أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - عناد ابو وندي - ظاهرة الانقسام السياسي داخل الحزب الواحد















المزيد.....


ظاهرة الانقسام السياسي داخل الحزب الواحد


عناد ابو وندي

الحوار المتمدن-العدد: 2721 - 2009 / 7 / 28 - 08:07
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


يرى مراقبون ان الانقسامات لم تكن وقفاً على الحزب الشيوعي الاردني بل أنها ظاهرة لازمت الأحزاب العربية والأحزاب الشيوعية العالمية، مشيرين الى ان الانقسام اخذ شكله الواضح عام 1909 في مؤتمر عقد في لندن حيث بدأ الخلاف بين لينين وثلة اتباع بيلانافوف على رأسهم بالتحديد اكسل رايد وبارانوف وكان هذا المكان هو امتداد لاختلاف وجهات النظر بين محرري مجلة اكسرا.
وعرفت الأحزاب السياسية في البلدان العربية صراعات حادة حول الأيدلوجيا والسياسة، تركت أثرها العميق على مستقبل هذه الأحزاب ودورها في المجتمع.
وأخذت هذه الصراعات أشكالاً مختلفة، في ظروف وأجواء تميز فيها الطابع العام للآلية التي سلكتها هذه الأحزاب ببعدها الكبير عن الأشكال الديمقراطية في الممارسة، وفي معالجة الخلاف، وطغيان العصبية، وتضخم العوامل الذاتية، وتغليب أغلب قادتها المصالح الشخصية على مصالح التنظيم والوطن. ولو اتبعت أساليب حضارية ديمقراطية في معالجة تلك الأزمات، لجنبتها، ولجنبت الوطن كثيراً من الخسائر وهدر الوقت والطاقات. ونظراً للتشابه في بنية تلك الأحزاب وفي آلية تعاملها مع أزماتها، نرى أن البحث في أسباب الأزمة، وطرق معالجتها، في أحدها، يساعد في تكوين تصور عن الأحزاب الأخرى.
وتعيش هذه الأحزاب أزمة فكرية، وسياسية، وتنظيمية شاملة، كما أنّها أزمة فهم لمتطلبات الواقع، ومتطلبات التطور، والانسجام معها، إذ أنّها أخذت في أشكالها الحالية، ونهجها وأساليب عملها تلعب دوراً معرقلاً لمتطلبات التطور، وتزيد من تفاقم الأزمة التي تعيشها مجتمعاتها، فهذه الأحزاب بحاجة ليس فقط لمعالجة أزماتها فحسب، بل ولتجديد نفسها باستمرار في جميع نواحي بنيانها. (من مقالة بعنوان الديمقراطية داخل الأحزاب في البلاد العربية"،الصراع داخل الأحزاب السياسية في البلدان العربية،الصراع في الحزب الشيوعي السوري نموذجا، منشور على موقع جريدة قاسيون /الحزب الشيوعي السوري ) .
وسنتناول في هذا البحث آلية وأشكال الصراع في الحزب الشيوعي الاردني ،مشددين ان مثل هذه الأبحاث والدراسات تحتاج الى تضافر كافة الجهود. والتطرق أليها ينبع من الرغبة في رصد تطور الحزب الشيوعي الاردني، ومعوقات نموه وأود ان انوه الى ان ذكر بعض الأسماء، ناجم عن ضرورة البحث والتوثيق، فنذكرها كما جاءت في الوثائق مع كل التقدير للجميع.
ولقد أسست الخلافات والانقسامات داخل صفوف الحزب الشيوعي الأردني نهجاً اعتمد على تصفية الشخصية سياسياً من خلال إطلاق الاتهامات جزافاً بهدف تصفية الحسابات حيث يطلق كل فريق على الأخرى الاتهامات وبالجملة مبتعدين عن جوهر قضية الخلاف ان كان هناك قضية في ظل ظروف وأجواء غير ديمقراطية عززت الانقسامات والخلافات.
ورغم النضالات الطويلة التي قام بها الحزب الشيوعي الأردني ألا أن مسيرته لم تخلو من النواقص والأخطاء وكأي حزب سياسي اخذ يعاني من أزمات، ويتخبط في صراعات داخلية ألهته عن القيام بمهامه الوطنية، واكتفى بإصدار البيانات الخجولة، إضافة الى ابتعاده عن الجماهير والنضال في سبيل مطالب الجماهير الشعبية رغم الحاجة الى نضال الشيوعيون في الوطن الغالي.

