أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين تملالي - مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر















المزيد.....

مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 2728 - 2009 / 8 / 4 - 08:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يمضي يوم دون أن تطالعنا بعض الصحف الجزائرية بآخر أنباء "المؤامرة التبشيرية" على البلاد، معتمدة على الشائعات والأقاويل أكثر من اعتمادها على التحري الموضوعي (1). ولا تفسير لهذا التهويل الهستيري لـ"خطر التنصير" سوى أنه أداة من أدوات الماركنتنغ في المعركة التجارية المحتدمة بين هذه الصحف، مثله في ذلك مثل "الخطر الشيعي" أو "مسؤولية اليهود" عن العنف الطائفي بين المالكية والإباضية في مدن ميزاب الجنوبية (2).

وتستند هذه الصحف في تنديدها بحملات التنصير إلى قانون "تنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين" الصادر في أواخر 2006 (3). كما أنها تستغل لصب مزيد من الزيت على النار تصريحات رؤساء جمعيات مدنية (كجمعية العلماء المسلمين) مهووسين بمشكلة متخيلة هي "انسلاخ الجزائريين عن دينهم".

وبفضل تضافر جهود هذا الجمع الكريم، انتشرت الكثير من الأفكار المبتسرة لا عن نشاط الكنائس الإنجيلية – الحقيقي – (4) فحسب، بل كذلك عن تورط الكنيستين الجزائريتين (الكاثوليكية والبروتستانتية) في "العمل التبشيري" وانتشار المسيحية بين أهالي المنطقة القبائلية الناطقة بالأمازيغية.

والظاهر أن الكثيرين ممن يكتبون في هذا الموضوع لا دراية لهم بتاريخ المسيحية في البلاد ولا بتاريخ المنطقة القبائلية، فاستحال التمييز فيما نقرأه لهم بين الحقيقة والخيال، بين الواقع وفوبياهم الشخصية المعبرة عن فوبيا قسم من المجتمع. وزاد الطين بلة تصديرهم لخزعبلاتهم إلى الأقطار العربية: تكفي نظرة عابرة إلى موقع العربية مثلا لندرك حجم الصورة الزائفة التي يصورون بها الجزائر لباقي العالم العربي.

ويمكن اعتبار مقال حياة خالد "تنصير يغذيه الإرهاب" (الأخبار، 11 نيسان 2008) مثالا لبعض الأفكار المغلوطة عن التبشير في الجزائر. ولو أنها عنونته "شائعات عن التنصير" لصدقت بل ولاستحقت الثناء. هذا، عدا أنها لا ترى حرجا في تقييد ممارسة المسيحيين شعائرَهم في ذات الحين الذي يطالب فيه المسلمون بحقهم المشروع في بناء مساجد لهم في كل أصقاع العالم.

لن نتطرق لهذا الجانب الأخير، فهو يستحق مقالا مطولا يحلل أسباب التناقض بين نشدان الحرية لنفسنا وسعينا الحثيث إلى حرمان غيرنا منها. ولن نتكلم عن التأثير السلبي لمثل كتابات حياة خالد على صورة الأقليتين المسيحية والقبائلية ولا عما قد ينجم عنها من عنف يستهدف المسيحيين وزرع لبذور الشقاق بين "العرب" والأمازيغ. سنكتفي بالتركيز على بعض كليشيهات هذه الكاتبة، وأهمهما اثنان : وصف الاحتلال الفرنسي في 1830 بالـ"الحملة الصليبية" بغرض تصوير الكنائس الجزائرية على أنها امتداد طبيعي له)، والربط المغرض بين الحركة التبشيرية والحركة الأمازيغية.

هوس "الحملة الصليبية" على الجزائر

تقول حياة خالد : "مثلما تجذّر الإسلام في الجزائر وشمال أفريقيا من خلال الفتوحات، كانت للمسيحية جذور سابقة لا تزال قائمة إلى اليوم، حيث يستغلها المبشّرون الجدد لنشر المسيحية." وتضيف : "يرى مؤرخون أن غزو البلاد عام 1830 كان حملة تبشيرية بالدرجة الأولى المراد منها "إعادة مجد المسيحية الضائع في المنطقة"."

لنصرف النظر عن أن الكاتبة لم تقل لنا من المؤرخون الذين يرون أن "الغزو الفرنسي كان حملة تبشيرية"، ولننظر في صلب الموضوع :

- ليس صحيحا أن المبشرين يستغلون في دعايتهم ماضي المسيحية في الجزائر، فقبل الاحتلال الفرنسي بقرون، كانت هذه الديانة قد انقرضت انقراضا شبه تام، إلى درجة أن الكاثوليك الفرنسيين، لإنجاح حملاتهم التنصيرية، فكروا في الاستعانة بعرب موارنة من بلاد الشام.

