أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب حسين الصائغ - اثر القص في التماثل السياسي















المزيد.....


اثر القص في التماثل السياسي


رحاب حسين الصائغ

الحوار المتمدن-العدد: 2720 - 2009 / 7 / 27 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


اثر القص في التماثل السياسي

جدلية الادب الكوردي والقاص مصطفى صالح كريم

مصطفى صالح كريم، قاص روحه غنية بالصبر المرتبط بالنضج القومي المشبع بالائنتماء الاصيل لما يعنيه تواجده كرجل مفكر وسياسي، قصصه ذات شمولية وعمق مثيرة للاهتمام مما تمنح للقارئ احداثها المتراكمة والقائمة على الصراع في استحضار تيارات مختلفة تهدف بفيض توجيهها في نصه المتكوب بتشكيلات متكافئة برحلتها الانتقائية من حدث لحدث، حاملة الطابع الاجتماعي والمشاعر المشبعة بغنى الطموح الذاتي منجبة افكار قادرة على تقديم المزيد من التجربة الشاملة، يركز على رؤية الحياة وأثرها على المتخيل عند المبدع.
في كتاب ( قصص بيفين) منشورات مهرجان كلاويش الثاني عشر عام 2008 اعداد : مكتب المنظمات الديمقراطية للاتحاد الوطني الكوردستاني مع مجلة بيفين، تقع اربع قصص للقاص مصطفى صالح كريم، من صفحة ( 231) الى صفحة ( 270 ) القصة الاولى ( القلم) ترجمة: رؤوف عثمان - القصة الثانية ( رعشة الهم في اغاني العشاق) ترجمة: ياسمين شيخ محمود البرزنجي- القصة الثالثة (طير ابابيل) ترجمة حسين عثمان ئيركسجاي، مراجعة الكاتب - القصة الرابعة ( " المهلة" أو بقية جمر في الرماد) ترجمة : عبد الستار كاظم.
قصة القلم، تعتمد التضافر بين الذاتي والآخر وكلاهما في فكر القاص مصطفى صالح يتواصلان في حركة مقابلة بمزيد من العمق الشامل كأنهما في حلم التداعي وقناعات انسانية حرة، يراها بوضوح وتنفذ بمنهجية صادقة، للتاكيد على التاريخ وما ينجزه من رسالة انسانية في حركة الزمن، شاهداً بزوغ تلك الذات بكل ما فيها من ضعف وقوة تجعله قلق وفي حيرة تعد مقارنته بابعاد المرحلة التي تصوغ حقيقة العلاقات الاجتماعية، وتحصن القاص مصطفى ازاء مراحل السرد الزمني في المعايشة، وشروط بنائه الحكائي قائم على ثمرة متحدة بامتيازات الفن السردي، هو واثق ان لديه مادة خام، لكن تبصره الذكي جعله يصوغ منها في براعة التقاط المشهد بقلم كاتب سياسي محنك ويده تبارك الثقة في استخراج ما ينطوي المغزى، ففي احداث القصة يؤكد على مادته الخام في التأثر النفسي من خلال ضمير المتكلم: (لقد رفع اسطى جليل الخياط المنهك في عمله رأسه ورد على تحياتكم، عندما طالع وجوهكم الذابلة اغرورقت عيناه بالدموع، فانحنى بسرعة على ما كنته ليواصل الخياطة كرة أخرى) في هذا المشهد صاغ لنا معاناة لمرحلة الانتكاس لمجموعة من الشباب الكوردي وما يلبس ضروفهم الحياتية من قسوة هم ليسوا بساكتين ولكن عملهم من اجل الافضل الذي ينظرون له في مستقبلهم يعانون بصبر الانبياء، والاسطى جليل يعلم ما في رؤوسهم من هموم يتألم لهم وليس بيده غير الدعاء بضمير صادق، وتوضح معايشته لهم مرة بشرط درامي نجدها في المشهد من خلال دموعه ووجوه الشباب الذابلة وتصوير صراع يعيشه جيلان من البشر، شباب طامح، والاسطة الذي يمثل فئة الشعب المتعب، تواكبهما مثبطات الحياة والصعوبات ما زالت تواجه الشباب في معالجة همومهم ومتابعة الواقع، ففي مشهد آخر من القصة يوجد حوار بين الشباب يعنى بهموم اخرى تصادفهم: ( هل رضي البناؤون بالبقاء، ليبدأوا العمل من جديد مع العمال ذو الاذرع الفولاذية لأعادة بناء القلعة؟.