أسباب الأزمة
ان أسباب الأزمة داخل الحزب الشيوعي الاردني كثيرة ومتعددة الجوانب، منها الداخلية إضافة الى الوسط الاجتماعي والوطني الذي نما فيه. كما كان للبنية التنظيمية التي نظمت عمل هذا الحزب، وللميزات النفسية والأيديولوجية لقيادته، التي تربت في مدرسة عبادة الفرد، دورٌ أساسي لما حصل. أي لا بد من التنويه إلى ضرورة تحميل قيادة الحزب مسؤولية ما جرى، ومسؤولية التقصير في معالجة الأزمة، هذا ما سنركـز عليه في هذا البحث، وهذا ما تؤكده جميع الوثائق الصادرة عن قيادات جميع الأطراف، مع التأكيد على أن النظرة الموضوعية تؤكد عدم نكران جهد أي عضو في الحزب بما في ذلك قادته في بنائه، بل لا بد من التأكيد على دور كل من وضع لبنة في بنائه، أي من الضروري أن ننظر إلى الماضي نظرة نقدية موضوعية لأنه لا يمكن أن ينضج الجديد المقبل إلا في الماضي.
فالإشارة إلى الأخطاء ومرتكبيها إنما تهدف إلى معالجة هذه الأخطاء، وليس الاصطياد، وسيقول التاريخ كلمته عاجلاً أم آجلاً، وكم هو موضوعي ومفيد أن يتمعن كل واحد، وخصوصاً القيادي، فيما سيقوله التاريخ عنه، والمستقبل هو تاريخ سنعيشه. فمن دواعي الأسف أنه بدلاً من تكثيف الجهود، والعمل على تطبيق برنامج الحزب، والالتفات إلى المهام الحزبية، والجماهيرية والوطنية، انشغلت قيادة الحزب بالعمل ألتكتلي والصراعات. وتبين الوثائق، المقرة من قبل جميع الأطراف اعتراف، وإقرار القيادات جميعها بمسؤولياتها عن هذه الصراعات العبثية، التي لا مصلحة لا للحزب ولا للوطن أو الجماهير فيها، والتي أخذت تتمحور ليس حول كيفية النهوض بالحزب، بل حول كيفية الوصول إلى القيادة (الأمانة العامة) والمحافظة على المناصب والتشبث بها.

أول انشقاق منتصف الأربعينيات
تعرض الحزب الشيوعي الفلسطيني حالة انشقاق في منتصف الأربعينيات بعد خروج عدد من الشيوعيين العرب لتشكيل تكتل شيوعي تحت اسم "عصبة التحرر الوطني" في شهر أيلول من عام 1943. وقد شكلت العصبة بزعامة المناضل فؤاد نصار كردة فعل على سيطرة اليهود على الحزب الشيوعي الفلسطيني والذي قد تأسس في عام 1922 على أنقاض "حزب العمال الاشتراكي" الذي تأسس في آذار من عام 1919.
بداية السبعينيات
في هذه الفترة تعرض الحزب الشيوعي الأردني لهزة أسفرت عن انقسامه الى مجموعتين ، مجموعة اللجنة المركزية (أكثرية) ومجموعة أطلقت على نفسها اسم "الكادر اللينيني" (مقالة للأستاذ فخري قعوار في صحيفة الرأي الصادرة في 30/9/1991).
وتفجر داخل الحزب الشيوعي الأردني خلافا أدى الى انقسامه على نفسه على أرضية تقويم أسباب الهزيمة الى اتجاهين، أحدهما ركز على انتقاد ”تذّيل ”الشيوعيين لفصائل حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، عشية وقوع تلك الصدامات، والثاني حمّل الشيوعيين قسطاً من المسؤولية عما جرى بسبب تأخرهم عن الانخراط في جسم هذه الحركة والمشاركة في الكفاح المسلح. ”(ماهر الشريف، البحث عن كيان، دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني، 1908 – 1993، ص 107).
