أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - نونجة المغربية - جرح في الذاكرة- (مآذن خرساء 18/48)















المزيد.....


نونجة المغربية - جرح في الذاكرة- (مآذن خرساء 18/48)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 2723 - 2009 / 7 / 30 - 10:00
المحور: الادب والفن
    



قبل مغادرو البيت رن الهاتف، ترددت في رفع السماعة، لا بد انها احدى صديقات زوجتي ...زوجتي مغرمة بجمع صديقاتها المزعجات بطريقة عشوائية ادفع ثمنها غاليا، الكثيرات منهن يعوزهن حسن الأدب، البعض منهن لا يكلفن انفسهن حتى مجرد سؤالي" من فضلك هل ان منيرة موجودة ؟ " ما ان ارفع السماعة و يسمعن صوتي، حتى يغلق الخط في وجهي فأكتئب مباشرة ! و لساعات طويلة ،لأجل ذلك امتنعت عن رفع السماعة، كان على هؤلاء الغبيات ان تكتشفن ان زوجتي غير موجودة منذ الدقة الثانية للهاتف و في اقصى تقدير الثالثة، لأنه ما ان يدق الهاتف في المرة الأولى حتى تنقض عليه زوجتي كما ينقض مدمن أفيون على حقنته .
ـــ اذا توفيت بعد عمر طويل طبعا، و شككت في موتك فسأجعل الهاتف يرن تحت أذنيك، ان لم تعودي للحياة تأكدت ساعتها من نقلتك الى المعسكر الثاني.
هكذا قلت لها ذات مرة .

لم يكف الهاتف عن الرنين، لعلها مكالمة من تونس، كنت اعلم ان والدتي مريضة، لم التق بوالدتي منذ من 18 سنة، هي تدرك انها ستموت دون ان تراني . الجنرال شارل دي ديغول تأسف جدا حين بلغه و هو في منفاه البريطاني خبر وفاة أمه ... سطر لوعته على صفحات مذكراته،. استفظع الجنرال الفرنسي معاناة أمّ لوعة الفراق ولدها .و معاناة ولد مرارة الغياب و المنفى ، المسيو الرومانسي شارل ديغول هو نفسه الجنرال شارل دي ديغول سفاح الجزائر و قاتل ملايين النساء و الأطفال و الشيوخ !، كيف غاب عن الجنرال ديغول و هو يخط تلك المذكرات ان قلب أمه الفرنسي الرقيق ليس هو القلب الوحيد الذي يستحق المراعاة دون سائر أمهات العالم . اليس لأمهات الجزائرين قلوب يتقطعن كل يوم إلف مرة لذكري ولد عزيز ذبحه الجنرال؟...منذ أسابيع مضت بكت وزيرة الدفاع النرويجية مقتل جندي نرويجي ذهب الي افغانستان ليسبب لأمهات كثيرات آلاما كثيرة ؟ الم تدرك تلك الوزيرة ان لأمهات و أباء المسلمين قلوب تتألم ؟
بعد أن أمرته بحفظ هذا القول المأثور " What is a hero without love for mankind
(ماهو البطل؟ بدون حبّ للبشريّة).
قلت لولدي ياسين:
ـــ سجل عندك ... إبطالك هم الحقيقيون... والبقية مزيفون ... مجرّد دمى شمعية لا حرارة فيها و لا روح، قد تجد أبطالا لدى الشعوب الأخرى، و لكن قلما تعثر عليهم ضمن النخبة و المشاهير، لعلهم بين صفوف الجماهير لا يدري بأسمائهم أحد، و لكن الخالق يدري بأسمائهم و سيجازيهم .. الشاب النرويجي داق Dag زميلي في العمل بطل حقيقي، لأنه قد خجل من حكومته النرويجية المفترسة، حين أعلمته ان النرويج تدعم ياسر عرفات جلاد الشعب الفلسطيني و تساهم في قتل مليون و نصف عراقي إثناء الحصار لقد خجل كثيرا و ابدي أسفه... كما خجل من نصرانيته حينما أعلمته ان البوسني يغتصب زوجة جاره الذي كان يسكر بالأمس
معه قبل ان يذبحه لأنه مسلم، تأثر داق كثيرا حينما اخبرته ان الأطباء قد اضطروا الى بتر فخذ صبية بوسنيّة في الرابعة من العمر بسكين مطبخ لعدم وجود مواد تخدير، لينا جارتنا النرويجية العجوز بطلة حقيقية. حين قصت عليها أمك خبر عائلة السجين التونسي التي كانت تبحث في المزابل عما تأكله بسبب الحصار التي يفرضه عليها الحاكم العسكري بكت و عرضت على أمك مساعدة تلك العائلة المنكوبة... البطل هو الذي يمسح دمعة اليتيم و يساعد المحتاج و يرفع الضيم عن المظلومين و يقاسمهم الرغيف و الغطاء و يبكي لبكائهم و يشاطرهم أفراحهم و يموت في سبيلهم . إبطالك فقط الذين يتألمون لألم كل الجنسيات و أصحاب جميع الديانات و المعتقدات .

