أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الأرض المحرمة النهاية















المزيد.....


الأرض المحرمة النهاية


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 2726 - 2009 / 8 / 2 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


الفصــــــــــــــــــــــــــــــــل الســـــــــــــــادس عشـــــــــــــــــــــــــــــــــــر

يوم الأثنين.
كالعادة استيقظ الجميع, في أوقات مختلفة, في أماكن مختلفة. لكن في النهاية الجميع استيقظ.
ربما إلى وقت متأخرمن النهارسيستيقظ أولئك المقيمون في بيت رووف, عصابته أو بعض أفراد منهم. عمل رووف على أرسال اولئك الصبية الصغارفي عملية سطو, إرهاب وترويع بعض المناطق لنهب أشياء مهمة من الناس كالهواتف الجوالة أوالحقائب. طوال الصيف يمكن رؤيتهم في الساحة العامة برفقة رووف يشربون البيرة, يدخنون, يسخرون بتفاهة من أولئك السويديين الجدد, الأجانب, من ثياب الفتيات الخفيفة, من الصبية اللطيفين, من كل واحد لا يتلاءم مع مزاجهم وآرائهم. ومن سوء الحظ عندما تقبض الشرطة على أولئك اللصوص, يكون هؤلاء المساكين سبب خلاصهم؟ شيئ واحد شبه مؤكد, رووف ليس معتاداً على حمل السلاح, مجرد سكين بالرغم من أنه ممنوع, يحمله كنوع من التباهي أوالتخويف, للتظاهرإنه يستطيع أن يستخدمه خلال عملية سطوأوسرقة. لقد سمع هذا الشيئ من الآخرين. حمله للسكين ليس إلا مجرد تبجح, تماماً مثلما قالت إيكا, رووف ليس من ذاك النمط الذي يستخدم السلاح, على الأقل لم يستخدمه إلى هذه اللحظة.
ربما يحدث هذا الأمرمع صبية رووف بعد الصيف. ربما ينتهي بهم المكاف في كراج هيكي, من يعرف؟ ربما يكون منقذهم, هذا ما فكربه ياسرالليلة السابقة.
لكن إلى هذه الساعة من صباح يوم الأثنين ما زال أولئك الصبية نائمون.
ودياميلا, في ذلك المكان البعيد. ربما تتقاسم الغرفة مع أولئك الفتيات الصغار. الساعة الأن تشيرإلى الثامنة. ربما نامت بعمق مدة طويلة, إلى وقت متأخرمن هذا النهار. لقد مرت عليها ظروف صعبة, قلقة في الأسابيع الماضية أدى للضغط الكبيرعلى أعصابها. عسى الأن تستطيع أن تتنفس الصعداء وتسترخي.
إنسانة آخرى, طيبة القلب, محبوبة وموضعة ثقة منهم, تهتم بها وتعتني بجميع أخوتها الصغار, عمتها الكبيرة خديجة في مدينة ترولهيتان, المتزوجة وأم لعدة أطفال. بالرغم من ذلك, فأنها تعتني بالجميع. خديجة إنسانة رائعة , متفانية, تقدم دون مقابل, تعجن, تخبز, تغسل, تجهزالأسرة وترتب جميع الأشياء اللأزمة. ستأخذهم هذا اليوم إلى شاطئ البحر. تستطيع دياميلا أن تستريح هذا اليوم. ليس لديها أشياء مهمة تقوم بها الأن لأنها تنتظرعودتهم إلى البيت؟ الأفضل أن تبقى مع العمة خديجة, من أجل نفسها ومن أجل الصغار, والوالدة. من أجل ياسرالذي لن يذهب إلى بيت العم سعيد على الأطلاق. الجميع سيتدبرأمره, هذا ما تعرفه دياميلا.
العودة إلى مدينة ياسر.
