أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أنسي الحاج - موسيقيّات















المزيد.....

موسيقيّات


أنسي الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 2727 - 2009 / 8 / 3 - 08:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الموسيقى لا تَبْني بل تُلاشي. تجعلك قشعريرة، تُبنّج هذا الذي ما كان واعياً إلاّ ليخاف، ليتوجّع.
استسلمْ.
يجب أن لا يتوقّف النزف.
■ ■ ■
أَضمن المؤلّفين الموسيقيّين هو الأصمّ، لا اقتداء بمثل بيتهوفن بل لأن الصَّمَم يقلّل من استمتاع المؤلّف بألحانه، مما يزيد من استمتاع المستمع.
■ ■ ■
كذلك، المؤلّف (أو المغنّي) المسيطر على انفعالاته، فيبدو جامداً كالصخر وهو يُزعزعك، بارداً كالثلج وهو يضرم فيكَ النار.
الخَلْق (والأداء) يُشبه، من خارج، البرودَ الجنسي.
■ ■ ■
«صوتُها أعمى»، قال لي صديقي عن إحدى المبتدئات.
عَرَاني فَزَع من هذا الوصف.
وشَعَرْتُهُ يُحذّر من تهديد!
■ ■ ■
في كلّ مؤلّف لاعبٌ تارةً يلهو عن شيطانه وطوراً يلهو معه وأحياناً يصارعه. العرب من أوائل الذين أدركوا ذلك فعيّنوا لكل شاعر شيطاناً. لكنّها أضحت كالمداعبة، فيما هي قضيّة خطيرة تقع عند المفترقات. مقدارُ اللعب في المؤلّف هو الفرق بينه وبين سواه. المقدار، والوجهة. وهل يلعب، أم يَجْتنب؟ وهل يعي أنه يلعب، وكم، أم لا؟ وأين تتوقّف حدود إرادته؟ وهل يتراجع إذا خاف ما يَرى، أم يمضي؟ وإذا مضى، فما العمل بعد سقوط شهابه وعودة الظلام؟
■ ■ ■
المؤلّف ليس أُحجية للجمهور وحده بل لنفسه أيضاً. الجمهور قد يَعرف ما يجهل في المؤلّف، بينما المؤلّف قد لا يَعرف ما الذي يجهله في نفسه.
■ ■ ■
تَجْمع الموسيقى التجريد إلى العناصر الأربعة، خصوصاً الماء والهواء. وفوقها، الحواس الخمس عشرة. (العشر الإضافية هي بعض ما تُولّده نشوةُ الموسيقى من مضاعفاتٍ لا تعود هي نفسها مسؤولة عنها).
■ ■ ■
المُنْعش أيضاً في الموسيقى أنّكَ حين تكتشفها تطمئنّ إلى أنّكَ لم تكن وحدك بلا جدوى.
■ ■ ■
نلاحظ عند بعض الموسيقيّين، مؤلّفين وعازفين، تبايناً بين «موسيقاهم» وشخصيّاتهم، هو في الغالب ترجيحٌ لكفّةِ الموسيقى لا لكفّةِ شخصيّاتهم. ملحّنٌ فَظّ أو مُدَّعٍ أو خَشِن يضع أرقَّ الألحانِ سالكاً في شِعابٍ ورهافات لا تومئ إليها شخصيّته. وما عُرفَ ويُعرف عن تفاصيل طباع العديد من المؤلّفين الموسيقيين ـــــ ممّا عُلم من كتب وبالتعايش القريب ـــــ يتعارض وقمم السطوع والشفافية والخشوع والاتحاد والصوفيّة والانسحاق والملائكيّة والشيطانيّة والدهاء والسحر التي تنطوي عليها مؤلفاتهم.
هل كانوا يعرفون هذا التباين؟ هل هم واحدٌ مع مواهبهم وعبقريّاتهم، أم هي تُقيم فيهم على حدة، كالمستأجر؟
أم أنَّ لغةَ الموسيقى من الجَمال بحيث لا يستطيع الموسيقي الموهوب، مهما كان نوعُ بَشَريّته، أن يطمسها؟
■ ■ ■