وأدت صدامات أيلول الى وقوع انشقاق داخل صفوف الحزب الشيوعي الأردني، حيث اعتبرت الأقلية ، التي أطلقت على نفسها اسم ”الكادر اللينيني” ،"الأمميون"، "حفنة العقلاء"…الخ ، ان الحزب قد وقع أسير ”الاتجاه القومي ”الذي سيطر على قيادته وانجر ”وراء الحركات والفكر القومي وشارك الآخرين في السير وراء المغامرة المدمرة ”التي وقعت في الأردن. وانتقدت هذه الأقلية المحاولات التي جرت قبل صدامات أيلول، لـ ”تضـخيم”العمل الفدائي و”المبالغة ”في الدور الذي يستطيع القيام به، موجهة حربة نقدها الى التيار المغامر داخل حركة المقاومة الفلسطينية الذي استهان بالنضال الجماهيري المنظم واستمد غذاؤه الفكري ”من المأوية والتروتسكية.
كما أخذت هذه الأقلية على حركة المقاومة الفلسطينية ككل نزوعها الى ”أقلمة” النضال ضد الاحتلال وإغفال دور الجماهير الأردنية، ولا سيما ”دور الفلاحين ودور جنود الجيش وضباطه الشرفاء”، الأمر الذي ”سهل تدريجيا مهمة الإمبريالية والصهيونية في عزل جماهير واسعـة عن النضال ضـد الاحتلال”. وخلصت الى ان أحداث أيـلول ونتائجها قد بددت ”الأوهام الكثيرة ”حول ميزان القوى في البلاد، وعرت التقديرات ”غير الواقعية ”التي تكونت ”في أذهان البرجوازية الصغيرة وبعض القوى التقدمية والوطنية حول الإنجازات الممكن تحقيقها في الأردن في المرحلة الحالية”(د. ماهر الشريف، البحث عن كيان، ص 209 و210).
ومع ان قيادة الحزب (أكثرية) قد اتفقت مع الأقلية المنشقة في انتقاد "السياسات المغامرة" التي برزت داخل صفوف حركة المقاومة الفلسطينية،والتي ساعدت على "تغذية النعرات الإقليمية"، وجعلت هذه الحركة تقف في "تعارض" مع الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفييتي، وترفع شعارات "خاطئة" مثل شعار "كل السلطة للمقاومة" وتركز على شكل النضال المسلح وحده، ألا ان هذه القيادة شددت على ان ما يميز حركة المقاومة"ليست الأخطاء والسلبيات، بل أصالة هذه الحركة الثورية وروحها الكفاحية العادلة المستمدة من إرادة الشعب العربي الفلسطيني وعدالة قضيته"، مرجعية، في هذا السياق، أسباب اندلاع صدامات أيلول الى "سياسة الكبت والإرهاب وممالأة الإمبريالية"، ومعتبرة ان الحزب الشيوعي لا يمكنه إعفاء نفسه من تحمل قسط من المسؤولية عن "الأخطاء" التي وقعت بها حركة المقاومة، ولاسيما بعد ان "تأخر فترة غير قصيرة عن المشاركة في المقاومة المسلحة"، وهو ما ترك "أثراً سلبياً غير قليل" على مجمل النضال في الأردن" (حول القضية الفلسطينية والحركة الصهيونية وموقف الزمرة المنشقة منهما، تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاردني،آذار 1971).
وانتقدت اللجنة المركزية للحزب في اجتماعا لها مقال فهمي السلفيتي والذي قبل فيه الانتقاد بحسب تقرير اللجنة المركزية الذي صدر في آذار 1971 لكنة لم ينفذ قرار اللجنة المركزية القاضي بكتابة مقال في جريدة الحزب والمجلة نفسها التي نشرت مقاله لتوضيح موقف الحزب الذي كان يخالف ما جاء في المقال المذكور.
واشار التقرير الى ان تصرفات السلفيتي كشفت عن عدم إخلاصه للقرارات الحزبية التي كان وافق عليها مع رفاقه. فهي لا تشير في تقريرها الانشقاقي(الاقلية) بكلمة واحدة عن الانتقاد الذاتي الذي قام به الحزب واعترف فيه بتقصيره وتخلفه في ممارسة النضال المسلح ضد الاحتلال، مع أن هذا النقد قد ورد في وثائق الكونفرنس وأقرته (الاقلية).