استيقظت إيكا على لعب القطط في أرجاء البيت. أحست انها نامت بعمق بعد ليلة متعبة. الصمت مخيم. أنه الصيف الجميل. أرادت أن تنسى ياسرلبعض الوقت وتتركه لوالدها كي يتولى المسؤولية عنها. أنه رجل ناضج, يجيد الإصغاء العميق والتأني في الرد. صدره واسع لمؤاساة الأخرين والأخذ بيدهم من أجل تجاوزأزماتهم. قلبه مفتوح لحل مشاكل غيره. لكن المشكلة أنه دائم السفر, فكرت إيكا في هذا ثم رمت جانباً كل ما يعكرمزاجها ويسبب لها الحزن. تريد أن تعيش هذه اللحظات الجميلة ثانية بثانية!
سمعت وقع خطوات سريعة وثقيلة على الدرج.
ـ اختفى ياسر! أول شيئ قاله هيكي عندما دخل المطبخ ورأى إيكا واقفة تعد القهوة.
اختفى ياسر! إلى أين ذهب؟ لماذا؟ لم يترك إيكا تتابع حديثها. خرج من المطبخ في البيجما الزرقاء ثم أقفل عائداً:
ـ الدراجة اختفت هي الأخرى؟
فكرت إيكا على نحو فعال.
ـ هل ذهب إلى البيت لأن لديه مفاتيح؟ لكن لماذا في هذا الوقت المبكر؟ ربما ذهب إلى المستشفى؟ هل اتصلوا به؟ هل قلت له شيئاً مساء البارحة جعله يأخذ بعضه ويرحل؟ هل ذهب إلى عند رووف؟
ـ لا.. لا. في الواقع تكلمنا في أشياء كثيرة, سمعت جيداً لكل ما دار من حديث.
ـ ليس كل شيئ. ربما وجهت له ملاحظة خاصة.
ـ قلت له.. عليه أن لا يكون ضحية, كبش فداء. عناده جعله ضحية الأخرين, مثل ذلك الذي اسمه رووف. يجب أن يترك هؤلاء الأشرار, النهريلتف حول الحجارة بمرونة بدلاً من أن يصطدم بها, هكذا هي الأشياء في الحياة, وهكذا هي الاحاسيس الداخلية أيضاً, أن لا يسمح لقلبه أن يسيطرعليه.
ربما هذا هوالسبب الذي دفع ياسرعلى الرحيل؟ المشكلة إنه يفكرأكثرمن اللأزم. أفكاره تأخذه إلى البعيد وأخرى تعود به. أفكاره مشوشة يغلب عليها الاضطراب؟ من المفضل أن لا يفكركثيراً, أن يدع الأشياء تأخذ مجراها.
ـ من المفضل أن يترك بيت رووف وجماعته. لكن هيهات, كيف؟ ماذا سيفعل؟ هل يبقى جالساً في المستشفى, ينتظر؟ هل يسافرإلى حيث تعيش دياميلا وأخوته الصغار؟ ماذا يفعل المرء حتى يكون مرتاحاً؟ أوأقل سوءاً؟ قال لي, هل أنت مثلما أنت دائماً. أليس من الأفضل أن يتوقف نبض أبيه حتى لا يبقى منتظراً إلى لا نهاية؟
اتصلت بالمستشفى وعلمت أنه هناك. بلغيه سلامنا, إننا اتصلنا, نتمنى أن نسمع منه مكالمة في أقرب وقت ممكن, قالت إيكا للممرضة ثم وضعت السماعة جانباً.
بدأ المشفى عمله في وقت مبكرجداً. دخلت الممرضة آنا إلى غرفة المريض عزيزعبد القادرورأت شيئاً غيرمألوف. عزيزراقد في سريره لا يتحرك كالعادة بينما زوجته فاطمة جالسة على الأريكة. اقتربت منها وعلى وجهها علامات الذهول والارتباك.