- رافق الخطاب عن "استعادة مجد المسيحية الضائع في المنطقة" الاحتلال الفرنسي في بداياته كما رافقت إيديولوجية "استرجاع أرض الميعاد" الاغتصاب الصهيوني لفلسطين ورافق الحديث عن "الحرب المقدسة" تنفيذَ مخططات جورج بوش في أفغانستان. لكن هذا الاحتلال لم يكن "حملة تبشيرية بالدرجة الأولى". ولو كان كذلك لأمكن القول بأنه فشل فشلا ذريعا، فمن "تنصر" من الجزائريين في غضون 132 سنة لم يتجاوز بضع مئات.

- تميز موقف السلطات الاستعمارية من التبشير بالتذبذب، فهي حظرته رسميا في بداية الاحتلال خوفا من أن يزيد من استثارة الجزائريين عليها، ولم تسمح به في الأوساط المسلمة إلا في أواخر سنوات 1860.

- لا يعني استخدام الحكم الاستعماري الكنيسةَ الكاثوليكية في مرحلة معينة لإحكام سيطرته على البلاد أن هذه المؤسسة كانت على الدوام موالية له، ومواقفها خلال حرب التحرير دليل على ذلك، فقد كان رئيسها آنذاك، الكاردينال دوفال، عدو أنصار "الجزائر الفرنسية" اللدود، وكان هؤلاء يسمونه تهكما "محمد دوفال". كما التحق بصفوف الثورة التحريرية الكثير من الجزائريين الكاثوليك من أصول أوروبية (5). أما المسيحيون في فرنسا، فالتف الكثير منهم حول الثورة (تيار Témoignage chrétien مثلا) وجندوا وسائل إعلامهم لمناصرتها والتنديد بممارسة التعذيب ضد مناضليها.

هل القضية الأمازيغية مطية للتنصير ؟

تقول حياة خالد: "كذلك فإن فرنسا، بعد خروجها من الجزائر، نصبت الجمعية البربرية (أي الأمازيغية)، التي يرأسها الكاتب الأمازيغي الفرنكوفوني المعروف مولود معمري، للعمل على الحفاظ على المسيحية في الجزائر وإقناع الأمازيغ، وهم السكان الأصليون في الجزائر، بأن الإسلام والعربية هما السبب في طمس تاريخهم."

- يبدو أن الكاتبة تقصد بـ"الجمعية البربرية" "الأكاديميةَ البربرية". لتعلم أن هذه الهيئة لم "تنصبها" فرنسا بعد الاستقلال وإنما أنشئت في باريس في منتصف الستينات، وكان من مؤسسيها أحد قدامى ضباط جيش التحرير الوطني، محند أعراب بوسعود، والمفكر المختص في التراث الإسلامي محمد أركون. ولا يبرر تطرف بعض أعضائها – وشوفينيتهم أحيانا – وصفهم بالعملاء ("العميل" محمد أعراب بوسعود مثلا طُرد من فرنسا في أواخر السبعينيات بطلب من السلطات الجزائرية !)

- لا ندري شيئا عن مسيحية "الأكاديمية". أما ما نعرفه بالتأكيد، فهو أن أحد النشطاء المؤمنين بأطروحاتها، هارون محمد، شرع في ترجمة القرآن إلى اللغة الأمازيغية.

- لم يعرف عن مولود معمري أنه ترأس يوما "جمعية بربربة" ولا أنه انتمى إلى الأكاديمية المذكورة. ما نعرفه هو أن بعض مؤسسي هذه الهيئة (مثل محند أعراب بوسعود) عابوا عليه "قلة التزامه بالقضية" أي، بعبارة أخرى، عدم اقتناعه ببعض أفكارهم المتطرفة.

- أما عن وطنية هذا الكاتب، فيكفي التنويه بأنه صاحب رواية جميلة عن حرب التحرير وعمقها الشعبي في الجبال القبائلية. أيعقل أن يكون صاحب "الأفيون والعصا" (1965) عميلا ترأس جمعية "نصبتها فرنسا" لنشر المسيحية في أوساط الجزائريين؟ ألن ينتهي التشويه الذي يتعرض له لا لذنب سوى سعيه إلى إحياء إحدى لغتي الجزائر، الأمازيغية ؟

عن الاستعمال السياسي لقضية التنصير

ولا يكمن خطر هذه الكليشيهات في خطئها بقدر ما يكمن في استغلالها السياسي، ليس اعتبار الاحتلال الفرنسي للجزائر "حملة صليبية" مجرد غلط علمي. إن له هدفا محددا: تضخيم دور "المقاومة الثقافية" (أي دور جمعية العلماء المسلمين) في نيل الاستقلال، وتشبيهه بدور التيارات المحافظة اليوم في الدفاع عن "مقومات الأمة المهددة".