وهاجمت الاقلية بيان آذار1969 الذي دعا إلى تطوير أشكال النضال في المناطق المحتلة استناداً إلى معطيات الانتفاضة الجماهيرية الواسعة والتي عمت مدن الضفة الغربية في شهري كانون الثاني وشباط من عام 1969. والتي استخدم فيها المتظاهرون قنابل (المولوتوف) ووسائل مشابهة ضد الإسرائيليين،ولم تعترض علية الاقلية. وبعد شهرين من صدوره تظاهرة بالموافقة على قرار المشاركة في التحضير للعمل المسلح.

وفي برنامج لجنتهم المركزية المؤقتة (الأقلية) لم يشيروا بحرف واحد إلى دور الحزب في المقاومة المسلحة للاحتلال، ولا تصوراتهم حول تعزيز (قوات الأنصار) ولا حتى الإشارة إلى موضوع المقاومة أصلاً وكأنها ليست من مهمات الحزب الرئيسية في المرحلة الحالية، مرحلة النضال لإزالة آثار العدوان. خلافاً لما وافقوا عليه وتظاهروا بالالتزام به أمام الكونفرنس الحزبي في نيسان 1970. (حول القضية الفلسطينية والحركة الصهيونية وموقف الزمرة المنشقة منهما، تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاردني،آذار 1971).

وقد ظهر داخل الحزب الشيوعي الاردني انشقاق ثاني عام 1977 لاسباب شخصية وخلافات على القيادة الحزبية ومنصب الأمين العام بعد وفاة أمينة العام ومؤسسة فؤاد نصار، واتخذ هذا الخلاف شكل الصراع المذهبي.(حنا، د. مازن، الأردنيون والثورة الوطنية الديمقراطية، 1999، ص 257). واضطر الحزب لعقد كونفرنس سري ثان في نفس العام لإدانة التكتل، ولان الأمور لا تحل على هذه الشكل، ولان الحياة تفرض وقائعها بان التكتل أدى الى انشقاق في الحزب هو الثاني في تاريخه.
واستمر مسلسل الخلافات بحدة أكثر عندما طرحت مسألة استقلال التنظيم الشيوعي الفلسطيني في الضفة الغربية وتشكيل الحزب الشيوعي الفلسطيني. وقد اجبر الحزب في النهاية على ان يعهد لقيادة التنظيم الشيوعي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وقيادة التنظيم الشيوعي الفلسطيني في لبنان بتشكيل الحزب والإعلان عنه، وان يكون مستقلاً فعلاً وغير مرتبط تنظيمياً بالحزب الشيوعي الاردني. ( نفس المصدر السابق، ص 255).
وقد لعبت هذه الخلافات دوراً في النزاع بين التكتل الذي كان قائماً داخل الحزب وقيادة الحزب، نفسه ولم يستجمع الحزب صفوفه بشكل أفضل الا أثناء التحضيرات لعقد المؤتمر السري الثاني الذي انعقد في كانون الأول عام 1983. وعاد بعدها ليعاني من الخلافات حول العلاقات بين الشعبين والقضية الفلسطينية ودور الحزب الشيوعي الاردني فيها، حيث رأى طرف ان على الحزب ان يناضل من اجل حقوق الشعب العربي الفلسطيني بجانب دوره في النضال من اجل الثورة الوطنية الديمقراطية الأردنية، بينما رأى الطرف الآخر بأنه لا يوجد للحزب أي دور على صعيد النضال الفلسطيني الا الدعم والمساندة. وقد بدا ان هناك أطروحات إقليمية تكاد تطيح بوحدة الحزب أسسه وتاريخه.(نفس المصدر السابق،ص 255).
كما ظهرت بين تيارات المناطق في مختلف المدن وقيادة الحزب في اربد عام 1986، وفي البقعة والكرك والزرقاء عام 1987 وفي عمان داخل القيادة نفسها عام 1988 ثم في عام 1990.
كما تعرض الحزب الشيوعي الاردني لهزة داخلية في عام 1991 تمثلت بخروج عدد من اعضاء الحزب وشكلوا ما يسمى بجماعة النهج الثوري.
وفي اواخر عام 1991 تنادى عدد من اعضاء الحزب التي كانت موالية للجنة المركزية للحزب بزعامة الدكتور يعقوب زيادين الى تشكيل قوة ضغط داخل الحزب اطلقوا عليها اسم "حركة لجان المناطق".
وتزامن تشكيل هذه الحركة مع بداية ظهور خلافات بين الامين العام للحزب الدكتور يعقوب زيادين من جهة وعيسى مدانات من جهة اخرى، وكانت النتيجة انفصال الدكتور يعقوب زيادين بمكتب سياسي منفصل عن عيسى مدانات ليعمل كل واحد منهما بمفردة.
