أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الحسين شعبان - إرهاصات الدولة والمجتمع المدني في العراق















المزيد.....

إرهاصات الدولة والمجتمع المدني في العراق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2729 - 2009 / 8 / 5 - 09:16
المحور: المجتمع المدني
    


يعاني المجتمع العراقي من نقص فادح في ثقافة الحوار والرأي الآخر والتسامح، وقد سادت لسنوات طويلة ثقافة الإقصاء والإلغاء والعزل، حيث جرت تصفية الهوامش القليلة لمؤسسات المجتمع المدني، التي تحولت إلى صوت واحد ورأي واحد، لا تقبل الجدل والحوار أحيانا، ناهيكم من الاختلاف والرأي الآخر، بل تعتبر ذلك بحكم الثقافة الشمولية السائدة من قبيل «الانشقاق» أو «الانحراف»، الذي يستحق «النبذ» وربما التجريم والعقاب؛ لكونه خروجا على «الإجماع»، حتى وإن كان مصطنعا وملفقا، ولكن كيف يمكن أن تستقيم الأشياء وتنبجس الحقيقة دون النظر إليها من وجوه مختلفة؟! إن الاختلاف والتنوع من طبيعة الأشياء، ولا يوجد مجتمع دون اختلاف أو معارضة.
يمكن القول إن طابع الحياة السياسية بعد قيام الدولة العراقية 1921 اتسم بالتقليدية، حيث مثلت خليطا من أسر الأعيان بشكل غالب والعشائر وبعض الجماعات الدينية، إلا أن النشاط السياسي والمدني المجتمعي ظهر على الساحة بشكل أكثر وضوحا فيما بعد، عبر النقابات والاتحادات والجمعيات والأحزاب، لكن التصنيف النمطي للإثنيات والأديان والمذاهب في العراق ظل يرى الصورة على نحو آخر، فالعراق حسب وجهة نظره منقسم إلى سنّة في وسط البلاد وغربها وشمالها الغربي وشيعة في جنوبها، أي ما تحت بغداد حتى البصرة، وكرد في شمالها وشمالها الشرقي.
ولعل هذا الوصف الذي شاع في السنوات العشرين الأخيرة، أريد له تكوين صورة العراق «الجديدة»، التي ترسم ملامح خارطته السياسية وتضاريسه المتنوعة، بل صورة العراقي الذي يؤلف الانتماء المذهبي والإثني الأساس في تحديد هويته، ويتقدم على شكل كيانه وإدارته، في نظرة تبسيطية سطحية لصورة العراق «الخارجية»!
يمكن القول إن الدولة العراقية -رغم بعض مظاهر التمييز وبخاصة في قوانين الجنسية وبعض الممارسات السلبية، التي تعكزت عليها الحكومات السابقة، والتي أضعفت من مبادئ المساواة والمواطنة الكاملة- لم تؤثر عموديا في المجتمع، الذي ظل متماسكا إلى حدود معينة، ولعل الصورة النمطية التي يراد رسمها للعراق ظلت حتى الآن باهتة الألوان، رغم وجود مصالح وامتيازات ترتبت لبعض الفئات. ومع وجود الخطوط والألوان، فإنها لا يمكن لها طمس حقيقة وجود مجتمع مدني حديث ومعاصر وميدان سياسي وحقل ثقافي ومهني واجتماعي نما منذ تأسيس الدولة العراقية، واتخذ شكلا موحدا شارك فيه أفراد من الانتماءات القومية والدينية والمذهبية والاتجاهات السياسية والفكرية والثقافية والدينية المختلفة كنسيج مجتمعي، ولم يكن ذلك على أساس الانحيازات والتعصبات الدينية أو المذهبية أو حتى الإثنية، بل كان أساسه التوجه السياسي والالتزام الحزبي والقناعة الفكرية والإيديولوجية والانتماء الطوعي لمنظمات ومؤسسات مدنية عابرة للطوائف والإثنيات.
هكذا انخرط عشرات بل مئات الآلاف ولعدة أجيال، في جمعيات واتحادات ونقابات العمال والمعلمين والمهندسين والأطباء والمحامين والصحافيين والحقوقيين والأدباء والفنانين وغيرهم. وكان التنافس سياسيا وبرنامجيا وفكريا، وليس على أساس الانقسام الديني أو الطائفي أو الإثني أو العشائري، حتى وإن كان صراع الحركة الكردية يتسم بالطابع القومي مع الحكومات المركزية، إلا أن انخراط الجميع في إطار المجتمع المدني والميدان السياسي والحقل الثقافي والفني والمهني، كان على أساس العراق الموحد والهوية الجامعة.
كان المجتمع المدني العراقي يتطلع إلى نمط جديد لمفهوم المواطنة والدولة العصرية والحداثة، وشهدت فترة ما بعد تأسيس الدولة سجالات حول قضايا كثيرة، منها السفور والحجاب وقضايا التحرر والاستعمار وغير ذلك. وقد برزت هذه القضايا إلى المقدمة بعد ثورة 14 يوليو 1958، التي أقامت النظام الجمهوري، لتنهي عهد الملكية والهيمنة البريطانية.
إذاً لم يكن العمل المشترك والهوية الوطنية والانتماءات الفكرية والسياسية ملفقا أو ظرفيا أو طارئا، بل كان تطورا طبيعيا ومجتمعيا لنسيج دولة بدأت خطواتها الأولى الجنينية نحو الحداثة بثوب مدني وبطور عصري، متخطية العصبيات الدينية والمذهبية والعشائرية، رغم عوامل الكبح التي ظلت تشدها إلى الخلف، لكن نكوص الدولة وضيق قاعدتها الاجتماعية وتراجع وظيفتها بحكم «أقلوي» شمولي وبهدر سافر لحقوق الإنسان، فضلا عن حروب لربع قرن من الزمان، وحصار دولي لنحو 13 عاما، تبعه احتلال وغياب للدولة ومؤسساتها ومرجعياتها، دفع الأمور باتجاه الهويات التجزيئية المصغرة.
