أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين تملالي - نيكولا ساركوزي والدين كبضاعة سياسية















المزيد.....

نيكولا ساركوزي والدين كبضاعة سياسية


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 2734 - 2009 / 8 / 10 - 07:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم ينقطع أملُ الكنيسة الكاثوليكية منذ انتصار الثورة الفرنسية في 1789 في أن تعود إليها "كبرى بناتها"، فرنسا، نادمة على شنق "أخر النبلاء بأمعاء آخر القسيسين". وقد بدأ أملُها يتحقق بتولي نيكولا ساركوزي كرسي السلطة، فالرئيسُ الفرنسي يخص المسلمين وحدَهم بـ"واجب احترام مبادئَ العلمانية" ويبدي مرونةً كبيرة في تأويل نفس المبادئ عندما يتعلق الأمر بالمسيحية.

في 12 سبتمبر 2008، دعا ساركوزي وهو يستقبل بابا الفاتيكان في الإليزيه إلى "علمانية إيجابية" قائلا : "لا نبجل أحدا على أحد ولكننا فخورون بجذورنا المسيحية". وكان كلامه صدى لما صرح به في روما، في ديسمبر 2007، حين قال: "في مجال توصيل القيم وتعلم التمييز بين الخير والشر، لن يستطيع المدرس أبدا أن يعوض القسيس." ولم يحدد عن أية قيم يتحدث، قيم الأب بيار الإنسانية أم قيم "صكوك الغفران"، قيم "القسوس العمال" في أمريكا اللاتينية أم قيم كهنة ديكتاتورياتها البائدة.

وقد يبدو هذا الكلام مفاجئا على لسان رئيس دولة اشتهرت بتعاملها الصارم مع مظاهر التدين السافرة (خصوصا الإسلامية منها) داخل مؤسسات الدولة، إلا أن الحقيقة غيرُ ذلك. لن تفاجئنا تصريحات ساركوزي إذا ذكرنا أنه رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بذريعة "هوية أوروبا اليهودية-المسيحية" وأنه خص مسألة الأديان في فرنسا بكتاب طويل زعم فيه أن دور القيم المسيحية في تناسق المجتمع لا يقل أهمية عن دور القيم الجمهورية.

وقد عبر ساركوزي في كتابه "الجمهورية والأديان والأمل" (2004) عن إيمانه بأن "للدين، في مطلع الألفية الثالثة، دورا مركزيا" وأنه "أحد أعمدة الأمل" في المجتمع. ولم يتخل عن هذا الخطاب بعد ترشحه للرئاسة، ففي حوار نشرته "فامي كريتيان" (العائلة المسيحية/ مجلة كاثوليكية) في 21 أفريل 2007 قال بالحرف الواحد : "شهدت المسيحية ولادة أمتنا وساهمت في أعظم فترات تاريخها (...). أعتقد أنه من الضروري أن تشارك الأديان - خصوصا في بلادنا الكاثوليكية - في نقاشات المجتمع الكبرى." وهو إن خفف من حدة "لاعلمانيته" خلال حملته الانتخابية، فلأسباب تكتيكية، إذ كانت منافسة أقصى اليمين تستلزم التركيزَ على "خطر الإسلام المتطرف"، وهل أنفعُ من إشهار لواء العلمانية لتجنيد الفرنسيين ضد هذا الخطر ؟

وقد سرت الكنيسة الرومانية بانتخاب ساركوزي أيما سرور، ففي حوار نشرته اليومية الكاثوليكية الإيطالية "أفينيري" (10 مايو 2007) أثنى ذراع الباب الأيمن، الكاردينال جان لويس توران، على مواقفه "البالغة الانفتاح على الأديان"، بل وبرر تقاربه مع أمريكا ومساندته لإسرائيل بزعم أن "فرنسا وأوروبا لا يمكنهما العمل غلى عزل هذين البلدين" (هكذا). وكما لو أراد إثبات حسن ظن الكنيسة الرومانية به، كتب الرئيس الفرنسي رسالة طويلة إلى البابا في جوان 2007 تحدث فيها عن تاريخ "الروحانية الأوروبية" المجيد وواجب دعم "الأقليات المسيحية المضطهدة" في شتى أصقاع العالم.

ولا يتردد ساركوزي منذ انتخابه في تقمص شخصية عالم اللاهوت في كل مناسبة ومكان، حتى خارج فرنسا، فخلال زيارته للرياض في يناير 2008، أشاد فيما يشبه الموعظة الكنسية بـ"ميراث الأديان التمدني" قائلا إن "الله المتعالي هو محرر الإنسان". وكان المستمعون إليه من صفوة النظام الملكي، ولم يقل لنا متى سيتحرر الإنسان السعودي من ربقة آل سعود ولا إذا كان حرمانُ السعوديات من سياقة السيارات أحد مظاهر "التمدن الديني".