ما زال الهاتف يرن ... لا بد انها مكالمة خارجية ... رفعت السماعة ،كانت نونجة على الخط ، حالما رددت عليها السلام لم ادع لها فرصة الكلام . أعلمتها مباشرة ان زوجتي غادرت البيت و ان الله وحده يعلم متى تعود ، لم أتجاوز الحقيقة ، أمران يدخلان ضمن الغيبيات التي اختص بها الله اين زوجتي الآن و متى تعود.
ـــ سامي ، انا محتاجة الى مساعدتك .
ـــ ستتولى زوجتي مساعدتك ، ملفك قد أغلق بالنسبة لي .
أبدت رغبتها في زيارتنا، قلت لها ن ذلك غير ممكن و ان أعصابي لا تحتمل رؤيتها.
قالت بإصرار:
ــ سامي أرجوك ، أنا وحدي في هذا البلد، حتى لويزا و زوجها و أولادها هجروني، أعطني فرصة حتى اشرح لك .
ـــ آسف، لقد أضعت كل الفرص، و أفسدت كل شيء، و تسببت في دمار عائلة بأكملها.
ـــ عماد هو الذي تسبّب في كل ذلك .
ـــ أنت التي حولت حياته الى جحيم و كان لا بد له ان يعود الى المخدرات .
ـــ لم اكن اعلم أن عماد مدمن مخدرات .
ـــ كنت تعلمين ذلك، و قد نبهتك الي ذلك قبل كتابة عقد الزواج، ثم ان عماد أخبرني انه تعاطى المخدرات في المغرب وعلى مرأى منك .
ـــ كان حشيشا فقط .
ــــ حشيش أو تبن لايهمّ .
ــــ سامي، أرجوك ، على ألأقل واصل وقوفك الي جانبه ... عماد كان دائما يخبرني انك اعز صديق لديه .
وجدت نفسي اصرخ فيها:
ــ افهميني يا نونجة، أنا عاجز. هل فهمت ما معني عاجز؟ عماد يحتاج الى قوة ، الى سلطة، الى جهة رسمية تقف معه .. و ليست لي قوة و لا سلطة، و لست جهة رسمية.
ـــ أرجوك اخي سامي، عماد يحتاج الى مساعدتك .
ـــ اذا لم يساعد زوجك نفسه فلا أحد يستطيع مساعدته. النرويج ليست مستعدة لإخضاع زوجك الي علاج إجباري، و سفارة تونس غير مهتمة بالأمر، حتى أمه قد رفضت استـقباله في تونس، وأنت أحرقت كل الجسور مع أمه . فماذا عساني اصنع ؟.
ــ عماد وعدني بان هاته المرة ستكون الأخيرة، و أنه لن يخرج من المصحة قبل استكمال العلاج، بعد ثلاثة أشهر من الآن سيجد له مكانا في المصحة.
ـــ للمرة السابعة يفعل ذلك دون نتيجة.
واصلت :
ــ ليف كلمتني، و أبدت استعدادها للتنازل لنا عن كوخها الجبلي سأرافق عماد الي هناك، قد لا نحتاج الى خدمات المصحة . عماد أكثر إصرارا هاته المرة .
ــ لقد ذهبتم مرتين الي هناك، و رجعتم دون نتيجة .
ــ هذه المرة اقسم لي على المصحف، و قال ان بإمكاني طلب الطلاق لو لم يف بعهده .
تجاهلت تماما ما قالته ، كنت متأكدا ان ذلك مجرد هراء لا يستحق التعليق .
ــ ما هي أخبار آمنة، هل مازلت تقيم مع عشيقها النرويجي؟
ـــ عندما سالت ليف تلعثمت،وهي تعلمتني انها قد أنهت تلك العلاقة، ولكنني بصراحة لا أعتقد ذلك، اعلم ان والدتها تتستر عليها ... ليف نفسها لديها عشيق اسمه توماس يتردد عليها في البيت.
في السابق كنت خائفا من نتيجة إصرار عشيق الأم على التحرش بآمنة و يوسف. يوسف اخبر وعادل ان توماس عنّف والدته حين منعته من التسلل الى فراش شقيقته. عندما سألت زوجتى يوسف عما اذا كان توماس قد تسلل الى فراشه تلعثم هو ايضا، حينما حاصرته أعترف لها بان توماس كان يستغل خروج والدته للتسوق ليتعرى امامه و ليأمره يالتجرد من ثيابه ليداعبه في أماكن حساسة .
ـــ فيما مضى كنا نخشى على آمنة من عدوان عشيق أمها، و الآن ها هي تحقق إكتفاءها الذاتي و تتخذ لنفسها عشيقا !
و صلني صوت نونجة :
ـــ سامي، هل أنت معي ؟! .
ـــ نعم أنا معك.. لكن أرجوك، أسرعي.. يجب عليّ مغادرة البيت... سأذهب الي الشغل .
ـــ قلت لك أن آمنة قد أجهضت حملها، رغم انني بلغتها أن الإسلام لا يبيح ذلك، نقلت لها بالضبط ما أوصيتني به، وأكدت لها ان الإجهاض في أي مرحلة من مراحله لا يعني غير قتل نفس بشرية، وان جهنم عقوبة القتل...
لم ادعها تكمل :
ـــ نونجة، ليكن في علمك أن كل ما حدث لآمنة هو نتيجة تصرفاتك... هذه ضحيتك الخامسة .
ــ لكن ...
ــ لا تقاطعيني من فضلك .. فلو كانت آمنة و يوسف يعيشان تحت رعايتك و رعاية أبيهما ما حدث لهما ذلك.
كانت نونجة قد اخبرتني منذ شهرين ان آمنة ابنة عماد قد حملت بطريقة غير شرعية، قبل ان تسألني عن جواز تخلصها من ابن الحرام الذي علق ببطنها، خصوصا و قد مر على الحمل ثمانية أسابيع، أعلمتها ان الإسلام لا يرى مانعا في إضافة ابن حرام جديد الى هذا العالم. في التاريخ الإسلامي هناك أولاد حرام كثيرون حكموا المسلمين، و تصرفوا إثناء حكمهم كما يليق بأبناء قحاب حقيقيين ... أخبرتها بان حق الحياة مقدس لا يمكن سلبه الا بأمر الهي و ان الإجهاض (حتى في مرحلة متقدمة) يجوز في حالة تأكيد طبيب موثوق في أخلاقه ان استمراره يشكل خطرا مؤكدا على صحة الأم . عندما أنهيت تلك المكالمة شعرت بكآبة تجتاحني حين تذكرت
ان تونس تستقبل سنويا آلاف النساء الأروبيات من مختلف الجنسيات لإسقاط حمل متقدم نظرا للحظر القانوني لتلك العمليات في اروبا. ها هي بلادي تصبح مسلخا متعدد الجنسيات بعدما كانت منارة للمعرفة و الهداية و رعاية حقوق الإنسان .
ـــ أرجوك يا سامي اشتقت الى طبيخ زوجتك... رجاء اسمح لنا بزيارتكم .
ـــ ستقوم زوجتي بطهي الطعام الذي تريدينه و ستأكلانه معا و لكن في بيتك أرجوك .. يجب ان اخرج الآن .
ـــ سامي انتظر ...على الأقل زينب تريد أن تكلمك ... هي دائمة السؤال عنك .
وصلني صوت طفلة في الثالثة من العمر يقول بلهجة مغربية :
ـــ عمي كيف الصحة ديالك ؟
ـــ أهلا زينوبة الجميلة ...كيف حال اصدقاءك في الروضة ؟
وصلني صوت نونجة وهي تلقن الطفلة" قولي لعمك انك تعلمت كتابة اسمك ".
رددت الطفلة كلام أمها .
ــ هذا رائع، لقد أصبحت طفلة كبيرة تستحق هدية .
وصلني صوت نونجة تقول للصغيرة " قولي لعمي سامي ممكن أزورك أنا و ماما "
غضبت من نونجة، كتمت غضبي وصلني صوت البنت يقول:
ــ عمي .... ممكن أزورك انا و ماما ؟ .
أمام براءة الطفولة لم يكن في إمكاني غير إلقاء السلاح
ـــ مرحبا بك يا صغيرتي الجميلة، سأكون مسرورا جدا برؤيتك... أنت و أمك .