ليس بين الفنون ما يُشْبه الدِين مثل الموسيقى. حتّى ولا الشعر بمعناه الأدبي. لم يتقدّم الشعر كبديلٍ من الدِين. لا هوميروس ولا داود ولا سليمان. المتنبّي لَقَبُه يرسمُ حدودَ طموحه. الرومنتيكيّة بأسرها دارت حول المسيحيّة تستلهم، سلباً أو إيجاباً. يستطيع الأدب أن يتكوّن خارج إطار الإيمان الديني لكنّه لم يستطع أن يُنتج تراثاً «دينيّاً» موازياً للدين أو بِطانةً له أو بديلاً.
الفلسفة استطاعت. قبل المسيحيّة مع الإغريق وبعدها، (كارل ماركس). لكنّها كانت «أدياناً» بلا ارتعاشاتِ الغيبِ وتجلّياتِ الغامضِ وإشراقات الروح التي تُوجدها الموسيقى.
أقيمت بدائل من الأديان أنتي دينيّة، والموسيقى بديل أكثر من دينيّ. لكنّها دينٌ بلا عقاب، ولا حدود، ولا عدوّ، و«تعَصُّبُها» يَزيدُ الحريّة.
■ ■ ■
أحد أسباب إعجاب الأدباء غير المتنكّد بالموسيقيّين هو استحالة التنافس في وسيلة التعبير. الأديب، هنا مرتاحٌ من الغيرة ومن احتقار الشبيه.
■ ■ ■
الخَلْق أجمل من الخلاّق، وفي الموسيقى هو أجمل بما لا يُقاس. في الشعر ليس دوماً كذلك. بعض الأدباء أجمل من كُتُبهم.
حضور الموسيقى الأخّاذة أجملُ دوماً من غيابها.
مع السينما ظهر كمالُ الموسيقى وتفوّقها حتّى لمَن لا يريدها. لنتصوّر فيلماً بلا موسيقى يسمّونها «تصويريّة» وهي في الواقع روح الفيلم لا غلافه. لنتصوّر القدّاس بلا ألحان والكنيسة بلا أرغن أو بيانو أو جوقة. لنتصوّر خَيالنا السارح سارحاً بلا خلفيّته الموسيقية السليقيّة، تلك الأنغام المنبعثة من نخاع النخاع، كبخار الأرض قبل التكوين، السابقة للنطق، الموجودة قبل النطفة في الأحشاء.
ربّما لا يجوز للموسيقيّ أن يكون توأماً لموسيقاه حتّى لا يجمّده تأثُّره بها. والمسافة بين بَشَريّته وأُلوهَتها هي المسافة بين الوسيط والهدف.
■ ■ ■
تملأ الموسيقى فراغَ المعنى في أفلام السينما. تُجمّل، تلقي بوشاحها على الضعيف والفحل فلا تنتبه لهما، بل تُعْجَب بهما. هذا القَدْر من «النجاح» هو خداعٌ لا يستغني عنه مخدوعُه.
■ ■ ■
طبيعةُ لغةِ الموسيقى فيها ما يُعين الموسيقار على ترجمة نَفْسه بأروعِ ممّا يفعله سائرُ المعبّرين. إنه يحتاج إلى القليل على صعيد الشعور والفكْر ليقول الكثير. بخلاف الشاعر والروائي والفيلسوف.
لغةُ الموسيقى لها من خصوصيّتها ما يمكّنها من «قول» أيّ شيء سطحيّ أو تقليديّ وإيصاله إلينا سحراً خالصاً نتعشَّقُه ونردّده ويلتصق بنا رغم رَفْضنا لـ«معناه»!
■ ■ ■
حذارِ سحرَ غنائهم أيّها القويّ!
من بصيرة نفّاذة تُسلّط على الهدف بلا ارتجاف... سيجعلكَ سحرهم خرقة مبلولة!
حذارِ الأجمل من آلامك، أيّها القويّ!
■ ■ ■
الكلام ضدّ الديكتاتوريّة يبدو بلا معنى حين نراقب قائدَ أوركسترا وكيف يتعامل مع فريقه. أو مؤّلف الموسيقى وكيف يتعامل مع معاونيه. أو المخرج وكيف يتعامل مع الممثلين والتقنيين. أو الكاتب وكيف يتعامل مع الفراغ الذي يحيط به نفسه.