ـ جاء أبني بعد منتصف الليل, قالت الأم وابتسامة رقيقة مغلفة بالحزن مرسومة على وجهها. جاء ليأخذني إلى البيت. البيت بحاجة لي أكثرمن هنا.
بدأت الممرضة آنا الاهتمام بأولئك الذين في الغرفة, الأم التي عانت كثيرا, ياسر. علمت آنا أنه حدث شيئ مهم في الليل, لكن ماذا, كيف؟ هذا ما لم تعرفه ولم تسأل عنه. تقدمت من فاطمة, انحنت عليها ثم ضمتها إلى صدرها. لم تعتاد على القيام بمثل هذا التصرف مع المرضى, لكنها أحست أن هذا شيئ طبيعي وضروري مثل الترحيب بصديق عائد من سفر بعيد.
نام ياسرهادئاً مدة طويلة. سيستيقظ فيما بعد نشيطاً ويتابع إيقاع الحياة التي لا تتوقف. انتظاره لايؤثرعلى مجريات الحياة لأنها ستستمربالرغم من كل شيئ.
الفصــــــــــــــــــــــــل الســـــــــــــــــــــــــابع عـــــــــــــــــــــــــــشر

22 تموز.
اليوم يحتفل ياسربعيد ميلاده الخامسة عشرة.
لقد حدثت أشياء كثيرة بعد زيارته لوالده, والدته في المستشفى بعد منتصف الليل. جاءت دياميلا وأخوتها الصغاربعد أن قضوا بضعة أيام جميلة مع أولاد أعمامهم, سبحوا ولعبوا. أخذتهم دياميلا إلى المستشفى حتى يلقوا التحية على والدهم. بكوا هناك عليه بحرقة ومرارة, طرحوا الكثيرمن الاسئلة لكن من دون إجابة تشفي قلوبهم العطشى لمعرفة ما يحدث. عادت الأم إلى البيت والتم شمل الأسرة مرة ثانية. كانت والدتهم بحاجة إلى بعض الوقت حتى تعود إلى طبيعتها القديمة وتتخلص من الحزن الذي شل حياتها وحياة أولادها وشتتهم وتركهم لانتظارلا يطاق.
تحدث ياسرووالدته عن العم سعيد وسلوكه معهم, شعرت هذه الأخيرة أن هناك الكثيرمن الأخطاء حدثت في غيابها عن البيت. لم يخطرفي بال ياسرأن يعتذرعما حدث. سألت الأم عن إيكا, كيف تعرف عليها وما هي الدوافع وراء كذبه عليها, عثورها عليه نائماً على المقعد الخشبي خارج المستشفى في تلك الليلة. لقد وعد إيكا ان يقول لها الحقيقة كاملة. في هذا الوقت كانت الأم قوية وقادرة على الاستماع إلى ما يقوله أبنها.
وافقت إيكا أن هناك أشياء كثيرة تدعو للقلق, لكن في المرة القادمة عليه أن يقول الحقيقة.
لم يتكلموا كثيراً عن الأسباب التي كانت عليها الأم, لم يكن هناك حاجة لذلك. هذا ما فهمه ياسرفي النهاية. لكن كان لديها رجاء أن تطلب المعذرة من أولئك الذين سببت لهم الارهاق والمشقة, ياسرودياميلا.
سرقت دراجة ياسرأول أمس لأنه نسي أن يقفله. أكره اللصوص, هذا ما خطرفي بال ياسر. أكره هؤلاء الناس سواء كانوا صغاراً أم كباراً.
لقد عادت الفتاة الرائعة توفا إلى البيت بعد سفرطويل.
ـ اللعنة, لقد بقيت لوحدك طوال فترة غيابي! لقد عدت, وسيعود شيكيزوتازيوم الأثنين. وأبوك... لا يمكن للمرء أن يعرف أي شيئ عنه يا ياسر. لا يمكننا أن نعرف أي شيئ
بعد ذلك ذهبوا إلى السينما. ضحكوا وتمتعوا بأوقاتهم. في ظلام الصالة مد ياسريده إلى يد توفا, مرركفه على كفها فتدفق الدم القانئ في عروقهم وعشش نبض الحياة ثانية في خلاياهم.