قبل مغادرة البيت تذكرت انه يجب علي إغلاق النافذة، فور إغلاقها توقفت تاكسي امام العمارة خرج منها شاب نرويجي يرتدي قميصا ابيضا شفافا ليس تحته شيء رؤيته أشعرتني بمزيد من البرد. رغم اني ارتديت ثلاثة قمصان صوف و معطف ثقيل.. صحتي الهشة لا تحتمل صقيع النرويج...لقد صمّمت للعيش في الشمال الإفريقي و ليس في القطب الشمالي، كان اللبن بالنسبة للعائلات التونسية الفقيرة من الكماليات، كنت نكتفي في الصباح بقهوة سوداء و قطعة خبز جافة ،كنت استيقظ يوميا على أغاني فيروز و صوت الموقد البترولي و مطالبة والدتي باٌستيقاظنا، كنت دوما نتعلل بان المطربة اللبنانية فيروز لم تنته بعد من أغنياتها الخفيفة، كنت أدرك ان فيروز تكف عن الغناء قبيل لحظات من بدء نشرة إخبار السابعة . كنت أعجب من تضحيات فيروز و اتعجب من قدرتها على النهوض المبكر للوفاء بتعدها اليومي للغناء للتونسيين قبيل نهوضهم، لم اكن اعلم ان تلك الأغاني مسجلة، كان برنامج " من توجيهات الرئيس" يلي نشرة الإخبار ... صوت بورقيبة كان الإنذار الأخير للنهوض، في احد خطبه الشهيرة ذكر بورقيبة و هو يعدد انجازات الإستقلال ان اللبن لم يكن متوفرا زمن الإحتلال الفرنسي، كان يقدم للمرضى فقط.،اذا شوهد تونسي يحمل الى بيته شيئا منه سئل " لا باس خير انشاء الله من منكم مريض؟" تجاهل بورقيبة ان اللبن ما زال يعدّ من الكماليات بالنسبة لغالبية الشعب التونسي، في خطاب آخر ابدى بورقيبة تألمه من قصر قامته،و قال ان نقصان اللبن هو الذي سبب لك ذلك العيب الجسدي،كان بورقيبة يبكي في بعض خطبه،.لم استطع أن افهم كيف يكون المرء طاغية و عاطفي في آن واحد؟ كان علي ان انتظر أربعة عقود... حين تم الإستيلاء على محتويات مكتب الزعيم بعيد الإنقلاب عليه، عثر ضمن تلك المحتويات على نسخة من احد خطبه مكتوبة بالآلة الراقنة و في فقرة معينة منه، و على الهامش الأيسر من الورقة كتب بورقيبة بخط يده" بكاء "! . وزراء بورقيبة كانوا يضاهونه فسادا، ذكر احد الصحفيين المشارقة ان ثلة من وزراء بورقيبة اجتمعوا يوما في بيت أحد زملائهم للترحيب بثريّ سعودي حل ضيفا عليه، حين لاحظ الضيوف عبوس الضيف السعودي سألوه عن السبب، أعلمهم ان مضيفه قد وعده بجلب عاهرة تونسية معينة للتمتع بها لكنه لم يف بوعده، تدخل صاحب البيت ، جدد اعتذاره لضيفه، أعلمه ان المسألة خارج ارادته، فقد حدث مانع قهري لم تتمكن معه العاهرة المطلوبة من المجيء، و ان بإمكانه احضار أي امراة يريد، امام دهشة الجميع قال الثري السعودي لصاحب البيت:
ـــ أريد زوجتك، و الآن .. أريد أن أنام مع زوجتك ... أنا مستعد ان اعطيك 20 الف دينار.
ـــ هذا لا يصح! .
ــــ لنقل 30 الف دينار
ـــ أحرجتي... في حقيقة ألأمر..
ـــ لنجعلها 40
ــــ .... في الواقع .... أنا لا أدري ..
ـــ لتكن 50
ـــ يا سيدي ما دمت قد قررت ذلك فاكرام الضيف واجب!
أعقبت تلك الصفقة الخسيسةعاصفة من التصفيق الوزاري، تلتها عاصفة هتاف بدائي، حين أصرّ الثري السعودي على ممارسة الجنس أمام الجميع !