وفي هذا الاثناء انحاز اسحق الخطيب، وشفيق العطي، وعبدالعزيز العطي، وزكي الطوال الى محور مدانات فيما انحازت اميلي نفاع والدكتور منير حمارنة والدكتور خالد حمشاوي الى محور زيادين.(فؤاد حسين،صحيفة آخر خبر،الصادرة في 26/8/1991).
واصدر محور عيسى مدانات الذي مد خطوطه الى "حركة لجان المناطق" رسالة في 24/7/1991 تحدث فيها عن ازمة الحزب معترفا بان الحزب الشيوعي الاردني يشهد ازمة تهزه، وان جذور هذه الازمة هي نفسها الجذور التي كانت سبب كل الهزات السابقة التي عصفت بالحزب.(مجلة "راية الاستقلال" عدد آب 1991).
واشارت الرسالة (البيان) الى اسباب الخلاف الذي ادى الى هذه الهزة والمتمثلة بنظام الأوامر الفوقية، واحتكار القيادة، اضافة الى انعدام الديمقراطية داخل الحزب، واستصغار شأن المنظمات القاعدية والكوادر من الصف الثاني، مشيرا الى الشللية والاستزلام والتعامل مع اعضاء الحزب حسب ولاءاتهم الشخصية....!
وطالبت الرسالة بضرورة وجود تيارات داخل الحزب يسمح لكل تيار بالتعبير عن راية بشكل ديمقراطي حر، والدفاع عن وجهة نظرة من خلال حوار ديمقراطي هادي وهادف.
واصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاردني بزعامة الدكتور يعقوب زيادين بيانا في 23/9/1991 بعد الاجتماع الموسع للحزب اشار الى ان الرسالة (البيان) صدر ووزع على الصحف من مكتب النائب عيسى مدانات آنذاك حيث تنصلت منه اللجنة المركزية للحزب (زيادين) من البيان واعتباره بيانا غير ممثل لقيادة الحزب.
ونقلت الصحف الاردنية تفاصيل المؤتمر وتصريحات عيسى مدانات الناطق الرسمي للحزب الشيوعي الاردني-تحت التأسيس- في إشارة واضحة الى سحب الاعتراف من الدكتور يعقوب زيادين. وقد انتخب المؤتمر قيادة جديدة مؤقتة اطلقت على نفسها "القيادة الموحدة للحزب الشيوعي الاردني بقيادة عيسى مدانات الذي كان يمثل الحزب في مجلس النواب آنذاك.
وفي خضم الخلافات داخل الحزب ظهرت مبادرة لتوحيد عدد من الاحزاب اليسارية في حزب واحد (جناح مدانات، الحزب التقدمي/فواز الزعبي، وحزب العمال الشيوعي الاردني/نزار الكايد) ليخرج الى الحياة الحزبية حزب جديد يحمل اسم "الحزب التقدمي الاردني" بقيادة علي عامر والتحق في هذا الحزب عدد من رموز الحزب الشيوعي الاردني منهم اسحق الخطيب عضو المكتب السياسي واميل عواد عضو لجنة مركزية وفتح الله العمراني عضو لجنة مركزية.(مجلة الافق، الصادرة في 29/7/1992).