يرفض البعض الحديث عن مجتمع عراقي موحد واهتمامات وانشغالات فكرية وسياسية وثقافية مشتركة، ويستدل على ذلك من مذكرة كتبها الملك فيصل الأول عام 1932، شكا فيها من غياب الوطنية العراقية وتوزع المجتمع العراقي إلى عصبيات وتجمعات بقوله: «إن البلاد العربية من جملة البلاد التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية، فهي والحال هذه مبعثرة القوى، منقسمة على بعضها». ويضيف الملك فيصل الأول: «إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية». ويدعو لمعالجة هذه الحالة بقوة مادية وحكيمة معا ردحا من الزمان، حتى تزول هذه الفوارق وتتكون الوطنية الصادقة وتحل محل التعصب المذهبي والديني.. وإلا فالموقف خطر. لعل ما حذر منه الملك فيصل الأول قد حصل بفعل سياسات العزل الأقلوية وبفعل الاحتلال وحل مؤسسات الدولة العراقية، ولهذا فإن من الطبيعي العودة إلى المرجعيات التقليدية الدينية والمذهبية والعشائرية والجهوية وغيرها، وهو ما فعله المواطن بعد حل مؤسسات الدولة وبخاصة المؤسسة العسكرية، لكن هذا الرأي يغفل وربما بقصد عوامل الضعف في تأسيسها من حيث عدم اعترافها بحقوق الكرد أو عبر قوانين الجنسية التي ميزت بين المواطنين، أو بهشاشة التراكيب والبنى، التي أنشأتها والتي لم ترسخ التجربة الديمقراطية الوليدة، التي ضمنها دستور العام 1925.
وإذا كانت بعض القضايا الإيجابية قد حصلت في العهد الجمهوري بما فيه بعد العام 1968، من قبيل زيادة نسبة الإناث في التعليم وتوسيع مشاركتهن في سوق العمل والوظائف المهنية، وتقليص نفوذ العشائر والعلاقات التقليدية البطريركية والدينية، وتشريع قانون الأحوال الشخصية، إلا أنها منذ أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات وبخاصة بعد الحروب والحصار، شهدت تراجعات خطيرة، لاسيما اشتداد موجة القمع وتمركز السلطة بيد أقلية محدودة دون رقابة أو مساءلة.
وخلال الحرب العراقية-الإيرانية وما بعدها، وبخاصة في فترة الحصار، شهدت الدولة العراقية نكوصا عن طابعها «العلماني» المدني، حيث سعت الفئة الحاكمة إلى ركوب الموجة الإسلامية والعشائرية.
وكان البعض يتصور أن مجرد الإطاحة بالنظام السابق ستؤدي إلى العودة إلى الدولة المدنية «العلمانية» التعددية، غير أن هذا الحكم بعد مرور أكثر من ست سنوات من الاحتلال بدا طوباوياً، فالقوى التي خرجت إلى العلن هي المؤسسات التقليدية كالمؤسسة المذهبية والعشائرية، وهما اللتان ظلتا قائمتين حتى وإن كانتا ضعيفتين، ولهما نوع من الاستقلالية والموارد، فضلا عن عدم تدخلهما في السياسة إلا بحدود تقديم الولاء التقليدي للحكم، وقد نهضت هذه المؤسسات في محاولة لملء الفراغ. وقد حاولت قوى الاحتلال التعامل مع رؤساء العشائر والشيوخ المؤثرين ومع بعض المرجعيات المذهبية، وكان ذلك هو الأقرب لها من المجتمع المدني، الذي كان في حال شبه غياب.
لقد تعاملت بريطانيا بعد احتلالها للعراق 1914-1918 بالشيء ذاته، لاسيما بعد اضطرارها إلى اللجوء لصيغة الانتداب (أبريل 1920) بعد الحكم المباشر، وبخاصة بعد ثورة العشرين، وفقا لقواعد برسي كوكس-مس بيل، التي أنشئت على أساسها الدولة العراقية الحديثة، التي كانت تعاني من ضعف روابط المجتمع المدني، أي التنظيمات المدنية النامية عابرة الإثنيات والمذاهب والأديان، وذلك لأن الدولة لم تترسخ في الحواشي الخلفية من الإمبراطورية العثمانية، فقد وجدت بريطانيا مجتمعا هشا واستعدادا من جانب بعض القوى للتعاون مع المحتل، ورفضا من أوساط أخرى، فحاولت تقريب بعض رؤساء العشائر، وقدمت لهم بعض الامتيازات، ومنحتهم الأراضي والمناصب؛ ليشكلوا قاعدة داعمة لها.
وحاولت القوات الأميركية والبريطانية تكرار ما حصل في سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى عند احتلال العراق، وذلك خلال احتلاله العام 2003 وبعده، فإضافة إلى القوى التي تعاونت مع الاحتلال، سعت القوات المحتلة إلى توسيع قاعدة الحكم عبر القسمة الإثنية-الطائفية، التي عرفت باسم المحاصصة في مجلس الحكم الانتقالي، وفقا لصيغة بول بريمر-نيغروبونتي-زلماي خليل زاد، وفيما بعد رايان كروكر.
ولعل التبرير هو ذاته، أن الاحتلال وجد مجتمعا يعيش في عزلة بسبب الحصار الدولي وإنهاك سياسي وتمزق وتشظٍّ بسبب الاستبداد الطويل الأمد، وتوزع قبلي ومذهبي وإثني تقليدي، وفوضى اجتماعية وغموض وضبابية لأي رؤية مستقبلية!! بما فيها للقوى السياسية التي كانت في المنافي، بل إنها أسهمت في تكريس ما هو قائم وسائد.


• باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجدار الديموغرافي.. الأبارتيد الجديد
- بين الإسلامفوبيا والإسلاملوجيا
- لائحة اتهام وحلم العدالة الممكن والمستحيل!
- دارفور.. العدالة الممكنة.. العدالة المستحيلة
- الغرب والصورة النمطية للإسلام
- في فلسفة الدولة والمجتمع المدني
- في شجون القضاء الوطني والدولي
- الجدار الديمغرافي
- الحكمة يمنية والوحدة يمنية
- وحدانية الدولة وتعددية المجتمع!
- جدار برلين!
- مفارقة السيادة والتدخل الإنساني!
- نفط العراق.. وجوهر الخلاف
- النفط والاقتصاد الريعي
- الابرتهايد..
- يوم السيادة -العراقي- وشيء من المصارحة
- هل هي هموم «شيوعية» أم وطنية؟!
- استعصاء الديمقراطية؟
- خصوصية الحالة الإيرانية!
- هل القدس عاصمة للثقافة العربية؟


المزيد.....




- ميدل إيست آي: يجب توثيق تعذيب الفلسطينيين من أجل محاسبة الاح ...
- بعد اتهامه بالتخلي عنهم.. أهالي الجنود الأسرى في قطاع غزة يل ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمركز الوطني لحقوق الإنسان حول اس ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة لمركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان ح ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان حول ...
- هايتي: الأمم المتحدة تدعو إلى تطبيق حظر الأسلحة بشكل أكثر فا ...
- قبيل لقائهم نتنياهو.. أهالي الجنود الإسرائيليين الأسرى: تعرض ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم تركيا بالترحيل غير القانوني إلى شمال س ...
- بسبب المجاعة.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان يرفع حصيلة ضحايا ...
- الأمم المتحدة تحذر: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الحسين شعبان - إرهاصات الدولة والمجتمع المدني في العراق