ساهمت جمعية العلماء حقيقةً في حماية اللغة العربية وحقوق المستعمَرين الدينية إبان الفترة الاستعمارية ولكنها، للأسف، لم تتعد ذلك إلى المطالبة بالاستقلال عن فرنسا، ولم تلتحق بجبهة التحرير الوطني إلا سنتين بعد اندلاع الثورة، إثر تهديد الاستقلاليين بتصفية قادتها. كذلك الأمر بالنسبة لبعض ورثتها الحاليين: يدافعون عن الإسلام والعروبة ولا ينبسون بكلمة وهم يرون الاستعمار الجديد يستحوذ على ثروات البلاد ويسعى إلى تسيير اقتصادها بما يخدم مصالحه. بالعكس، يلتصقون بالسلطة التصاقا حتى نكاد نحسبهم منها ويبررون سياساتها في الداخل والخارج ويساعدونها على تجاوز أزماتها بشغل أنظار الجزائريين بفزاعة "الغزو الثقافي".

ويبدو التلميح إلى أن المنطقة القبائلية "معقل من معاقل التبشير" جزءا من ذات المشروع المهادن، إذ يستهدف هو الآخر لفت أنظار الجزائريين عن مآسيهم وشغلهم بهوس "النزعة الانفصالية" القبائلية. أما ما يترتب عنه من تعميق للشرخ بين مكونات المجتمع، فلا يعني "المحافظين الجدد" الجزائريين في شيء. ما يعنيهم هو زيادة وزنهم السياسي ولو على جثة "وحدة وطنية" يتغنون بها وهم يهدمونها بالمعاول ويرقصون على أنقاضها.

ياسين تملالي
كاتب وصحفي جزائري

هوامش

1) يكفى "الشروق" أن تقابل إحدى صحفياتها شبانا مسيحيين وترى صليبا على جدار كنيسة لم تدخلها وتسمع عن قداسات سرية في المطاعم كي نقرأ في صفحتها الأولى: "الشروق تخترق شبكات التجنيد حول المسيحية" (28 آذار 2008).
2) الشروق : "وزارة التربية توقف 11 شيعيا عن التدريس بالجزائر" (12 كانون الأول 2006) و "لفيف من اليهود يستثمر في أحداث بريان" (9 نيسان 2008). نقرأ في ثاني المقالين ما يلي: "كشفت مصادر مطلعة أن أحداث بريان (منطقة ميزاب) تصادفت وحضور مجموعة من الأقدام السوداء (قدامى أوروبيي الجزائر) برفقة جماعات يهودية أياما قبل المولد النبوي الشريف." بالطبع، لا ذكر لهذه "المصادر المطلعة" ولا تفسير لقدرة مجموعة من السياح على إثارة فتنة طائفية.
3) منذ التصويت على هذا القانون، اعتقل جزائريون وأجانب بتهمة التبشير وأغلقت كنائس بروتستانتية بزعم عدم تحصلها على إذن قانوني. كما حكمت العدالة بطرد راعي الكنيسة البروتستانتية الأسبق من الجزائر، هيوغ جونسون، ولم تشفع له إقامته في البلاد طوال 45 سنة.
4) نشاط الكنائس الإنجيلية في الجزائر حقيقة لا جدال فيها، والتخوف مشروع مما قد يرافقه من إثارة للفتن الدينية أو العرقية. إلا أنه من غير المقبول أن يتحول إلى ذريعة لقمع الحريات الدينية والتشكيك في وطنية الكنائس الجزائرية، خصوصا وأن هذه الكنائس أول متضرر منه، كما أكد ذلك مرار الأب هنري تيسيي، رئيس الكنيسة الكاثوليكية.
5) لعل أشهرهم بيار شولي، أحد محرري صحيفة "المجاهد"، لسان حال جبهة التحرير الوطني إبان الثورة.


22 مايو-أيار 2008



#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهاجرون الأفارقة ضحايا «المصالحة الإيطاليّة الليبيّة»


المزيد.....




- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين تملالي - مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر