أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وصفي السامرائي - ثورة 14 تموز و انهاء الدولة المدنية















المزيد.....


ثورة 14 تموز و انهاء الدولة المدنية


وصفي السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 2722 - 2009 / 7 / 29 - 07:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يرى العديد من الباحثين , آن ما جرى صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 عبارة عن انقلاب دموي أطاح بنظام ديمقراطي محكوم بدستور دائم ينظم مجمل حيات المجتمع , ليدخل البلاد في نفق الصراعات السياسية و الآجتماعية التي انتجت سلسلة من الانقلابات العسكرية انتهت بتوليد اعتى دكتاتورية عرفها تاريخ العراق الحديث , اعطت الحجة لادارة بوش لاجتياح العراق نتيجة لممارساتها الطائشة , وما حصل بعد الغزو المذكور من انفلات امني سقط خلاله مئات الالاف من العراقيات و العراقييين مع تهجير قسري لملايين العوائل العراقية داخل وخارج البلد مع الدمار الهائل الذي حاق بالبنية التحتية المتهالكة بالاساس نتيجة لاعمال العنف و ممارسات قوات الاحتلال غير المسؤولة .
الا ان هؤلاء يغيب عن بالهم الاسباب الحقيقية التي وقفت وراء الحدث سالف الذكر , فنظام الحكم الملكي الذي ولد في ظل الاحتلال البريطاني , وما قام به من ربط البلاد بانتداب دام لعقد من الزمان , تم خلاله توقيع الاتفاقيات النفطية الجائرة التي اعطت لهذه الشركات السهم الاكبر من موارد البلاد النفطية و تركت للجماهير العراقية النزر اليسير .
على المستوى السياسي كانت السلطة التنفيذية محتكرة من قبل شخصيات تمثل مصالح الاستعمار البريطاني و الطبقات الاقطاعية و البرجوازية الطفيلية التي ريطت حاضر و مستقبل العراق بالمصالح البريطانية .
أما العائلة المالكة , فكان من المفترض أنها تملك و لا تحكم , ألا ان هذه الحقيقة ظلت غائبة منذ تولي الملك فيصل الأول عرش العراق , فقد كان الملك غالبا ما يتدخل في كل صغيرة و كبيرة , وقد استمر هذا الحال حتى سقوط النظام في الرابع عشر من تموز 1958 .
وعند الحديث عن السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب فغالبا ماكان يأتي من خلال انتخابات مزورة في الغالب , و قد اعترف نوري السعيد بهذه الحقيقة في عام 1944 عندما جوبه بمعارضة مصطنعة داخل مجلس النواب كان يحركها الوصي عبد الإله , حيث قال موجها كلامه الى المعارضين : ( هل في الإمكان , أناشدكم الله , أن يخرج أحد نائبا مهما كانت منزلته في البلاد و مهما كانت خدماته في الدولة ما لم تأتي الحكومة وترشحه , فأنا أراهن كل شخص يدعي بمركزه و ووطنيته فليستقل الأن و يخرج , و نعيد الإنتخابات و لا ندخله في قائمة الحكومة , و نرى هل هذا النائب الرفيع المنزلة الذي ورائه ما ورائه من المؤيدين يستطيع أن يخرج نائبا ) . مخير مثال على ما نقول عن طبيعة الإنتخابات التي كانت تجري فيذلك العهد هو اعلان حكومة ارشد العمري في أيار 1954 عن رغبتها في إجراء إنتخابات المجلس ألنيابي , و كان واضحا ان الحكومة كانت مصممة على الإتيان بمجلس يعمل على تمرير مشاريعها المشبوهة في ابرام معاهدة تكون بديلة عن اتفاقية 1930 التي اقترب تاريخ انتهائها . وكان من المؤكد أنها ستقدم على تزوري ألإنتخابات , رغم إعلانها ان هذه الإنتخابات ستكون مباشرة , مما يعني أنه بالإمكان ان تفوز بعض الشخصيات الوطنية في عدد من المدن .
وقد أثار نشاط الحركة الوطنية مخاوف الحكومة , لذلك لم تستطع أن تواصل دورها المحايد المزعوم , فراح الموظفون الإداريون يمارسون أدوارهم المشبوهة ضد مرشحي الحركة الوطنية كألتوقيف و التفتيشس . و لم تكتف بذلك بل اخذت تضيق ذرعا بالإجتماعات الإنتخابية , رغم أنها حق يقتضيه مبدأ الإنتخابات الحرة , لذلك أصدرت متصرفية لواء بغداد أمرا بمنع الإجتماعات العامة , وقيدت عقدها بتقديم طلب وفق أحكام الإجتماعات العمومية العثماني الذي كان ينافي الإصول الديمقراطية , وتمادت الحكومة الى حد أنها رفضت عقد الآجتماعات بحجة أنها مقلقة للأمن . وبالرغم من كل هذه الإجراءات فقد فاز ( 11 ) مرشحا للمعارضة و هو عدد لا يستهان به في ظل هكذا ظروف . غير أن السلطة لم يرق لها هذا العدد لذلك فقد سارعت إلى حل المجلس النيابي و الإتيان بآخر يقوم بتمرير كل ما تريدة الحكومة .
بعدها زاد القمع السياسي من قبل الحكومة عند عودة نوري السعيد الى السلطة في 3 آب 1954 , ففي 2 آب صدر مرسوم إسقاط الجنسية العراقية الذي أجاز لمجلس الوزراء _ بناء على إقتراح وزير الداخلية _ إسقاط ألجنسية ألعراقية عن العراقي المحكوم وفق قانون ذيل العقوبات البغدادي الخاص بمحاربة ( الشيوعية ) و أعطى لوزير الداخلية الحق في ( إعتقال الشخص المسقطة عنه الجنسية العراقية فور صدور قرار مجلس الوزراء بذلك و الإحتفاظ به الى أن يتم إبعاده ) . و تحت ستار مكافحة الشيوعية شنت الهجمات الضارية على المواطنين و صارت المجالس العرفية اشد الأحكام ضدهم . وعدل قانون العقوبات ليشمل المادة 89 (أ ) منه ( كل من حبذ الشيوعية أو كان عضوا في حزب شيوعي أو في حركة أنصار السلام أو الشبيبة الديمقراطية ( وما شاكل ذلك ....... ) .
وفي الجانب ألإقتصادي فلم تكن الضروف باحسن حالا من ألأوضاع ألسياسية فقد تميز الوضع ألإقتصادي قبل 14 تموز 1958 بألأخصائص ألأتية :
التسيب و إنعدام التخطيط كانا هما السائدين , كما كان الإقتصاد تابعا بشكل كامل للإقتصاد ألأجنبي خصوصا في قطاعات النفط و التجارة الخارجية و التمويل المصرفي و النقدي . مع سيادة مظاهر التخلف و عدم التوازن في تركيب الهيكل ألإقتصادي من غلبة القطاع الزراعي و ألأساس ألأقطاعي للنظام , الى تفاهة القطاع الصناعي , وغلبة الطابع ألإستهلاكي عليه . و إتساع الهوة ألأجتماعية بين طبقات المجتمع بشكل مخيف.
على الرغم من ألآموال الطائلة التي بدأ العراق يحصل عليها , بعد تعديل الاتفاقيات النفطية لصالح العراق , إلا إن السياسة الحكومية الاقتصادية ظلت متمسكة بمواقفها لإبقاء الاقتصاد العراقي على تخلفه عن طريق عرقلة أية محاولة لإنشاء صناعات ثقيلة بحجة طبيعة الاقتصاد العراقي الزراعية , لكنها في نفس الوقت لم تقم بمشاريع زراعية كبرى وسعت إلى إبقاء العلاقات الإقطاعية في الريف. بالإضافة إلى إبقاء الطبقة العاملة ضعيفة قليلة العدد وموزعة على مؤسسات صناعية صغيرة .
أما عن الأحوال الإجتماعية للمجتمع العراقي , الذي كان عدد سكانه حسب إحصاء 1957 ستة ملايين و نصف المليون , و على الرغم من كثرة الولادات غير أن الوفيات لا تقل عنها إلا بنسبة بسيطة بسبب تفشي العادات الصحية المتخلفة و إنتشار ألأوبئة و الأمراض المستوطنة و الوافدة و انخفاض مستوى المعيشة مع قلة المؤسسات الصحية .