وقد أثار زهوُ ساركوزي الدائم بكاثوليكيته ضجة كبيرة في فرنسا، ورأت فيه القوى اليسارية تعديا على مبدإ "حياد الدولة" في مجال الأديان، وألحت على أن الرئيس ممثل كل الفرنسيين لا المتدينين منهم فقط - ولا طبعا فقط الكاثوليك. وذكرت بعض هذه القوى بأن منعَ الحجاب في المدارس جاء تطبيقا لقانون 1905 المكرس لعلمانية الدولة، فكيف يجاهر ساركوزي بميوله الدينية بهذه الشكل شبه الكرنفالي ؟

وقد يقال إن الرئيس الفرنسي شديد التسامح مع المسلمين وأنه نصب في 2003، حين كان وزيرا للداخلية، "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية". والواقع أن أغلبية أعضاء هذه الهيئة من الإسلاميين وأن تسليم مقاليد الإسلام في فرنسا إلى الإخوان وجماعة الدعوة والتبليغ ينم عن تصور غريب للمسلمين، كمتعصبين لا يمكن أن يمثلهم سوى متعصبين. وقد تجلى هذا التصور في عدة مناسبات، فساركوزي كثيرا ما يصف تركيا بـ"الدولة المسلمة المعتدلة" وكما لو أن الإسلام في جوهره تطرف وعنف، وأن فظائع الرجم في إيران – و"البلد الصديق"، السعودية - لم تسبقها في القرون الوسطى محارقُ أعدها الفاتيكان "للكافرين".

هل يؤمن الرئيس الفرنسي حقا بأن "المدرس لن يعوض أبدا القسيس في مجال توصيل القيم" ؟ نعم إذا اعتبرنا أن القيم المعنية هي القيم السائدة، تلك التي تزعم أن العالم موجود كما هو منذ الأزل ولا يمكن تغييره. ومن الواضح أن خطاب ساركوزي الديني جزء من خطة إيديولوجية متكاملة هدفها إضفاء شرعية جديدة على الرأسمالية الفرنسية وتغليف مصالحها بغلاف من "القيم الخالدة" بعد أن استهلكت قيمها الاستهلاكية.

لم يدعُ الرئيس الفرنسي بعدُ إلى "حروب صليبية جديدة"، ولكنه كجورج بوش، يبدو مقتنعا بجدوى الدين في تجنيد الطبقات الحاكمة حوله وتخدير الفئات المحكومة التي تهدد مصالح الرأسمالية. ليس غريبا، من هذا المنظور، أن يثمن الكاردينال جان لويس طوران في حديثه ليومية "أفينيري"، دعوتَه إلى "احترام النظام والسلطة" وأن يشير إلى "حساسية الكاثوليك الفرنسيين" لمثل هذه الدعوات.

"لا تناسق للمجتمع بدون الدين"، يقول ساركوزي في "الجمهورية والأديان والأمل". ولا يعني تناسق المجتمع في مفهوم حامي الرأسمالية الفرنسية الجديد غيرَ الإيمان بأن الإنسان فُطر على استغلال الإنسان وأن العمل وسيلة الثراء الوحيدة وأن الفقر سببه الكسل والاتكال. كان "اعمل أكثر لتكسب أكثر" أحد شعارات حملة ساركوزي الانتخابية، وقد أثبتت الأحداث أنه يعني في واقع العمال "اعمل أكثر لتكسب أقل"، ويمكننا تحويره على ضوء المواعظ الساركوزية المؤثرة ليصبح : "آمن أكثر لتعمل أكثر (وتكسب بالطبع أقل)".

ويذكر الرئيس الفرنسي من حيث استعماله الخطاب الديني لحماية مصالح الطبقات الحاكمة، بأحد أسلافه الميامين، نابوليون بونابرت، وهو من قاد مثله ردة عنيفة على العلمانية الفرنسية. كتب إمبراطور فرنسا في 1801: "كيف يعم النظام دولة بدون الدين ؟ لا يمكن لمجتمع أن يوجد بدون تفاوت الثروات ولا يمكن أن يستمر تفاوت الثروات بدون الدين." وكما جاء خطاب ساركوزي في 12 سبتمبر 2008 في سياق توطيد العلاقات السياسية مع الكرسي البابوي، كتب بونابرت هذه الجملة البليغة لتبرير تطبيع علاقاته مع الفاتيكان، بعد سنوات من العداوة تلت ثورة 1789.

ياسين تملالي
كاتب وصحفي جزائري

22 سبتمبر-أيلول 2008





#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر
- المهاجرون الأفارقة ضحايا «المصالحة الإيطاليّة الليبيّة»


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين تملالي - نيكولا ساركوزي والدين كبضاعة سياسية