- هيهات لقد فات الاوان، لا اعتقد ان أحدهم يتحمل تلك المسؤولية. ).
يبدو من الحوار انهم مجموعة يعيشون نكسة من لمحات الحوار نفهم هذا عند الشباب واصرارهم في البحث عن حل يحمل القوة والطموح وطاقات ملتهبة، الحوار يعبر عن وجود احساس شمولي في انجاز ما يقع عليهم وما يتوجب من مصير، القاص حمل الامتداد الفني في رسم استقرار الواقع ضمن مفارقة السارد وقناعاة مشحونة بالحدث الصائب، مجتاز عبر ضمير السارد بقايا متكررة من الحدث المتوالد في ذاته، بينما هو متابع لما واقع حوله بدقة المتأبط وجع القضية، والمعطف الذي امدجه بتعابير جميلة في خلق حدث ملازم للواقع العبثي شاهداً على شيء آخر وهو الفكر الذي عبر به عن القلم، مسعى تعبيري ذكي، في اظهار وضع صديقه والمعطف ولحظة شعوره بالهزيمة، هو متأكد من أن صديقه قد امتلك المعطف الذي الان بين يدي أحد الدلالين في سوق شعبي لبيع الاشياء القديمة والمستعملة ومع مرور الحدث وجد نفسه بلا ارادة منه يمتص انفاس الدخان مجتراً من بحر الذكريات امواج الالم، وتانيب الضمير، اشتغل القاص مصطفى صالح كريم على خطين في قصة القلم، وجع الحاجة، ووجع رفض الواقع الممزق، لكن ظهور صاحب المعطف يعني مسك زمام الامور مع امتلاك نوع من الامل، فيشعر بشيء من الاطمئنان، واما قضية اخرى شرف مهنة ( القلم) سلاح الفكر، شيء يعني له كل القضية وليس من السهل ان يتنازل عنه كانسان واعي، يستلب منه الكثير في خط سير الحياة مثل الراحة والجاه و الوضع المادي والاستقرار، اما القلم فهو كالوطن لا يمكن استلابه ولن يتنازل عنه في اقصى الظروف، انه سلاح يحمل وجه آخر للقضية، يمثله كشخص معني امام الآخر أيا كان نوعه وحجمه، وللقلم دور لن ينتهي طالما قفص صدره يعتلج بالحياة، رغم مرور الصعاب في واقع لحياة ممزقة نجد القاص مصرعلى الاعلاء من شأن القلم، وان الكاتب قصد في قصته تلك انه رغم المأساة والمعانات الا انه لن يبيع قلمه. جاء ذلك في زمن كان شراء الأقلام هو هدف النظام.