و نتيجة لتخلف الأحوال الإجتماعية و الاقتصادية , كان المستوى التعليمي منخفض جدا حيث بلغت نسبة ألأمية حوالي 75 % من عدد السكان .
طبقيا كان الإقطاعيون يملكون 75 % من الأراضي الزراعية المستثمرة , و بقي 15% من سكان الريف لا يملكون شبرا واحدا من الأرض , في حين أن أقل من 1 % ( بالنسبة لسكان الريف ) كان يملك ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية .
بينما البرجوازية , التي يمكن تقسيمها إلى فئتين , الكبيرة وهي الصناعية و التجارية التي نشأت في ظل العلاقات آلإستعمارية فقد أظهرت عجزا واضحا في تنمية الإقتصاد العراقي لإتجاهها نحو التجارة و إمتلاك العقارات و ابتعادها عن قطاع الصناعة و هي بوجه عام كانت ذات طابع رجعي و كانت تساند النظام القائم .
بينما تعرضت البرجوازية الصغيرة , على الصعيد المهني , إلى شرور العلاقات الاستعمارية و إلى استغلال الرأسمالية الاحتكارية . وقد لعبت دورا تقدميا في مساندتها لنضال الطبقات الكادحة ضد النظام الملكي المقبور .
وقد شكلت الطبقات المسحوقة النسبة العظمى من الشعب العراقي و تشمل الفلاحون و العمال و الجنود و ضباط الصف و الموظفون الصغار , فالفلاحون يشكلون حوالي 75% من المجتمع , و بالرغم من مساهمة الزراعة ب 25 % من الانتاج الوطني الا انهم لا يحصلون الا على 13 % من مجموع الدخل الوطني . في حين كانت الطبقة العاملة حديثة العهد , و ينتمي معظم مكوناتها إلى اصول فلاحية مع قلة وعيها الوطني و الطبقي , و قد بلغ تعدادها في سنة 1957 حوالي نصف مليون عامل , كانت غالبيتها العظمى في المشاريع النفطية , وقد ساهمت بدور مهم في نضال الجماهير العراقية ضد السيطرة الاستعمارية . أما الجنود و ضباط الصف و صغار الضباط فكانوا يشكلون جزءا أساسيا من الطبقات الكادحة و قد ساهموا بدور أساسي في إسقاط النظام الملكي نتيجة وعيهم الوطني العالي لانتماء معظمهم إلى ألأحزاب ألوطنية و التنظيمات العسكرية التي كانت تخطط لاسقاط هذا النظام . في حين لعب المثقفون بالدور الاساسي في توعية الجماهير و في نشر ألأفكار ألتقدمية في صفوفهم .
هذا على الصعيد الداخلي , أما ,على الصعيد الخارجي فقد ساهمت عدة عوامل على زيادة النقمة ألجماهيرية ضد النظام , و يمكن تقسيم هذه العوامل إلى قسمين أساسين : عربية ودولية . فعلى الصعيد العربي كانت هناك موجة من المد القومي العروبي ادت إلى تأسيس العديد من ألأحزاب القومية في معظم الدول العربية , وقد كان لنجاح حركة يوليو 1952 في مصر العامل المهم في اتساع المد القومي , كما ساهمت نكبة الجيوش العربية في حرب فلسطين 1948 في زيادة التذمر في اوساط الجماهير الشعبية و الضباط من مختلف التوجهات لذلك اخذوا يخططون للانقلاب على النظام القائم .
أما بالنسبة لسياسة النظام الدولية فكانت هي الأخرى عاملا مهما لانخفاض شعبية الحكم إلى ألحضيض , مثل دخوله فيحلف بغداد سيء الصيت , لا على مستوى البلاد , شملت عموم المنطقة .
كما ساهمت السياسة الاستعمارية البريطاني في جعل العراق قاعدة انطلاق لضرب القواعد العسكرية السوفيتية أبان الحرب الباردة , كما قال معقب بريطاني : ( إن الحلقة الرئيسية الحاسمة هو موقع ألحبانية , قاعدة سلاح الجو ألبريطاني في شمال غرب بغداد فهي تتمتع بموقع ممتاز في ألصراع الدولي القائم وهي تقع على بعد 600 ميل من ألسويس و 600 ميل من حيفا و 600 ميل من باكو وهي لهذا تستطيع أن تكون قاعدة مثالية للطيران ألبعيد في ألإتجاهات الثلاثة .......) و بذلك جعل العراق قاعدة لحرب دولية ليس له مصلحة فيها .
إن البريطانيين كانوا في العراق منذ الحرب العالمية ألأولى و كان من الطبيعي أن يحصلوا على امتيازات في المجالات السياسية و الاقتصادية , فقد سيطروا على سكك الحديد و الميناء و الخطوط الجوية بالإضافة إلى سيطرتهم التامة على نفط البلد .
بعد الحرب العالمية الثانية حصل صراع محموم بين الشركات النفطية الامريكية و البريطاني على نفط منطقة الشرق ألأوسط كانت الغلبة فيه للأولى بسبب تدخل الحكومة الأمريكية لصالح شركات بلادها . و على خلفية هذا الصراع اتصل الأمريكان في أوائل خمسينيات القرن الماضي بكامل الكيلاني شقيق رشيد عالي , و أبدوا استعدادهم للتعاون و التفاهم مع حزب الاستقلال من أجل تغيير النظام من ملكي إلى جمهوري و دعم هذا الحزب إذا وافق على هذا الاتجاه , وقد اتصل كامل بأمين عام الحزب محمد صديق شنشل و عرض عليه رغبة ألأمريكان هذه و لكنه رفض قائلا انه لا يريد استبدال استعمار بآخر .فكان لهذه المنافسة المحمومة الدور الآكبر لحمل الأحزاب الوطنية و التنظيمات العسكرية كي تعتمد على نفسها لإسقاط النظام .
أحدث إعلان الدكتور مصدق رئيس وزراء إيران في 15 آذار 1951 تأميم شركة النفط الإيرانية التي تملكها المصالح البريطانية ردود فعل عنيفة في الشارع العراقي , فالأحزاب السياسية بدأت تضغط على الحكومة لإتخاذ خطوات مماثلة , وقد تبنى هذا الإتجاه حزب الاستقلال , من بين الأحزاب العلنية , فكرة تأميم النفط عن طريق تقديم طاب بهذا الصدد إلى رئيس الوزراء يومها نوري السعيد الذي رفضه فورا .
كان لانعقاد مؤتمر باندونغ الذي انعقد بعد أقل من شهرين من عقد حلف بغداد , و اعتبر حدثا تاريخيا عظيما , انعكست فيه رغبة شعوب دول آسيا و أفريقيا في عزمها الحاسم على مقاومةالاستعمار و القضاء على سياسات الحرب و الأحلاف العسكرية . وقد الهم المؤتمر الأحزاب الوطنية العراقية حيث ثبتت في برامجها مقرراته التي صدرت في 21 نيسان 1955 التي اكدت على حق تقرير المصير .
ان دخول شعوب العالم الثالث في غمار حركات تحرير مسلحة ضد القوى الإمبريالية شدد من الحركة الوطنية العراقية و ذلك للترابط الكفاحي بين شعوب الدول المستعمرة لإزالة الاستعمار و بناء نظام جديد يقوم على تصفية الاستغلال و إتباع سياسة حرة .
ان التقارب الذي حصل بين بعض الدول العربية التي تحررت منذ وقت قريب ازال العديد من الحواجز بين الحزب الشيوعي و بقية الاحزاب الوطنية . ونتيجة لهذا التقارب إنبثقت جبهة الإتحاد الوطني في آذار 1957 والتي كان لها الدور الكبير في بث الأفكار التحررية بين الجماهير .
.كل هذه العوامل وغيرها أدت في النهاية إلى قيام العسكر بالإطاحة بالنظام الملكي و إقامة بديله الجمهوري الذي لم يكن وليد هذه اللحظة التاريخية التي نتناولها في هذا البحث . فقد حدث في الاجتماع الذي انعقد في النجف في كانون الأول 1918 و شارك فيه قادة الحركة الوطنية فيه للبحث في موضوع الاستفتاء على طبيعة نظام الحكم الذي سيختاره العراقيون ,عرضت فكرة النظام الجمهوري إلا إن المقترح جوبه بمعارضة شديدة من لدن معظم المشاركين في الاجتماع , كما جوبه بمعارضة بريطانية صارخة . ومع ذلك فإن الدعوة إلى النظام الجمهوري لاقت رواجا بين الجماهير و تكون تيار سياسي يطالب بهذا الاتجاه يدل عليه المقال ألافتتاحي الذي نشرته جريدة الاستقلال البغدادية في 17 تشرين 1920 , إذ جاء فيه : ( إن الجمهورية أحسن بكثير من الملوكية الأثرية , لأن الأمة لا تنتخب إلا الذي تعتقد غيه الأهلية .......) .
وقد ذكر ألأستاذ حسين الرحال : ( انه عندما كان طالبا في الجامعة بألمانيا أواخر الحرب العالمية الأولى كان السيد توفيق الخالدي يجتمع به و بالطلاب العراقيين الآخرين و يحدثهم عن مستقبل العراق و يدعوا إلى تفضيل النظام الجمهوري ....) .
و برزت الدعوة للجمهورية مجددا عند قيام حركة 1941 و هروب الوصي , فاقترح البعض إلغاء النظام الملكي و إعلان الجمهورية , و تزعم هذا الاتجاه السيد ناجي شوكت , غير أن هذا الرأي لم يلق تأييدا من الآخرين بمايؤدي إلى تبني السياسيون له . كذلك هتف المتظاهرون في وثبة كانون 1948 بحياة الجمهورية و كانوا يطالبون بإسقاط الملكية و إقامة حكومة جماهيرية .
أهم العوامل التي أدت إلى حدوث الخلافات بعد شهور قليلة من قيام الجمهورية رسميا وشعبيا , هو الدستور المؤقت الذي أعلن على الجماهير في 27 تموز 1958 , وقد سمي مؤقتا لأنه كان يراد منه تنظيم ممارسة السلطة السياسية خلال فترة زمنية ( لم تحدد مدتها ) اعتبرت فترة انتقال .
فهذا الدستور قد جمع مجلي الوزراء من خلاله ألسلطتين ألتشريعية و التنفيذية وفقا للمادتين الحادية و العشرين و الثانية و العشرين و ذلك بما يتجاوز النظام الديمقراطي الذي يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات . و لم يكن لمجلس السيادة اية سلطة عليا , إنما تقتصر وظيفته على المصادقة على الأعمال التشريعية التي يقررها مجلس الوزراء . بالآضافة إلى غياب اية هيئة تعادل مجلس الوزراء أو على الأقل تقلل من اندفاعه في ممارسة السلطة السياسية , و كان هذا الموضوع من أهم ألعوامل التي كانت وراء الخلافات التي جرت بين الضباط الذين شاركوا بإسقاط الملكية , لأنهم كانوا قد اتفقوا عندما كانوا يخططون لهدفهم على ضرورة تشكيل مجلس لقيادة (الثورة ) و لكن ما أن نجحت الحركة حتى اخذ عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف يسوفان رغم مطالبات الآخرين لهم بالالتزام بما كانوا قد اتفقوا عليه . كما كان موقف أعضاء الوزارة الأولى التي تشكلت بعد الرابع عشر من تموز 1958 من رئيس الوزراء كزملاء لزميل آخر . نجلى ذلك عندما عدل رئيس الوزراء الوزارة دون استشارة أي أحد منهم .
كان قد تم الاتفاق بين ( الضباط الأحرار ) على أن تكون الوزارة الأولى ائتلافية تضم قادة الأحزاب الوطنية المشاركة بالجبهة خلال فترة انتقالية , لم تحدد مدتها , يتم خلالها تهيئة الأجواء للقيام بانتخابات حرة يتم من خلالها انتخاب مجلس وطني يمثل الشعب .
و لتحقيق هذا الأمر , أجرى عبد الكريم قاسم عدد من الاتصالات مع بعض قادة حزبي الاستقلال و الوطني الديمقراطي بواسطة رشيد مطلق حول تأييد الحركة و الاشتراك فيها على أن يبقى الموضوع سرا خوفا من افتضاح سر الحركة . وحصلت الموافقة من هذين الحزبين على هذا الاتفاق .
كان الضباط ( الأحرار ) يتخوفون من القضايا المالية و المتاعب التي قد تثيرها الدوائر الغربية و فرضها الحصار على العراق و تجميدها الأرصدة المالية المجمدة في البنوك الأجنبية و لذلك كان سؤالهم إلى الحزب الوطني الديمقراطي حول كيفية حل هذه المعضلة . فكان جواب الحزب : إن ذلك ممكن , و لهذا تم الاتفاق على حصر وزارة المالية بالحزب المذكور و في شخص السيد محمد حديد .
و لغرض تعيين الأشخاص المرشحين لتولي المناصب الوزارية , بعد نجاح الحركة , عقد اجتماعين لهذا الغرض الأول في بيت العقيد عبد الوهاب الشواف كان الهدف منه تحديد الضباط الذين سيقومون بالمهمة المذكورة , و بسبب الخلافات الكبيرة التي حصلت بينهم تقرر عقد إجتماع ثاني في بيت عبد الكريم قاسم لكن الآجتماع سرعان ما انفض لقدوم آلمهداوي الذي اخبرهم بوصول خبر الاجتماع الى الدوائر الأمنية ماا دفع المجتمعين إلى التفرق بسرعة , و يقال أن هذا الأمر كان قد دبر بالاتفاق بين قاسم و عارف و عبد اللطيف الدراجي الذين انفردوا بوضع أسماء الوزراء المقترحين لتولي المناصب الوزارية في اجتماعهم الذي عقدوه في 11 تموز وفيه قرروا أيضا قتل الثلاثة الكبار , الملك فيصل الثاني و الوصي عبد اله و نوري السعيد .
و بناء على الاتفاق المذكور أسندت المناصب الوزارية السيادية إلى العسكريين , في حين أسندت الوزارات الأخرى إلى قادة الأحزاب الوطنية بعد أن أستبعد الحزب الشيوعي بحجة عدم إعطاء الذريعة للدوائر الغربية لوضع العراقيل بوجه الحركة بسبب إشراكه .
على الرغم من ما حصل من صراعات خلال الحقبة الزمنية المذكورة إلا إن العديد من الانجازات كانت قد تحققت للجماهير العراقية على كافة المستويات , كبناء دور سكني للفقراء و تشريع العديد من القوانين الاقتصادية التي ساهمت في تحقيق نوع من العدالة في توزيع الثروات على المواطنين مثل الإصلاح الزراعي وغيرها و يبقى قانون رقم 80 من أهم القوانين التي شرعت يومها و الذي خلص معظم الأراضي النفطية من قبضة شركات النفط ألاحتكارية .
لابد من القول أن العراقيين لن يحققوا نظاما مستقرا ما لم يتخلوا عن ثقافة الثأر و إقصاء و تهميش الآخر حتى يتجنبوا التدخلات الخارجية السلبية بعد أن يوحدوا صفوفهم للضغط على القوات الآجنبية للخروج من البلاد و بدون ذلك فان العراق سيظل مسرحا لعدم الاستقرار إلى أن يشاء الله.



#وصفي_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة المثلية الجنسية الاسباب والمعالجات
- ثقافة الاستبداد و المصالحة الوطنية
- شافيز من نصر الى نصر
- مقدمات الاجتياح
- انقلاب 8 شباط دروس وعبر
- بداية الاعصار
- بواكير الازمة العراقية الكويتية
- حرب الخليج الثانية _الحلقة الاولى
- الجماهير الفلسطينية بين اخطاء حماس والغطرسة الاسرائيلية
- التيار القومي العروبي بين سلبيات الماضي و متطلبات المرحلة
- المرأة العراقية بين الموروث القبلي ونار المجتمع
- الاتفاقيات الامنية بين الامس واليوم
- المراة العراقية بين الموروث القبلي و نار المجتمع
- في سبيل بناء مؤتمر فاعل و متجذر
- من اجل بناء اتحاد طلابي ديمقراطي
- اصداء الانتخابات الامريكية على الوضع العراقي
- الاتفاقية الامنية العراقية _الامريكية بين الضغط الامريكي و ا ...
- ابو الغيط في بغداد
- في سبيل بناء دولة مدنيه حديثة
- ماذا وراء تصاعد اعمال العنف


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وصفي السامرائي - ثورة 14 تموز و انهاء الدولة المدنية