نام ياسرذلك اليوم طويلاً لكن عليه الاستيقاظ للاحتفال بعيد ميلاده, أن يقطع قالب الكاتو, يتلقى الهداية والذهاب بعد ذلك إلى المستشفى.
لقد أخذت أم ياسرعهداً على نفسها أن تذهب كل يوم إلى المستشفى كي تتحدث بنبرة عالية إلى زوجها عن
الحياة, عن ياسر, عن الأولاد عن حزنها عليه, شوقها له, ثم تعود إلى البيت, إلى المتجروتتابع سير الأمورهناك. لقد حصل أبن العم سعيد على الثانوية العامة وهو الأن بينهم يساعد الأم في إدارة المتجر. أنه يعمل بشكل رائع خاصة عندما تذهب إلى البيت كي تعد الطعام للأطفال الصغار.
جاءت توفا إلى البيت عندما استيقظ ياسرمن نومه, وجلسا بعد الدش.
عندما كانوا في بيت هيكي جاءت إيكا وفي يدها صندوق, قالت أنه من قسم الشرطة. في داخل هذه العلبة قفل كبيرللدراجة. هذا النوع من الأقفال لا يملك اللصوص مقصاً على مقاسه يمكنهم أن يقطعوه.
ـ لقد جلبته من أجل دراجتنا, تكلمت إيكا بجدية, حتى لا أتلقى بلاغات بهذا الخصوص. لدينا أشياء أهم من هذا علينا القيام به في المخفر, ربما تعلم ذلك.
ما أروع الجلوس على العشب, أن يأكل الكاتوثانية, يطعم القشطة للقطط, ويسمع حديث توفا عن سفرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية, عن مدنها, لوس أنجلوس, سان فرنسيسكو. وتكلم هيكي فيما بعد عن استراليا, وشكوى إيكا واحساسها أنها لم تقم بشيئ مفيد. لكن فيما بعد رغبت أن تتحدث بسروركيف أنها نظفت طاولة مكتبها قبل أن تغادرالغرفة. ثم ضحكوا فيما بعد لأنها كانت مرحة. ثم جاء دورياسرفي الحديث عن أحداث تلك الليلة قبل أسبوع, عندما عثروا عليه في الكراج وأن يشرح لإيكا ما حدث هناك.
ـ وقتها, في تلك الليلة, قلت لها إنني أبحث عن دورة المياه كي أبول, وصدقتني.
ـ بالطبع يجب أن أصدقك. من غيرالمناسب أن يقف الشباب بجانب الجدران أوالبوابات ويبولوا.
ـ فكري معي, كانت الساعة تشيرإلى الثانية بعد منتصف الليل, هل يعقل أن أذهب إلى حارس الكراج وأقول له, من فضلك, هل لي أن استخدم الحمام؟ هل تعتقدين أنه سيتقبل الأمر؟ سيساوره الشك أن هذا القادم شخص مشبوه.
في هذا اللحظة رن الهاتف, كانت إيكا بجانبه.
ـ ردي عليه, قال هيكي الواقف بجانب الدراجة, يشد براغيها, اعتقد أنني أعرف من هذا الذي يتصل, كوني هادئة, لا تنفعلي؟
ـ نعم, أنا إيكا.. نعم, أنه هنا... بدأت ترد على الهاتف ثم صمتت مدة طويلة.
سأسلم عيه. سأتي فيما بعد. شكراً لأنك اتصلت.
رمت إيكا التلفون من يدها جانباً.
ـ المكالمة ليست لي؟ قال هيكي. المكالمة لياسر.
ـ لا, لم تكن لكَ, المكالمة لياسر!
وقف الجميع في حالة ذهول ينظرون إليها, يريدون أن يعرفوا من المتكلم. مدت توفا يدها ومسكت يد ياسرحتى يشعربوجود الأخرين إلى جانبه, ولديه أصدقاء يحبونه.
ـ الاتصال جاء من المشفى. ياسر.. لقد استيقظ. لقد استيقظ والدك. لكنهم لا يعلمون ما الذي جرى, لا يعلمون كيف استعاد وعيه, ما هو مقدارالخراب الذي احدثته الرصاصة في رأسه. لا يريدون أن يعطوا أملاً كبيراً في النجاح. نعم, لقد استيقظ.
لم يتمالك ياسرنفسه من الصدمة. أصبح يرجف من رأسه إلى أخمص قدميه. قلبه يدق بين جنباته بقوة. طلبت إيكا من الجميع أن يركبوا سيارتها الصغيرة ويذهبوا إلى المستشفى.
كانت فاطمة جالسة إلى جانب زوجها, يدها في يده.
كان راقداً هناك, شاحباً, لا يتحرك. عينيه مفتوحة ونظراته متعبة, مبشرة بالخير. أما الاسلاك الكهربائية المربوطة بالآلات فهي على حالها, تعمل. إحدى الممرضات واقفة بالقرب منه, تساعده وتهتم به, تضع مخدة كبيرة مريحة تحت رأسه أوترتب سريره.
اقترب ياسركثيراً من كرسي والدته.
ـ بابا.. مرحبا, شاتماً نفسه لأن الكلمات خانته, لم يجد ما يقوله. لكن ماذا يقول المرء لشخص عاد للتو من رحلة طويلة مقرفة, رحلة ما بين الحياة والموت, بين, بين.
في الأرض المحرمة.
عظ ياسرعلى شفته السفلى حتى لا يبكي في هذا الوقت. يريد أن يظهرلهم أنه قوي الشخصية ويعتمد عليه في هذه اللحظات. يمكن للمرء أن يبكي بالرغم من القوة التي يتمتع بها.
نظرالأب إلى ياسرباهتمام. نظراته متعبة. حرك فمه قليلاً في محاولة أن يقول شيئاً, لكنه لم يقل أي كلمة. ابتسام قليلاً ثم اغمض عينيه ثانية.
ـ بابا! صاح ياسر, لا تنام ثانية!
ـ أنه متعب. لقد فاق من غيبوبة عميقة, لكنه هادئ. لازال التعب مسيطراً عليه, و... نعم, سنطلب الأطباء قريباً جداً, قالت الممرضة للأم. تعلمون كيف سيكون عليه الأمر.
بدا على الأم بعض العبوس من هذا الطلب. لكن الممرضة آنا لم تزعل, هذا ما فكر به ياسر. من المؤسف أن الغرفة مملوءة بالزواراليوم, وهومداعة لسعادة الممرضة آنا, هذا ما هو متأكد منه ياسر, أنها هناك, تقوم بواجبها, بعملها. هذا ما تبدو عليه.
بدأ الأب يأخذ قسط من الراحة. هم الزوارفي المغادرة, هيكي, إيكا, توفا الواقفة بجانب الباب حتى تكون معهم ولكن دون أن تزعجهم. في الممرالقريب من غرفة المريض عزيز, ضموا بعضهم بحرارة مدة طويلة. ذرف ياسروأمه الدموع المدرارة, شاركهم في ذلك, توفا وإيكا. كما تبللت عيون هيكي لكنه حاول أن يكورها بابتسامة عريضة على وجهه.