لا علاقة لهؤلاء الوزراء بتونس ولا بثقافة تونس، هم مجرد دمى رخيصة صنعها الغرب لتحقيق أهدافه الإستعمارية، بورقيبة بدأ يحكم سنة 56 بعد سنتين من حكمه ولدت. كان علي ان انتظر 30 سنة قبل الإنقلاب عليه في انتظار ذلك أجبرت على سماع كل خطبه. كان علي ان أساق ست مرات كل 15 اكتوبر من قبل مدرسيّ، لأرصّ مع بقية زملائي في نهاية شارع الشهيد حسن النوري حتى نحييّ الموكب الرئاسي القادم من القصر الرئاسي في اتجاه مقبرة الشهداء. كان بورقيبة يبدو في بياضه الناصع كصفيحة فضية. في إحدي السنوات زاد بياض بورقيبة تألقا بوجود انور الساداتالي جانبه. كان السادات يبدو ككرة بليارد سوداء. كان بورقيبة يطل بقامته القصيرة من فتحة سقف سيارته المكشوفة تحيط به الدراجة النارية الضخمة بمنبهاتها الصادحة التي تصم الإذن مختلطة بقرع الطبول و نفخ المزامير، كنا نحمل صور بورقيبة وزوجته وسيلة رافعين أصواتنا بالهتاف الشعري الموزون :" يحيا بورقيبا.. يحيا بورقيبا "..اللعنة على بورقيبة و من جاء ببورقيبة الي السلطة . كان الجليد يغطي الأرض كصفائح بلورية لا معة. و كانت أكياس القمامة التي ألقاها الصبية في غارة أمس أمس تغطى أرضية مدخل العمارة.. جمعت بعضها و واعدته الى مكانه قلت لياسين يوما :
ـــ زيادة على محافظة المسلم على نظافة الطريق فانه مطالب بتنظيفه ... أي طريق و لو كان بعيدا عن بيته من كل ما يؤذي المارة شوك زجاج، قشرة موز.

توجهت الى صندوق الحصوات الصغيرة التي يخفف نثرها فوق الجليد من خطر الأنزلاق .. نثرت كمية منها على أشد المناطق الجليدية خطرا.عمارتنا الرهيبة تخلو من بوابّ يقوم بمثل هاته الأعمال الصغيرة التي لا تكلف أي مجهود ، لكنها تجنب معاناة شديدة .

ذات يوم حين رايت أعمدة من الجليد في هيئة سكاكين تكاد تهوي على من سقف البناية عدد 31 من شارع Urtugata و لا يمنع سقوطها عن المارة أي حاجز خصوصا مع فقدان أي اشارة للتحذير توجهت الى مؤسسة سيكيريتاس الموجودة في ناصية نفس شارع. رجوتهم المبادرة باسقاط تلك الأعمدة الجليدية المميتة، خصوصا و هم يملكون شاحنات كبيرة .. أجابني الموظف ببرود شديد ان ذلك لا يدخل ضمن عمله. حين بالغت في الألحاح نهرني، و حين اعلمته ان المسالة مسألة حياة أو موت اعتبرني مجنونا و هددني بجلب الشرطة إن لم أكفّ عن ازعاجه.. تذكرت أن الشرطة تسبق سيارة البيتزا بكثير اذا كان الأمر يتعلق بشخص ملتح فانصرفت... تذكرت انني مررت بقطعة خشب ملقية، احتجت الى عشرين دقيقة لإحضارها قبل ان اسندها على الطريق لتنبيه المارة الي وجود خطر... لم أفكر في جنسية ولا ديانة الشخص الذي ساخدمه بعملي ذلك المهم انقاذ حياة انسانية. المسلمون مكلفون بالمحافظة على حياة الإنسان بدون ثمن ينتظرونه غير المتاعب و الجحود... اذا رايت شخصين متشابكين في عراك لا بد لك من التدخل و لو كانا متعادلي القوى و ادى ذلك الى اصابتك ...هذه حماقة بالنسبة للنرويجيين ... بالنسبة لنا واجب.

