلام تكتشف أسرار القلق يبتعد الصوت المخيف أتطلع إلى رأسي في المرآة يتكرر مشهد الخوف أسمع دفيف أجنحة طير يفز من عشه أسرع نحو أبي لاتطاوعني نفسي في الصعود إلى أمي لكنها تندفع من فسحة السلم مرتدية ملابس سوداء تكشف زنديها الممتلئين وفتحة الصدر الواسعة تظهر عري ثديها.. تنزل مسرعة تطفئ مصباح المعبر تبلغ غرفة نومهما تتحسس رقبتي بارتجاف تقبلني تجلس على السرير جذعها المنتصب يرسم على الحائط ظلا غريبا أوحى أليها الخوف الجلوس في صمت مطبق شعرت بالحمى تسري في جسمها المنتفض من دوي الانفجارات راقبت ظهرها وإبطيها يغزوهما عرق لزج (تضرعت داخلي لو تنقشع العاصفة) لاحظت عيني أبي في العتمة المطبقة بذرة واهنة بلا تعابير واضحة.. تهامس الضوء المنساب من الشباك مع موجة الهواء المقبلة من الأرجاء حملت رائحة اشتعال تتلاشى عندها خدوش السخرية التي أثارت غضب أبي ذلك الصنم الذي لايتزحزح فتلوثت الغرفة بالعطر ودخان السيكاير والفراش ليشي معالم يلتهمها حاجز الخفاء (وبقيت ألهو باصطكاك أسناني) في صباح اليوم التالي على مائدة الطعام وضع أبريق الشاي الساخن وعبر النافذة المغطاة بستائر دانتيل أبيض تتحرك بفعل نفحات الغبش المتسربة إلى الداخل كانت أمي تكلم أبي بلهجة حانية ثم طبع قبلة على خدها.. شخصت أليه لم تحظ بمثل تلك النظرة العذبة استمدت من هذا الوجود هدوء لم تعهده (بقيت أنصت لصوت هديل الحمام لصقت وجهي على لوح الزجاج بقيت زمنا طويلا أشعر بخمول لطيف) في لحظة خاطفة هبط جنح الظلام أرتفع بعدها دوي صوت مفزع اهتز المنزل تحطمت المائدة سمع تكسر الزجاج بوضوح هرع الوالدان بذعر خارج المطبخ انهمار الأسى في هذا الصباح الحالك أثار البغض ونأى عن ذهني أحساس الطمأنينة و تصاعدت بواعث الغضب.. طويت في جسدي الفاني ألم ينهار أمامي كطريق مقفر لم أقو على النظر فأغمضت عيني لأتغلب على زمني الموجع فوضعت حجرا تحت رأسي وغفوت.. تفزع تقاسيم وجه أمي، كم استغرق وقت الهذيان واحتراق يلسع نافذة الحمى التي انتابتني.. فتشت في جفن الصباح المنكفئ فوق أشجار المنزل المتمايلة بقلق على جسدي المنتفض حول غصن ارتجافي.. يتحرك غموض يحاصر صور متناثرة في عيوني، صوت أمي يأتي من بعيد أحسه يصل إلى سمعي من دهليز يتفتت السنة تحوي أدعية، صرخة ملتاعة.. هدرت الليلة أحاديث وشهقات تحسم ألوانا تهرب في شاشة التلفزيون لوحة متحركة تطفئ ظمأ أمي مرتدية ثياب نومها تدخن سكائرها بشراهة.. يبقى أبي مستمرا في إعداد أرقامه التي يحرص على دقتها.. تبلل عظامه قطرات العرق ينشف رقبته بمنشفة كبيرة وينفث ريحا ساخنة في وجه الأوراق الممتلئة حزنا واحتراق، يبقى مصغيا لمذياعه الصغير.. نور خافت يتسلل من غيمة الدهليز، متململا على فراش نوم يخوض عليه همس يفزع ظلي أسأم من دهشة مبعثرة حين أكتشف أمي مع رجل غير أبي.. يفجعني المشهد الماجن.. اسمع من بعيد صوت أغنية تذوب في ضجة الشبق المستعر من يمحو الرغبة ؟ غلالة الظلمة تزحف بتوتر يقرع مدخل السرير أشاهد أبي عاريا يصافح مسامات جسد غريب لم تكن أنثاه أمي كان يضاجع رجلا يحوي خيالات امرأة بألفة غريبة يجرجره باختيار مخجل يشكون أوجاعهم الغريبة.. أبتعد منزويا كنت منسحقا في أفق تتباين فيه حمى عائلتي الصغيرة. انصرفت أخبئ فراغا يتضارب في جسدي الأجوف من المشاعر! في يوم الاثنين الماضي عرفت أن أمي وأبي مطلقان منذ ثلاثة عقود لكنهما يعيشان تحت سقف واحد يمارسان أثمهما بدون ارتباطات حياتية مألوفة.. في حجرتي الرطبة تدثرت منكمشا بلا صواب همي الوحيد البقاء على قيد الحياة حين عاود (توما هوك) السقوط ارتجت الأرض وتمايلت سمعت صوت الشظايا تنغرز مثل السكاكين في الجدار ويجف الدم في قلبي من الغليان.. كنت مصمما في الانفتاح على شهية الولوج لمعالم توقظ داخلي بهجة الهواجس التي لاتقاوم.. أغمضت عيني سمعت استغاثات موجعة وإطلاق رصاص.. بحثت عن أشيائي المفقودة، فتح أبي الباب همس بلوعة : ولدي حزمت أمي حقيبتها.. أنفاس أبي ملوثة وعطر أمي لايغري يطفح بالهيجان. أبقى محدقا بالنافذة.. الشمس وصلت حد المغيب طيور النوارس تحلق فوق الجسر المطلي باللون الأخضر بانتظار صاروخ جديد.. تفزع أزرار زمني المقلوب حين يخفت الولع وتمتلئ الأرض بأحزمة الرصاص السماء تمطر دخان ويفتك جلودنا اشتعال متأجج.. أمي تخوض في شارع الصالحية بحثا عن باص يقلها إلى دمشق.. تنفث دخان سكائرها وهي تجلس على أرائك الصالة المطلة على الشارع المزدحم بالمسافرين الهاربين ذوي القلوب المطفئة.. تشعر أنها مراقبة لكنها تبعثر حصون الرمل بنظراتها العسلية.. يستفيق الارتباك لتحشر بعدها جسدها المكتنز في المركبة الكبيرة الممتلئة بكتل اللحم تشهد نهاية مرحلة مضت بمآسيها الموجعة.. تصفع علاقاتها المتوترة بنفس عميق من لفافتها المتأججة.. شمس الظهيرة تنزف فوق الباص المغادر حرارة متقدة و في صدرها المتيقن بالنفاذ.. صحراء تمتد من فتحة أبواب السيارة المنطلقة حتى الأفق الغارق في غواية الألوان لتكتشف بعينيها امتصاص اللعب الذي استهواها زمنا ليس بالقصير.. بدت معزولة في مسافات سحيقة مكللة بالعجز وقلة الحيلة تدور بنظراتها تمنت لو ترى أبي ثانية! تتبادل أفكارها مع نظراتها الغائمة ترتقي بطريقتها مواقع تعج بالذروة.. يبدو أنها تفتقده لإحساسها بالترابط العضوي بينهما رغم الاختلافات الناجمة عن عواطفهما الممزقة تحت وهن الإحباط.. لملمت هلام أفكارها تعاطت مع ألذ ساعات الانجراف، طيش المشاعر يجرح ركام الأحاديث المعلقة على مفاصل منسابة فوق الوهم والحقيقة المجردة لتنبت حافات تتكسر عليها أحلاما تغفو بصمت مطبق.. بقيت مشتتا بين بوصلتين.. أعاني من البعثرة تتورم المرارة في فمي وترتخي عواطفي النزقة بين تأرجح يتأبط الزمن الرديء وحاضري المبهم..



#صالح_جبار_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دثار القرابين
- صناعة ألازمة الثقافية
- صدى العصي
- السلام عليكم
- صاحب اللحية الكثة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار محمد - توما هوك