في الخارج, الشمس مشرقة, وهج حرارتها المنعشة تضفي على الكون صفاء, تدفع المرء للذهاب إلى شاطئ البحارأوالأنهارلينعم بالماء والهواء والسباحة, أوإلى حديقة البيت كي يسترخي تحت ظلال الشجر, في يده كتاباً أويصغي إلى بعض المقطوعات الموسيقية. أولئك الذين خارج المستشفى حياتهم ليست عادية أيام الصيف, يكونون في هذه الأوقات في أوج النشاط مفعمين بالقوة والحرارة ويشد أحدهم أزرالآخر. أرادت فاطمة أن تذهب إلى البيت مشياً على الأقدام من أجل أن تبدد التوترالذي لازمها مدة طويلة من الزمن برفقة ياسروتوفا.
ـ أنا وتينا سنذهب معاً بعد لحظات. نريد أن ندعوكم, قال هيكي, سأجهزاللحم من أجل الشوي, أحب أن نحتفل من أجل كل شيئ, من أجل استيقاظ الأب من غفوته, من أجل ياسر, من أجل عودة توفا إلى الوطن, البيت, عودة الأطفال. وجه هيكي حديثه الطويل لفاطمة, من أجل بلوغ ياسرعامه الخامسة عشرة اليوم. أي يوم جميل هذا اليوم؟ حصولك على دراجة قديمة, وقفل أيضاً, وكنزة خضراء. يا أهلاً ومرحباً بكم جميعاً في بيتنا حتى نقضي بضعة ساعات جميلة مع بعضنا.
ـ كيف علمت؟ سال ياسرعندما هموا بالافتراق. كيف علمت ما حدث في المستشفى؟ هل خمنت؟
ـ أنه يعرف. على المرء أن يتعلم على طبع والدي عندما يعيش بالقرب منه, ردت إيكا تشرح صفات والدها.
ـ غامض. أنت رجل غامض. لغز حقيقي. هذه هي الحقيقة. تتبع إحساسك. يجب على المرء أن يسيروراء إحساسه الداخلي, أليس كذلك؟ سأل ياسرمرة ثانية وأراد إجابة سريعة من هيكي.
ـ بالرغم من إنني لم أتبع إحساسي الداخلي, لكن هذه المرة, هناك شيئ آخر. لكن في كل الأحوال على المرء أن يتبع إحساسه.
ذهبوا عبرالمدينة, دون أن ينطقوا بكلمة واحدة. بين الحين والآخر ينظرأحدهم إلى الآخرويبتسم. ساروا في وسط المدينة الهادئة, مروا على الساحة الرئيسية. دخلت الأم إلى المتجرلشراء بعض المرطبات لياسر. وقف في مكانه يتأمل العناوين الرئيسية للصحف, قرأ في أعلى الصفحة الخبرالتالي:
ـ منذ عدة أسابيع تعرض مالك متجرصغيرلطلق ناري في رأسه من قبل عصابة حاولت أن تسطوعليه. إن هذا العمل الإجرامي قد يكون بدافع عنصري, أو شيئ من هذا القبيل؟ هل لعب أحدهم هذا الدور؟ لكن ما يسرفي هذه القضية أن مالك المتجراستيقظ من غيبوبته, ربما سيكون صعباً عليه أن يتكلم أو يقرأ أو يحسب, وربما سيلزم الكرسي المتحرك لبعض الوقت أو طوال حياته. لكن في النهاية عاد إلى الحياة ثانية.
ـ آه يا ياسي, نادى أحدهم بصوت مرتفع من إحدى الزوايا. بحق السماء أين كنت؟ مشتاق لك, لدينا حفلة هذه الليلة, هل تستطيع أن تدبرلنا بعض علب البيرة؟
هناك على مبعدة قصيرة كان فرريد وأنتي واقفان ينادونه. لقد نسي ياسرهؤلاء الحمقى ورماهم وراء ظهره, أزالهم من باله. لم يعد يرغب أن يلتقي بهم أويقدم على أي فعل معهم. في الأسبوع الأخيرأراد أن ينسى كل ذلك الماضي الكريه. لم يعد يرغب أن يكنى باسم ياسي بعد اليوم.
خرجت فاطمة من المتجرفي يدها زجاجة ماء وقطعتين من البوظة, ناولت ياسرإحداها. الصبية وقفوا بالقرب من ياسروعلامات الاستغراب بادية على وجوههم. ابتسمت والدة ياسرلهم كما تعودت أن تفعل مع أصدقاء ياسرمن قبل.
ـ مرحبا! قالت فاطمة ثم التفت ناحية أبنها, علينا الذهاب.
حدق فرريد وأنتي في وجهها, ثم في وجه ياسر, ثم في ملامحهما معاً بعمق ودقة مرة بعد أخرى. شعرها أسود, عيناها سوداوان, أنفها رفيع, من الواضح أنها جاءت من مكان آخر. إلا أن ياسرشعره أشقروعيناه زرقاوان, هناك شبه قليل بينهما.
ـ اللعنة على الشيطان يا ياسي, من هي تلك المرأة التي معك؟ هل هي والدتك؟ ثم....
ـ أنها أمي. واسمي ياسرعزيزعبد القادر. اسمي ياسروليس ياسي أوياسبار. أنا سويدي, من السويديين الجدد, أوالسويديين ذووالشعرالأسود, هذا أفضل لقب, أكثرتناسقاً.
ثم تابع سيره مع فاطمة. بقي أنتي وفرريد واجمان في مكانهما. عندما مشى مسافة مئة مترمبتعداً عن الساحة المركزية للمدينة, التفت ياسرناحيتهم, رأهم في نفس المكان, عيونهم مسمرة عليه, لا يتحركون من الصدمة التي أحدثها رؤيتهم لياسروأمه.
عندئذ راح يصرخ, ربما أراد أن يستفزهم قليلاً:
ـ الشرطة تراقب رووف, أبتعدوا عنه, تجنبوا مصاحبته.
لم تستطع فاطمة أن تكف عن القلق والخوف, من هو رووف؟ من يكون؟ ما علاقته بهؤلاء الصبية الواقفين على ناصية الشارع كالأصنام. عن ماذا يتحدثون؟ ساورها إحساس غامض أن هؤلاء ليسوا أصدقاء أبنها.
ـ ماذا فعلت يا ياسر؟
ـ لم أفعل شيئاً. يعتقدون إنني شخص آخر. لقد جاء الوقت الذي يجب أن يعرفوا من أنا. لقد أزحت حملاً ثقيلاً كان ينوء على جسدي. الأن أنا مرتاح.
واصلوا مشوارهم الرائع على الأقدام. في وسعهم الأن أن يفكروا في أشياء كثيرة, أكثرمن حاجتهم للكلام.
لأن المرء يحتاج إلى أعصاب هادئة حتى يفكر.
ـ ماما, هل تعلمين أين هي الأرض المحرمة؟ طرح ياسرهذا السؤال على والدته عندما هموا في فتح باب البيت, بيتهم الذي انبعث منه هواء بارد ورطب.
ـ بالطبع, أنتَ لا تدري؟
ـ نعم. أدري, الأن أدري. أدري ذلك جيداً.
الكاتبة السويدية
ماريا شنتال لونغ




#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثاني عشر
- الأرض المحرمة الفصل الحادي عشر
- الأرض المحرمة الفصل العاشر
- الأرض المحرمة الفصل التاسع
- الأرض المحرمة الفصل الثامن
- الأرض المحرمة 6
- الأرض المحرمة الفصل السابع
- الأرض المحرمة الفصل السادس
- الأرض المحرمة 5
- الأرض المحرمة الفصل الخامس
- الأرض المحرمة 4
- الأرض المحرمة الفصل الثالث
- الأرض المحرمة 3
- الأرض المحرمة الفصل الثاني
- الأرض المحرمة
- من أجل أن يحاكم البشير
- عن النظام الدولي ونحن


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الأرض المحرمة النهاية