ذات مرة وبخت شابا فلسطينيا يقيم في دولة خليجية كان في زيارة الى النرويج، حينما سمعته يذكر بفخر و بتفاصيل مقززة عملية إعدام رهينة غربية في العراق كان قد عرضها موقع سلفي على الأنترتيت.
ـــ ليس هذا من الإسلام في شيء .
ـــ هم يقتلون اطفالنا و يغتصبون رجالنا .
ـــ هل لي ان اقتل طفلك اذا قتلك طفلي و ازنى بزوجتك اذازنيت بزوجتي؟ مالفرق اذا بينك و بينه اذن .هو سائب و انت منضبط باخلاقيات اسلامية حتى في ساحة الحرب. هو يقولون كل شيء جائز في الحرب و الحب، و دينك يقول اتق الله حيثما كنت في روما و في غير روما.
ـــ لا تنس ان الإسلام يأمرنا بالغلظة عليهم (يا ايها الذين آمنوا قاتل الذين يلونك من الكفار و ليجدوا فيكم غلظة)
ـــ الغلظة في حق المقاتلين و في ساحة القتال، وليس في حق المدنيين العزل و أمام الكاميرا.
ـــ لا ينفع أعداء الإسلام غير الذبح .
ـــ أرجوك اجبني بصراحة، الست مسؤولا كمسلم بتبليغ الإسلام لغير المسلمين ؟
ـــ نعم
ـــ اليست الجهة التي ذبحت ذلك الصحفي مسؤولة ايضا على تبليغ االإسلام لغير المسلمين؟
ـــ دون شك .
ـــ هل أن تلك الجهة مسؤولة على تبليغ الإسلام الي ذلك الصحفي القتيل لوحده أم الى امه و ابيه و زوجته و اخوته و اقاربه ؟
ـــ بل الي كل عائلته و معارفه و جيرانه .
ـــ الم يامرنا الله في القرآن ان ندعو بالحكمة و الموعظة الحسنة
ــــ نعم
ــــ لنفترض ان الصحفي الذي ذبح على الهواء كان يستحق القتل، فما ذنب والديه كي تجرح مشاعرهما و توصد امامهما ابواب الهداية الى الأبد بعرض عملية الإعدام ابنهما امام اعينهما .
ـــ لست ارحم بها من الله .
ـــ سؤال اخير ... ايهما أحق بمراعاة شعوره، الإنسان أم الحيوان.
ــ ؟!...
ـــ الم ينه النبي محمد عن ذبح خروف بحضور خروف آخر سيذبح من بعده, فكيف يسمح السلفيون لأنفسهم بذبح كائن بشري في حضور أمه و أبيه ؟
لم انتظر جوابه و انصرفت .



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذات مرّة، بورقيبة و ملك النرويج ( مآذن خرساء 17/48)
- الشرق شرق و الغرب غرب (مآذن خرساء 16/48)
- شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)
- شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)
- البهتان (مآذن خرساء 14/48)
- شريف، قصّة فتى ملوّث ( مآذن خرساء 13/48)
- ملامح شخصية الطفل رشيد ( مآذن خرساء 12/48)
- طفولة شقيّة ( مآذن خرساء 11/48)
- مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)
- مع الفرنسي بلال ( مآذن خرساء 9/48)
- العمارة اللعينة (مآذن خرساء 8/48)
- مع مبشرة حسناء(مآذن خرساء 7/48)
- دناءة ( مآذن خرساء 6/48)
- لقاء ( رواية مآذن خرساء5/48)
- جولة ليلية (فصل من رواية)
- هروب (فصل من رواية)
- مأساة حارث بتروفيتش فصل من رواية
- مائدة من السّماء !( فصل من رواية)
- إصرار (قصة قصيرة)
- حداد ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - نونجة المغربية - جرح في الذاكرة- (مآذن خرساء 18/48)