لقد كان تأثير سقوط الاتحاد السوفيتي مدوياً على الأحزاب السياسية، كما كانت كارثة غزو العراق للكويت سبباً في شرذمتها وزيادة بلبلة الأمور لديها. فقد ظهرت الأحزاب اليسارية ما عدا الحزب الشيوعي كمؤيدة للغزو على أساس أنها طريقة لإنجاز الوحدة العربية، وتم تصوير صدام حسين بصورة بسمارك الذي وحد ألمانيا عن طريق الحرب. وقد كان رفض الحزب الشيوعي للغزو، وتحذيره من أثاره المستقبلية سبباً في انشقاقه حيث ظهر تيار فيه يؤيد صدام حسين، وهو نفس التيار الذي لم يرى في التجربة السوفيتية غير سلبياتها، وبدا يتحدث عن رفض اللينينية ونقد الماركسية والتجربة السوفيتية والنظرية بمجملها ورفض مقولاتها ما عدا منهجها الديالياتيكي (الجدلي) وقد انتهى الأمر بهذا التيار بالاضافة لاسباب أخرى الى رفض الماركسية اللينينية والانشقاق لتأسيس حزب جديد هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الاردني. وكان قد ظهر في الحزب الشيوعي سابقاً تيار اخر رفض الماركسية اللينينية وتنصل منها وأسس حزباً جديداً هو الحزب التقدمي (من رموزه فواز الزعبي، المهندس احمد الرشدان، الدكتور احمد فاخر و الأستاذ عوني فاخر) الذي اعتبر "هويته الأيديولوجية ومرجعيته الفكرية والنظرية هي الأيديولوجية العلمية التقدمية من مختلف مصادرها، يقتبس منها ويطوعها ويطورها بما يلائم الظروف الموضوعية لشعبنا وبلادنا،منفتحاً على التراث الفكري والحضاري الإنساني التقدمي ومنه تراثنا العربي الإسلامي. ( الحزب التقدمي الاردني"مشروع البرنامج السياسي العام ومشروع النظام الداخلي" تموز 1990، ص 6. ولكن الحزب عاد وتراجع في مؤتمرة الثاني وأعلن مجدداً تمسكه بالماركسية).
ومر الحزب الشيوعي الاردني بزلزال انشقاقي بعد مؤتمرة الذي عقد في المركز الثقافي الملكي في 17/12/ 1997 (وكان أول مؤتمر علني في تاريخ الحزب الشيوعي الأردني) واخطر أزمة داخلية وخاصة بعد ان تفاقمت الأزمة لتصل الى حد تجميد عضوية الدكتور يعقوب زيادين احد الرموز التاريخيين في مسيرة الحزب الشيوعي الأردني وأمينة العام آنذاك.
وانعقد المؤتمر في أجواء من التعاون بين الحزب وبين السلطات الأردنية التي سمحت بانعقاده في المركز الثقافي الملكي حيث حرصت قيادة الحزب على إضفاء هالة دعائية إعلامية على المؤتمر الذي اطلقت علية وصف "المؤتمر الوطني العلني للحزب الشيوعي الاردني" وحضرت المؤتمر وفود تمثل 17 حزبا عربيا وعالميا من بينها احزاب شيوعية.
وسرعان ما بدأت تظهر بعد انتهاء الانتخابات القيادية مؤشرات على وجود خلافات داخلية في الحزب وخرجت المجد في عددها الصادر في 5/1/1998، بعد اقل من شهر من انتهاء جميع مراحل الانتخابات القيادية، تحمل عنوانا يقول:"ازمة حادة يجتاح الحزب الشيوعي وتهدد بانقسامه. واشارات "المجد" في خبرها الى ان الدكتور زيادين قدم استقالته من اللجنة المركزية للحزب واعتكف في منزله. وانه يرفض المشاركة في أية أنشطة للحزب.
واتهم زيادين في اجتماع اللجنة المركزية للحزب من يطلق عليهم اسم "جماعة الكادر اللينيني" بانشغاله بالتحضير للمؤتمر الوطني العلني للحزب ليكلسوا سرا لضمان نجاح قائمتهم التي أعدوها سرا في الانتخابات القيادية للحزب.
من جهة اخرى احتجت مناطق حزبية وخاصة في اربد والزرقاء والكرك والبلقاء والأغوار على نتائج الانتخابات القيادية التي اعتبرتها المذكرات التي وصلت الى قيادة الحزب من هذه المناطق بأنها بمثابة "استيلاء" جماعة الكادر اللينيني على قيادة الحزب.
وفي 6/4/1998 فجر الدكتور يعقوب زيادين عبر مقال له نشرته صحيفة المجد الأسبوعية قنبلته التي سرعان ما تسببت في شرذمة الحزب وأدت الى تجميد عضويته فيما بعد في الحزب. فقد كال الدكتور زيادين في مقالته الاتهامات لبعض رموز الحزب فقد اتهم من وصفهم بأنهم نفر قليل من اعضاء الحزب ممن لهم تاريخ غير مشرف بتعريض الحزب الشيوعي الاردني لكارثة الشرذمة والانقسام ووصف زيادين هؤلاء الأعضاء بانهم ممن تربوا على يدي قائد الانقسام القديم في الحزب المرحوم فهمي السلفيتي.