الداعون إلى إلغاء الديكتاتوريّة سيتوصّلون إلى إلغائها حيث هي سائرة بشكل طبيعي إلى الزوال، ولكن سيظلّ مشهدُ كونداكتور يتحكّم في أوركستراه كتحكّم الله في ملائكته، مثالاً للديكتاتوريّة. كذلك المخرج مع ممثّليه. والكاتب فوق ورقته. والنحّات والمصوّر والملحّن وأستاذ الرقص... لأنّ السلطة الأصليّة هي الخَلْق، وكلّما تساوت المجتمعات في الديموقراطيّة وتهاوت رموز الطغيان السياسي والعسكري والأيديولوجي والديني والاقتصادي والتكنولوجي، عادت إلى التحرّك الحاجةُ الإنسانيّة إلى سطوةِ الخَلْق تًعوّض الإنسان عبر الدهشة والغوص والاستشراف ومخزون اللغة من عنفٍ ورقّةٍ وفتنةٍ ومصالحةٍ وتجديدٍ واكتشاف، تعوّضه عمّا سلبته إيّاه سلطات ماديّة انتحلت عبر التاريخ صفة القيادة عوضَ أن تَتسمّى باسمها الحقيقي وهو الاغتصاب، وفي ألطف أشكاله: التزوير.
القيادة لم تكن يوماً إلاّ للفكر والفن والشعر، ولأنَّ معظمَ أربابها منخطفون إلى أصواتهم الداخليّة لم يبالوا بفخفخات الأرض، في حين تكالب عليها المَظْهَريّون وموهوبو تحويل الذهب إلى تراب. ومع ذلك، رغم سلالات الملوك والأباطرة والجنرالات والغزاة ومئات ملايين الضحايا، ورغم تحالف سلطة السياسة مع سلطة الدين وسلطة المال، لم تستطع هذه السلطات أن تحرّك في الناس غير النوازع السلبيّة، ولم يدخل منها إلى نفوسهم غير الإرهاب والفساد.
إذا اضمحلّت الديكتاتوريّات السياسية ستبقى الديكتاتوريّات الفنّية والأدبيّة. لأنَّ هذه يحتّمها جوهران: طبيعةُ الخَلْق، على درجاته كافّة، وطبيعةُ تنظيمه وإيصاله إلى هدفه. لا بل ثمّة جوهر ثالث أيضاً لا بدّ من تسميته، وهو حاجة الجمهور إلى قيادة ديكتاتوريّة للخلق. فقيادةُ الخَلْق مجبرة، تحت طائلة انهيار كل شيء، على رعاية عملها رعاية شموليّة كلّية بالغة الجدّية، لا هوادةَ فيها.
ستظلّ ديكتاتوريّة الخلاّق مقبولة في عالمٍ بلا ديكتاتوريّات، مقبولة ومطلوبة، لأنّها تشهد بأنّ الزَيَف تراجَع لحساب الأصالة، وبأنّ الجمال، الذي كسفه إلى حين صَخَبُ التسلّط وجنونُ عظمةِ عشّاق التوسّع ومصّاصي الدماء، لم يتوقّف عن نَجْدة العالم، وقد عرفَ دائماً أن السرّ المقدّس هو في رؤوس مَن يملكون روحَ الكلمةِ وروح النغم وروح الرؤيا وروح الأمل، هؤلاء الملوك عن حقّ، وقد تَوَّجهم لا جيش ولا عصبيّات، بل وفاء الزمان.



#أنسي_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنا نحسب الفراغ نبيذاً
- دينيّات: بين الشدياق وعفلق
- مهما صرخ
- ليت العرب ظاهرة صوتيّة
- ماركسيّات
- شتاء الحاج
- مختارات من خواتم
- خارج الموضوع
- أخافُ أن أعرف
- تداعيات حول عاصي الرّحباني
- على الحافّة
- ماذا صنعتَ بالذّهب؟؟ ماذا فعلتَ بالوردة؟؟!!!
- صرتَ جميلاً
- ذهبَ المجوس ورجَعوا وقالوا
- اعزفي لنا
- غيوم
- الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع (مقاطع)
- أغار
- كلُّ قصيدة ..كلُّ حبّ
- قصائد


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أنسي الحاج - موسيقيّات