قصة (رعشة الهم في اغاني العشاق) تقدم نماذج من المشكلات العامة التي أهدافها ضمن سياقات معاناة الانسان المستلب حقه والذي لم تخدمه الظروف بشكل لائق في مسعاه اللامباشر وغير المباشر، ونجد القاص يطرح فكرة الهم السياسي بحالة نفسية مختلفة تحمل امكانيات جميلة عن واقع متأزم يتخللها نوع من العاطفة التي تنطوي على نوع ثابت من المواجهة، الالم في هذه القصة كمرآة عاكسة للنفس المعذبة بصمت والمعشقة بصور الحياة ومصاعبها المنمقة بشكل سافر، خط الاحداث يسير بخطى رائعة نحو العلاقة الصادقة بين عناصر الحياة المرأة والرجل، طريقة السرد تذوب بتشابك ابداعي رائع وسلس وجميل، واقع يجتهد في خلق الاجهاد لفتاة جميلة قدمت عمرها هدية لقضية الوطن، والرجل الذي طموحه المستقبلي يقوده لأماكن بعيدة يغلف حياته الاغتراب مغالبا الشوق للاهل والوطن من اجل نفس القضية، القاص قاد انجازات رحلة بطله الخصبة بلغة دقيقة ومعبرة تحمل الدمج الجميل والحب الملبس بالصدف المدهشة والصعاب التي اصبحت طرية بوجود هذه الحالة الانسانية الرائعة، يشير بالحدث الى جانب آخر قد يكون غامضاً، ولكن هو الهدف من الحبكة في النص الحكائي، فمصير الفتاة المجهول مثل مصير القضية التي ينسج عليها الامل في عمل كل انسان يسعى لتحقيق الهدف، مع وجود المفاجآة، هو والحبيبة يتقاسمان الحزن بصمت من خلال رؤية عامة للامور الدائرة على واقع الحدث، والتفرعات الموجودة في جوانب الساحة التي وقع عليها الحدث تفضي في تشابكها الى مغزى يفهمه القاص وهو المطلع والراصد على شؤون القضية من بعيد وقريب، السرد يعلمنا بما يحدث في قاعة اللؤلؤة: ( فقد رايت على المائدة المقابلة لنا ثلاث فتيات أو ثلاث زهرات يانعات، كن يزين تلك المائدة، وكان الحائط من خلفهن مزداناً بإسم القاعة المنقوشة بالمصابيح فقلت أحدث نفسي:
- "بالضبط.. انها الحقيقة.. انهن بحق لأ لئ يزين القاعة"
- وفجأةً أحسست بلمسة على كتفي.. وجاء صوت صديقي ( دلنيا) ليعيدني الى رشدي ويسالني:
- ها.. مالذي يشغلك؟
قبضت علة يده فرحاً كاني أخشى أن يفلت مني وقلت له ونظري لا يزال مركزاً على الناحية الأخرى:
- أحسنت بالمجئ يا صديقي.. قل لي بالله عليك، من تكون تلك الفتاة صاحبة الصدر الناهد الذي يحاول نهداها النافران ان يشقا السوتيان.
- تلك هي ( نازنين) احدى رفيقاتنا.
- حسناً فهمت، ومن هي التي تريد بطرفه عينيها الحالمتين ان تنزل الفارس المرسوم في اللوحة المعلقة على الحائط عن فرسه.
- وتلك ( كولشن) خطيبة هذا الشاب الذي يجلس بجانبها.
- والثالثة؟
- استحلفك بحق الاثنتين أن لا تسألني عن أسم الثالثة.
- ان اجوبتك تشبه البرقيات التجارية.
بطل قصة ( رعشة الهم في اغاني العشاق) تبدأ رعشة قلبه من تلك اللحظة في قاعة اللؤلؤة، وتلك الفتاة التي سلبت لبَّ قلب القاص يسير بنا بطريقة (آلان روب غرييه) وتلاعبه في مجرى الاحداث يدخلك في مدى ووعي وتبصره في الجهد الابداعي الذي قدمه، رافضا الاستسلام في اعماق داخله المتعشب بالحيوية والنشاط كرجل حر وكناشط سياسي، بتقديمه وضع اجتماعي تدور احداثه وفق رغبة منفعلة وترميم لزمن يميل جسده لخصائص الابداع، مرورا بموجة التحرر من نقاط السيطرة، ساعد على كشف مرجعية الوظيفة الاخرى في مجتمعات مخادعة، استعمل الرمز افرز تشظي انسيابيات كثيرة في مواطن الوعي واللاوعي عن الاثار المخفية للاشباح السادية وظاهرة السلطة وقناعاتها المستهلكة، وبدل ان يكون الشخص الاول في الحدث، كان دور المرأة الدور البارز، تلك الفتاة الجميلة التي هي ضحية والشخصية الاولى في محمل الحدث وبطرق غامضة تشد القارئ، عاد بنعشها بعد ان عاش معها اجمل اللحظات في الغربة بعد ان فرقهما الوضع في الوطن وجمعتهما الغربة بعيدا عن الوطن، مع ذكريات مؤلمة لفراق جهل سره،
: ( اجل انا ايضا بعد ان وصلت الى هذه النتيجة وجدت نفسي مجبراً على ترك الدراسة والعودة مع نعش (نرجس)،).
فهو عاد مع حبيبته التي توفيت اثر عارض جهل في الظاهر سره، ولكن في عمق نفسه يعلم الحقيقة، انها سطوة الأنظمة وقوانين الحياة تتجاذبها عواصف الحيرة والامل المخنوق، والنفس التي تنطوي على مزيج من المصاعب لا يمكن تجاوزها وحجمها في تواصل بين الظل الذي ينفرد بمفتاح سياسي من نوع آخر، وأخيراً نلمس بأن هذه الفتاة اللغز "نرجس" هي رمز لقضيته التي ناضل لأجلها.
قصة ( طير ابابيل) لا استبطان في هذه القصة، جو لغتها معبر بدقة ووضوح، فهي تحكي عن صانعي المخاوف، والقاص مصطفى ملتقط صور شاملة في ظل حقيقة من واقع مسافته الزمنيه تعبر عن واقع سياسى عامله الافتراض والاستقصاء النفسي، وكشف اسرار مظلة الظلم، نافذة الحدث تحمل الهزيمة والعار لمنفذيها، انها تتخلل نوع من التسلق المفضي الى الهاوية، وعملية السقوط تاتي من اقزام دبرت تلك الواقعة المؤلمة، يكون فيها غياب الضمير عنصراً مهماً عند السلطة، ولكن الاصرار لم يمح حاسة التمسك عند المتضررين ممن اصابتهم مصيبة الحدث المؤلم، رغم وجود الحقد عند السلطة يقابله وجود روح التعاون عند العامة مما يشكل الشاهد الصادق لبراءة الشعب من براثن الدولة وتماسكه رغم اختلاف المناخ والجغرافية والمكان واللغة، نجد تماسك واحساس بمشكلة الآخر تجاه بعضهم لأن الجميع والاغلبية من الشعب مغلوب على امرهم مع الدولة وجلاوزتها، وما يقع ضمن حدود سيطرتها، وان عناصر الشعب لا دخل لها بما تقدمه السلطة والطغاة منها، وما تخلفه السياسة في بعض الاحيان تعالجه العامة بصور تعبر عن وجود تكاتف رائع لحياة تعيشها مجموعات من الناس الابرياء في ظل الالفة والخير الذي يعمر مشاعرهم ، والجميل في القصة ان استعمال المآذن لقلب صباح يوم صافي غير عابئ بلحظات آتية مشؤومة من الجامع استعمال جدا ذكي، فهو ربط صائب جدا اذ كيف يكون المكان الذي هو مصدر خشوع و يحمل لغة الاطمئنان، استعملته السلطة لاغراضها الخسيسة، جميل جميل جدا، مكان جعلته السلطة موضع لقلب الحال في غمضة عين لجحيم اصاب بشراً ابرياء ونالهم ما فوق طاقتهم وشمل من يجب ان تشملهم الرحمة في عرف الحياة، لا وبل الغي اي وجود انساني لما قدمه منفذو أوامر السلطة، الاطفال والنساء والشيوخ، عجبا لأمر الطغاة، يقدم القاص مصطفى النتاقض بين اجناس البشر ويعري تعرية كاملة لواقع حال حمل معه العار على مدى التاريخ، صباح برئ ولحظات طرية يعقبها جو ساخن من الظلم والتدمير والتهجير والقتل بصورة بشعة خالية من اي رحمة، ثم يعود لجو آخر، بشر عاديون هم لبنة المجتمع وليس قادة لهم مصالحهم الذاتية لا دخل لهم بالقسوة والطغيان، يساعدون طفل نجا من المجزرة، ونجاة الطفل في القصة يعني ان هناك آملاً لمستقبل حي لا يمكن ان يظلل او يموت بمثل هذه الصورة المغيضة من قبل قساة القلوب وحاملين صلبان الموت، الطفل شاهد حي على الحدث وهول الظلم الآتي من قبل الآخر المتمثل بالسلطة، هذا الشاهد الطفل الذي سلم من عملية التهجيروالقتل الاجماعي شاهد بريئ لا جرم له غير انه انسان يجب ان يعيش بسلام ويبحث عنه في اصعب الظروف يعبر هنا وجوده عن الالم الذي صاحبه والقوة التي امتلكها كي يبقى ويفضح ما اراد وا له ان يتم بالخفاء على حسب ظنهمالخائب ، : ( اصوات المجارف وهدير الشفلات تؤكد على البدء بردم الرجال والنساء والاطفال دفنت احياء وهم تحت الرمال والتراب واخفيت وضعية اية آثر للجريمة ، وانت تدخل رويدا رويدا في احضان الاغماء) يتحول الوضع الان الطفل يكون معانداً للموت شاهداً على كل ما فعلته ايديهم التي تلوثت بدماء الابرياء، يحكي افضع جريمة وهي دفن الاحياء بدون ذنب ارتكبوه، انه المستقبل الذي يرفض العنف الذي يولدعنف، ولكن الحق الذي لا يمكن اخفاؤه يتراب وسلاح غادر من القتلة : ( وقبيل غروب الشمس وبعد ما قطعت مسافة لا تعرف كم ساعة هي رايت من بعيد خيمة فلاحت لك بارقة امل في الافق بدات تخطو بسرعة نحوها حتى اقتربت منها وسط نباح كثيف للكلاب اهل الخيمة استقبلوك واحتضنوك، وما ان شربت طاسة ماء كاملة حتى دخلت في غيبوبة).
القاص مصطفى يدخل ذلك الطفل كشاهد وحيد ناجي من المجزرة، وبعيشه الغيبوبة مؤكدا ان محاولات الاحباط المتكررة لن تمحي الحدث الجسيم والمفتعل، ولابد للحق ان يظهر وينتصر، كاشفاً رغبات الحقد عند السلطة،الشهادة كانت على لسان طفل والطفل لا يعرف التلفيق والكذب انه من صلب البراءة والصدق، تفاعله مع وجوده الذي سعى الجلادون لإخفائه يقع في قمة الروعة في ادراك القاص بفن الروي وغاية الابداع في السرد الذي في الحقيقة هو من واقع الحياة ومأساة عانا منها الشعب الكوردي، وكل ما في القصة من خطاب في خلق الصورة والمشهد النفسي وانسيابيته الخارجة من اصالة التجربة تحمل ترجيح المعنى المعطى وجاذبية انتباه القارئ، واضاءة طريق المتلاقي الذي قد يكون غير مدرك ملابسات زمن غاشم، القاص مصطفى صالح كريم مدرك ومسيطر بادراج خطابة المتفق عبر فكر ناضج وملامس للمعاني وصفاتها الحسية، : ( فيما كان مغميا عليك وتهذي وتخلط بالكلام. أن الموت نزل من ناقلات الجنود وانه حاصرك، وبدأت بالأنين والصراخ، وعندما فتحت عينيك، ورأيت كأنَّ ملائكاًعلى جبينك، كان امرأة في متوسط العمر مرتبة وانيقة على ذقنها شامات وبأذنها خزام وهي تنظف جروحك بمنشفة، واعطاك شاب طاسة صغيرة من الحليب، طلبت المرأة منك شربه، وكان عندك لذيذ)، ( مضت ايام وجاء للخيمة ضيف وهو شاب وسيم طويل القامة.. حنطاوي اللون ، ببشاشة وابتسام اقترب منك، وبلغة كردية ضعيفة ومكسرة قال لك : شلونك كاكة.. تصير زين، لا تحزن فهذا بيتك.) دائماً الناس البسطاء تحمل قلوب الرحمة وحب التعاون لا تحمل نفوسهم الطمع والغدر، يشعرون بمعاناة بعضهم، القاص لم يغفل ان هناك فرقاً بين الناس وما تقدمه السطلة وسلاطين لا ترحم، وان التاريخ غير غافل عن ظلمهم، ومن هؤلاء الناس هؤلاء البسطاء من الناس الذي عاملوا هذا الطفل كواحد منهم في ديارهم وفي قلب بيتهم كانه واحد من صلبهم وابنا لهم، ولكن بقاء حنينه لمكان الاجداد والجذر الذي نبت منه جعلهم يحسون بما يقاسي وساعدوه على تخطي المسافة والعودة الى الديار بسلام وامان ليبقى الشاهد والمستقبل الناضج بالحياة.
قصة ( المهلة أو بقية جمر في الموقد) لطقوس الحياة جمالية، وما يؤشر على وجود نوع من الانسجام في مضامينها من موروث ثابت، تخلق الانحيازات والتحولات المعرفية وتتشكل منها كينونة التفكير الجمالي في احداث هذه القصة تجانسات وتوافقات اخرى، بمعنى ان القاص ادخل في احداث القصة نوع من السرد الآني بصورة حداثية جديدة اعد لها وجه آخر من الاسطورة، بدأ قصته بمقولة : ( تنسي وليامز) بهدف لجر القارئ الى جانبه والأحداث المتسلسلة فيها الحبكة، ثم بدأ مع اسطورة سومرية تموز راعي كرس قيثارته من اجل حب أسَّرَهُ، مشبهاً نفسه بذلك العاشق لأنه ايضا راعي لحب سلبه لب قلبه، واجداً نفسه بذلك العشق مملوك لأحاسيس لا يستطيع تجاوزها،القاص مصطفى وجد لغة منسجمة مع متخيله في التعبير في خلق تيار يقوم على علاقة منطقية لواقع تدخله اختياراتجمالية شروطها متكونة من التأثر والتأثيرفي مرايا القص، مما يؤشر حدة استجلاء البنية الداخلية في تجاويف الوعي المستقر عند القاص، حاملة شيء من الانتماء في تمايز التوحد، صيرورة الحياة ينوب عنها تصورات في لغة مكثفة، : ( كان تموز يقضي الليل مسهداً، يحدق في النجوم التي تلمع فوق سطح بيت عشتار يستنجد بها يتوسل اليها ان توصل سرقلبه بهمسة)
-(وانا كذلك في الليالي كنت العب مع تلك النجوم اللائي كن في رهان مع عيني شه وبو، عسى ان يوصلن اليها اسرار قلبي الهائم)، تنامي في معرفة المشاعر عند البطل وعند القاص وعند تموز، تطير مشع في ذائقة القاص، صيرورة في حياة البطل، تعويض في الاسطورة، نوع من التداول في الاحتماءبالصمت والكشف عن دواخل عاجزة على فضح مكوناتها امام الحس الواقعي، نوع من الكبت او الكآبة قد لا يجرأ على الاعلان عنها، القاص نفسه هو المخول في دور البطل وتحويل صوته الى صوت الاسطورة، ليجنب هدير أحاسيسه المنبعثة من عمقه تجاه حب لا يجد فيه امل، فعاش صراع البوح والصمت في آن واحد، من طرح افكار تموز: ( تموز عندما كان يخلو الى نفسه يقرر العديد من الامورلينفذها: (غدا سالتقي بها، بالالحان، بالهمسات الرقيقة اقول لها: ( منذ امد وانا في انتظارك يا ربة الحسن والجمال) ولكن عندما يلتقي بها يلجم لسانه وتنهار قواه، ولا يبقى بمقدوره ان يبلغها سر قلبه) القاص مصطفى استفاض من بحثه عن حقيقة شاملة دأب عليها قلب الانسان وعواطفه بما لا يوازيها من مشاعر اخرى من دقة وعمق فحين اوجد لنا تطابق بين افكار تموز وافكار البطل وافكاره، مخترقا مساحات الزمن التي بينه وبين الاسطورة تلك المثيولوجيا والتطابق في السعي لعقد التوحد الذي هو عنصر اثبات يتخذ منه مفاهيم العلاقة الوجدانية ، وابتكار القاص هنا يدل على الذائقة الجمالية والتجربة المتبادلة في المعرفة وهو متخيل صرخة تموز وعلاقته الحاضرة، ولا يعني القاص الاستنساخ الفكري انما المعادل الموضوعي في ذهنه المبدع دفعه ان يبحث عن التكامل في الربط وادراج ظواهر في رحم الاسطورة، ومشاعر لا تتعترف بمسافات الزمن، جاعلا منها حالة لا تتبدد وحاضرة رغم اختلاف الازمان وما زالت تعتبر خامة رائعة تتنفس بقوة في جسد الانسان، مهما اختلفت الاجواء، في الاسطورة منتصرة بل تحمل قيماً نبيلة في الحب، وتوحد الحب في الاسطورة يحمل الارادة، بالحب سعى للخلاص من ورطات الحاضر في محيطات غير سليمة، محيطات معنية بالمأزق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لأن الحب يعني الانتماء والحنين، وخاصة عند الرجل الحب يخرجه من لغة التعصب، والعاطفة تتمثل عنده بالشعور الانثوي، واشتباك فكرة القاص التي خلق منها اجواء حبكته الدرامية الوجدانية، وحدث متقابل مع الاسطورة خارجا بملكة الشروق القامع لحدود طبيعة التبعية، تماهي يؤكد تواطؤ متكافئ مع ائتلاف مقدس لحالة الشوق والقلق والحيرة التي تتوالد مع ثيمة دائما تأخذ مع فعلها الآخر الى فعل يوصلها حد التأله ودخول التاريخ.