ووجه الدكتور زيادين الاتهام لبعض رموز الحزب بانها مدت أيديها لقبض حفنة من الدولارات من جهات كان الحزب يصنفها في أدبياته بانها مشبوهة وتعمل على هدم المؤسسات الوطنية، وذكر من بين هذه الجهات مجلس المعونة الأميركي الذي ذكر انه يعتبر اليد اليمنى للمخابرات المركزية الأمريكية.
واستقطبت اتهامات زيادين اهتمام القواعد الحزبية التي بدأت تضغط على قيادة الحزب بتوضيح الامور على حقيقتها فشكلت اللجنة المركزية للحزب في اجتماعها الذي عقد في 13/4/1998 لجنة تحقيق في مختلف القضايا المثارة في الحزب وطلبت من أعضاء الحزب التوقف عن الكتابة في الصحف حول امور الحزب الداخلية.
من جهتهم بادر انصار القيادة الجديدة الى شن هجوم مضاد أمطروا فيه الدكتور زيادين بوابل من الاتهامات من بينها اتهامه بالقبض من العقيد القذافي عبر وسيط هو الدكتور جورج حاوي الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني الأسبق، وقد نفى الدكتور زيادين هذه التهمه ورد عليها بقصف مضاد أمطر على صفحات جريدة شيحان الأسبوعية الصادرة في 18/4/1998 حيث اتهم عيسى مدانات بأنه سرق الحزب كما اتهم زيادين اميلي نفاع بتلقي اموال من منظمات مشبوهة وتسارعت تداعيات الحملات الاتهامية المتبادلة بين زيادين وأنصاره في المناطق المختلفة وبين القيادة الجديدة وأنصارها لتصل الامور الى اعلى درجات التوتر.
وعقدت اللجنة المركزية اجتماعا صاخبا ليلة السبت 20/6/1998 لمناقشة فكرة الدعوة الى مؤتمر استثنائي للحزب لمناقشة تداعيات الاتهامات التي وجهها الدكتور زيادين لبعض الشيوعيين القياديين. ولكن وبعد يومين من انعقاد اجتماع اللجنة المركزية للحزب خرجت الصحف الاردنية في 22/6/1998 تفجر مفاجأة بركانية زلزلت أركان الحزب الداخلية وتحمل قرار اللجنة المركزية بتجميد عضوية الرفيق المناضل الدكتور يعقوب زيادين الذي قاد الحزب امينا عاما له عدة عقود قضى ردحا كبيرا منها في السجون والمعتقلات(148)شهرا وتحمل قرار بفصل الدكتور مازن حنا عضو اللجنة المركزية وبررت القيادة الجديدة هذين القرارين أنها اتخذتهما بعد مناقشات طويلة للتقرير المقدم من لجنة التحقيق الحزبية التي شكلت للتحقيق في ما أثاره الدكتور زيادين حول تلقي بعض القياديين في الحزب معونات مادية من منظمات مشبوهة كما نقلت "العرب اليوم" على لسان الدكتور منير حمارنة الامين العام للحزب في عددها الصادر في 22/6/1998.
وعلى اثر هذه القرارات كان من الطبيعي ان يكون رد فعل زيادين الأقوى والأشرس الذي اتهم اللجنة المركزية للحزب بانها تعمدت تشكيل لجنة التحقيق من أنصارها لتخرج نتيجة تحقيقها على الشكل الذي خرجت به من أدانه له أسفرت عن تجميده لمدة عام، كما اعلن تسعة من اعضاء اللجنة المركزية رفضهم لقرار تجميد زيادين وفصل حنا وهم الدكتور زيادين، فخري زيادين، الدكتور مازن حنا، نضال مضية، المهندس فراس الصمادي، رسمية الوزني، الدكتور جورج عويس وحسني صبري والمهندس عوني مساندة.
ووقع 94 عضوا في الحزب الشيوعي بيانا يستنكرون فيه قراري تجميد زيادين وفصل حنا واتهموا قيادة الحزب بانها قد انحرفت وخالفت رأي الأغلبية الحزبية والنظام الداخلي وطالبوا بعقد مؤتمر استثنائي طارئ لإيجاد حل ديمقراطي لازمة الحزب.
....................يتبع





#عناد_ابو_وندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصبة التحرر الوطني بفلسطين 1949-1951


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - عناد ابو وندي - ظاهرة الانقسام السياسي داخل الحزب الواحد