القاص مصطفى صالح كريم ، قدم لنا اعمال غايتها هادفة ، تبعث على الوصول الى نقطة جامعة في خلق جو الالفة والود والحيلة المبتكرة حتى ينفذ الى خططه بدقة في السرد والمحاكات حيث صاغ افماره التي تقود العقل الجمعي في ذهن القارئ، على تطور العلاقات في الاثر المكتسب من ما يناسب الانسان البحث عن الحرية حيثما يشاء، ومحاولاته في رغية التجدد عبر مسارات يحتمها المجتمع، كما اجد ان القاص يحب ان يكون قائداً لا منقاداً متفكراً متصفحاً في مخاضات البحث في عصر لم يملك من الجميع فيه زمام الامور وان من يملك ادوات عمله المناسبة، حتما يكون متميزاً، القاص مصطفى صالح كريم دائما يعانق بؤرة الضؤ حيث ما يكون يستل من منافذ النور خيوط تعينه في تتبع مسارات الحياة متمكنا من ايصال باقات زهوره في نهاية كل عمل يقدم عليه، كجندي مجهول يعمل على مرور الوقت في وصول شعلة الانتصار ذروتها، ففي مجال القص قدم شواهد ادبية تعلن عن يقائها ضمن الادب الكوردي المميز باسلوبه الخاص، وفي مجالات اخرى يعمل القاص كسندباد يخوض غمار البحار بنفس الدأب، رافضا الجمود راغبا بالتفاعل، من خلال قصصه في كتاب مهرجان كلاويَز، نجد لكل قصة مجرياتها المختلفة ومضمونها المتنوع، منها تحمل الانتساب للحلم، ومنها تحمل الانتساب للحرية، ومنها تحمل الانتساب للحكمة التي يملكها فيلسوف، وفي مجلمها تتسم بالقنص في اختيار المادة ونوع السرد والعودة لأصل التجارب الحياتية التي اعطته فكر المجرب والحالم الذي لا يخاف من حلمه بل يحافظ عليه ويخطط له حيثما يشاء ويكون. ومن خلال قراءتي لهذه القصص وجدت رومانسية عذبة فيها ولكن القاص استخدمها للوصول الى أغراض سياسية، فالزمن الصعب الذي عاشه جعله يعير عن أفكاره وطموحات شعبه من خلال هذه القصص التي أغلب أبطالها هم رموز استطاع القاص استخدامها بمهارة. حبذا لو استطعت الحصول على ترجمات أخرى لقصصه وخاصة "متشحة بالسواد في العالم الرابع".

الكاتبة / ناقدة من العراق



#رحاب_حسين_الصائغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمكانية وتألق مرآة الشعر
- الحداثة الكامنة في اللاوعي التجددي
- المرأة في زمن العولمة
- للأنا قاموسٌ وللشعرِ أحلام
- قصص منفضة الذاكرة
- للحب غسق اختزل الجسد
- المنجز الدلالي للقصة المعاصرة
- قراءة في كتاب
- التضاد بالتفاعل ذاتياً يرمز للمعرفة
- جمر الحب يشبع أسفار الحلم
- شجرة البلوط
- أنين التضاريس وكؤوس المشاعر
- أنين التضاريس
- تمثيل الثقافة العربية
- ثائر العذاري....علامات الكؤوس الممتلئة
- لوركا الموصل يقلب حكمة الوجود
- الكتابة طريق للبحث عما هو خارج ألذات
- القاص نواف خلف السنجاري.. ابتسامة نصف ساخرة بإحساس
- عاصفة بياض مشرقة
- القنص وسيادة الاستفهام


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب حسين الصائغ - اثر القص في التماثل السياسي